الإسلام والحكم الدكتاتوري

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: فرضت الطبيعة الاجتماعية لبني البشر تكتلهم مع بعض في حيّز مكاني معين تطوّر مع مرور السنين حتى بات يشكل دولة قد تضم مئات الملايين من الناس كما هو الحال مع الشعوب والامم المعاصرة، وهذا ما فرض بدوره على هذه الشعوب تكوين القيادات العليا التي تدير شؤون الجمع وفق عقد بين الحاكم والمحكوم ينظم العلاقة المتبادلة بينهما وأطلقت تسمية دستور على هذا العقد الثنائي كما هو الحال في الدول الراهنة.

بيد أن المشكلة التي رافقت اختلال العلاقة بين الحاكم والمحكوم غالبا ما تتمثل بعدم الالتزام ببنود العقد او الدستور الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لاسيما من طرف الحكام، وهذا يعني ان الامم والشعوب في الغالب هي الضحية في اختلال العلاقة مع الحكام، الامر الذي يؤدي الى غمط حقوق الناس والتجاوز على حرياتهم وأموالهم وممتلكاتهم المادية والمعنوية أيضا من لدن الحكام الطغاة.

وقد جاء الاسلام لكي يجعل من العلاقة بين الطرفين (الحاكم والمحكوم) قائمة على ركائز واضحة وثابتة ومتفق عليها بين الجميع لدرجة انها لا تقبل التسويف او المماطلة، بل هي واضحة المعالم ولا تحتاج إلا للقادة والحكام الذين يؤمنون بالدين حقا ولا تأخذهم رغائب النفس الى اتجاهات بعيدة عن الاهداف الواضحة التي وضعها الاسلام وخطط لها بوضوح لاسيما في مسألة اختيار الحكام.

ولهذا السبب لابد أن يعرف المسلمون على أية ارضية ستحركون وماهي الكيفية التي يحققون من خلالها ما يصبون إليه في هذا المجال، إذ يقول الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس) بهذا الخصوص في كتابه القيّم الموسوم بـ (السبيل الى إنهاض المسلمين):

(لكي تتحرّك مختلف فصائل الأمة نحو إقامة حكومتها الإسلامية الكبرى، ينبغي أن تكون على بصيرة من أمرها، وتعرف جيداً طبيعة الحكم والقيادة التي ستشرف على إدارة شؤونها وتقرر لها مصيرها، وتخطط لمستقبلها).

وهذا يعني قدرة الامة على تحديد الهدف والسعي إليه بالوسائل المتاحة، ويقع في المقدمة من ذلك الكيفية التي تتم بها اختيار الحاكم، وفي هذا المجال يحدد الإمام الشيرازي الكيفية التي يمكننا من خلالها بلوغ هذا الهدف عبر شرطين أساسين ذكرهما الإمام الشيرازي في كتابه نفسه قائلا: (إن من الشروط الأساسية في الحكومة تحقيق الشورى والاستشارة في كافة المجالات، حيث قال الله تعالى: "وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ". فرئاسة الحكومة تكون عبر انتخابات حرة ينتخب فيها الحاكم تبعاً لأكثرية الآراء، شرط أن تتوفر فيه المواصفات التي اشترطها الله سبحانه كالعدالة والاجتهاد في الأمور الدينية والاطلاع على شؤون الدنيا).

إذن ثمة مواصفات لابد أن يتحلى بها الحاكم كالعدالة والاجتهاد وغيرهما من الاموار المهمة وبغيابها او فقدان الحاكم لها سيكون غير مؤهل لمثل هذا المركز الحساس بل المصيري لعموم أفراد المجتمع، ولعل الجميع يتفقون على أن مثل هذه الصفات لا تتوفر بالقول او الادّعاء بل ساحة الفعل والحراك العملي والادارة الفعلية هي التي تؤكد وجود هذه المواصفات في شخصية الحاكم من عدمها.

وهذه المواصفات في حالة تحققها لابد أنها تنم عن قيادة تصب في صالح الناس، وهذا يؤكد بما لا يقبل اللبس تقاطع الاسلام مع الدكتاتورية تقاطعا كليا، ورفضه القاطع ايضا لاسلوب الاستيلاء على السلطة باسلوب الانقلاب واستخدام القوة وعدم التداول السلمي للسلطة عبر الصيغ الانتخابية والدستورية المتفق عليها، حيث يؤكد الإمام الشيرازي في كتابه نفسه على ان: (الحكم في الإسلام ليس وراثياً دكتاتورياً، كما أن الحاكم الذي يأتي إلى الحكم عبر انقلاب عسكري مرفوض من قبل الإسلام حتى لو كان الحاكم مسلماً، إذ الإسلام يشترط آراء الأكثرية، هذا إضافة إلى أن الاستقراء أثبت لنا أن كل الذين قاموا بانقلاب عسكري في البلاد الإسلامية كانوا مرتبطين أو ارتبطوا فيما بعد بالقوى الاستعمارية).

وثمة شرط آخر يراه الإمام الشيرازي مهما في مجال الحكم الاسلامي إذ يحث الإمام على أهمية أن يتوحد المسلمون سواء كانوا أفرادا او جماعات او دولا، لأن الاجتماع يقود المسلمين الى وحدة الكلمة والهدف والطموح وهكذا تكون وحدة المسلمين عنصر قوة واستقرار وتطور، إذ يقول (قدس) في هذا الصدد: (من الضروري توحيد البلاد الإسلامية كلّها تحت لواء حكومة إسلامية واحدة ذات ألف مليون مسلم).

ثم يحث الإمام الشيرازي أصحاب الفكر والعلماء والمعنيين بنشر الوعي بين الناس، على اهمية القيام بدورهم في توعية عموم الناس على اهمية تحقيق الحكومة المنتخبة والحاكم المنتخب الذي لا يتقاطع مع الاسلام في افكاره وقراراته السياسية وغيرها، فيقول (قدس) في هذا المجال: (على أصحاب الأقلام والمفكرين أن يعطوا للناس الوعي بضرورة كون الحكومة استشارية، ووجوب إقامة حكومة عالمية واحدة، ولزوم اتخاذ سياسة اللاعنف في كافة المجالات).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/تموز/2010 - 7/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م