إيران والقنبلة النووية

خليل الفائزي

منذ عدة أعوام وحتى الان يتساءل الكثيرون ومن بينهم المواطنون والمسئولون في منطقة الشرق الأوسط، يا ترى هل تمتلك ايران حقا قنبلة نووية وأسلحة دمار شامل وهل هي قادرة بالأساس صناعة قنبلة نووية شديدة الانفجار التي ظل إنتاجها حتى الان حكرا على دول معدودة في المنطقة والعالم لاسيما ان أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي اختبرت وفجرت مثل هذه القنابل المحرمة دوليا على رؤوس ملايين من البشر وأجبرت اليابان خلال الحرب العالمية الثانية الركوع أمامها ورفع راية الاستسلام للمستعمر الجديد.

ويعترف قادة عسكريون في إيران ووفقا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية انهم سعوا بعد فترة الحرب مع العراق (1980 ـ 1988) للحصول على تقنية صناعة وإنتاج القنابل النووية بواسطة الحرس الثوري وان معظم التقنية النووية في إيران سربت او هربت من باكستان بواسطة العالم المعروف عبد القدير خان الذي مكن ايران من صناعة أجهزة الطرد المركزي المعروفة باسم بي 1 وبي 2.

وحتى انه يقال في أوساط إعلامية من ان غض نظر الحكومة الإيرانية عن جرائم القتل والعمليات الإرهابية التي تقوم بها جماعات مناوئة للحكومة الإيرانية انطلاقا من الأراضي الباكستانية، سببه تعاون باكستان الخفي مع إيران في مجال التقنية النووية وان طهران وبهدف الإبقاء على هذا لتعاون الهام لم تبادر حتى الان بتهديد إسلام آباد قطع العلاقات اوحتى الاعتراض الجدي على تدخل المخابرات الباكستانية العلني في شئون إيران الداخلية ودعم الجماعات المتهمة بالإرهاب بشكل مستمر وواسع النطاق، وحتى ان الكثير من المسئولين الإيرانيين كانوا يصفون ايضا القنبلة النووية الباكستانية بالقنبلة الإسلامية ويسعون لاقناع باكستان تزويد بعض الدول الإسلامية الأخرى بالقنابل النووية اوعلى الأقل مدها بالتقنية اللازمة لانتاجها في تلك الدول.

ويؤكد المسئولون الإيرانيون حتى يومنا هذا انه من حق المسلمين امتلاك سلاح قادر على مواجهة إسرائيل الغاصبة للقدس وتدميرها وإزالتها من الوجود خاصة وان إسرائيل لا تخفي امتلاكها للقنابل النووية الفتاكة وبأعداد تخطت ربما الـ 300 قنبلة وإنها قادرة على تهديد وتدمير كافة عواصم ومدن الدول العربية والإسلامية وقتل مئات ملايين من البشر إذا شاءت.

ويتساءل الإيرانيون وعموما الكثير من العرب والمسلمين يا ترى لماذا تعطي أمريكا والغرب والوكالة الدولية للطاقة الذرية الحق لإسرائيل وغيرها من الدول مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية بالإضافة الى الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي الإمكانية الكافية لامتلاك وتخزين القنابل النووية بالأطنان ولا يحق لإيران ولا اي دولة أخرى مهددة من جانب إسرائيل النووية حتى تشغيل مفاعل نووي سلمي لانتاج طاقة الكهرباء وتحت إشراف مباشر من جانب الوكالة الدولية او دول أخرى مثل روسيا او الصين.

 ويتذرع الغرب من انه في حالة امتلاك ايران او غيرها من دول المنطقة للقنبلة او التقنية النووية فمن المحتمل ان تبادر إيران اوتلك الدولة بإطلاق القنبلة النووية على إسرائيل او على دول متخاصمة معها في حين ـ حسب هذا الادعاء ـ ان الغرب والدول التي تمتلك الان القنابل النووية ملزمة وفقا للقانون الدولي بعدم الاستفادة من الأسلحة النووية مهما حدث.

 الا ان هذا الادعاء زائف وباطل لان أمريكا وكما أسلفنا استفادت من السلاح النووي وهددت دول أخرى بأسلحة الدمار الشامل وانها لازالت تفرض قراراتها وسلطتها على الكثير من دول العالم بفعل قدراتها العسكرية وليس بفضل سياستها الجشعة ودبلوماسيتها الغبية.

والحقيقة ان الغرب ولأسباب ربما ناجمة عن حماقته وضعف مصادر معلوماته الأمنية والاستخباراتية استخف بتقنية ايران النووية وظل طيلة لعقد الماضي يزعم من ان إيران غير قادرة على تخصيب اليورانيوم اكثر من 3 % نظرا لانها لم تتمكن من تشغيل سوى 164 جهاز طرد مركزي فردت ايران على التقارير الاستخباراتية الغربية بتشغيل ألف جهاز طرد مركزي في المرحلة الأولى دون حدوث معضلات او حالات انفجار وعطب فيها حسب الادعاء الغربي السابق واستطاعت إيران تشغيل حوالي 3 آلاف جهاز طرد مركزي في مرحلة لاحقة وأكدت علانية انها قادرة على إنتاج وتشغيل 50 ألف جهاز طرد مركزي من الجيل الثالث في غضون عام او اثنين، اي انها قادرة على رفع نسبة التخصيب الى مرحلة عالية جدا تمكنها من إنتاج اي شئ لا يخطر على بال الغرب والشرق!.

 وخلال مؤتمر طهران الأخير الذي شاركت فيه تركيا والبرازيل تم الاتفاق على ان ترسل إيران 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3 او5 % الى تركيا على ان تحصل إيران من روسيا وفرنسا على 120 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% لتشغيل مفاعل طهران النووي المخصص للأبحاث الطبية والعلمية وكذلك إقناع روسيا عبر الوكالة الدولية بتشغيل مفاعل بوشهر النووي الذي تم تأسيسه في عهد الشاه السابق بواسطة ألمانيا وأحيل ملف إكماله بعد أعوام من الثورة الإيرانية الى روسيا التي ظلت ولا تزال تماطل بتشغيله منذ عدة سنوات وحتى الآن بالرغم من وجود آلاف من الخبراء والاخصائيين الروس يعملون في هذا المفاعل الواقع جنوب إيران بذريعة الضغط المكثف على روسيا من جانب أمريكا وإسرائيل بعد إكمال مفاعل بوشهر لوجود مخاوف من احتمال استغلاله لانتاج أسلحة دمار شامل.

وتقول طهران علانية انها قادرة ودون عقبات تشغيل مفاعل بوشهر بواسطة الخبراء المحللين وحتى انها أكدت بعد أيام من إعلان طهران الأخير عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% واكثر من هذه النسبة إذا تطلبت الحاجة وهذا يعني حسب قول الرئيس الكوبي فيدل كاسترو ان إيران قادرة وبكل بساطة إنتاج القنابل النووية وبأعداد كبيرة، وان الغرب يترصد حاليا كشف إيران رسميا عن توصلها لتقنية إنتاج القنابل النووية لتتم مهاجمتها عسكريا خاصة وان إسرائيل تعد العدة لمثل هذا الهجوم وتحسب اللحظات للقيام بحرب على إيران بدعم أمريكي وبغطاء دولي وبذريعة القيام بالضربة الاستباقية حفاظا على كيانها المحتل كما فعلت في السابق مع مفاعل تموز النووي العراقي، مع الفارق انها تخشى الان من تنفيذ هجومها العسكري لوحدها على إيران وتصر على إشراك أمريكا معها وتتوقع من بعض دول المنطقة منحها المساعدات المعلوماتية والتسهيلات اللازمة وتراخيص انتهاك أجواء وسيادة تلك الدول لمرور وعودة الطائرات الإسرائيلية المغيرة على مواقع إيران النووية الى مواقع انطلاقها او اختبائها في قواعد بعض دول المنطقة بهدف توريطها وتوسيع رقعة المواجهة مع ايران.

 وفي الأيام الماضية فجر الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف قنبلة إعلامية وسياسية حينما اكد ان إيران تسير بسرعة في طريق إنتاج القنابل النووية وانها تعمل في الخفاء لصناعة أسلحة دمار شامل!.

 هذا الإعلان من جانب أهم حليف مزعوم لإيران ضد الغرب أثار موجة سخط وغضب لدى المسئولين الإيرانيين الذين سارعوا لإدانته والتأكيد من إيران ليست بحاجة إلى سلاح نووي وان الدين الإسلامي يحرم الاستفادة من أسلحة الدمار الشامل لقتل البشر وإحراق الحرث والنسل والأخضر واليابس دون تمييز.

المعارضون لامتلاك إيران لمثل هذه الأسلحة زعموا من ان المسئولين الإيرانيين يعلنون دوما انه لا يجوز شرعا الاستفادة من أسلحة دمار شامل، لكنهم لم يؤكدوا صراحة وعلانية حتى الآن حرمة إنتاج القنابل النووية ولا حرمة الاحتفاظ بها او صناعتها بشكل غير علني خاصة وان الإيرانيين معروفون بالتقية الدينية في تغيير الحديث والعمل وتبرير القول المنافي للحقيقة لنيل الهدف المنشود والوصول للغاية الدينية النبيلة!، حسب قول المعارضين للبرنامج النووي الإيراني.

العارفون بتقنية صناعة القنبلة النووية وما تسمى بأسلحة الدمار الشامل يؤكدون من ان صناعة مثل هذه الأسلحة ليست كصناعة مدفع اودبابة اوصاروخ بل هذه الصناعة خاضعة لإجراءات معقدة وتحتاج لأجهزة متطورة جدا وان ورشة عمل الصناعات النووية تكون أشبه بغرفة العمليات المعقمة وشديدة الرقابة، وإذا عرفنا ان جميع المواقع النووية الإيرانية خاضعة لإشراف كاميرات مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية فان إنتاج أسلحة دمار شامل في مثل هذه المواقع هو ضرب من الخيال ومن سابع المستحيلات خاصة وان أمريكا وأخيرا إسرائيل أكدتا من ان لديهما أقمارا اصطناعية تحوم دوما وعلى مدار 24 ساعة فوق سماء إيران وان هذه الأقمار قادرة على رصد وتسجيل حديث الزوج مع زوجته في غرفة النوم في مدينة اصفهان والتقاط صور لأرقام السيارات التي تنقل المسئولين من مكان لاخر في طهران وغيرها من المدن، فهل يا ترى ان أمريكا غافلة اوعاجزة بالفعل على رصد ومراقبة اي نشاط نووي قد تقوم به ايران في مواقع عسكرية اوفي باطن الأرض بعيدا عن أعين وكاميرات مفتشي الوكالة الدولية ومراقبة الأقمار الاصطناعية؟.

 وإذا ما أخذنا جدلا بعين الاعتبار تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية على انها واقعية وغير مسيسة وغير منحازة، فان هذه التقارير قد أعلنت من ان الإيرانيين كانت لديهم نية أكيدة لصناعة القنبلة النووية بشكل سري وانهم حصلوا على يورانيوم خام ومخصب وأجهزة طرد مركزي من باكستان وأفريقيا الجنوبية والبرازيل والأرجنتين والأسواق السوداء في العالم وحصلوا أيضا على تقنية نووية من روسيا والصين وكوريا الشمالية الا انهم وبفعل الضغوط الدولية تراجعوا عن هدفهم هذا وأوقفوا نشاطهم في مجال إنتاج أسلحة دمار شامل.

 وظل الغرب يتصور من ان قطع التعاون السري لبعض الدول والجهات مع إيران سيحرمها من التقنية النووية بشكل كامل، الا ان طهران وخلافا لسذاجة المخططات والادعاءات الغربية فاجأت الجميع بالحصول على تقنية نووية متقدة بالإضافة الى إطلاق صاروخ او اكثر للفضاء الخارجي، وهي التقنية التي ظلت حكرا على 8 دول في العالم فقط حتى اليوم، الأمر الذي فسرته الأوساط السياسية الغربية من انه احتمال جدي لقدرة إيران بتركيب رؤوس نووية على صواريخ عابرة للقارات عرفت باسم شهاب 4 و5 وسفير 1 و2 لتدمير إسرائيل وضرب عمق أوروبا وقواعد أمريكا في العالم وربما ضرب أمريكا في عقر دارها إذا تطلب الأمر ووصلت المواجهة لمرحلة كسر العظام خاصة اذا أتيح لإيران مواصلة مسيرة التقدم في التقنية النووية والصاروخية لاعوام قليلة قادمة.

من البديهي القول ان مثل هذه التصورات ربما تدخل بالأساس في إطار حرب التهويل الإعلامي بين الغرب وإيران، وربما تكون لصالح إيران التي تظهر نفسها بمظهر القوة والمنافس الأكبر لأمريكا ولحلفائها وتمنع خصومها التفكير بمهاجمتها عسكريا او حتى فرض العقوبات الاقتصادية عليها. وربما أيضا ان هذا التهويل الإعلامي هوغاية أمريكية لتصوير إيران من انها خطر جدي على أمن ومصالح المنطقة والعالم ولذلك ـ حسب هذا التصورـ يسهل احتواء قدرتها والتفرد بها وفرض العقوبات عليها او ربما ضربها عسكريا واحتلالها على غرار ما حدث مع العراق وأفغانستان.

على اي حال ان الجناة وأعداء الإنسانية وناهبي ثروات الدول والشعوب هم وحدهم يخططون للحصول على مزيد من أسلحة الدمار الشامل ويتمسكون بها كوسيلة مدمرة للبشر وقاتلة لملايين الناس دون رحمة ولا مشاعر إنسانية من خلال إلقاء قنبلة او قنابل نووية تمحي المدن عن الوجود في غضون دقائق معدودة ، ولكن السؤال الذي يبقى ويتكرر على الألسن هو: هل من حق دول محدودة ولها مزايا وسياسات غير معترف بها جماهيريا ان تتحكم بمصائر دول المنطقة والعالم وتستمر بإنتاج أسلحة الدمار الشامل ومواصلة تهديد الشعوب والدول بها خاصة وان هذه الأسلحة محرمة دوليا وقانونا وشرعا ولا يقبل بها العقل والمنطق والدين؟، ولماذا تحرم سائر الدول الأخرى حتى من امتلاك التقنية النووية والاستفادة منها سلميا لأغراض مدنية بهدف إنتاج الطاقة تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة النووية المعترف بها من جانب الغرب نفسه ؟.

* كاتب وإعلامي مستقل

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/تموز/2010 - 12/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م