العنف ضد المرأة... مجتمعات القوارير المهشمة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: احتلت المرأة مكانة بارزة في جميع الأساطير العالمية، فكانت الربة المعبودة في الكثير من الديانات في الشرق والغرب على حد سواء، وهي الأم الرحومة والعطوفة في جميع ثقافات الشعوب، ولكن ماذا عن العالم الحقيقي؟ إنها الأم التي يرفضها الرجل، والمغوية التي يقهرها والزوجة التي يستعبدها.

في العالم الحقيقي تؤلف النساء ثلثي جميع الأميين و90 بالمائة من جميع السكان اللاجئين وهي الأغلبية بين المسنين، بالإضافة إلى إنها المشرفة الأولى على المسنين.

في الدول المتطورة تساهم بأكثر من50 بالمائة من الإنتاج الإجمالي للطعام، وفي القارة الإفريقية تشكل أكثر من 80 بالمائة من جميع المزارعين، لكن عملها غير منظور في الناتج القومي العام.

أما في الدول الصناعية تشكل أكثر من 40 بالمائة من قوة العمل المأجورة لكنها تكسب من نصف إلى ثلاثة أرباع ما يكسبه الرجال في نفس الأعمال وهي تترأس ثلث جميع الأسر في العالم. وهي تؤلف الأكثرية ضمن العشرين مليون شخص الذين يموتون سنويا نتيجة أسباب تتعلق بالجوع .. وضمن المليار الذين يعانون من نقص مزمن في التغذية و محروميات الفقر الأخرى، كما تعاني قبل ذلك ولفترة أطول من النفايات السامة والنووية والمطر الحامضي والحرب الكيماوية والمبيدات المميتة، لان مثل هذه الملوثات القاتلة تحصل على ضريبتها الأولى في تزايد سرطانات الجهاز التناسلي النسائي وفي الولادات الميتة والاجهاضات والتشوهات الخلقية، وعملها بصفة مدبرة منزل أو راهبة يمحى لأنه يعتبر طبيعيا وعملها في المزرعة او المصنع او المكتب يهمش لأنه يعتبر غير ماهر او عابرا او متنقلا.

بالإضافة الى ذلك تعاني المرأة وبصمت في اغلب الأحيان من ممارسات العنف والاغتصاب التي تتعرض لها.

ففي السعودية ذكرت دراسة أن 93 % من النساء السعوديات اعترفن أن أزواجهن يمارسون العنف عليهن بطريقة مباشرة، مشيرة إلى أن 13 % منهن أكرهن على المعاشرة الجنسية، ولم تفصح الدراسة عن عدد العينة التي تم اختيارها، لكنها أسهبت في الحديث عن أشكال العنف الذي تتعرض له المرآة.

وقالت الدراسة، التي أجراها مركز رؤية للدراسات الاجتماعية، إن 93 % من النساء السعوديات اعترفن أن زواجهن يمارسون العنف عليهن بطريقة مباشرة،أو عن طريق التسبب في توجيه العنف إلى زوجته، وأسوأ ما في الأمر أن العنف قد يكون عن طريق استجابته لتحريض خادمته المدللة لضرب زوجته.

وأوضحت الدراسة أن 20 % من الزوجات المعنفات صغيرات السن وأعمارهن ما بين 18-19 سنة، وأن 25 % من الأزواج والزوجات المعنفين في الفئة العمرية من 20 إلى 29 سنة، أما أقل نسبة من المعنفين 7 % فتوجد في الفئة العمرية من 50 إلى 59 سنة.

وأثبتت نتائج الدراسة أن المرأة التي بدون عمل هي الأكثر تعرضا للعنف فبلغت نسبتهن60 %، مشيرة إلى أن أصحاب الدخول المرتفعة لديهم مرونة أكبر في مواجهة المشكلات الاجتماعية.

وقالت الدراسة أن 30 % من الزوجات تعرضن للعنف الاقتصادي وأبرز أشكاله أن يستولي الزوج على راتب زوجته وإذا امتنعت عن إعطاء دخلها له منعها من الذهاب إلى العمل.

ونقلت الدراسة عن إحدى الحالات قولها إنها "عندما اعترضت على استيلاء زوجها على راتبها أحرق لها أمتعتها الشخصية وطردها خارج المنزل".

وقالت الدراسة إن بعض الأزواج يقصدون إلى نوع آخر من أنواع العنف أكثر إيلاما للزوجة وهو العنف النفسي، ومن أشكاله أن يمنع زوجته من رؤية أمها وأبيها .

وفي فلسطين أعربت منظمات أهلية فلسطينية عن قلقها من تزايد ما يعرف بجرائم الشرف في الضفة الغربية مع ارتفاع عددها الى ثماني حالات منذ بداية العام مقارنة مع تسع حالات طيلة العام الماضي.

وقالت حنان ابو غوش الباحثة في توثيق قضايا قتل النساء في جرائم الشرف في رام الله "منذ مطلع العام الحالي تم توثيق ثماني حالات قتل نساء على ما يسمى خلفية الشرف إضافة وقوع حالتي قتل يجري التأكد من الخلفية التي قتلتا عليها."

وأضافت "هؤلاء الناس من مناطق الضفة الغربية من القرى والمدن والمخيمات وما يجمع بينهن ان المستوى التعليمي منخفض لديهن وينتمين لأسر فقيرة وفي اغلب الحالات فان هؤلاء النساء عشن ظروفا أسرية اجتماعية صعبة وقاسية جدا وتتراوح أعمارهن بين العشرينات والثلاثينات."

ومضت قائلة ان هناك "تنوعا في أساليب القتل بحق هؤلاء الضحايا فبعضهن قتل خنقا وحالة تم قذفها من الطابق الرابع وحالة أخرى تم طعنها بسكين وبعض هذه الحالات أجبرت على تناول السم."

وتذكر احدى النساء والبالغة من العمر 30 عاماً، من مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة، أنها تعرضت للعنف الجسدي والنفسي لأكثر من 10 سنوات على يد زوجها قبل أن تتمكن من الحصول على الطلاق. وقد منعها الخوف والعوامل الثقافية من السعي للحصول على مساعدة المنظمات النسائية.

وقد عزى ناشطو حقوق الإنسان ارتفاع عدد حالات العنف ضد المرأة الى الوضع الاقتصادي واستمرار التوتر بين فتح وحماس والصراع مع إسرائيل. كما يرون أن الأمور تزداد سوءاً بسبب لامبالاة السلطات القضائية بقضايا العنف المنزلي بالإضافة إلى الحصانة الواضحة التي يتمتع بها المخالفون أحياناً.

وفي هذا السياق، أصدر مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة تقريراً في مارس 2010 يستكشف فيه تصورات المرأة عن المنظمات أو الهيئات القانونية التي تسعى لحمايتها، بعد إجراء مناقشات ومقابلات مع نساء وفتيات في الضفة الغربية وقطاع غزة بين يونيو ونوفمبر 2009.

وجاء في التقرير أن "النساء والفتيات كشفن أن مشاعر انعدام الأمن التي يشعرن بها ترتبط بالصراع الدائر حالياً في المجتمع وبقبول المجتمع الضمني للعنف ضد المرأة وافتقارها للوعي بمقدمي خدمات الحماية لها وعدم ثقتها في الخدمات المتاحة. كما أوضحت النساء والفتيات أنهن يشعرن بالتردد في اللجوء إلى المنظمات النسائية ومنظمات حقوق الإنسان أو مقدمي خدمات الأمن والعدالة مثل الشرطة والمحاكم بسبب الوصمة الاجتماعية القوية التي ترتبط بعملية التبليغ عن سوء المعاملة".

وفي قطاع غزة بلغت مستويات العنف ضد المرأة أعلى مما كانت عليه في السنوات السابقة، كما أنها مرتفعة بشكل كبير مقارنة بالبلدان الأخرى، وقد جدت دراسة أن 77 بالمائة من النساء في غزة تعرضن لأنواع مختلفة من العنف.

ففي ديسمبر من العام 2009، لاحظ تقرير صادر عن مركز معلومات وإعلام المرأة الفلسطينية، ومقره غزة، تصاعداً في العنف ضد المرأة منذ أن فرضت إسرائيل حصاراً اقتصادياً على القطاع في يونيو 2007 إثر سيطرة حماس على السلطة هناك.

وقد توصلت الدراسة، المبنية على 24 حلقة عمل ومقابلات مع 350 امرأة في الربع الأخير من عام 2009، إلى أن 77 بالمائة من النساء في قطاع غزة تعرضن لنوع من أنواع العنف بينما شهدت 53 بالمائة من النساء عنفاً جسدياً وتعرضت 15 بالمائة للاعتداء الجنسي.

وفي هذا السياق، أفادت هدى حمودة، مديرة مركز معلومات وإعلام المرأة الفلسطينية أن "مستويات العنف ضد المرأة في قطاع غزة حالياً أعلى مما كانت عليه في السنوات السابقة، كما أنها مرتفعة بشكل كبير مقارنة بالبلدان الأخرى. فالمرأة تتعرض للمصاعب في كل المجالات، سواء كانت مالية أو اجتماعية أو سياسية أو متعلقة بانعدام الأمن". وأشارت إلى أن تفشي البطالة يشكل واحداً من أكبر العوامل المساهمة في التوتر الذي يصيب الأسرة وبالتالي في عنف الذكور نحو الإناث.

وأضافت أنه "من الصعب تخيل عيش الأسرة في كرامة عندما تضطر للعيش على أقل من ثلاثة دولارات في اليوم. يقول كثيرون أنهم لا يشعرون بالاحترام ويعانون من الاكتئاب. إن الفقر يؤثر على التعليم والمشاركة العامة ويحد من المكانة الاجتماعية".

واذا انتقلنا الى بلد اخر في القارة الإفريقية وهو الكونغو الديمقراطية حيث، قتل أكثر من 4 ملايين ونصف شخص على مدار الـ 12 عاما الماضية من الصراع في هذا البلد  نتيجة العنف والمجاعة والمرض. وأكثر من 150 ألف سيدة تعرضت للاغتصاب في إطار ممارسات الحرب وفي بعض الأحيان لعدة مرات.وذكر ( جويلاومي لاكاي) من مجموعة الأزمات الدولية إن «النساء يوجدن في الخطوط الأمامية»..

وقال موزونج كودي الزميل في برنامج إفريقيا في معهد تشاثام هاوس البريطاني للبحوث « أين تجد حالات هائلة العدد من اغتصاب النساء والأطفال وحتى الرجال، إنه في الشرق حيث يدور الصراع».وأضاف «أن الاغتصاب متفش في المناطق التي يوجد فيها صراع، حيث يتم استخدام السلاح».

وتنتشر ثقافة العنف الجنسي ضد النساء بين صفوف الجيش الذي لم يتم إصلاحه وهناك خيارات قليلة للغاية قائمة أمام مرتكبي جرائم الاغتصاب في السابق لأن يجدوا دربا لحياة جديدة.

وبينما تنتشر ثقافة الإفلات من العقاب، تلعب المنظمات النسائية دورا حيويا في تسليط الضوء على قصة ضحايا الاغتصاب. وقالت نادين بوتشجويربال من اللجنة الدولية للصليب الاحمر «حقا، في الكونغو، هناك وضع أليم تعاني منه النساء».

وأضافت «ولكن في الكونغو الديمقراطية يوجد الكثير من المنظمات التي تعمل في هذا الشأن، لذا هناك الكثير من الأشخاص الذين يتحدثون عنه»، مشيرة إلى أن هناك مناطق حرب تسودها «ثقافة الصمت» والإبقاء على أعمال العنف الجنسي في طي الكتمان.

وبصورة مقلوبة قد تبعث على ارتياح الكثير من النساء المقهورات طالب عدد من المصريين بإنشاء جمعيات لحماية الأزواج من زوجاتهم ولم تأت تلك المطالبة من فراغ بل من نتائج دراسة أكدت أن المرأة المصرية هي الأكثر عنفا في العالم.

وقد وصفت مواقع إعلامية المرأة المصرية بالمفترية وبثت الدراسة على نطاق واسع الأمر الذي عزاه البعض إلى الرغبة في التنفيس عن الضيم الذي يتعرض له الزوج المصري من زوجته.

وقد ارتقت المصريات من المرتبة الخامسة إلى الأولى في غضون سنوات سبع في ترتيب النساء الاعنف ضد الازواج، فـ 28% من الزوجات المصريات يضربن أزواجهن بتفوق كبير عن كل من الأمريكيات (23%) والبريطانيات (17%) والهنديات (11%) واللاتي احرزن المراكز الأربعة الأولى. علما بأن الأزواج الهنود كانوا أصحاب مبادرة أولى لإنشاء لجنة وطنية لحمايتهم من المرأة.

وتعددت طرق ضرب الأزواج أو التخلص منهم من السكاكين إلى السم والأسلحة النارية نهاية بالحذاء، ولم يعد غريبا أن يهرول الرجل المصري إلي أقسام الشرطة طالبا النجدة.

وبحسب مدونين مصريين فإن الخبير النفسي الدكتور محمد المهدي كشف أن عنف الزوجات تجاه أزواجهن عن حقائق مؤلمة ينذر بتحول "سى السيد" إلى "سى سوسو" مضيفا أن المرأة في الطبقات الاجتماعية الأعلى استفادت أكثر من جهود تحرير المرأة وتمكين المرأة فعلا صوتها "وسوطها" أكثر من المرأة في الأحياء الشعبية والتي لم تصلها تلك الجهود وما زالت تنظر لزوجها باحترام أكثر ولا تهفو إلى منافسته أو مزاحمته أو القفز على مكانته, وقد يكون فرقًا إحصائيًا فقط حيث أن الطبقات الاجتماعية الأعلى يسهل تسجيل حالات الاعتداء فيها أكثر حيث الصراحة أكثر والشجاعة في الاعتراف بما حدث تكون أكثر احتمالاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/آب/2010 - 26/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م