علم البرازيل... وصورة صدام

لهم فنون الكرة ولنا حضور الطغاة..

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: مخيم برج البراجنة الفلسطيني في لبنان, مخيم يعود تأسيسه الى اكثر من 59 عاما.. أُنشئ في سنة 1948، على مساحة 104 دونمات، فاعتبر من أكبر المخيمات الفلسطينية في العاصمة بيروت. في هذا المكان الذي ينتشر فيه البؤس، والفقر، والشوارع الموحلة، يعيش أكثر من 20 ألف لاجئ فلسطيني.. يتوزعون على عشرة تنظيمات سياسية، تحمل كلها السلاح الفردي والمتوسّط، وهي «فتح» و«حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» و«جبهة النضال الشعبي» و«الجبهة الشعبية - القيادة العامة» و«جبهة التحرير» و«الصاعقة» و«فتح - الانتفاضة» و«الجبهة الديموقراطية» و«الجبهة الشعبية». ويزيد عدد مقاتليها على 400.

في هذا المخيم يوجد حي اسمه حي التراشحة (ربما نسبة الى قرية ترشيحا في الجليل الأعلى) اطلق عليه قاطنوه اسما شعبيا كرويا آخر وهو حي (الريو) نسبة الى ريودي جانيرو حبا بمنتخب البرازيل والكرة البرازيلية. وقد تنقلت كاميرا العربية في المخيم وصورت بعض اللقطات، وقد لفت نظر الكاتب احدى الصور لصدام حسين بنصفه العلوي مرتديا زيه العسكري وملوحا بيده الى جمهور مفترض لا نراه في الصورة.. وهي من الصور الشهيرة لدكتاتور العراق السابق والتي تعد بمثابة إيقونة تجدها على الكثير من أغلفة الكتب وعلى الساعات وعلى بعض الطوابع وغيرها من المقتنيات..

المسألة الى هنا عادية فهي تحدث في اكثر من مكان من المعمورة, لكن لنكمل الحكاية:

الحكاية تقول ان هذا الحي مغلق على مشجعي البرازيل حصرا وأي داخل الى هذا الحي من مشجعي الفرق الأخرى يتعرض إلى الضرب وأحيانا إلى إطلاق النار عليه كما يخبرنا عدد من الاهالي في تقرير بثته العربية في نشرة اخبار المونديال (السابعة والنصف مساء يوم الاثنين 5/7/2010)..

 في مقالته المعنونة (كرة القدم ولاعبها) يرى حازم صاغية في كتابه (نانسي ليست كارل ماركس) ان كرة القدم عبارة عن حرب كلاسيكية بين مجموعتين كلاهما يسعى الى الانتصار على المقابل عبر المستطيل الاخضر مستعينا بسرعة اللاعبين ومهاراتهم وحتى قوتهم العضلية في المخاشنة والتدافع ويذهب الكاتب بعيدا على اعتبار ان كرة القدم تتشابه في بعض النواحي مع الحرب الاهلية او انها حرب اهلية بامتياز..

ويرى الباحث عبد الاله بلقزيز:

تقترن كرة القدم بالماهيات الاجتماعية مثلما تقترن بالمتعة، لكنها في الوقت عينه تستثير مزيجاً من الغرائز العدوانية والمشاعر الإنسانية غزيراً. فهي تحرك في النفس في نفوس اللاعبين ونفوس مناصريهم الرغبة في الانتقام وما يرافقها من الشتم والسباب والعراك الفردي والمصادمات الجماعية. وكثيراً ما شهدت ميادينها هذا النوع من التعبير عن نوازع العدوان في الناس..

في كرة القدم إذن ومنافساتها وجمهورها وطقوس التفرج تتمظهر الظواهر كافة التي تستحق القراءة والتحليل: السادية، والنرجسية، والهستيريا الفردية والجماعية، والعُصَاب، والتعصب والعصبيات، ومستويات التعبير المختلفة عن الهوية الجمعية، والعلاقة بالآخر، ومنظمة القيم الأخلاقية، والتسامح، والعلاقة بالقانون (قواعد اللعبة)، والثقافة الاجتماعية والسياسية الجمعية... الخ

بهذا تعد كرة القدم نوعا من العنف المضمر الذي تباركه الجماهير المحتشدة تشجيعا لهذا الفريق او ذاك وهو عنف ارتقى بالاسلحة المتعارف عليها الى كرة دائرية يجري الجميع خلفها والغلبة لمن يدخلها في شباك الـخصوم.. والمخيم الذي استدعى هذا الحديث قامت فيه الكثير من المعارك بين المتصارعين التابعين لمنظمة التحرير او لحماس وقبلها للمنظمات الفلسطينية الاخرى. وهي حرب عرفت في الاعلام بحرب المخيمات نتيجة لتاجير بنادق المقاتلين لاكثر من جهة مختلفة ايديولوجيا..

وهو اقتتال اكتسب طابعا أهليا فيما بين المقاتلين فلا آخر غريب بينهم يمكن ان يستدعي هذه الخصومة والعداوة والاقتتال...

وكرة القدم تستعير بعض مفردات المعارك والحروب وبعض التسميات البعيدة او القريبة لقادة او طغاة فمباراة هولندا والاورغواي اطلق عليها معلق الجزيرة الرياضية ام المعارك والمدينة التي اقيم على ملعبها المباراة تسمية ام المدن...

والاولى استعارة من لغة صدام حسين الـتعبوية في العام 1991 بعد غزو الكويت ضد الحلف الثلاثيني انذاك والثانية تسمية صدام حسين لمدينة البصرة باسم (مدينة المدن) ويستعير آخرون تعبير موقعة وغيرهم يذكر بتاريخ من الثأر والعداوة اذا التقى فريقان ينوءان بتاريخ مزدحم بالحروب والكراهية (بريطانيا - فرنسا) (بريطانيا-المانيا) (السلفادور-هندوراس) (ايران-امريكا)..

والمشاهدون في متابعتهم لمباراة معينة وخاصة لفريقهم إزاء الفرق الأخرى يتوحدون خلف فريقهم وعلمهم ونشيدهم الوطني وتستتر خلافاتهم خلف صيحات التشجيع وامنيات الفوز وتختفي تناقضاتهم التي قادتهم الى الاقتتال فيما بينهم (العراق في بطولة اسيا 2007)

وقد ارتبطت احداث سياسية عديدة بكرة القدم كمونديال 1934 روما الذي جعله موسوليني مناسبة (البعث الفاشي الايطالي) او حرب 1969 بين السلفادور وهندوراس انطلاقا من مباراة بين فريقيهما..

وآخر تعبير لكرة القدم عن السياسة والحرب الاهلية المباراة التي جمعت ساسة لبنان بمناسبة الحرب الاهلية اللبنانية وما خلفته بين اللبنانيين من قتل وتهجير وتدمير وخراب.

وقد أحيا اللبنانيون هذه الذكرى، ولكن بمباراة ودية لكرة القدم بين الوزراء والنواب بحضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان وبمشاركة رئيس الحكومة سعد الحريري تحت عنوان كلنا فريق واحد.

وأقيمت المباراة دون جمهور، في إشارة إلى حساسية الوضع في لبنان حيث تؤدي الحماسة في بعض الأحيان إلى خروج الأمور عن السيطرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/تموز/2010 - 30/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م