لله تعالى الدِّين الحق

ومصاديق للشرك بالله

آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي

الحمد لله رب العالمين بارئ الخلائق أجمعين باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

نبارك لكم جميعاً مولد منقذ البشرية محمد المصطفى  (صلى الله عليه وآله وسلم) وبهذه المناسبة الشريفة نتشرَّف ببعض الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونستمر في منهجنا التفسيري ونكمل الحديث حول الآية القرآنية الشريفة، حيث يقول سبحانه وتعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴿32﴾ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[1]

سنتوقف قليلاً عند مفردات ثلاثة في الآية الشريفة الثانية، وهي الكلمات المباركة: (رسوله)، وكلمة (الدِّين)، و(الحق).. (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق)، فعند كلمة (دين) سنتوقف قليلاً إن شاء الله، وربما بعض الشيء عند كلمة (الحق) إن سمح الوقت، وعند كلمة (الهدى)، وربما سيكون لنا بحثٌ لاحق وكلمات أخرى في الآية الشريفة..

من المعاني الدقيقة لكلمة (الرسول)

عند التدبر والتأمل والتحقيق في كلمة (الرسول)، نجد أن هذه الكلمة قد أشرب في معناها (الرفق)، و(السهولة)، و(اليسر)، و(التؤدة)، وإن كان الناس عادة لا يلتفتون إلى هذه المعاني الدقيقة في الكلمات، فإن الله سبحانه وتعالى، بل الحكماء - كل حسب قدراته وعلمه وطاقاته- عندما يطلقون كلمةً من الكلمات، فإنهم يلتفتون إلى كافة دلالاتها المُطابقية، والتضمنية، والإلتزامية، وسائر دلالاتها، من قبيل دلالة الإيماء والتنبيه، وكذلك دلالة الإشارة، وكذلك دلالة الاقتضاء، وغيرها..

وعندما نلاحظ كلمة (الرسول)، نجد أن هذه الكلمة، وهذه المادة -الراء والسين واللام- تحمل شُحنةً من الرفق، ومن اليسر، ومن السهولة، ومن التؤدة أيضاً، لماذا.؟ لاحظوا؛ مادة الكلمة وبعض تصريفاتها حتى نرى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ،وكيف أنه أُرسل ورسالته مَشحونة، ومُشربة، ومعجونة باليسر،كما قال تعالى (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[2] وبالسهولة كما قال  (صلى الله عليه وآله وسلم) (بعثت إليكم، بالحنفية السَّمْحَة)[3]، وكذلك هي مشربة ٌبالرفق، والسِّلم وما أشبه من هذه المعاني الإنسانية السامية..

تأملوا؛ نحن نقول: على رِسْلك.. بالعرف، يقولون: على رَسْلك،و الصحيح على رِسلك.. أي تمهَّل، أي على مَهلك، أي تحرك برفق،إنه يُريد أن يغضب، يُريد أن ينفجر، نقول له: على رِسلك، أي لا تغضب، تَحَلَّ بالرِّفق، تحلَّ بالليونة.

مصداق آخر: عند حدوث زحمة في الناس، والناس يتدافعون ماذا نقول.؟

نقول: على رسلكم.. أي لا تتزاحموا، لا يُضايق بعضكم بعضاً..فعلى رِسْلك، أو على رسلكم، فإذا كان أحدهم يمشي مُسرعاً حتى كاد أن يسقط من علٍ، من جبل، فنقول له: على رسلك؛ أي ترفَّق في المشي، لا تُسرع..

وفي مثال آخر تقول: شَعر رَسل (بالفتح)؛ يعني ليّن ومسترسل،أي أنه غير مُجعَّد أو ما أشبه ذلك، شَعر رسل أي فيه ليونة واسترسال ونعومة...فمادة الراء، والسين، واللام،تتضمن معنى الليونة، والرفق، واللطف، واليسر..

وفي مثال آخر معروف نقول: إبلٌ مُرسلة، أو إبل مَراسيل؛ مراسيل؛ أي تنبعث بسهولة..هكذا يُفسرها اللغويون؛ إبل مراسيل، يعني تنبعث بسهولة فلا تجد صعوبة في بعثها وانبعاثها.

وكذلك في مثال آخر في علم الرجال نقول: مراسيل ابن أبي عُمير، في مقابل مَسانيد.. فالمُسنَد في مقابل المُرسل، والمُرسل أي ليس فيه قيد، ليس فيه ذكر سلسلة سندية،أنه غير متقيد بذكر سلسلة السَّند، لأن ذكر سلسلة السند فيه عناء، وفيه زحمة، لكن هذه مراسيل أرسلها، أطلقها، خلاها حرة سهلة..

الرسول، رسول رحمة

فإذن مادة (الراء، والسين، واللام)، تتضمن وتدل بالدلالة التضمنية، على الرفق، والليونة، والسهولة، واليسر، وما يُعبَّر عنه؛ بالاسترسال وما أشبه ذلك.. فعندما يقول الله سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى) نعرف الرسول هو المرسل؛ أي المنبعث بيسر،والمبعوث بسهولة، والمبعوث بلين، برفق وما أشبه ذلك..

والحاصل أن من معاني (الرِسل)، هو الرفق، كما يُصرِّح اللغويون راجعوا مجمع البحرين مثلاً، ومفردات الراغب الأصفهاني، وغير ذلك من الكتب اللغوية، فعندما تقول: الرِّسل كلمة (الرسل) تعني الرفق، تعني التؤدة، أو الرزانة، الإنسان أحياناً يتحدث بتؤدة بهدوء وبرزانة،و أحياناً يكون حديثه، أو مِشيته، أو ما أشبه ذلك بشكل أخرق، أو أهوج، أو ما أشبه ذلك..

إذن هذه هي الحقيقة الأولى التي نتوقف عندها، في الآية القرآنية الشريفة (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى) وهي أن هذا الإرسال كان إرسالاً بلطف، كان إرسالاً برفق، ولذلك النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) رغم الحروب الهائلة التي شُنَّت عليه طوال ثلاث وعشرين سنة،[4] كان يتحرى أبلغ التحري أن يقلِّصَ عدد القتلى من الطرفين إلى أبعد حدِّ؛ ولذلك على حسب إحصاء بعض المؤرخين فإن مجموع القتلى من الطرفين كان حوالي الألف رغم أن الحروب والغزوات تجاوزت النيف وثمانين حرباً.

وحيث تعرف الأشياء بأشباهها كما تعرف بأضدادها لاحظوا مثلاً في الحرب العالمية الأولى، أو الثانية كم مليون إنسان قُتل، بل في الحروب سابقاً كان يقتل مئة ألف شخص، أو مأتا ألف انسان...ولكن النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) وبذكاء، وتخطيط عسكري متطور جداً كان يحاول أن يُقلِّصَ عدد القتلى من الطرفين إلى أبعد قدر ممكن..

فـ (رسالة) رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه عُجنت بالرحمة، واليُسر، والرفق، وما أشبه ذلك.. هذه هي الحقيقة الأولى.

ومنها نستنبط أيضاً أنه: لو أننا على ضوء ذلك تأسينا برسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو اقتدينا بتعاليمه، ولو مشينا على ضوء شريعته الغراء، لكُنا في يُسر وابتعدنا عن العُسر وما أشبه.. كُنا في يسر حقيقي، كنا في راحة، كنا مطلقي السراح من القيود الكابتة التي تفرضها الحكومات الجائرة كما قال تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)[5] و(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)[6]

إن الآصار والأغلال، لا توجد في الدين؛بل هو دين سَمْح وسهل، والأصل فيه الرفق والرحمة والرقة، في كل الأبعاد فلو أن الإنسان تأسى، وعمل، واقتدى، والتزم، بتعاليم الدين؛ فإنه سيكون سعيداً في الدنيا قبل أن يكون سعيداً في الآخرة.. هذه إشارة بسيطة أولى لهذه الكلمة، والحديث حولها مُنوَّع، ومُتعدِّد، ومُفيد أيضاً لكننا بنيناعلى الاختصار في التأمل في كل كلمة، كلمة من هذه الكلمات الربانية القرآنية الإلهية..

موقفان في مواجهة الرسالة

في مقابل إرسال الله سبحانه وتعالى للرسل هنالك، موقفان:

الموقف الأول: هو موقف الكفر..

الموقف الثاني: هو موقف الشرك..

والآية الأولى أشارت إلى موقف الكفر، والآية الثانية إلى موقف الشرك: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)

إذن هناك جبهتان - بنحو (لا بشرط) بالطبع لا بنحو (بشرط لا)- هنالك جبهتان في مقابل إرسال الله سبحانه وتعالى للرسل، وفي مقابل الرسول، جبهة الكفار الذين ينكرون أصل المُرسِل، أو المُرسَل، أو الرسالة..

والجبهة الثانية: هي التي تقبل أن هناك مُرسلاً هو الله سبحانه وتعالى،وهناك رسول،وهناك رسالة لكنها تقول بالحلول الوسط، [نقول] بالشرك، أنت موجود، وأنا موجود؛ كلامك حقٌ، وكلامي حق.. فتعال قَسم لي، وقسم لك والله خير الرازقين..

الله يرفض ذلك - ولاحظوا الدقة في الآية الثانية- الآية الأولى تشير إلى إنكار الأصل؛ (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ) أصلاً، الأصل يرفضونه،إنهم يقارعون، ويعارضون أصل نور الله سبحانه وتعالى؛ (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ) مَنْ.؟ الذين ينكرون الأصل(الكافرون)،و الآية الثانية تتحدث عن المشركين، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).. فالمشرك، يقول: الله موجود لكن.. يقول هناك إله ثاني إلى جوار الله...

الشرك وسياسة الحلول الوسطى!

ولاحظوا الدقة في الآية الشريفة فإنها حقيقة ولطيفة ودقيقة إذ تصرح بـ(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) وكما ترون فإن الحديث حول (كل الدِّين) و (الدِّينِ كُلِّهِ)، وليس الحديث حول أن لك بعض الدِّين، لك بعض الحيِّز والصلاحية، فقسم لي وقسم لك...كلا لايحق لك أن تأخذ بعض الحق وبعض الباطل فتمزجهن وتقول بـ (جمع الكلمة) و(الحل الوسط) فالهك موجود صحيح لكن أيضاً المسيح ابن الله سبحانه وتعالى!! كلا...لا حل وسط...ولا معنى للقول بأن كلامك صحيح وكلامي صحيح، ولا مجال للقول: تنازل وأتنازل، بل (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، إن المشرك لا يكره أصل الدِّين، إنه يقول: لا إشكال في أن الله موجود، ولكنه يقول بالشرك أيضاً، هناك إله ثاني، وهناك إله ثالث لكن الله يقرِّر (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)..

الشرك في المبدأ والمنهج والحكم

و(الشرك) ما هو (الشرك)؟هنا يجب أن نتوقف توقفاً آخر:

إن الشرك تارة يكون في المبدأ،و تارة يكون في منهج المشرك؛ تارة يُشرك بـ (الله) غيره، ويجعل لله أنداداً، وأضداداً.. وتارة لا، بل يجعل قوانين مبتدعة، يقول: قانون الله صحيح، لكن أنا أجعل أيضاً من تلقاء نفسي قانوناً.إن هذا مشرك في حكم الله الذي له الحكم والتشريع وحده (ألا له الحكم) لله الحكم لا للغربي، ولا للشرقي، ولا للمادي الملحد ولا لمدعي الدين والتدين، ولا لهذه القوانين الوضعية الجديدة المستحدثة المبتدعة (أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)..

لاحظوا الدقة في الآية الشريفة... فأنت إذا جعلت لله شريكاً في حُكمه، وفي قراراته، وفي منهجه ودساتيره،فإن الله سيُحاسبُك حساباً سريعاً في الدنيا قبل الآخرة (أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)؛ وفي أية أخرى يقول جل إسمه (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ)، أما هنا فإنه يقول: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ) الناس -الكثير منهم- يريدون أن يصيروا شركاء لله في الحُكم...ولنمثّل لذلك بسلسلتين ومجموعتين من الأمثلة..

المجموعة الأولى في الجانب الاجتماعي؛ أي سلسلة من الأمثلة السريعة في الجانب الاجتماعي..

المجموعة الثانية في الجانب العقائدي؛ سلسلة أخرى في الجانب العقدي أو العقائدي..

1. تحديد النسل

الله سبحانه وتعالى وعلى لسان رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي قال: تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط..[7] رغَّب في تكاثر النسل.

لكن ماذا يقول الإنسان المشرك؟ - والعياذ بالله - إنه يقول: لا، يجب تحديد النسل، ويذكر لذلك ألف برهان ودليل،وكأن الله سبحانه لم يكن يعرف،و الرسول  (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يعرف، وهو يعرف أن تحديد النسل له فوائد وأنها أهم من ما ينجم عنه من أضرار، كما أن قوماً قالوا الخمرة لها فوائد كذلك؛ إن هذا الإنسان مُشرك بالحُكم،إن الشرك ليست له (قرون) ليظهر للعيان،ولكنه قد يكون شركاً بالمعنى الأخص، في مقابل التوحيد..(التوحيد الذاتي)، وقد يكون في مقابل توحيده سبحانه تعالى في أحكامه، (ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)[8]، فالمشرك في احكام الله وتشريعاته يقول: بتحديد النسل.. الله سبحانه أين هو إذن؟

وأين هي تأكيدات السماء المتتالية على التناكح والتناسل وعلى الإكثار من الذرية وأن تُثقِّل الأرض بمن يقول ويشهد بـ (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)...

2. الزواج المتأخر

ومثال آخر هو الزواج المبكر فان الإسلام يؤكد على الزواج المُبكر،والإمام المعصوم عليه الصلاة والسلام يقول: من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته..[9]

أما في مجتمعاتنا - ومع الأسف-، فتجعل للزواج سناً متأخراً جداً: خمس وعشرين سنة، ثلاثين، تشترط شروطاً ما أنزل الله بها من سُلطان...وهذا شرك بالله، في أحكامه...ثم نقول:لا زواج قبل التوظيف والوظيفة؟...وأين قرأتم في الروايات أن من شروط الزواج أن تكون عنده وظيفة؟...ونقول: يجب أن يتخرج من الجامعة؟ هل الله سبحانه وتعالى لم يكن يعرف أن هناك مدارس وجامعات؟ وهنالك بَطالة صريحة أو مقنعة أو لا بَطالة؟ لكن الله سبحانه ماذا يقول؟

يقول في كتابه الكريم: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[10] هل قال سبحانه (إِن يَكُونُوا فُقَرَاء) فليبحثوا عن وظيفة وعمل أولاً؟ وهل قال جل إسمه (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) إذا تخرجوا من الجامعة؟

فإذا تخرجوا من الجامعة فبعد ذلك أنكحوهم؟ (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء) إن المشكلة أن الناس يتعللون بأعذار واهية للشرك بالله في أحكامه! رغم أن الله يصرح بضرورة تجاوزها وعدم الإعتناء بها-وذلك ككونهم فقراء، ومن الغريب أن يحتج البعض بعدم وجود الفقر في تلك الأزمنة!![11]

فالله سبحانه لا يقول على الفقراء أن لا يتزوجوا، بل الزواج حكر على الموظفين، إنه يقول بوضوح شديد (إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)، الله يقول: (أنا الرزاق) وانا الذي آمر بالزواج رغم الفقر فماذا بعد؟

السيد الوالد رضوان الله تعالى عليه كان يقول:لو أن ثرياً جواداً كريماً سأل فقيراً أو عاطلاً عن العمل لماذا لا تتزوج؟ فقال:ما عندي مال..

فقال التاجر: أنا أعطيك مالاً لتتزوج وأضمن كافة النفقات من مهر وتكاليف أخرى، وأضمن لك راتبك أيضاً مدى الحياة، وهل يقبل ألا يتزوج هذا الفقير أو العاطل عن العمل بعد هذا الوعد المضمون؟...حسناً...كيف نقبل كلام تاجر ولا نقبل كلام الله؟

إن الله تعالى يقول (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)[12] بكل معانيه، بكل مفرداته، بكل أجزائه، (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) بالله في ذاته، أو صفاته، أو أفعاله وأحكامه جل إسمه...

من أسباب الفساد

والآن نتساءل:

لماذا (الفساد) في المجتمع قد ازداد؟

الجواب واضح:

لأنهم رفعوا سنَّ الزواج وعقّدوه،وأخّروه،بكل حيلة ووسيلة ممكنة...إن الشاب له حاجة، والشابة لها حاجة، وباب الفساد - والعياذ بالله - مفتوح،وذلك كشخص جائع،وأنواع الطعام متوفرة لديه،وأنت تقول له: لا تأكل...إنه -على الأعم الأغلب- سوف يأكل، ولا يهتم كثيراً بكون الطعام حلالاً أم حراماً...مغصوباً أو لا...مذبوحاً على الطريقة الشرعية أو لا...إلا من عصمه الله...إن هذه حاجة من الحاجات ويجب أن تروى،ولكن بطريق شرعي...وأي تأخير...وأي فلسفة لذلك لاتصب إلا لصالح الفساد والشيطان.

والآن لنعد إلى نفس السؤال:

لماذا الفساد ازداد بشكل رهيب في العالم.؟

لأننا نقول: (قال الله، وأقول) هذا كلامنا وإن لم نصرح به؛ (قال الله وأقول) إن أعمالنا ومواقفنا تحكي عن ذلك...الله يقول: (أنكحوا)، ونحن نقول: (لا تنكحوا).. الله يقول: (بكروا في الزواج)،و نحن نقول: (لا تبكروا) ونمتلك ألف دليل على ذلك!!

طبعاً الباطل له أدلة وقد قال تعالى: (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[13] الباطل أيضاً له أدلة، الله سبحانه وتعالى يقول عبر رسوله الأمين والأئمة المعصومين: مهر الزواج ينبغي أن يكون بسيطاً كمهر الزهراء (عليها الصلاة وأزكى السلام) خمسمائة درهم.. نحن نقول: لا كلام الله غلط - لا نقول ذلك بهذه الصراحة لكن عمقي، وعملي والعياذ بالله يشهد بذلك - نقول:في الزواج اللازم أن يكون المهر كذا، والمقدمات كذا، وأن تكون الشقة كذا.. أين تجدون ذلك في القرآن الكريم، أو في الحديث الشريف؟ هل من شروط الزواج الشقة المفروشة؟ بل إن التاريخ يشهد أن الإنسان كان يتزوج، والزوج ينتقل إلى بيت والد الزوجه أو بالعكس، وتخصص لهم غرفة واحدة من البيت، وكانت تكفيهم، وكانوا بذلك راضين قانعين...وكانوا يعيشون أسعد حياة،لا أمراض نفسية، ولا عقد ولا فساد...ولا ديون متراكمة لتسديد إيجار الشقة أو التأثيث الفاخر...ثم بمرور الأشهر أو السنين وبعد أن يشتد صلب الزوجين قد ينتقلان إلى بيت مستقل.

وهناك إحصاء سأقرأ لكم بعضه يقول: إنه في بلد إسلامي نفوسه ربما أقل من ثمانين مليون نسمة، يوجد أربعة عشرة مليون إنسان مُصاب بمرض نفسي لماذا؟

لأننا نقول -بلسان الحال - قال الله ولكن قول الله غلط - والعياذ بالله - ونحن كلامنا صحيح، نفول تحديد النسل واجب، وضرورة - والعياذ بالله - الزواج المبكر غلط، في غلط، في غلط؛ الزواج البسيط خطأ وفضيحة، وماء وجهي أين أوديه؟الله يعرف ماء الوجه أحسن، أو الإنسان يعرف؟ لذا (14) مليون إنسان مُصاب بأمراض نفسية في بلد إسلامي..ورقم (أربعة عشر مليون) رقم جداً غريب، إنه يعني عشرين بالمائة من نفوس ذلك البلد أو ما يقرب من ذلك...والسبب هو(قال الله وأقول)...

إذن الله سبحانه وتعالى عندما يقول: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، (وَدِينِ الْحَقِّ) ماذا يعني؟ إنه يعني العقيدة والشريعة معاً...فكل حكم شرعي -ومنه كل ما سبق- فإنها كلها من مفردات الدِّين، ومَنْ لا يقبل ذلك بألف عُذر، وعذر فهو مُشرك بالله في أحكامه.

هذه بعض الأمثلة البسيطة في المظهر القانوني الاجتماعي للمشرك أي لمشركي العصر الحديث، الذين لهم صولة وجولة، وقد تكون لهم لحية وجبّة، وأيضاً شعائر ومشاعر، وعلائم أخرى، وقد يستدلون بألف دليل ودليل، ولكن الجوهر هو الشرك بالله في أفعاله وأحكامه...أعاذنا الله وإياكم من ذلك...

3. هل (حسبنا كتاب الله) شرك؟

جانب آخر من الشرك بالله وفي أحكامه سبحانه وتعالى،هو إلغاء حجية كلام رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار، وإلغاء دوره والحاجة إليه في التشريع والحكم والتفسير...مع أن الله تعالى يقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[14] ويقول (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[15] أليس هذا في كتاب الله سبحانه وتعالى؟

ولكن ذلك الرجل، يقول: (حسبُنا كتاب الله)[16]، أليس هذا شركاً؟؛ في مقابل الله، يرفع رأيه ويقول: (قال الله، وأقول)...يقول: (حسبنا كتاب الله)...والله يقول لا يكفيكم كتاب الله، بل تحتاجون رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً، فإنه هو المفسِّر، هو المبيِّن، هو الموضِّح، هو المفصِّل للكتاب.. الكتاب فيه (آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ)[17]

وفي آية أخرى يقول: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)[18] الرسول حَكَم، كلا...لا يصح (حسبنا كتاب الله)، الله لا يقول (حسبنا كتاب الله) وإنما يقول: (لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)... ويقول (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ويقول (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)[19]

وإلا لكان إرسال الرسول لغواً، وعبثاً،ولاحظوا تشديد الله تعالى عبر هذا القـَسـَم وهذه الصرامة: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ) - إذن حسبنا كتاب الله غلط – (حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا).. والرسول  (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول: إني تارك فيكم الثقلين أو الثقلين، كتاب الله (ولكن هل قال حسبنا كتاب الله؟...كلا! وهل الكتاب يكفي الأمة؟...كلا... أبداً، بل هناك أمر آخر،وثقل ثاني عظيم جداً وهو: (وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا..)[20]

هذا هو دين الله، ومَنْ لا يقبله فهو مُشرك، ذلك أن الشرك على قسمين والمشرك مشركان:، مُشرك بالمعنى الأخص، أو مُشرك بالمعنى الأعم[21]، فالمشرك بالمعنى الأخص هو: من يُنكر وحدانية الله سبحانه وتعالى، والمشرك بالمعنى الأعم هو: من يخترع قوانين ويبتدعها في قبال قوانين الله تعالى،أو يُقصقص بعض قوانين الكتاب والسنة، أو يقول ولو بلسان حاله وأفعاله: (أنا شريك لله في التشريع، وقال الله وأنا أقول واضيف إلى كلام الله سبحانه وتعالى شيئاً جديداً أو احذف منه شيئاً) أو يقول: (مصدر التشريع أنا أحدّده وليس الله...أنا أقول حسبنا كتاب الله...ولا علي إذا قال الله (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ) بل الحكم القرآن فقط، حسبنا كتاب الله!! ولا علي إذا قال الله (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) بل حسبنا كتاب الله فهو الواضح الذي فيه تبيان كل شيء!! ولا علي إذا قال الله (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) بل حسبنا كتاب الله فما أتانا كتاب الله ناخذه ولاغير!).

4. بدعة إحترام الصحابة وأهل البيت معاً

ثم بعد ذلك لنشر إلى البدعة الجديدة التي تبناها البعض فخاطب أتباع أهل البيت (عليهم الصلاة وأزكى السلام) وقال: نحن نحترم أهل البيت، وأنتم تعالوا احترموا الصحابة...

إذن هذه (مقايضة): نحن نحترم أهل البيت فاحترموا الصحابة...

نقول له:أنت تحترم أهل البيت  (عليهم السلام)؟ أن واجبكَ الشرعي هو أن تحترم أهل البيت فليس هذا امتيازاً تعطيه لي، إنه امر الله الصريح...فقد طهرهم الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[22]

مُطهرون نقيات ثيابُهُم

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

وقد فرض الله عليك مودتهم،بقوله تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[23]

هذا ليس امتيازاً تعطيه لي،بل هذا أمر إلهي واضح وصريح،عليك أن تتبعه لو أردت أن تكون مؤمناً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى انت تقول:إحترموا الصحابة...ونقول لك ونسألك: هل أنت كلامك الحق وأحق أن يُتَّبع.. أم كلام الله؟

ونسألك سورة (المنافقون) نزلت في مَنْ؟ هل نزلت في أناس من الصين، أو جماعة يعيشون في المريخ؟ أو إنها نزلت في صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث خاطبه الله سبحانه، فقال: (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)[24] مَنْ كان هؤلاء؟ ألم يكونوا من أصحاب رسول الله الذين شاهدوه ورأوه وسمعوا كلامه، وشهدوا أيضاً الشهادتين؟ والأدلة والشواهد من الآيات عديدة بل كثيرة...

البخاري يصرح: بعض الصحابة في النار!

ولكن لنترك ذلك كله، وتعال إلى صحيحك نفسه، في الصحيح ماذا يقول؟

إنه يصرح بأن قسماً من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم القيامة سوف يكونون من أهل النار يُذهب بهم ذات الشمال إلى النار؛ في هذه الرواية الموجودة في رقم (6526) من صحيح البخاري، باب 45 باب كيف الحشر...ومثل هذا الحديث يوجد في رقم (4740) باب: كما بدأنا أول خلق نعيده من تفسير سورة الأنبياء...قام فينا النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب، فقال: أنكم محشورون حفاة عراة غرلا، (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)[25]...وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل، وإنه سيجاوأ برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول -النبي يقول- يا رب يا رب أصحابي.؟ فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك...فأقول كما قال العبد الصالح: (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿117﴾ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قال: فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم)، إنتهت رواية البخاري في الرقم 6526.

الله سبحانه وتعالى يأمر ببعض أصحاب رسول الله إلى النار- وهم أصحابه بنص كلامه  (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: يا رب أصحابي...ثم تقول:الصحابة كلهم من اهل الجنة؟ وعليك ان تحترمهم جميعاً...الله تعالى يقول كلاماً، وتقول كلاماً آخر، مَنْ هو الذي يجب أن يُتَّبع؟ أنت أم الله الواحد القهار؟...سبحانه وتعالى عما يشركون.

إن هذا يعد نوعاً من الشرك، أن تقول بكلام في مقابل كلام الله؛ بشهادة رسول الله فإنه  (صلى الله عليه وآله وسلم) يكشف بوضوح عن أن بعض الصحابة في النار، وصحيح البخاري يشهد على ذلك، وأنتَ تُقدِّس كل الصحابة، وتقول: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم..كيف يكونوا كالنجوم وأحدهم يقتل الآخر؟ بل إنَّ كثيراً منهم قتل الكثير منهم!...كيف يكونوا كالنجوم وبعضهم في النار؟...كيف يكونوا كالنجوم (بأيهم إقتديتم إهتديتم) وبعضهم قد فسّق البعض الآخر أو ضَلَّلَ الآخر - اعتبره ضالاً- بل كفـّر البعض الآخر...

بعضهم يقول: القرآن مخلوق، وبعضهم يقول له: أنت واجب القتل إذا قلت بخلق القرآن، أو قِدَم كلام الله أو ما أشبه..

أحدهم يقول: بالجبر،والآخر يقول بغير ذلك؛ واحدهم أشعري والآخر معتزلي..وكان هذا الخلاف منذ زمان رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت الأقوال المختلفة في شتى الشؤون موجودة،قد قتل بعضهم بعضاً،و كفَّر بعضهم بعضاً، وفَسَّقَ بعضهم بعضاً، ثم يكون كلهم كالنجوم؟

هذا هو التناقض بعينه، وقد بان الصبح لذي عينين وقد (خَابَ مَنِ افْتَرَى).

المعاني الثلاثة لـ (الدين)

والآن لنتوقف قليلاً عند كلمة (الدين) في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) ونتطرق لبعد من أبعاد هذه الكلمة..(الدِّينِ): تأملوا؛ (الدِّينِ) ماذا يعني؟

إن أحد معاني الدين؛ هو (الطاعة)، والآية الشريفة تقول: (وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ)[26] أي دائماً، وله الدِّين، أي له الطاعة، فأنت عليك أن تطيع الله ولايحق لك-بدلالة العقل والفطرة والوجدان- أن (تجتهد) في أيَّة قضية كانت في قبال (النص) وفي قبال ما شرعه خالقك وخالق الكون كله، ومن بيده المبدأ والمعاد، ومن له الأولى والأخرى، ومن هو أعرف بك من نفسك وأعرف بما يصلحك ويفسدك وبما هو الأصلح للمجتمع وبما هو الأصلح للمجتمع وبما هو الأصلح للنظام الكلي.

ذاك الإنسان، يقول: كيف تكون دِيَةُ المرأة نصف دِيَة الرجل؟ وكيف إرث المرأة نصف إرث الرجل؟ وكيف لاتقبل شهادة المرأة في بعض القضايا؟...والله تعالى يقول (وله الدِّين) إن عليك أن تطيع الله وتتبع تعاليمه،لا أن تطيع كل إنسان ضال مُشرك بالله سبحانه وتعالى في دينه ومنهجه وقوانينه ودساتيره.

إن (الدِّين) - كما سبق - من معانيه الطاعة (وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا) وفي آية أخرى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[27] أي في الطاعة أي لا تكره أحداً على طاعة الله، حسب بعض التفاسير، في هذه الآية القرآنية الكريمة، فالدين من معانيه الطاعة ولا إكراه فيه، إلا أن من ينتهكه فهو عاص،يستحق عليه العقوبة الأخروية، وإن لم يكره على العمل به في الدنيا، إلا في حدودٍ ضيقة دلّ عليها الدليل الخارجي وذكرها الفقهاء في كتبهم الفقهية، إلا ان الأصل هو (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)...

ومن معاني الدين؛ الجزاء ففي قوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[28] يراد بالدين: الجزاء أي مالك يوم الجزاء، إذن من معاني الدين الجزاء؛ وأيضاً هناك آيات أخرى عديدة تفسر بذلك كقوله تعالى (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴿5﴾ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ)[29] وإن الدين لواقع ماذا يعني؟ يعني أن الجزاء لواقع، وهو في يوم القيامة، إذن الدِّين من معانيه (الطاعة)، كما أن من معانيه (الجزاء).

(الشريعة) أُشرب في معناها: الطاعة والجزاء

ومن معانيه - وهنا بيت القصيد والشاهد في هذا البحث- والذي أُشرب المعنيان السابقان وهما المعنيان الأصليان للدِّين، فيه- هو: (الشريعة)، إن هذا هو المعنى المتداول عندنا، لكن المعنى الأصلي للدِّين هو (الطاعة)، وهو (الجزاء)، ثم استُعير الدين من المعنيين لمعنى (الشريعة) كـ (الشريعة الإسلامية) الغراء، والتي تُسمى بالدِّين، فتقول: الدِّين الإسلامي، أو تقول: الدِّين المسيحي، الدِّين اليهودي ما أشبه ذلك...فـ (الدين) يعني الشريعة وقوله تعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[30] يعني لكم شريعتكم، ولي شريعتي أو ما أشبه ذلك، هذه من الآيات القرآنية الشريفة التي استخدمت الدِّين بمعنى الشريعة، وهي كثيرة..

ولكن لاحظوا اللفتة الدقيقة، فإن (الشريعة) قد أشرب فيها، معنى الطاعة، وأشرب فيها معنى الجزاء، وهذا يعني أنه عندما يأتيك (شرعٌ) من الله و(تشريع) و(قانون) و(أمر أو نهي أو حكم) فإن قوامه، ومقومه (أن تُطيعه)، لأنك لو لم تُطع لجُزيت وحُوسبت..

فمعنى الشريعة - وهو المعنى الثالث للدين - في الواقع قد حمل شحنة من كلا المعنيين الأولين لدى التأمل الدقيق في هذه الكلمة والمفردة وقد (أشرب) بالمفهومين أيضاً.والآن لنلاحظ قول الله سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) ماذا يعني دين الحق؟

إنه يعني (شريعة الحق)، أو (طريقة الحق) والتي قوامها (الطاعة)، والتي قوامها (الجزاء)، (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)..فعلى العبد أن يُطيعَ، فإذا لم يُطعْ فإنه سيجازى، بأن يكون شقياً في الدنيا-كأثر وضعي- ومعاقباً أو من أهل النار -والعياذ بالله- أو العذاب في الآخرة..

فالدين إذن هو الشريعة، والجدير بالذكر أن بعض الأعلام ارتأى أن (المدينة)، سُميت بالمدينة لتضمنها هذين المعنيين،لأنها من نفس المادة (دين)، ولتضمنها هذين المعنيين، فلماذا يُسمون المدينة، مدينة؟ لأن فيها تضمَّن معنى (الطاعة)، أنت في الصحراء حر، في الغابة حر، متى تمشي، وأين تمشي وكيف تمشي؟ وبأيِّ وقتٍ تنام، وماذا تأكل أو تصطاد...وألف شيء وشيء...ولكن في (المدينة) هناك قوانين، هناك ضوابط، فأنت عليك أن تطيع سواء كانت بحق أم بباطل، بَراً كان أو فاجراً ذلك الحاكم، إذا لم تُطع تلقى الجزاء.. فالمدينة سميت بالمدينة؛ لأنها تتقوَّم بالركنين (الطاعة)، و(الجزاء)، وبالشرائع التي تُجعل في تلك المدينة...

فالدين؛ يعني الشريعة التي تتقوَّم بالطاعة من جهة، وبالجزاء من جهة ثانية، فلو أن الإنسان لم يُطع الله سبحانه وتعالى في أية مفردة من المفردات كان خارجاً عن طاعة الله وولايته بنفس المقدار وداخلاً في طاعة الشيطان وولايته بذات النسبة، وإستحق الجزاء على ذلك أيضاً...

5. كثرة السجناء والبطالة

وأؤكد مرة أخرى وأنتقل لمثالين آخرين، يقول الله سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) ولكن لماذا؟ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) يعني ليكون (الدين الحق)-على تفسير أو الرسول الحامل لراية الدين الحق على تفسير أخر- هو الأول والآخر، وهو المرجع والفيصل والمحك والحاكم والظاهر على الأديان كلها، وهو الذي يُسيطر على شتى مناحي الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الفردية، العائلية، وغير ذلك.. وإذا لم يكن ذلك فإن الإنسان سيكون مُشركاً وسيجازى جزاءً سريعاً..

لماذا 600 ألف سجين؟

وسأقرأ لكم بعض الإحصاءات السريعة؛ في بلد نفوسه أقل من 80 مليوناً وهو بلد إسلامي، ولكن لاحظوا عندما الإنسان يبتعد عن منهج الله سبحانه وتعالى ماذا يحدث له ولبلاده.

في هذا البلد هنالك في السنة الواحدة يدخل إلى السجن (ستمائة ألف) إنسان ويخرج من السجن (ستمائة ألف) إنسان، يعني بين داخل وخارج.. بلد إسلامي سكانه أقل من (80 مليون) نَسَمَة... لماذا؟

لأنه لا يُعمل بالدِّين،لأنه إذا عُمل بالدِّين الحنيف، السَّهل، ذي اليُسر، ما كان يقع ما وقع..

أمير المؤمنين (عليه صلوات المصلين) كان في الكوفة، -والكوفة كان نفوسها (أربعة ملايين) إنسان-، كم سجيناً كان فيها؟ كانوا يعدون بالأصابع، بل إن الأمير (عليه السلام) صنع سجناً من أعواد القصب...تصوروا سجناً من أعواد القصب مبني بطريقة هَشَّة، ولم يترك عليه حرّاساً، وعندما يخيم الليل كان السجناء يكسرون القصب ويهربون، فقالوا للأمير (عليه السلام) شأن السجن هذا، فقال ما مضمونه:أن ذلك هو المطلوب...ذلك أن فلسفة الدين وفلسفة أميرالمؤمنين هي أنه لايريد من السجن الناس إلا بقدر الضرورة القصوى وكأكل الميتة،لذلك يصنع السجن، سجناً من أعواد القصب، ليكسر السجين القصب ويهرب،وإذا هرب دعه يهرب يكفيه هذا القدر من (التعزير)...وفي المقابل هنالك في هذا البلد الإسلامي الواحد،كل هؤلاء السجناء لماذا؟ لأن هذا الحكم لا يمشي على الدِّين الإسلامي، ستمائة ألف سجين سنوياً يدخلون إلى السجن أو يخرجون.

14 مليون مريض نفسي...

وفي ذلك البلد أيضاً (أربعة عشر مليون) مريض نفسياً لماذا.؟لأن دين الله ليس هو الحاكم، هذا واضح عندما يحكم دين الله في الزواج، في السياسة، في الاقتصاد، في الاجتماع، في الحقوق، بعدها لا ترون هناك مريضاً إلا نادراً جداً.. أربعة عشر مليون مريض نفسي؛ أربعة عشر مليون فقير، أمير المؤمنين (عليه الصلاة وأزكى السلام) إمبراطوريته التي كانت تمتد على مساحة خمسين دولة بجغرافية اليوم، عن فقراء هذه الإمبراطورية العظيمة، كان يقول: ولعل بالحجاز أو اليمامة - كانتا بلدتين من أفقر البلاد الإسلامية ذاك الوقت- من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطاناً وحولي بطوناً غرثى..[31]

انه صلوات الله عليه (يحتمل) فقط أن يكون هناك إنسان واحد هكذا!!ورغم أن حكومته (عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام) إمتدت لأربع سنين وأشهراً، وكانت مع ذلك، مليئة بالاضطرابات، والحروب، والفتن الداخلية التي أثارها الأعداء.. ولكن -ومع ذلك وعندما طبق دين الله على يدي ولي الله- ما كنتَ تجد في ذاك البلد فقيراً واحداً، ولذا فإن الأمير عليه الصلاة وأزكى السلام على شدة إحتياطه ودقته وإتقانه في الكلام يصرح بهذا، ومع وجود شهود كثر، وأعداء كثر، ومنافسين كثر، ومتصيدين بالماء العكر كثر،فانه إذا كان في كلام الأمير أدنى مبالغة، كان يقوم احدهم ويعترض، ويقول: كلا هناك فقراء وبكثرة.

6. الأرض لله ولمن عمرها

لكنك تجد في هذا البلد الإسلامي (أربعة عشرة مليون) فقير، (ستة ملايين) شاب عاطل عن العمل وهذا يعني هدر طاقات ستة ملايين شخص،إضافة إلى الأضرار الكبيرة بل الأخطار الهالكة التي تنجم عن البطالة.

و(الإحصاء) عن مآسي ذلك البلد وسائر بلاد الإسلام طويل،ولكن السؤال هو لماذا كل هذا البؤس؟

والجواب واضح: لأن قوانين الله سبحانه وتعالى غير مُطبَّقة، إن الله وعلى لسان رسوله المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: الأرض لله ولمن عمرها..[32]

ونحن نقول (قال رسول الله، ولكن كلام رسول الله غلط) -والعياذ بالله- لا نقول ذلك باللسان إذ من يجرؤ؟ ولكننا نقول ذلك في (الاستدلالات) التي نقيمها على أن الأرض للدولة...وإلا لزم كذا وكذا من الأضرار والمفاسد...

نقول: الأرض ليست لله، إنها للدولة وما حاصل ذلك ونتيجته؟...الناتج هو كثرة الأراضي البوار في مثل هذا البلد من البلاد الإسلامية، بل في كل العالم نجد الأراضي البوار كثيرة جداً، وخَلْقُ الله فقراء ومحرومون منها، وذلك لأن الأرض منحت للدولة، والناس حرموا من زراعتها وبناءها ورعيها إلا بألف شرط وشرط وإلا بعد دفع مبلغ كبير لأرض لا تملكها الدولة بالأساس بل هي (لله ولمن عمرها)، بل القرآن يصرح بأن الأرض، وكل ما فيها وعليها هي للناس ولخلق الله المساكين اذ قد خلق الله الأرض لهم؛ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم)(خلق لكم وليس للحكومة) (مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)[33].

إن نسبة البطالة تتناقص بل ستنعدم إذا كانت الأرض للناس ويحق لكل إنسان أن يزرعها وأن يرعى فيها، وأن يبني عليها داراً أو معملاً أو مؤسسة أو مركزاً، فأين يبقى عندئذ مكروب؟ وأين يبقى حينئذٍ فقير، وأين يبقى بعد ذلك عاطل عن العمل؟

إن معارضة قوانين الله كقانون: (الأرض لله ولمن عمّرها) هي نوع من الشرك بالله في أحكامه، إذ يقول هذا المشرك: (قال الله،وأقول)... فهذا نوع من الشرك لأنه يستبطن دعوى (الأعلمية) من الله سبحانه وتعالى والعياذ بالله، ثم إن (المشرك) حيث لم يطع الله سبحانه وتعالى فسيجازى بالشقاء بالدنيا وبالعذاب في الأخرى...

انطلاقاً من ذلك كلها علينا أن نضع هذه الآية القرآنية الشريفة نصب أعيننا دائماً، وأن الهدف من إرسال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) هو (ليظهره)-أي الدين الإسلامي أو الرسول بما أنه رافع راية الدين الإسلامي- على الأديان كلها فعلينا أن نسعى لتحقيقه، وأن نعمل، وأن نتبِع، وأن نطيع، وأن نكون كما أراد الله سبحانه وتعالى لنا (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) إن عليهم وعلينا جميعاً أن {ﯭ ﯮ} حتى إذا لم يفهموا الحكمة ولم يعلموا وجه الحكمة من التشريع، فعليهم أن يسلموا -على الرأس والعين- ويعترفوا أنهم الجهلة وليس الرسول -والعياذ بالله- جاهلاً.

إنك لا تجد أحداً يقول ذلك بعد...ولكننا بعملنا، وبقوانيننا الاجتماعية، أو غيرها نقول ذلك والله يقول: (وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا).. لاحظوا جيداً، (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)[34]؛ (وليس الاجتهاد في مقابل القرآن الكريم والروايات الشريفة؟

(الإِسْلامُ) يعني التسليم وأن تُسلِّم وجهك وقيادك،وتسلمها لله تعالى كما قال تعالى (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)[35] أن تسلم وجهك لله، وتسلّم زمام أمورك وحياتك وهندستها وقوانينها لله تعالى ولتعاليمه ودساتيره ودينه القيم، إن الدين عند الله هو أن تكون عبداً، إن فخر رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه كان عبداً لله، وهل العبد يجتهد ويرفع راية في مقابل الله؟

7. القرآن نزل لزمان خاص!!

كلا.. كلا.. لا يجتهد العبد في مقابل رب العزة والجلال...لكننا نحن صرنا - وبكل أسف- مجتهدين، وبشكل مطلق، إلى درجة أن ذاك الإنسان البعيد عن جادة العقل -فكيف بالشرع - في كتابه الصادر قبل فترة يقول -والعياذ بالله- (تأملوا الاجتهاد بل الطغيان عندما يفتح بابه في مقابل القرآن والروايات، فإنه يبدأ بقضايا بسيطة... مثلاً الزواج المبكر غلط بألف فلسفة وفلسفة، المهر الخفيف واليسير غلط بألف فلسفة وفلسفة، والأرض ليست لله ولمن عمّرها، وإنما هي للدولة بألف فلسفة وفلسفة، عندما تبدأ من هنا تنتهي إلى هنا)، هذا الإنسان ويعده البعض من كبار المفكرين في العالم الإسلامي، يقول:

نزل القرآن -والعياذ بالله- لزمان خاص ومكان خاص...لذلك فان كل قوانينه حول المرأة،ملغاة؟!!

لماذا؟ لانه أصبح أسيراً يمشي في ركاب الغرب...لأن التموج الفكري الغربي قد سيطر عليه، والغرب يقول: المرأة حقوقها متساوية مع الرجل بشكل مطلق وفي كل الأبعاد والجهات، فكيف يكون لها الثمن في الإرث-كزوجة- أو النصف كابنة مثلاً، أو في الدية كيف يكون لها النصف مثلاً، أو لا يُقتل بها قاتلها إلا مع إرجاع نصف الدية أو ما أشبه ذلك من الكلام...

وما هذا كله إلا لأنه انهزامي أمام سطوة الغرب...ولانه خرج عن (ولاية الله) و(طاعته) إلى (ولاية الغربي) و(طاعته) حتى إنه لا يقبل كلام الله وصريح كتابه المجيد،و يقبل كلام الغربي...حتى إنه يصل إلى هذه الدرجة، ويقول: القرآن نزل لزمان خاص، ومكان خاص...

وذلك ليتهرب من أي (قانون قرآني صريح) لايقبل به اليهود والنصارى أو الحضارة الغربية...تقول له:إذا كان الأمر هكذا؛ فالصلاة أيضاً كانت لزمان خاص، إذا كانت (الدية) وتحديداتها غلطاً -حسب مدعاك-، فإن الصلاة أيضاً غلط، وقد نزلت لزمان خاص، ولأناس بدو أعراب كانوا يحتاجون للركوع والسجود، أما أنا فإنني إنسان مثقف، وعالم كبير واستاذ جامعي، فكيف أركع وأسجد؟ بل إنني أكتفي بذكر الله وقد قال تعالى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)[36] لاحظوا تلبيس إبليس إنه يستعين بخمسين دليلاً يستدل به!!

ذالك الحاكم البعيد أيضاً عن جادة الصواب استدل على ضرورة أن تكون العطلة يوم السبت، (لاحظوا لأنه متأثر باليهودية العالمية... إن لم يكن عميلاً- وهذا هو الجوهر-) في بلد معين استدل على ذلك بشكل مخادع جداً- وقد أطاحوا به لأنهم استنفدوا أغراضهم منه رغم كل ما قدم لهم ورغم أنه ضحى بدينه وشعبه لأجلهم- استدل على ذلك بالقول:(يوم الجمعة يجب أن يكون يوم عمل لايوم عطلة،و يوم السبت يلزم أن يكون يوم عطلة، يوم اليهود يكون عطلة لماذا؟ لأن الله يقول: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ)[37] إذن الله يقول يوم الجمعة لا عطلة هنالك...فـ (اليهود) كلامهم هو الصحيح والإقتصاد الوطني يتضرر بعطلة يوم الجمعة...ويوم السبت عطلة عالمية...فلنكن مثلهم!! إن لكل (مبطلٍ) دليلاً ولكنه يلبس الحق بالباطل.

لفتة في قوله تعالى: (وَدِينِ الْحَقِّ)

وإليكم آخر كلمة ولفتة أشير لها، هنا والتفصيل في وقت آخر، وهي لماذا قال الرب (وَدِينِ الْحَقِّ) ولم يكتف بـ(والدين)أي يقول (ارسل رسوله بالهدى والدين)؟

الجواب قد يكون هو: لأن الله يعلم أننا نحن البشر غارقون مع الأسف في الجهل، لذا لم يكتفِ بذكر كلمة الدِّين مفردة، وإلا فالدِّين الذي جاء من الله هو الحق دون ريب ولكنه يؤكد ذلك بقوله: (وَدِينِ الْحَقِّ) رغم أن الله اذا أرسل رسولاً بدين فإنه لا يُعقل أن يكون باطلاً؟ وهو الحكيم، اللطيف، الرؤوف، الرحيم، ورسوله هو الصادق الأمين، ولكن البشر جاهل، يقول: دين الله باطل بلسانه، أو بفعاله لذا احتاج الأمر إلى التأكيد والتصريح الذي لا لبس فيه بقوله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) هذا تأكيد، إن ما جئتكم به فهو الحق هو (الدِّين الحق)،وماذا بعد الحق إلا الضلال..

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا، وإياكم لكي نكون من الذين يسلمون قيادهم وزمام أمور معاشهم ومعادهم لله، ولرسوله، ولأئمة أهل البيت (عليهم الصلاة وأزكى السلام) حقاً وصدقاً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين..

................................................

* فصل من كتاب بحوث في العقيدة والسلوك

الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر و التوزيع

وهو مجموعة من البحوث والدروس الهادفة التي تتوخى الاسترشاد بالقرآن الكريم للتعرف على الحقائق (التكوينية والتشريعية) ولا صلاح المجتمع وصولا والى السعادة الدنيوية والأخروية، وللنهوض بالفرد والأسرة والأمة. وقد ألقاها آية الله السيد مرتضى الشيرازي على جمع من علماء وفضلاء الحوزة العلمية الزينبية ليالي الخميس طوال العام الدراسي.

** للإطلاع على باقي فصول الكتاب:

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mortadashirazi.htm

....................................................

[1] (التوبة:33)

 [2] (البقرة:185)

 [3] راجع البحار للشيخ المجلسي:ج30 ص548،وفيه قال  (صلى الله عليه وآله وسلم): بعثت إليكم بالحنفية السمحة السهلة البيضاء..

 [4] عدد غزوات وحروب الرسول الأعظم  (صلى الله عليه وآله وسلم) نيف وثمانون غزوة وسرية،كما بينت كتب السيرة والغزوات..

 [5] (البقرة:256)

 [6] (الأعراف:157)

 [7] البحار للشيخ المجليسي: ج44 هامش ص169.

 [8] (الأنعام:62)

 [9] الكافي للشيخ الكليني:ج5 ص336،والرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام)..

 [10] (النور:32)

 [11] إذ أولاً:ما أكثر الفقراء في ذلك الزمن وثانياً أن الآية عامة وتصرح بالكبرى الكلية، ولا إختصاص لاحكام القرآن بزمن دون آخر كما هو بديهي.

 [12] (التوبة:33)

 [13] (آل عمران:71)

 [14] (الحشر:7)

 [15] النحل:44

 [16] صحيح البخاري - البخاري - ج 7 - باب المرضى والطب -ص 9: لما حضر رسول اله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله(!!)

 [17] (آل عمران:7)

 [18] (النساء:65)

 [19] الحشر:7

 [20] البحار للشيخ المجلسي:ج2 ص101،وفيه تفصيل طويل حول هذا الحديث المتواتر لدى المسلمين جميعاً..

 [21] الشرك بالمعنى الأعم معصية كبيرة فإن استلزمت أو جرت إلى إنكار الضروري من الدين،سببت الخروج عن الإسلام وإلا كانت معصية كبيرة يستحق عليها العقاب ويبقى محكوماً بأحكام الإسلام الظاهرية.

 [22] (الأحزاب:33)

 [23] (الشورى:23)

 [24] (المنافقون:1)

 [25] (الأنبياء:104)

 [26] (النحل:52)

 [27] (البقرة:256)

 [28] (الفاتحة:4)

 [29] (الذاريات:6)

 [30] (الكافرون:6)

 [31] نهج البلاغة:من كتاب له(عليه السلام) لعثمان بن حنيف الأنصاري واليه على البصرة..

 [32] الكافي الشريف للشيخ الكليني:ج5 ص279..

 [33] (البقرة:29)

 [34] (آل عمران:19)

 [35] (البقرة:112)

 [36] (العنكبوت:45)

 [37] (الجمعة:10)

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/تموز/2010 - 11/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م