العودة إلى الحياة

سيد يوسف

(إن الله عز وجل ما وهبنا الحياة لنموت أو لننتحر من أجل أن يحياها الطغاة نيابة عنا)

 

لست أقصد وعظا بمقالى هذا فما للوعظ فى النفوس البليدة؟!، ولا أقصد تقرير معنى اجتماعي بعودة الإنسان إلى أهله، ولا أقصد تقرير معنى دينى بعودة المرء لأخلاقيات دينه يتبعها، والحق أن هذه كلها معانى جد مطلوبة لكنى أقصد المعنى السياسى لهذه العبارة.

كانت هذه مقدمة ضرورية ونحن نصدر مقالتنا بقوله تعالى " إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله..." والحق أن الباحث المتأمل لوجوه الناس فى مصر يجد أمواتا غير أحياء يجد مصريين بلا روح انظر مثلا إلى لاعبى كرة القدم بين منتخب مصر وبين منتخبات أخرى تجد أشبه ما يكون بأميبا مصرية تتحرك فى مقابل لياقة وصحة وحركة جيدة للمنتخبات الأخرى، ثم انظر إلى شعوب أخرى وهى تتحرك تدافع عن حريتها أو كرامتها ثم قارن ذلك بما عليه المصريون تجد فروقا شاسعة، ثم انظر إلى فقراء بلادى وقارن بينهم وبين فقراء الشعوب الأخرى تجد فارقا بين السماء والأرض ثمة فهلوة يشوبها غش عريض هنا وكرامة يملؤها الكبرياء هناك...

 لست أجلد قومى إنما المصارحة ألف باء التغيير إن الموتى لا يسمعون نداء الأحرار إنما يسمعه الأحياء وهم الذين يستجيبون...والمعنى رغم مجازيته لكنه يحمل حقائق مروعة: إن صحة المصريين وقد فتكت بهم الأمراض لا يمكنها أن تستجيب لدواعى التغيير السياسى ومن ثم دفع ضريبة هذا التغيير، وإن فقر المصريين وغالبيتهم لا يجد ما يسد به رمق أولاده لا يمكن معه الاستجابة لدواعى التغيير ودفع ثمنه، وإن الذل الذى يحيط بجموعهم خشية التعرض للشرطة (بعضهم أو أكثرهم يتنازل عن حقوقه خشية الاصطدام بالشرطة) لا يمكن أن يجتمع معه دفع كلفة التغيير ذلك أنه لا يستجيب الموتى إنما يستجيب الذين يسمعون، والموتى بالفقر والذل والمرض ومن ثم الجهل لا يمكنهم أن يتحركوا : ماذا يفعل المرضى أمام العتاة؟ ( وقد مر بنا آنفا نموذج سابق لشرطى قام بتعذيب مواطن قعيد) وماذا يفعل الموتى حين ينادى عليهم دعاة التغيير؟ لا شىء.

من هنا تكمن بدايات التغيير فأينما وجد الإنسان الحقيقى وجدت معه أسباب النهوض، من هنا تكمن بدايات التغيير: بالدعوة إلى الحياة، بإيقاظ النداء الكامن داخل الفقراء والمرضى، بإشعال معانى الحرية والحق فى الحياة الكريمة بين المواطنين، بالتعرف على الحقوق والواجبات، بالشد على أيدى الظالمين، بتفعيل حركات التغيير وتشجيعها وعدم تخوينها، بفضح الظالمين والعتاة أيما فضح، بتدويل قضايا التعذيب مهما كانت بسيطة، بتبيان أن الله عز وجل ما خلق لنا الحياة لنموت نحن من أجل أن يحياها الطغاة والعتاة والمتجبرون، بصفع أدوات التعذيب فالحياة واحدة وطعم الموت فى أمر حقير كطعم الموت فى أمر عظيم والكرامة ألا تكون مع الهمل.

إننا حين ندعو لذلك إنما ندعو للحفاظ على كرامة أبنائنا وثروات بلادنا من أن ينهبها الطغاة كما نهبوا من قبل حيوات كثير من المصريين...ألا أيها النوام هبوا ففراغ مصر منكم قد أوقعها فى شر عريض جعل سفلة الناس يسعون لتبوء مناصب حساسة كالرئاسة وهم لما يقتربوا منها...وإن أثمن ما يملكه المرء حياته وإنه لمن الكرامة ألا يهبها لطغاة بالصمت أو السكوت على الطغيان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/تموز/2010 - 8/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م