بترايوس... حصان اسود أم إخفاق جديد؟

القوات الأمريكية تستنزف و أوباما يشدد على الانسحاب

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يراهن الرئيس الأمريكي بشده  على قائد قوات التحالف الجديد الجنرال بترايوس في خطط تكتيكية للانسحاب من أفغانستان بشكل مسئول حسبما يشاع، أملا في نقل تجربة نجاح الجيش الأمريكي التي استطاعت إخماد التمرد في العراق بشكل كبير إلى أفغانستان سيما ان الجنرال بترايوس هو من كان يتولى القيادة هناك.

ويأتي تولي بترايوس لمهامه هناك في أجواء تعتبر محبطة نظرا للخسائر المتتالية التي تتكبدها القوات الأمريكية على يد متمردو حركة طالبان، وفشل الجهود المتكررة في الحد من انتشار نفوذ وهيمنة الجماعات المسلحة في المدن والقصبات الأفغانية.

توحيد الجهود

فقد دعا الجنرال ديفيد بترايوس في مستهل مهمته قائدا للقوات الاجنبية في افغانستان، الى توحيد الجهود في الحرب في افغانستان.

ويواجه الجنرال مهمة صعبة لاحلال السلام والامن في هذا البلد وتأمين خروج القوات الاجنبية التي تقاتل تمرد طالبان بما يحفظ لها ماء الوجه.

وقال بترايوس في السفارة الاميركية في كابول "يجب ان نحقق الوحدة ويكون لنا هدف مشترك في هذه الجهود.اننا مدنيون وعسكريون، افغان ودوليون، جزء من فريق واحد له مهمة واحدة".

واكد بترايوس الذي تولى قيادة اكثر من 140 الف جندي من الولايات المتحدة والحلف الاطلسي ينتشرون في افغانستان، خلفا للجنرال المقال ستانلي ماكريستال، انه من المرجح ان تصبح الحرب اكثر صعوبة قبل ان تبدأ في التحسن.

وقال امام نحو 1700 شخصا حضروا احتفالات عيد الاستقلال الاميركي الموافق الرابع من تموز/يوليو والتي جرت في السفارة الاميركية "هذه مهمة صعبة، وليس فيها اي شيء سهل. لكن بالعمل معا نستطيع ان نحرز التقدم ونستطيع ان نحقق هدفنا المشترك".

ومن المقرر ان يتولى بترايوس مهامه رسميا الاحد في مراسم تجري في مقر قوات حلف الاطلسي وسط كابول.

الا ان الجنرال بدأ ممارسة عمله السبت حيث ترأس اجتماعا يوميا يجري لمناقشة الوضع مع القادة العسكريين في مختلف مناطق افغانستان، حسب احد مساعديه.

ووصل بترايوس الى افغانستان بينما ارتفع عدد القتلى من الجنود الاميركيين وجنود حلف شمال الاطلسي الى مستويات قياسية في القتال الشديد وكذلك مع تزايد التساؤلات حول جدوى تخصيص هذه الموارد البشرية والمالية الهائلة لقضية يمكن ان تكون خاسرة.

ولقي تعيين بترايوس قائدا لاكثر من 140 الف جندي من الولايات المتحدة والحلف الاطلسي ينتشرون في افغانستان، ترحيبا من قبل المسؤولين الافغان ومن بينهم الرئيس الافغاني حميد كرزاي الذي بدأ يفقد تأييد الغرب له.

الا ان محللين حثوا بترايوس على اجراء تعديلات فورية لتحويل مسار الحرب التي يرى الكثيرون انها تسير لمصلحة طالبان. وقال احمد بهزاد النائب في البرلمان الافغاني "على بترايوس تغيير الاستراتيجية الاساسية للحرب ضد طالبان".

واضاف في تصريح لوكالة فرانس برس ان "تغيير قيادة القوات الاجنبية لن يكون مؤثرا الا اذا رأينا ان مزيدا من الخطوات تتخذ ضد الارهابيين".

ورأى المحلل السياسي هارون مير ان ماكريستال واجه انتقادات بسبب فشل القوات الاجنبية في تامين منطقة مرجة التي تشتهر بزراعة القنب في ولاية هلمند الجنوبية في عملية واسعة جرت في شباط/فبراير الماضي. واشار هارون الى انه تم تاجيل خطة لتكثيف العمليات ضد طالبان في ولاية قندهار التي تعد معقلا للمسلحين حتى ايلول/سبتمبر المقبل. واضاف "لا نعرف ان كان سيتم تنفيذ ذلك ام لا".

ورغم تاكيد الرئيس الاميركي باراك اوباما والجنرال بترايوس نفسه بان تغيير القيادة لا يعني تغيرا في الاستراتيجية، فان الجنرال المح الى امكانية اجراء بعض التغييرات.

واشتكت القوات من ان قرار ماكريستال "بضبط النفس الشجاع" بهدف تقليل الخسائر بين المدنيين، منعهم من الدفاع عن انفسهم بالشكل اللازم مما اسهم في ارتفاع عدد القتلى بينهم.

وقتل مئة وجنديان اجانب في شهر حزيران/يونيو وهو ضعف عدد القتلى في ايار/مايو، ويفوق اعلى عدد سابق للقتلى بلغ 77 قتيلا في اب/اغسطس الماضي.

وحتى هذا الوقت من 2010 قتل اكثر من 320 جنديا مقارنة مع 520 في 2009، كان اخرهم جندي بريطاني قتل.

واقر بترايوس هذا الاسبوع بان القوات غير راضية عن قواعد القتال التي تحد من الضربات الجوية والقصف المدفعي. الا انه نفى ان تكون لديه اي خطط لتغيير ذلك.

وصرح في مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع مندوبي الحلف الاطلسي في بروكسل "علي واجب اخلاقي كقائد (...) باستخدام كافة القوة المتاحة عندما تكون قواتنا، او قوات شركائنا الافغان، في موقف صعب".

وقال مسؤول عسكري ان بترايوس بوصفه مهندس استراتيجية مكافحة التمرد التي ساعدت على اخماد الحرب الاهلية في العراق وجرى تطبيقها بشكل واسع في افغانستان تحت قيادة ماكريستال، هو "الشخص المناسب في المكان المناسب".

الا انه اشار الى ان وصول بترايوس يتزامن مع تزايد الدعوات الى بدء حوار مع قادة طالبان ووضع جدول زمني للانسحاب وتزايد الضغوط على كرزاي لبناء قدرات بلاده الامنية والقضاء على الفساد المستشري في البلاد.

ويرى دبلوماسيون ومحللون ان علاقة بترايوس مع كرزاي ستكون اساسية لنجاحه في مهمته، واشاروا الى ان ماكريستال ساعد على اضفاء صفة "قائد القوات المسلحة" على كرزاي وعمل على تحسين علاقاته مع واشنطن.

وقال ودير صافي المحاضر في جامعة كابول للقانون ان "قدرة (ماكريستال) على العمل مع شريك افغاني تعتبر عاملا مهما في هذه الحرب". واضاف "والا لن يتغير اي شىء حتى لو جاء عشرة من امثال بترايوس، نظرا الى الوضع الحالي خاصة وانه ينوي البدء في الانسحاب في تموز/يوليو 2011".

ووقبل وصول بترايوس الى افغانستان بساعات هاجم مسلحون من طالبان منظمة اغاثة اميركية مما ادى الى عشرة اشخاص، مما يعد دليلا على صعوبة المهمة التي تواجه بترايوس (57 عاما) والقوات التي تحت قيادته.

كما اعلنت قوات حلف الاطلسي انها قتلت رجال وامرأة مدنيين عن طريق الخطأ في عملية جرت ليل الجمعة السبت ضد مسلحي طالبان في قندهار.

وصفة للفشل

من جهته  طالب هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكية في ظل ادارتي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد اعادة النظر في موعد الانسحاب النهائي من افغانستان وغايته، معتبرا ان الامر سوف يكون صعبا جدا، على ا لاقل في اطار الجدول الزمني المحدد.

حيث قال خلال حديثه مع صحيفة فايننشال تايمز، المسألة الاساسية هنا هي ان العناصر الدبلوماسية والعسكرية في الاستراتيجية الراهنة غير منسجمة مع بعضها بعضا، فالاستراتيجية العسكرية لن تكتمل في اطار المواعيد النهائية المحددة التي تشجع الخصوم على انتظار رحيلنا.

ويدفع كيسنجر بالرأي المطالب بالتريث في الانسحاب من افغانستان حيث يقول، نحن بحاجة للوقت والصبر، ولا شك ان آخر شيء تريده الادارة الامريكية الآن هو التعرض للضغط.

ويشير كيسنجر، لكن لابد من القول في النهاية ان الافتراض الذي يزعم انه بالامكان العمل لاقامة حكومة وطنية لتخلف الوجود الامني الامريكي خلال 12 شهرا فقط هو في الواقع ليس الا وصفة للفشل.

عدوى التصريحات

من جانب آخر و بعد اسبوع على اقالة الجنرال الاميركي ستانلي ماكريستال قائد القوات الحليفة في افغانستان، واجه جنرال فرنسي تأنيبا شديد اللهجة لانتقاده استراتيجية واشنطن.

وفي حدث نادر في فرنسا حيث يقتصر النقاش حول تدخل الحلفاء في افغانستان على دائرة صغيرة، شكك الجنرال الفرنسي فنسان ديبورت صراحة في حديث نشرته صحيفة لوموند في الاستراتيجية الاميركية في افغانستان معتبرا انها "لا تبدو صالحة".

وقال "عمليا الوضع اسوأ من اي وقت مضى"، مذكرا بان شهر حزيران/يونيو شهد سقوط اكبر عدد من القتلى في صفوف القوات الدولية منذ انتشارها في افغانستان نهاية 2001، بمقتل مئة جندي. بحسب فرانس برس.

واضاف الجنرال الذي سيحال على التقاعد هذا الصيف مثيرا ضجة ان "الامور تسير وكأن الرئيس (الاميركي باراك اوباما) ليس متاكدا جيدا من خياراته".

واثارت هذه التصريحات غضب القيادة العسكرية الفرنسية وانتقدها قائد اركان الجيوش الاميرال ادوارد غيو في تصريح لاذاعة اوروبا-1، قائلا انها تصريحات "غير مسؤولة" واعتبرها "هفوة" و"رأيا غير مرحب به يفتقر الى الادلة".

واستدعى قائد الاركان السابق للرئيس نيكولا ساركوزي على الفور الجنرال وحذره من ان ملفه سيحال على وزير الدفاع ارفيه موران الذي سيبت في عقوبة محتملة تتراوح من مجرد التحذير الى تعليقه من مهامه.

وبالتأكيد، الجنرال ديبورت ليس الجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الاميركية والحليفة في افغانستان سابقا التي سيبلغ عديدها هذا الصيف 150 الف رجل، لكنه ايضا ليس شخصا مبتدئا.

وقد كلف الجنرال صاحب النجوم الثلاث الذي يراس معهد دفاع الجيوش (المدرسة الحربية سابقا) مسؤولية التدريب الفكري لنخبة كبار الضباط الفرنسيين في الجيوش الفرنسية وبذلك يرتدي رأيه المخالف حول الاستراتيجية الاميركية اهمية خاصة.

وهناك تناقض بين وجهتي نظر. من جهة رأيه الذي يعكس انتقادات صدرت في الضفة الاخرى من الاطلسي عن عدد من المراقبين المدنيين والعسكريين وبشيء من التكتم في صفوف الجيش الفرنسي.

ويقول المنتقدون ان الحرب في افغانستان متواصلة منذ قرابة تسع سنوات دون ان يتبين لها مخرجا واضحا ولا حتى عناصر "انتصار" الحلفاء.

واستنتج الجنرال ديبورت انه "اذا كانت مبادىء ماكريستال (التي لم يتم الطعن فيها رغم اقالته) غير صالحة او باتت غير مقبولة فلا بد من مراجعة الاستراتيجية" و"على الارجح ارجاء موعد سحب القوات من افغانستان".

وكان الرئيس اوباما قرر البدء باعادة الجنود الاميركيين الى الولايات المتحدة اعتبارا من تموز/يوليو 2011. ورد الاميرال غيو ان هذه الاستراتيجية ليست استراتيجية الولايات المتحدة كما ان هذه الحرب ليست حربا اميركية.

وقال ان "هذه الاستراتيجية دعا اليها رئيس الجمهورية الفرنسية نيكولا ساركوزي منذ نيسان/ابريل 2008 (في قمة الحلف الاطلسي) في بوخارست وتم تاكيدها في ستراسبورغ خلال اجتماع الحلف الاطلسي قبل سنة ويجري تطبيقها منذ خريف 2009".

وبعد التذكير بانها تقرن العمل العسكري بجهد "ضروري" لتنمية وحسن ادارة افغانستان، اعتبر انها "الاستراتيجية الصحيحة" حتى وان كان "الوضع سيظل معقدا لعدة اشهر اخرى".

حقائق عن بتريوس

- ينسب لبتريوس (57 عاما) الفضل في ابعاد العراق عن شفا حرب أهلية شاملة وينظر اليه على نطاق واسع على انه بطل حرب. ومنذ توليه رئاسة القيادة المركزية الامريكية عام 2008 كان بتريوس رئيسا لمكريستال على اعتبار ان مسؤولياته تغطي منطقة كبيرة تشمل افغانستان والعراق وباكستان واليمن.

- نظرا لشعبيته وسط الجمهوريين فقد تردد اسمه كمرشح محتمل للرئاسة مستقبلا لكنه أعلن عدم حماسه للمنصب. وعلى الرغم من عضويته في الحزب الجمهوري في وقت من الاوقات يؤكد بتريوس انه مستقل ولم يشارك في التصويت منذ سنوات. لكن مازالت هناك شكوك داخل ادارة الرئيس الامريكي الديمقراطي باراك أوباما في انه ربما يخفي طموحات سياسية مستترة قد تمثل خطرا شديدا على الديمقراطيين في يوم ما.

- حصل بتريوس على شهادة دكتوارة من جامعة برينستون وكانت رسالته عن حرب فيتنام. وأشرف على تطوير كتيب الارشادات الميدانية لمكافحة التمرد الذي يوجه القوات المسلحة الامريكية في العراق وأفغانستان والذي كان بمثابة العمود الفقري لاستراتيجية الحرب الافغانية.

- واجه الجنرال مشاكل صحية وعولج من سرطان البروستاتا العام الماضي. كما تعرض لكسر في الحوض في حادث هبوط بالمظلة وأصيب بطلقة رصاص في الصدر خلال مناورة تدريبية.

- نظرا لما يتحلى به من روح المنافسة واللياقة البدنية تحدى بتريوس ذات مرة جنودا اصغر منه سنا في مسابقات لتحقيق أكبر عدد من المرات في تمرينات الضغط. لكن حدود قدرته على التحمل بدت هذا الشهر حين أغشي عليه خلال الادلاء بشهادته أمام الكونجرس. وأرجع ذلك الى اصابته بالجفاف.

جنرال بأربع نجوم

الى ذلك أعلن الرئيس الامريكي باراك أوباما منح الجنرال ستانلي مكريستال القائد السابق لقواته في أفغانستان معاش تقاعد جنرال بأربع نجوم على الرغم من اقالته الاسبوع الماضي بسبب تعليقات استخف فيها بقادة مدنيين.

وجاءت تقديرات وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) استنادا الى سنوات مكريستال في الخدمة وهي 34 سنة وأفادت بأن عزله جاء بعد حوالي عام على منحه نجمة رابعة أي نصف الوقت الضروري في العادة للتأهل لدخل تقاعد جنرال بأربع نجوم وهو 12475 دولارا في الشهر دون ضرائب.

وقال روبرت جيبز وهو متحدث باسم البيت الابيض للصحفيين " سنفعل كل ما هو ضروري لضمان أنه -وهو شخص خدم البلاد بكل قوته- بامكانه التقاعد عند مستوى الاربع نجوم."

ولم يتضح ما اذا كان أوباما بحاجة لاصدار وثيقة استثنائية لضمان ذلك.

وأبلغ مكريستال الجيش الامريكي عزمه التقاعد وهو قرار كان متوقعا على نطاق واسع بعدما أثار هو ومساعدوه غضب البيت الابيض عندما استهزأوا بأوباما ومستشارين مدنيين كبار في مقال بمجلة رولنج ستون. بحسب رويترز.

وأدلى مكريستال نفسه في المقابلة بتصريحات تحط من قدر جو بايدن نائب أوباما وريتشارد هولبروك المبعوث الامريكي الخاص الى أفغانستان وباكستان. ونقل عن مساعدين لمكريستال وصفهم جيم جونز مستشار الامن القومي للبيت الابيض بأنه "مهرج."

ولو لم يكن أوباما راغبا في مساعدة مكريستال فانه كان سيتقاعد ليحصل على معاش جنرال بثلاث نجوم وهو 11736 دولارا في الشهر قبل الضرائب وفقا لتقديرات البنتاجون بالنظر الى الفترة التي قضاها مكريستال في الجيش.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تموز/2010 - 27/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م