مفردات مستحدثة في اللغة السياسية العراقية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: افرد الباحث فريد هاليداي في كتابه (مائة وهم عن الشرق الأوسط) والصادر عن دار الساقي بطبعته الأولى عام 2006 مسرودا بالمصطلحات تحت عنوان (أزمة 11 أيلول وعواقبها اللغوية)، كتب فيه كيف ان كل تغيير اجتماعي وسياسي ينتج تغييران في اللغة وخصوصا في المفردات، لكن الاضطرابات والأزمات الكبرى تنحو في اتجاه تسريع هذه العملية، وقد ولد تاريخ الحكم الاستعماري الأوربي في آسيا وأفريقيا خصوصا من العام 1870 الى خمسينيات القرن العشرين مجموعة مفردات كاملة للسيطرة والتدرج والتبعية، وأنتجت أعوام الحرب الباردة من أواخر الأربعينيات الى العام 1991 بصورة مساوية طائفة واسعة من مفردات الازدراء والمديح وتلك الآتي تشير الى الأماكن: (الكلاب الراكضة) و (رفاق السفر) و(زهري اللون) ودعاة الطريق الرأسمالي)، من دون إغفال الإشارة الى أماكن منسية الان كبانكو وبيينغ وفورموزا والجزائر الفرنسية او جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

واختفت الماسي المرتبطة بأماكن على غرار(نقطة التفتيش تشارلي) وخليج الخنازير وخي سان الى جانب نقاط الالتهاب الاستعمارية كفاشودا واغادير ومانتشوكوو، وانتقلت عبارات من نوع (الخطوات الواسعة) والكادر ومحبي السلام ونمر من ورق وتحريفي ومدسوس الى حالة نصف ابهام، وفقد فعل مصطلح (انشق) الكثير من قوته على غرار فعل انحرف، قليلون هم الان الذين يتحدثون عن القواعد الحمراء والمسيرات الطويلة، وبصورة مساوية قليلون هم الذين تعريف المكارثي والتيتوي والبراودري في حين ان الستالينية والترويكا تبدوان حيتين.

وقد اهتمت الكثير من المناهج والمدارس اللغوية الجديدة بالمفردة والمعاني التي تحملها ليس ضمن سياق النص فقط بل لوحدها ايضا، من تلك المدارس (التداولية) وتهتم بدراسة المعنى الذي يحاول المتكلم(أو الكاتب) أن يوصله والسامع (أو القارئ) أن يؤوّله.

ولهذا فالتداولية على علاقة مباشرة بتحليل ما يقصده المتكلمون من خلال ما يستخدمونه من تعابير أكثر مما تعنيه الكلمات أو العبارات المستخدمة في تلك التعابير في حد ذاتها.

ويشتمل هذا النوع من الدراسة بالضرورة على تأويل ما يقصده المتكلمون من وراء أقوالهم في سياق معين، وكيف أن ذلك السياق يؤثر فيما يقال. ويتطلب ذلك الأخذ بنظر الاعتبار تنظيم المتكلمين للخطاب الذي يريدون إيصاله اعتمادا على نوع الأشخاص الذين يخاطبونهم ومكان وزمان الخطاب وتحت أية ظروف يجري ذلك الخطاب. وهنا تعني التداولية دراسة المعنى السياقي.

وتتحرى التداولية كيفية تمكّن السامعين من عقد الاستدلالات المطلوبة حول ما يقوله المتكلم من أجل التوصل إلى ما يقصده ذلك المتكلم من وراء أقواله. كما أن التداولية تتحرى كيف أن الكثير مما يُعبّر عنه يجري تمييزه على أنه جزء مما يراد إيصاله. فالتداولية إذن هي دراسة كيفية أن ما يراد إيصاله هو أكثر مما يُعبّر عنه بالفعل.

هذه هي المجالات الأربعة التي تهتم بها التداولية، والتداولية ايضا هي دراسة العلاقات بين الصيغ اللغوية ومن يستخدم تلك الصيغ، وفي إطار هذا التمييز الثلاثي الأبعاد، تأخذ التداولية في تحليلها مستعمِل اللغة بنظر الاعتبار.

ومن الفوائد المتحققة من دراسة اللغة تداوليا هي أننا يمكننا أن نتحدث عما يقصده الناس من مقاصد من خلال ما يستخدمون(من صيغ لغوية) عندما يتكلمون، وكذلك ما لديهم من افتراضات وأهداف ومآرب من وراء ذلك، إضافة إلى أنواع الوظائف اللغوية(من قبيل الطلب request مثلا) الذي يقومون بأدائه عندما يتكلمون.

وهناك ايضا علم الدلالة (أو المعنى) وهو فرع من فروع علم اللغة يتعاطى مع معاني المفردات اللغوية والعبارات والجمل، غير أنه يختلف عن علم التداولية pragmatics لكونه لا يعمد الى تحليل المعنى المرتسم في ذهن المتحدث، أو ما تدل عليه المفردات في موقف ما، أنما يهتم بالمعنى الموضوعي والتقليدي.

في عهد النظام السابق كانت الكلمات والمفردات المتداولة يتم صكّها من قبل الرئيس صدام حسين او بعض الكتاب والأدباء والشعراء الذين عملوا أبواقا لذلك النظام، وقد كانت محدودة في عددها وتتناسب مع كل مرحلة جديدة يعيشها العراق بسبب سياسات ذلك النظام.

إضافة الى العقلية الإيديولوجية المغلقة ومحدودية العقل السياسي العراقي والخوف من تأثير استعارة الكثير من المفردات السياسية المتداولة من القاموس السياسي العالمي او العربي ولانها تتعارض مع فكر القائد والحزب والثورة،

فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية او التعددية الحزبية او الطوائف او تقسيم الثروات او الدستور او الانتخابات النيابية او انتخابات مجلس المحافظات، فلا الواقع السياسي في تلك الفترة يسمح بابتداع كلمات جديدة غير الكلمات محدودة التداول، ولا كان يوجد هناك حراك سياسي داخل الحزب الواحد او كيان السلطة، من هذه الكلمات التي سادت ثم بادت، الا انها تركت الكثير من اثارها الثقافية والاجتماعية والسياسية في نسيج المجتمع العراقي، منها ما ارتبط بالحروب لو بشخص صدام حسين او بالحصار او بمناسبات البيعة والتجديد لصدام نفسه، من هذه الكلمات:

الحرب العراقية الإيرانية

نسور الجو واستبدلت بعدها بصقور الجو

الفرس المجوس (وعادت كلمة الفرس للتداول من جديد لوصف الطبقة الشيعية الحاكمة)

الرئيس القائد حفظه الله ورعاه

الماجدات

ياحوم اتبع لو جرّينة

الحزب القائد

ليخسأ الخاشئون

تبا للمستحيل

التصدي للعدوان

الحصار الظالم

كسر الحصار

القائد الضرورة

المنازلة الكبرى

ام المعارك

البيعة

الزحف الكبير

القائد الرمز

ام المناضلين

العدوان الثلاثيني الغاشم

الميلاد الميمون

وغيرها الكثير من المفردات والكلمات،

بعد العام 2003 اتسعت مساحة المفردات الجديدة المتداولة وخصوصا في المجال السياسي العام منه والخاص واقصد بالعام هنا المفردات المتداولة لدة افراد المجتمع العراقي واقصد بالخاص المفردات المتداولة لدى الطبقة السياسية في السلطة وخارجها،

وأسباب ذلك عديدة منها التغير الدراماتيكي العنيف الذي حدث في بنية الدولة العراقية وتغيير نظام كامل بمؤسساته وأشخاصه الى حالة جديدة لم يكن العراقي مستعدا لها بل كانت اشبه ما يكون بحلم ليلة صيف يمر سريعا،

الاحداث التي رافقت هذا التغيير من كتابة دستور والاستفتاء عليه وانتخابات برلمانية إضافة الى الكثير من تلك الاحداث.

وقد ساهم السياسيون بوعي في القليل من الحالات وبدون وعي في الكثير منها تاثرا بما يسمعوه من الفضائيات او يقرؤوه في الصحف، ان كان ثمة من يقرأ، والتي انتشرت بكثرة بعد العام 2003 / ساهمت الطبقة السياسية الجديدة الصاعدة في شيوع الكثير من الكلمات والمفردات السياسية ولا يكاد يمر يوم الا وهناك العشرات منها جديدة لا تطابق في احيان كثيرة واقع الحال او لا توجد لها مصاديق مشخصة على ارض الواقع،

من هذه الكلمات: (إجراءات عاجلة، الحالة الوطنية، السجال السياسي، الفرقاء السياسيون، المقبولة، امتيازات مالية، تعنت القوى السياسية، حلاوة المناصب، صفقة طهران، عواقب وخيمة، مجلس معاقين، مصدر مقرب، ولاية منتهية، مصلحة الشعب، مخالفة دستورية، كشف حسابي، عرف دستوري، خارطة طريق، جدل سياسي، اول قارورة تكسر في الاسلام، المسائل العالقة، اللجان التفاوضية، الشراكة الحقيقية، الخط الساخن، افكار حساسة، التهميش، الخيارات الصعبة، العباءة الايرانية، المصالح الخاصة، المواعيد الدستورية، تصريف اعمال، حافة الهاوية، خطة طارئة، عرف نيابي، مشاريع وطنية، نقطة الخطر)، وغيرها الكثير من المفردات، لنا عودة اليها بالنقد والتحليل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/آب/2010 - 23/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م