تضخم الذات المثقفة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لا يختلف الإنسان المثقف عن غيره إلا من حيث كونه يمتلك رؤية واضحة للأمور كافة وينطوي على سلوك إنساني في التعامل مع الآخرين، ويحاول أن ينقل خبراته الجيدة الى الآخرين من دون شعور بالرفعة عليهم، لأنه بذلك لا يمضي بالاتجاه السليم الذي يحتم عليه تواضعا يليق بخبراته وثقافته الإنسانية كما يُفترَض أن تكون.

وفي حالة تضخم ذات المثقف، لابد أننا ازاء حالة تكمن في خلل النمو المتوازن، لذلك فإن نمو الجسد على حساب الفكر بسبب عائق عقلي ما سينتج جسدا قويا وتفكيرا ضعيفا او خاليا من المهارات العقلية، وعكسه سنصل الى عقل راجح في جسد عليل متلكئ، ولذا فإن التوازن المطلوب يقوم على القاعدة شائعة الصيت (العقل السليم في الجسم السليم).

لذلك يرى علماء النفس والمختصون في دراسة الشخصية المثقفة، ان تضخم الذات يعود الى خلل في النمو المتوازن بين القدرات الجسمية والفكرية والثقافية عموما، بمعنى ان الانسان بسبب ميزته الثقافية قد يتجاوز الحدود المنطقية للاعتداد بالنفس فيشعر بأنه أعلى شأنا من غيره بسبب ثقافته العالية، وهنا يعتبر أن الثقافة هي تحصيل قرائي لا غير في حين أن الثقافة هي سلوك قائم على الارض قبل أي شيء.

لذا ليس بعيدا أن نواجه مثقفين من هذا النوع، وأقصد النوع الذي يرى في نفسه عالما بكل شيء بل وهاضما لكل مجال من مجالات الحياة، بحيث يظن بأن اعترافه بعدم فهمه لما يقع خارج اختصاصه وثقافته يعدّ انتقاصا له وضعفا في شخصيته ولذلك سيبادر ويعلن بأنه العارف بكل شيء وانه المثقف القادر على النجاح في فعل وانجاز كل شيء سواء كان ضمن اختصاصه وقدراته ام لا، حيث لا يعرف الانسان المدى الحقيقي لقدرات غيره، فيقع في مصيدة الغرور والتعالي الأجوف الذي غالبا ما يضعه في اشكالات كثيرة مع محيطه العملي او الاجتماعي على وجه العموم.

إن المثقف صاحب الأنا المتضخمة غالبا ما يكون عازفا عن معرفتها او الإقرار بترفعها غير الواقعي، وعند ذاك يكون التبجح بالمعرفة وسعة الاطلاع والقدرات وما شابه مثلبة تحط من شخصيته وذاته في آن واحد وتجعله غير محبب من لدن المجتمع أفرادا او جماعات، بسبب تبجحه بثقافة غالبا ما تكون شكلية وخالية من الفعل الثقافي الجوهري.

إننا يمكن أن نرى المثقف صاحب الذات المتضخمة يكثر من الادعاء بالتثقف والمقدرة على النجاح في الميادين كافة، من دون أن يفكر بنقل خبراته الى الآخرين بالاسلوب الذي لا يشعرهم بتضخم ذاته وترفعه عليهم، بيد أن الامر نتج عن غياب التوازن بين قدراته الجسمانية والفكرية، فالمحك لمن يدعي التثقف هو الواقع القائم الذي غالبا ما يفضح مثل هذه الشخصيات المتبجحة بمعرفة ما لا يعرفه الآخرون وبعمل ما لايستطيع الآخرون عمله او انجازه، وإذا كان لعنصر الوراثة جانبا من تكوين هذه الشائبة في شخصية المتثقف فإن لعنصر الاكتساب دور في ذلك أيضا.

فالمحيط الثقافي الذي ينشط فيه المثقفون لابد أن يعود بالتأثير عليهم فتنتقل لهم حالات لا تمت بصلة للثقافة الجوهرية بسبب شيوعها في وسط لا يعرف بالضبط ما هي الأسس الصحيحة للثقافة والادعاء بتحصيلها.

هذا يعني أننا بحاجة الى وسط ثقافي متثقف بصورة صحيحة ولا يعاني من أمراض الأنا والتضخم والعقد التي قد تجد لها تبريرا لدى الشخصيات غير المتعلمة، ولكن أن ترى مثل هذه الامراض النفسية والاجتماعية مستشرية بين المثقفين وبذلك أمر ربما لا يرتضيه المثقفون أنفسهم أو يفترض بهم أن يكنوا كذلك.

إن عامة الناس ينتظرون من المثقفين أن يكونوا عونا لهم في زيادة وعيهم وتشذيب أخطائهم وتوجيههم نحو المسارات السلوكية والفكرية المعاصرة التي تنظف حياتهم من الادران والصعوبات بكل انواعها، لهذا السبب تحديدا من غير المعقول أن يمرض المثقف نفسه ويُصاب بالعقد التي لا تليق به كالترفع على الآخرين بسبب تضخم الذات الثقافية. وهو وهم ينبغي أن يتخلص منه الجميع وأولهم المثقفون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/آب/2010 - 23/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م