أكراد العراق... نفط كردستان لكردستان

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يضفي النزاع الحاصل بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان صورة جلية عن تعقيد ملف العلاقات بين الطرفين وضبابية الوصول الى حل يرضي جميع الأطراف.

وتلعب المصالح الشخصية دورا محوريا في هذا الصراع حسب روية معظم المحللين للواقع السياسي في العراق، نظرا لإصرار بعض الأطراف على فرض رؤيتها التي تنتهك الدستور وفق رأي المعارضين.

ومما يثير القلق هو ما سيترتب من تداعيات أممية على ما يعتبره المجتمع الدولي خرقا سافرا من جانب العراق للعقوبات الدولية بعد ثبوت تهريب النفط ومشتقاته بشكل رسمي الى إيران، عبر أراضي كردستان العراق، وهو ما تنفيه بشده الحكومة المحلية هناك.

النفط يتدفق الى ايران

فعلى الرغم من تعهد قطعه اقليم كردستان العراقي بشن حملة لوقف تدفق الوقود الى ايران فان المعوق الوحيد الحقيقي الذي يقول سائقو الشاحنات التي تنقله انهم يواجهونه هو الصفوف الطويلة التي يضطرون للانتظار فيها لايام حتى يعبروا الحدود.

وقسمت الشرطة الكردية نحو مئة شاحنة تقريبا الى 10 أو 12 مجموعة على الطريق المؤدي الى معبر حاج عمران لانتظار فرصتها في العبور لنقل الوقود الى موانيء ايرانية وخزانات وقود.

وقال برزان حسين وهو سائق يعمل لدى شركة كردية للشحن مقرها اربيل "أنتظر منذ يومين لاتمكن من العبور الى ايران ونقل حمولتي وهي 24 طنا من الوقود الى ميناء بندر عباس."

وتمثل تجارة الوقود عبر الحدود تحديا أمام جهود الولايات المتحدة لفرض عقوبات على ايران بسبب برنامجها النووي ومثار حرج لحلفاء واشنطن الاكراد الحريصين على رضاها بينما تستعد القوات الامريكية للانسحاب من العراق بحلول نهاية 2011 .

ويمثل كذلك مصدر ازعاج للعلاقات المتوترة بين الاغلبية العربية والاقلية الكردية في العراق التي تتمتع بحكم ذاتي في جيبها الشمالي منذ نهاية حرب الخليج الاولى.

وتقول الحكومة العراقية في بغداد ان أي تجارة في النفط الخام ستكون غير مشروعة لان القانون العراقي يسمح فقط لمنظمة تسويق النفط الحكومية بتصديره.

كما تعترض كذلك على أي تجارة في المنتجات المكررة لان العراق لا ينتج حتى الان -بعد مرور سبع سنوات على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة- ما يكفي احتياجاته من الوقود مما يضطره لاستيراده.

ووافقت الحكومة الكردية الاقليمية على اجراءات أكثر صرامة تشمل تعزيز مراقبة الحدود لوقف أي تجارة غير مشروعة في النفط عبر الحدود.

وقال كروان عارف رئيس بلدية حاج عمران ان كل شاحنات الوقود المتجهة الى ايران تعمل بشكل شرعي ولصالح الحكومة الاقليمية.

وأضاف أن المسؤولين المحليين لم يتلقوا أي تعليمات من السلطات الاقليمية لمراقبة هذه التجارة.

وقال حمد جعفر رئيس نقطة حاج عمران الحدودية ان المنتجات المكررة فقط هي التي يسمح لها بعبور الحدود.

منع تهريب النفط

من جهته قال برهم صالح رئيس حكومة منطقة كردستان العراقية ان حكومته أقرت اجراءات مشددة لوقف أي تجارة غير قانونية في النفط الخام عبر حدود الاقليم الشمالي شبه المستقل من بينها تشديد عمليات مراقبة الحدود.

وأضاف صالح أنه يأمل في امكانية استئناف صادرات الخام القانونية سريعا من كردستان بعدما توقفت العام الماضي في خضم نزاع مع بغداد.

لكنه قال ان الحكومة ما زالت تنتظر قرارا من الحكومة المركزية بشأن كيفية سداد تكاليف الاستثمار لشركات النفط الاجنبية.

وقال صالح في مكتبه في اربيل ان حكومته ليست على علم بأي تجارة غير قانونية في الخام عبر حدود الاقليم رغم تقارير عن عبور طوابير طويلة من شاحنات الصهريج الحدود الى ايران يوميا. بحسب رويترز.

وقالت التقارير ان الصهاريج تحمل النفط الخام ومنتجات مكررة وتشكل تحديا للجهود الامريكية لفرض عقوبات على ايران بسبب برنامجها النووي.

وبموجب القانون العراقي فان مؤسسة تسويق النفط العراقي (سومو) الاتحادية هي المسؤول عن تصدير الخام.

وقال صالح ان حكومته ليس لها مصلحة في انتهاك الدستور العراقي أو القانون الدولي. وأضاف أنه لا علم لديها بعبور أي نفط خام حدود كردستان وانه اذا كان ذلك يحدث فهو غير قانوني.

وتابع يقول ان من بين الاجراءات التي اقرتها حكومة الاقليم تعزيز مراقبة المعابر الحدودية لمنع عبور المنتجات غير المصرح بها وتشديد مراقبة شاحنات الصهريج لضمان امتثالها لقانون كردستان والقانون الاتحادي.

واضاف أن حكومته ستضمن خضوع المصافي والمحطات التي تزود الصهاريج بالمنتجات للقواعد التنظيمية وفرض رقابة مناسبة على الوقود من مناطق أخرى من العراق.

وذكر أيضا أن تجارة الوقود عبر الحدود ليست قاصرة على كردستان وانما تحدث عبر الحدود العراقية بأكملها.

من جهة أخرى قال صالح ان العراق ومنطقة كردستان يخسران مليارات الدولارات بسبب وقف الصادرات من كردستان العراق ورمى بالكرة في ملعب بغداد بشأن استئنافها.

وتتنازع بغداد واربيل بشأن عقود نفطية وقعتها حكومة كردستان مع شركات اجنبية بينها دي.ان.او النرويجية وجينيل انرجي التركية.

وتدفقت الصادرات لفترة قصيرة من حقلي طق طق وطاوكي قبل أن تتوقف بسبب رفض بغداد سداد مستحقات للشركات.

واقر مجلس الوزراء العراقي بعد ذلك اقتراحا يقضي بتعويض الشركات عن تكاليف التنقيب والانتاج لكنه لا يغطي الارباح.

وقال صالح ان الحكومة الاقليمية طلبت من بغداد اعطائها اقتراحا محددا بشأن كيفية سداد التكاليف لتلك الشركات. وأضاف أنهم ينتظرون نتائج هذه المسألة وعبر عن أمله في تسوية الخلاف سريعا.

وكان وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني قد عبر مؤخرا عن دهشته من عدم استئناف الاكراد الصادرات ودعا الى استئنافها على الفور.

وتقول حكومة اقليم كردستان ان لها الحق في تنظيم قطاعها النفطي في حين تقول بغداد ان العقود غير قانونية لانها وقعت دون الحصول على موافقتها.

وعبر رئيس وزراء حكومة كردستان عن تفاؤله بأن الامور تمضي على الطريق الصحيح لكنه عبر عن أمله في امكانية تسريعها وانجازها.

خرق العقوبات

الى ذلك قال وزير الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان اشتي هورامي إن النفط الخام في إقليم كردستان «لم يصدر الى خارج البلاد إلا مرة واحدة وكانت عبر خط أنابيب كركوك»، مشيراً الى أن «مصافي تكرير النفط الخام في الإقليم تعمل في شكل قانوني ودستوري».

وجاءت تصريحات المسؤول الكردي رداً على تقارير أشارت إلى تحول إقليم كردستان معبراً لتهريب النفط الى إيران وخرق العقوبات المفروضة عليها.

وقال هورامي في تصريح الى «الحياة» إن «النفط الخام المستخرج من إقليم كردستان لم يخرج يوماً الى البلدان الأخرى إلا مرة واحدة من خلال خط أنابيب كركوك والحديث عن خروجه من طريق الصهاريج الى إيران ليس صحيحاً مطلقاً».

وأوضح أن «المصافي التي تعمل في الإقليم لتكرير مشتقات النفط تعمل قانونياً ودستورياً بإجازات رسمية من الحكومة. صحيح أنه يتم بيع كميات معلومة ولمدد معلومة من النفط الأسود للمتقدمين بشرائه وهذا النفط ليست له سوق في العراق، لذا فإن مشتريه يأخذونه الى الأسواق العالمية وهذه العملية تتم بإجازات حكومية وقانونية مسبقة وبطرق سليمة لا غبار عليها».

وزاد إن «سياستنا واضحة تجاه القطاع النفطي، كل نقاط الجمارك والمعابر الحدودية أبلغت بحجز أي شحنة ليس عليها موافقة رسمية من وزارة الثروات الطبيعية.

أما التقرير الذي نشرته الصحافة الأميركية لم يذكر الحقائق وتضمن تشويهات تضر باقتصاد إقليم كردستان وهو بعيد عن الصحة».

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت أخيراً تقريراً صحافياً عن عمليات «تهريب ضخمة» للنفط من إقليم كردستان الى إيران.

وأورد التقرير أن «عمليات تهريب نفط بالصهاريج أدرت أرباحاً بملايين الدولارات تمت من أراضي إقليم كردستان لمصلحة مسؤولين محليين».

وأضافت إن مئات الشاحنات تعبر من قرية بنجوين في كردستان إلى إيران محملة وقوداً، ونسبت إلى وكيل وزير النفط العراقي عبد الكريم لعيبي قوله إن السلطات الكردية هي التي تتحمل المسؤولية.

تبادل الاتهامات

واتهم وزير الثروات الطبيعية في الاقليم آشتي هورامي بغداد بانها "تغض الطرف عن عمليات تهريب النفط من المحافظات الجنوبية الى عبادان، حيث يتم يوميا نقل مئة الف برميل نفط الى ايران".

واضاف "لم يتم باي شكل من الاشكال تهريب النفط الخام الى ايران فما يتم تصديره من المنتجات النفطية يعد فائضا عن حاجة الاقليم، ويتم تصديره عن طريق شركات متخصصة بعد استيفاء الرسوم الجمركية والحصول على الموافقات المطلوبة".

وتابع هورامي ان "المنتجات النفطية كالبنزين والنفط الابيض (الكاز)، تصدر بشكل علني عن طريق الشركات المتخصصة (...) كما ان عائداتها تعود الى حكومة الاقليم".

يشار الى ان ايران تستورد ما يقارب ثلثي حاجاتها من المشتقات النفطية نظرا لافتقارها للمصافي الحديثة.

وختم قائلا ان "مادة النفط الخام التي يقال انها تصدر الى ايران باسعار رمزية وعن طريق التهريب، يتم نقلها من مصفاتي بيجي والدورة عن طريق القطاع الخاص، ثم تباع في خانقين، او تصدر بشكل غير قانوني ومن دون علمنا عن طريق الاقليم".

بدورها، نفت وزارة النفط، تصريحات هورامي مؤكدة ان للعراق "منافذ معروفة لتصدير النفط الخام، من موانئ البصرة والعمية من الجنوب وعبر خط كركوك جيهان".

واوضحت في بيان ان مصفاتي بيجي والدورة يتم تجهيزهما بكميات من النفط الخام، وفق معدلات قياسية ثابتة (...) وكافة فعاليات انتاج النفط الخام، وتكريره وتصديره، وتوزيع المشتقات يخضع لعمليات مراقبة وتدقيق".

واضافت انه لم يتم رصد "مئات من الصهاريج التي تنقل الكميات الى ايران، عبر المنافذ الحدودية الجنوبية، حسب ادعاءات هورامي، بعكس ما تم رصده فعلا بعبور مئات الشاحنات والصهاريج، في طوابير الانتظار في المنافذ الحدودية في الاقليم، لنقلها الى دول الجوار".

وختمت "مؤكدة عدم ابرام اي عقد مع ايران، في الوقت الحاضر سواء كانت عقود خاصة بالنفط الخام او المشتقات النفطية". ويحتل العراق المرتبة الثالثة عالميا بعد السعودية وايران من حيث الاحتياطي النفطي المؤكد مع 115 مليار برميل.

وينتج حاليا 2,5 مليون برميل يوميا يصدر منها حوالى 1,85 مليون برميل خصوصا من حقول قرب البصرة (جنوب).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/تموز/2010 - 17/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م