
شبكة النبأ: لأكثر من أربعة قرون حكمت
تركيا مساحات واسعة من البلدان العربية تحت مسمى الخلافة العثمانية وقد
تراجعت مكانة تركيا بعد الحرب العالمية الأولى ونقاسم ممتلكات الرجل
المريض بين المنتصرين في تلك الحرب، وقد راودت تركيا الكثير من أحلام
الانضمام الى المجموعة الأوربية بسبب موقعها الجغرافي ونمط حكمها
العلماني.
وقد يكون موقعها الجغرافي، او هو قدرها الجغرافي انشطارا بين الشرق
أوقد يكون جسرا للربط بينهما، هذا القدرٌ الجغرافي الذي مُنيت به أو
حظيت به تركيا، لعب دوراً في تحديد ملامح علاقتها بمحيطها الإقليمي على
مرّ العصور.
ولم يَحُل واقع كونها جزءاً من المنطقة الغربية الأطلسية من تقارب،
وإن لم يكن سلساً باتجاه الجار العربي، تعثّر بصورة واضحة في أوائل
التسعينات، تلك الحقبة التي شهدت تطويراً لعلاقات تركية إسرائيلية وكان
التعاون العسكري أحد أبرز ملامحها.
ولعل هذا التعاون قد انعكس سلباً على علاقة تركيا بمحيطها العربي،
بعد أن أثار حفيظة الدول العربية رغم أن بعضها كانت له علاقات طبيعية
مع إسرائيل. وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر حدثاً فارقاً بالنسبة
لتركيا كغيرها لتفتح أمامها الباب للعب دور على الساحة السياسية
الدولية، فكانت جزءاً من التحالف الدولي الذي شكّلته الولايات المتحدة
لمحاربة الإرهاب، وكانت القوات التركية أول من توجّه لأفغانستان لإسقاط
نظام طالبان. ومع تغير الظرف السياسي الدولي الذي واكبه وصول حزب
العدالة والتنمية ذي التوجهات الإسلامية إلى رأس السلطة في تركيا، وجد
الأتراك أن الوقت قد حان للعب دور فاعل في الإقليم في مواجهة تحالفات
وأدوار تجلّى تأثيرها في المنطقة بعد الغزو الأمريكي للعراق.
غير أن انقسام الأتراك جغرافياً وسياسياً بين الشرق الأوسط وأوروبا،
وحرصهم على تفعيل دورهم في المنطقة لإحداث توازن ما في وجه تحالفات
إقليمية جديدة قد لايكون على حساب مصالحهم الدولية بينما الطريق إلى
الاتحاد الأوروبي لايزال مليئاً بالعقبات.
وقد وصف احد الصحفيين العرب ما حدث لاسطول الحرية بانه «رياح السماء»
التي هبّت على السفينة التركية «مرمرة»، كانت هدية من السماء إلى تركيا
لتستكمل بناء استراتيجيتها في الشرق الأوسط. ولتقود حملة دولية واسعة
لفك الحصار المضروب على غزة. وكانت لأيام خلت أطلقت مع البرازيل مبادرة
في إطار معالجة الملف النووي الإيراني.
لقد وفّر الهجوم الإسرائيلي على «أسطول الحرية» فرصة نادرة لرئيس
الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لتحقيق جملة من الأهداف دفعة واحدة.
وبات متوقعاً أن ينجز «الأسطول» ما كان يمكن أن تنجزه انتفاضة
فلسطينية بدا أنها متعذرة لأسباب فلسطينية وغير فلسطينية.
أن الدور التركي هو ثمرة تقاطع مصالح بين أطراف متعددة، وأنه لم يكن
مقدراً له أن يكون بهذه الأهمية لولا هذا التقاطع، أن فهم الدور التركي
في المنطقة ينطلق من فهم الدوافع الرئيسية التي فرضته، ومن أهمها:
أولاً، المسألة التركية الداخلية التي تشهد وعياً إسلامياً متصاعداً
يدفع بهذا الاتجاه. وثانياً، المصلحة التركية تجاه الغرب، والتي فهمت
أن باب أوروبا موصد أمام تركيا، حيث لا مركز استراتيجي ولا دور، ولا
يوجد غير الشرق الأوسط كمدخل لدور استراتيجي، ومدخل الشرق الأوسط هو
القضية الفلسطينية، وهو ما يتطلب أن لا تكون تركيا حليفاً لأي طرف في
هذه القضية. وثالثاً، وهن المشروع الغربي ووجود تقارير مختلفة ترسم
علامة استفهام كبيرة حول إمكانية استمرار المشروع الغربي في الشرق
الأوسط. ورابعاً، تصاعد المد الإسلامي بكل اتجاهاته في المنطقة، ورغبة
تركيا بأن تدخل في هذه الموجة حتى لا تكون في مواجهتها.
أن تركيا تريد احتلال موقع استراتيجي في مرحلة إعادة ترتيب الشرق
الأوسط، فخلال مرحلة إعادة الترتيب تتطلع كل فئة إلى تجميع ما يمكنها
من القوى بحيث تكون في المكان الذي تريد.
هذا وقد بدأ دور تركيا مع سقوط الاتحاد السوفياتي وخروج مصر من
الصراع العربي الإسرائيلي، والدور المتعاظم لإيران بعد كسبها حربين دون
خوضهما، وذلك في كل من العراق وافغانستان. وكل هذا جعل الولايات
المتحدة تتغاضى عن الدور التركي المتعاظم في المنطقة.
والدور التركي قائم في أساسه على الاقتصاد، وقد تلعب تركيا دوراً
ضاغطاً من خلال الاقتصاد، ومن خلال موضوع المياه، حيث يمكن أن تضغط من
خلالهما خصوصاً على سوريا والعراق. ومن ناحية أخرى، كما أن تركيا تمتلك
جزءاً من المسألة السنية في العراق.
وفي راي الكثير من الباحثين أن هناك ثلاثة أبعاد أساسية لتعاظم
الدور التركي، وهي، موضوع الاستقرار السياسي إلى حد ما في الداخل،
وقدرة حزب العدالة على الضبط الداخلي، وحسن الجوار وتصفير المشكلات مع
جيرانها، والنمو أو العامل الاقتصادي الذي كان ركيزة أساسية في
العلاقات الخارجية.
وايضا هناك حاجة أمريكية وأوروبية لتركيا، فأمريكا ترى في تركيا قوة
توازن القوة الإيرانية، في حين أن أوروبا ترى في تركيا مربع استقرار
فاصل بينهم وبين آسيا المضطربة.
ويمكن لتركيا أن تلعب دوراً في المسألة الفلسطينية يمنع إسرائيل من
شن عدوان جديدة على غزة. وأكد أن دعوة تركيا للعب دور سياسي في القضية
الفلسطينية يجعلنا بحاجة إلى تقديم ورقة سياسية أو رؤية تتحرك تركيا
على أساسها.
ويمكن فهم التطور في الموقفين الأمريكي والأوروبي تجاه تركيا من
خلال رفضهما دعم أي انقلاب عسكري يطيح بحزب العدالة والتنمية، خصوصاً
وأن الإدارة الأمريكية لم تعد قادرة وحدها على إدارة الملف الشرق أوسطي.
بالمقابل هناك عدة تحديات امام الدور التركي، فهناك تحديات تفرضها
البيئة الخارجية المتنوعة التي تحيط به، والتي تفرض ضغوطاً سلبية في
بعض النواحي وإيجابية في نواحٍ أخرى، وهناك تحديات أخرى داخلية متمثلة
بالضغوط التي يتعرض لها حزب العدالة والتنمية، سواء من الإسلاميين
الآخرين مثل حزب السعادة، أم من قبل المؤسسة العسكرية التي ما زالت
تحكم قبضتها على كثير من أوجه مفاصل المشهد التركي.
وهناك ايضا احتمال التصادم مع إيران، بسبب التنافس الاستراتيجي،
والتحديات الداخلية التي تواجه حزب العدالة والتنمية، وإمكانية حصول
تصادم بين الولايات المتحدة وتركيا في البحر الأسود، بسبب رفض تركيا
للوجود الأمريكي المسلح فيه، خوفاً من تداعيات الصراع بين واشنطن
وروسيا.
التوقعات المستقبلية
تركيا بنفوذها الجديد تعطي أولوية للعمق الحضاري والتكامل الاقتصادي
الإقليمي، وهي تأمل بحلول العام2023 بأن تكون حدودها مفتوحة مع كامل
محيطها. ولا يمكن أن يتأتى هذا الدور بالاعتماد على القوة العسكرية أو
النزعة الدينية. أما على الصعيد الفلسطيني، فإن تركيا لا يمكنها أن
تتحرك خارج سقف القرارات الدولية.
وهناك توقع يذهب الى أن الدور التركي سيبقى محدوداً في إطار الدور
الوسيط، و أن الحد الأقصى للدور التركي أن تعمل تركيا على دعم المشروع
السلمي في المنطقة..
نمور الاناضول
من جهته يحب الرئيس التركي عبد الله جول التريض وأينما مشى يتبعه
رجال الاعمال. ويحب جول على خلاف حراسه الشخصيين الاعتقاد بأن رئيس
الدولة التي تقوم سياستها الخارجية على ألا يكون لها أعداء وأن تقيم
أعمالا حيثما أمكن لن يكون مستهدفا من أحد سوى النشطاء الاكراد داخل
بلاده.
وأثناء نزهة سيرا على الاقدام مع حاشيته في منتصف الليل في شوارع
استانة العاصمة الجديدة لقازاخستان تذكر الرئيس رحلة قام بها
لافغانستان عام 2007 .
وقال جول "كنت أسير في كابول دون أن يزعجني أحد. " وفي اليوم نفسه
حوصر ديك تشيني (نائب الرئيس الامريكي السابق) في القاعدة الجوية بعد
انفجار قنبلة هناك قتل فيه 20 شخصا." بحسب رويترز.
ومن يدري ما اذا كانت شركات شق الطرق والانشاءات والمقاولات التركية
ستتمكن من اقامة أعمال كبيرة في أفغانستان. لكن سياسة "الذهاب الى أي
مكان" التي يتبعها الاتراك حققت نجاحا في أماكن أخرى.
وقامت هذه الشركات متشجعة بمساعي الحكومة لتعزيز العلاقات خارج
الغرب بمبادرات في الشرق الاوسط وافريقيا والبلقان والكتلة السوفيتية
السابقة.
ويطلق على مجموعة من رجال الاعمال المتعطشين للنجاح من شرق تركيا "نمور
الاناضول" وساعد طموحهم في أن تحتل تركيا المكانة السابعة عشرة بين
أكبر اقتصادات العالم بناتج محلي اجمالي يبلغ 780 مليار دولار.
وازدهرت اعمالهم في ظل سياسات حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له
رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وهو حزب يقود تركيا منذ عام 2002 وهو حزب
محافظ اجتماعيا يعتبر نفسه المرادف المسلم للتيار المسيحي الديمقراطي
في أوروبا.
وتتبلور الدلائل الملموسة على التواجد التركي في الجمهوريات
السوفيتية السابقة الغنية بالنفط التي تمتد من بحر قزوين الى اسيا
الوسطى أرض الاجداد الاتراك الذين غزوا الاناضول قبل ألف عام.
وأبدى الرئيس التركي الذي يزور أستانة لحضور عيد الميلاد السبعين
لرئيس قازاخستان نور سلطان نزارباييف حماسا للمعمار البديع للمدينة.
ويرجع مصدر فخره الى أن الاتراك بنوا معظمها.
وافتتح مركز تجاري صمم على شكل خيمة بدوية ضخمة أطلق عليها اسم "ملكة
الخيام" يوم عيد ميلاد نزارباييف تحية من قطب الفندقة والانشاءات
التركي فاتح تامينجي وشركائه.
ويرأس تامينجي سلسلة فنادق ريكسوس التي تدير الفندق ذا الستة نجوم
الذي نزل به جول في استانة.
وقال تامينجي "قلت للرئيس.. عدني بألا تكون هناك بيروقراطية وسننفذه."
وأضاف "رأى (الرئيس) ما يمكننا عمله وأبقانا. استثمرت الكثير هنا."
الى جانب المركز التجاري والفندق قامت شركة سيمبول للانشاءات التي
يملكها تامينجي ببناء جامعة واستاد رياضي وقاعة مؤتمرات وهرم يضم دارا
للاوبرا ويستضيف مؤتمرا للاديان كل ثلاث سنوات.
ويقول تامينجي ان شركاته تحقق الان 1.6 مليار دولار سنويا منها 1.1
مليار من الانشاءات ومعظمها في الخارج. وهو يبني حاليا فنادق في دبي
وفيينا.
ويقول تامينجي (38 عاما) وهو رجل رياضي حليق الرأس انه يقرأ السيرة
الذاتية لريتشارد برانسون أحد اباطرة الاعمال البريطانيين غير أن ملحمة
حياته هو يمكن أن تروى كذلك في مجلدات.
ويقول انه ترك قريته الفقيرة على حدود تركيا مع ايران عندما كان
عمره 14 عاما حيث كانت "تثلج ثمانية أشهر في العام وتمطر شهرين وتكون
صيفا شهرين" وتوجه الى انطاليا على شاطيء البحر المتوسط حيث كان يبيع
السجاد للسياح.
وعندما بلغ 18 عاما اشترى سيارة وقادها الى سويسرا. ثم انتقل الى
المانيا حيث جمع ما يكفي من المال لدخول مجال العقارات في تركيا.
ويقول مساعدون لجول ان الاتراك يمثلون اليوم نحو 60 بالمئة من سوق
الانشاءات في قازاخستان وفي تركمانستان تصل النسبة الى 90 بالمئة
ويتكرر الامر في أذربيجان.
وينقلون عن دراسات أظهرت أن أعمال الانشاءات والمقاولات التركية
تجاوزت الامريكية من حيث توليد الايرادات من الخارج لتحتل المرتبة
الثانية بعد الصين.
وتتوقع الشركات التركية أن تتجاوز قيمة المشروعات التي تقوم بها 25
مليار دولار هذا العام.
وفي حين ينتمي تامينجي لجيل اخر الا أن رجال الاعمال الاتراك الذين
وصلوا في تسعينات القرن الماضي ساعدوا في سد فجوة في اقامة المشاريع
خلفتها عقود من تطبيق النظام الشيوعي.
وبدأ رجال الاعمال الاتراك مسيرتهم في اسيا الوسطى بعد انهيار
الاتحاد السوفيتي في عام 1991 بفضل بعد نظر الرئيس في ذلك الوقت تورجوت
أوزال الذي سارع بتوجيه الاموال للتجارة مع الدول المستقلة حديثا والتي
كانت شبه مفلسة.
ويتذكر أحمد حمدي ايان الذي وصل الى قازاخستان عام 1992 تلك المرحلة
قائلا "كان ذلك يمثل أول جرعة اوكسجين للاقتصاد." ويذكر وصول الاجانب
الى عاصمة قازاخستان القديمة الما اتا دون أن يجدوا مكانا لائقا للمبيت
وتناول الطعام قائلا "تكون محظوظا لو عثرت على خبز اسمر."
وسط هذه الاجواء بنى ايان وادار فندقا من سلسلة انتركونتيننتال.
واليوم يبلغ حجم أعمال شركته نحو 400 مليون دولار ويعمل لديه نحو ستة
الاف موظف. وحصل على عقود في استانة لبناء مقر البرلمان ومركز اعمال من
22 طابقا ومكتبة وطنية ذات تصميم فريد.
وقال أحمد جاليك الملياردير التركي ورئيس شركة جاليك القابضة اثناء
تبادل سرد قصص النجاح على عشاء من الشواء في حديقة فندق ريكسوس
"الشركات التركية لعبت دورا ايجابيا ضخما في هذه البلاد... وحققت الان
تقدما كبيرا...نحن نشعر بالامتنان للحكومات التي وثقت بنا."
وأضاف جاليك "مجموعتنا نفذت أكثر من مئة مشروع في تركمانستان...بنينا
جميع محطات توليد الكهرباء في تركمانستان. وكمجموعة بنينا ثماني محطات
كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي."
وصل جاليك الى عشق أباد عاصمة تركمانستان في التسعينات باحثا عن
صفقات قطن وانتهى بامبراطورية للاعمال تمتد من الطاقة الى الاتصالات
والقطاع المالي.
ويقول جاليك الذي اشترى مجموعة صباح الاعلامية الموالية للحكومة
وقناة ايه.تي.في في تركيا عام 2007 ان مجموعته يعمل بها نحو 20 ألف
موظف في أكثر من عشر دول. ويقول ان نصف ايراداتها تأتي من خارج تركيا.
وتبني شركة جاليك انرجي خط انابيب بتكلفة اربعة مليارات دولار
بالاشتراك مع شركة ايني الايطالية لينقل النفط من البحر الاسود الى
البحر المتوسط. وسيأتي النفط من حقل تابع لايني في قازاخستان. |