صبة كونكريتية لكل عراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: استبشر العراقيون خيرا بعد سقوط النظام السابق في العام 2003 وقد تعددت تسميات هذا اليوم حسب تعدد المــشارب والطوائف في العراق، فالقسم الأعظم سموه بيوم التحرير، والقسم الآخر سموه بسقوط بغداد، وقد رفض الكثيرون هذه التسمية على أساس إن المدن العظيمة لا تسقط.

وقد ذهب بعض السياسيين الى ابعد من ذلك حين اعتبروا ذلك اليوم بمثابة العيد الوطني للعراق واقترحوا أن يتم الاحتفال فيه كل عام.

ولقد كان وجه الاستبشار عند غالبية العراقيين لمثل هذا الحدث أمنيات بأن تكون الحقبة الجديدة، جديدة بكل معنى الكلمة ومغايرة لتلك الفترة فتمنوا الرخاء بعد سنوات الـعجاف، والأمن بعد الخوف من أجهزة الأمن والمخابرات العامة والخاصة، والاستقرار بعد سنوات الغربة طلبا للرزق في ارض الله الواسعة.

واستندوا في تمنياتهم الى جملة عوامل موضوعية ليس اقلها ان العراق ثاني اكبر بلد في احتياطي البترول وانه يسبح على بركة من الثروات الطبيعية الأخرى وعلى حد وصف احد الباحثين البريطانيين أمام مجموعة من الـمبتعثين الى لندن في دورة تدريبية حول حقوق الإنسان حين قال لهم  (لقد تحيّز الرب كثيرا لهذا البلد) وقد تدارس ساسة العراق الجدد مجموعة الأمنيات والأحلام التي عبثت بعقول العراقيين وعواطفهم فسمعنا عن مقترح بتوزيع 250 دولار لكل مواطن عراقي من عائدات النفط سنويا وهو شبيه بما معمول به في ولاية ألاسكا الأمريكية او بعض الدول الأخرى لم يتحقق شئ من هكذا مقترح.

وطرح مقترح آخر بعد سنوات التضييق على سفر العراقيين وهو جواز سفر لكل عراقي وقد تعددت فئات هذا الجواز فهناك جواز s ثم جواز G ثم جواز A وقد فرح العراقيون بمثل هذه الجوازات وأنا واحد من هؤلاء الفرحين حين استلمت جواز فئة S من السفارة العراقية في سوريا وتأخرت جوازات  G للمسجلين عليها شهور عديدة، وقد ارجعوا ذلك الى أسباب طائفية او سياسية على اعتبار انهم معارضين للحكومة الجديدة.

وكان لهذا المقترح نصيبه من نشوء طبقة طفيلية جديدة في السفارات او مديريات إصدار الجوازات وأصبح لكل جواز سعره خارج الدائرة الرسمية فجواز S على سبيل المثال بلغ سعره في بداية إصداره 800$ للجواز الواحد وفي داخل العراق 400$. ثم انهالت المقترحات على أسماع العراقيين قطعة ارض لكل مواطن، سيارة حديثة لكل معلم، وشقق سكنية لمن لا شقة له دور سكنية لمن لأدار له تذاكر سفر مخفضة للصحفيين والأكاديميين وغيرهم من الدرجات الرفيعة.

وقد قدمت مقترحات عديدة فيما يتعلق بزيادة كميات البطاقة التموينية وتحسين نوعيتها وكان كل مقترح تنشأ معه تلك الطبقة من السراق والمرتشين والفاسدين وسماسرة الروتين التعقيدي فليس كل مواطن استطاع الحصول على قطعة ارض وخاصة الشرفاء منهم بل حصل على قطعة ارض من تجاوز على أملاك الدولة واستباحها وهم ما يطلق عليهم(الحواسم) التي احتلوها بحكم الأمر الواقع واستفاد الموظفون وغيرهم من طبقات المحاربين، وأصبحت المقترحات والشعارات على الشكل التالي:

مليار دولار عمولة لكل وزير (وزير الدفاع في حكومة أياد علاوي).

مليارات الدولارات عمولات وفساد مالي (وزارة التجارة ووزيرها في حكومة نوري المالكي).

سبعة عشر مليار دولار فساد مالي في وزارة الكهرباء (حكومة نوري المالكي) تحت شعار خمسة عشر ساعة من تجهيز المواطنين بالتيار الكهربائي.

رشوة مالية لكل موظف في الدوائر الحكومية لغرض تمشية المعاملات الرسمية.

مئات الآلاف لكل معلم ومدرس عن الدورة الواحدة من الدروس الخصوصية لنفس الطلاب الذين لا يفهمون مادته في المدرسة الحكومية.ومثلها لكل معلم ومدرس ثمنا لبيع الأسئلة الامتحانية.

غرامة بثلاثين ألف دينار لكل سيارة لا يضع سائقها حزام الأمان ولا يقوم بدفع مبلغ عشرة آلاف دينار رشوة لشرطي المرور (لا يتشدد رجال المرور في مسالة إجازات القيادة وكثيرا ما نرى من يقل عمره عن ثمانية عشر عاما يقود سيارة).

خمسون ألف دينار لموظف الضريبة ويحرر وصل استلام باقل من المبلغ المخمّن للمحل التجاري.

ملايين الدنانير لموظفة أمانة العاصمة (زينة).

ملايين الدنانير لمشاريع طرق وأرصفة حتى لا وجود لها.

على الجانب الأمني لم تقصّر أجهزة الأمن في تقديم بعض لمساتها للمواطنين (عن حسن نية او سوء قصد او سوء تدبير) فظهرت على مدى السنوات السابقة شعارات عديدة (لم تكن مكتوبة إلا إنها موجودة على ارض الواقع) مثل:

سيارة مفخخة لكل منطقة في العاصمة بغداد، سيارة مفخخة لكل وزارة، عبوة ناسفة لكل دورية شرطة، قذائف هاون لكل معسكر، مسدسات كاتمة لكل سيطرة، عصابة مسلحة لكل محل صياغة، عصابة مسلحة لكل محل صيرفة. ويستمر الوضع على هذا المنوال.

ثم تظهر مترافقة مع تدهور الوضع الأمني او تحسنه (التدهور يعني المزيد من التفجيرات والأعمال المسلحة، والتحسن يعني المزيد من السيطرات وأجهزة الكشف عن المتفجرات الفاسدة التي لا تمنع التفجيرات) تظهر مسالة جديدة، الصبّات الكونكريتية (الحواجز) والتي تنتصب شامخة في جميع شوارعنا. فظهرت في الأعوام السابقة الملايين منها، وأخذت تسميات عديدة (بحكم موقعها او استغلالها من قبل الآخرين) فهناك صبات طائفية (منطقة الكفاح – منطقة سيفين)، (الحرية – حي العدل)، (الطوبجي – حي الجامعة).

صبّات حكومية (ما يحيط بالوزارات ودوائر الدولة الأخرى)، صبّات سياسية (ما يحيط بمكاتب الأحزاب ومقراتها، وفي الانتخابات الأخيرة تحولت الى مكان نموذجي لتعليق اللافتات الانتخابية).

صبّات أهلية (ما يقطع الشوارع الداخلية للمناطق السكنية)، وهناك صبّات تجارية (درج المواطنون على الاستفادة منها في وضع إعلاناتهم المتعلقة بمجال عملهم، مثل مطعم قدوري خلف الصبّة – حلاقة فارس للرجال أطفر تلقاني – لبن الجيزاني - مكتب الإخلاص للعقارات – صيدلية الشفاء الدائم) وغيرها الكثير من التسميات تبعا لتعدد المهن والحرف.وقد زعم الناقمون على الحكومة ان تلك الصبّات تعود لمعمل إنتاجي يملكه احد الرموز الوطنية في الدولة العراقية ولم تتأكد هذه المزاعم من جهة موثقة.

وقد اخبرني احد المصادر المطلعة رافضا الكشف عن هويته (وهو تعبير سائد جدا وشائع في الصحافة العراقية المكتوبة) ان سعر الصبة الواحدة من الحجم الكبير يبلغ 2000 دولار وسعر الصبة الواحدة من الحجم الأصغر هو 1000 دولار.

واخبرني المصدر نفسه ان عملية نقل الصبّات من منطقة الى اخرى تكلف 100 دولار للصبة الواحدة مع مرافقة قوة أمنية لكل شاحنة تنقل تلك الصبّات (بواقع 4 صبّات للشاحنة الواحدة) مع رصيد شحن مفتوح لسائق تلك الشاحنة.

وهذه الصبّات تمتد احيانا الى كيلومترات عدة في شوارع العاصمة بغداد واخرها شارع الجمهورية التجاري الذي اعيد افتتاحه مجددا أمام حركة المركبات الا انه افرز الكثير من المعوقات امام العاملين في منطقة الشورجة، مركز العراق التجاري حيث منعت عربات نقل البضائع من العبور بين جانبي الشارع ووضعت الأسلاك الشائكة اما كل فتحة وأصبح من يريد العبور يذهب الى آخر الشارع من جهة ساحة الوثبة او من جهة ساحة زبيدة، ويعود الى نفس المكان عابرا الجهة الأخرى في رحلة ماراثونية طويلة، وأخذت عملية العبور التي كانت تستغرق زهاء الربع ساعة أصبحت بساعة ونصف او اكثر في ايام الازدحام الشديدة. ومن كان يحمل في عربته بضاعة خفيفة او كانت لديه قوة طرزان الجبار فانه يقوم بصعود جسر المشاة الوحيد في ذلك الشارع.

وقد انتعشت مداخيل رجال المرور بفتح هذا الشارع، فهم تحت حجة ممنوع الوقوف والتوقف وتحت تهديد سحب السنوية واجازة السوق من سائق السيارة المخالف لهذا المنع اصبحت المطالبة بالمقسوم بديهية جدا (المقسوم رشوة تدفع للشرطي ليسمح بالتوقف او لا يقوم بمصادرة سنوية السيارة او تحرير مخالفة).وهي فرصة ايضا لأفراد الحرس الوطني والشرطة لاظهار قوتهم وسلطتهم على مستخدمي الشارع من خلال رفس وركل عربات نقل البضائع او تكسير بعضا منها او رميها في الشارع وحتى التعدي بالضرب على الحمالين وسبهم وشتمهم، او حتى الاستماع الى توسلات المواطنين للسماح لهم بعبور احد الاسلاك الشائكة في فتحة معينة.

المتجول في شوارع العاصمة بغداد ومن خلال ما يراه من أعداد هائلة لتلك الصبّات والتي لم تمنع انفجارا ومن خلال ما يتداوله المواطنون ان الحكومة عازمة على طرح شعار جديد وهو صبّة كونكريتية لكل عراقي تكون حصته بديلا من حصة النفط او البطاقة التموينية او استقرار تجهيز الكهرباء الوطنية او غيرها من الخدمات الملزمة ان تقدمها الحكومة الى مواطنيها. وهو مقترح مؤجل حتى الان بين حكومتين واحدة منتهية صلاحياتها وأخرى بانتظار تشكيلها.

وسننتظر كحالنا المؤبد من الانتظارات السابقة ما ستسفر عنه الأيام القادمة من مقترحات بأشياء جديدة لكل عراقي، فانتظروا حصصكم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/آب/2010 - 27/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م