طلبتنا الاعزاء والعطلة الصيفية

ا.د. موفق عبدالعزيز الحسناوي

قبل أيام قلائل بدأت العطلة الصيفية لجميع المراحل الدراسية حيث انتهى الطلبة من تأدية الامتحانات النهائية للعام الدراسي ( 2009 – 2010) بعد أن بذلوا جهودا شاقة ومضنية وسهروا الليالي في سبيل تحقيق النجاح والتفوق والانتقال الى مرحلة دراسية متقدمة اخرى تكون مكافأة لهم على تلك الجهود ولحظات التعب والقلق المشروع الذي كان يراودهم وهم يستعدون لهذه الامتحانات خوفا من الفشل فيها.

وقد سبب هذا الهاجس ضغوطا نفسية داخلية عند الطلبة وكذلك ضغوطا نفسية اخرى خارجية سببها رغبة الاهل والاصدقاء وكل من يهمهم امر الطلبة في حصولهم على درجات عالية وتفوقهم في نتائج الامتحانات. وبذلك كان معظم وقت الطلبة اثناء الامتحانات وبعدها مشغولا ولايوجد لديهم وقت للفراغ لاستغلاله في امور اخرى غير الدراسة والاستعداد للامتحانات.

 والان وبعد أن بدأت العطلة الصيفية بعد أن انقضى العام الدراسي بكل مافيه من جهود ونشاطات وقلق وكذلك الامتحانات اصبح لدى الطلبة فراغا كبيرا ومتسعا من الوقت لم يعتادوا عليه خلال العام الدراسي ووجدوا انفسهم امام متسع كبير من الوقت قد يكون الكثير منهم لم يخططوا لكيفية الاستفادة منه واستغلاله في الامور المفيدة. حيث انه في بداية كل عطلة صيفية تتزاحم عدة افكار وتوجهات واماني لدى الطلبة، وكل حسب ظروفه الاجتماعية والاقتصادية والعائلية، لغرض استغلال هذه العطلة ووضع خطة مناسبة لكيفية قضائها وفق مايراه مناسبا ومتلائما مع هذه الظروف.

 ويشكل الطلبة شريحة كبيرة واساسية ومهمة في جميع المجتمعات ومنها المجتمع العراقي فهم يكونون نسبة كبيرة واساسية من قطاع العمل والانتاج في البلد، وخاصة في مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا العزيز وما افرزته من نتائج اثرت بدرجة كبيرة على الحالة الاقتصادية لمعظم الاسر العراقية والتي ادت الى اضعاف مدخولاتها المادية وبالتالي تقليص موارد عيشها وفرص عمل ابنائها للمساهمة في محاولة سد جزء من تكاليف المعيشة الصعبة وبالمقابل من ذلك توجد طبقة مترفة وذو دخل اقتصادي كبير. وهذا يؤدي الى عدم الاعتماد على المردودات المادية نتيجة عمل ابنائهم في مهن متعددة، وبالتالي عدم حاجتها اصلا الى عملهم. وهذا يؤدي الى وجود فراغ كبير يعاني منه الطلبة اثناء العطلة الصيفية.

 لذلك فأن طلبتنا الاعزاء منهم من توفرت له سبل العيش الرغيد والحياة الميسرة في معظم مفاصلها واحتياجاتها وبالتالي فهم يعانون من وجود فراغ كبير ووقت غير مستغل بشكل صحيح خلال العطلة الصيفية. ومنهم من يعاني من شظف العيش وقلة الموارد المالية نتيجة الدخل المحدود لاولياء امره وعائلته وبالتالي فهو يبحث عن فرص عمل مختلفة خلال العطلة الصيفية قد لاتتلائم مع وضعه الاجتماعي وامكانياته الجسدية والمعرفية من اجل توفير بعض المبالغ المالية التي تكون عونا لعائلته ليساهم معهم في توفير ولو جزء بسيط من تكاليف دراسته خلال العام الدراسي.

 ان الطلبة هم المشاريع المستقبلية للمجتمع بصورة عامة ولعوائلهم بصورة خاصة والتي سوف يقطفون ثمارها بعد نجاح الطلبة ودخولهم معترك الحياة العملية ومســـاهمتهم في بناء المجتمع. فكلما كان الغرس جيدا كانت النتيجة النهائية اكثر جودة ونفعا ولذلك ينبغي على المجتمع وعوائل الطلبة ان يغرسوا الاخلاق الفاضلة والعادات الحسنة التي تتماشى مع تعـاليم الدين الاسلامي الحنيف وتعاليمه السمحاء في نفوس الطلبة. وان يحاولوا ابعاد الطلبة عن جميع الافكار السياسية والطائفية كون الطلبة في سن خطرة من الممكن التأثير عليها وقيادتها بسهولة. لذا عليهم غرس مباديء الوحدة الوطنية والاخلاق الفاضلة وان يكون المجتمع وعوائل الطلبة موجهين ومرشدين تربويين يكون عملهم خالصا لوجه الله تعالى وخدمة الوطن وابنائه الذين وضعوا املهم ومستقبلهم في اعناق هؤلاء الطلبة والشباب.

 ويتميز العصر الراهن بثورة علمية وثقافية ومعلوماتية كبرى ليس لها حدود نتيجة للتطور العلمي والتكنولوجي والذي ادى الى ابتكار اجهزة واساليب ترفيهية جديدة لم تكن متداولة سابقا، مثل اجهزة الهاتف النقال وشبكة الانترنت والقنوات الفضائية الكثيرة والسيارات الحديثة وغيرها من الاجهزة والوسائل الاخرى التي دخلت في شتى مجالات الحياة وبصورة متسارعة وبدون تخطيط مسبق واختيار واعي لاساليب استخدامها والاستفادة منها في الحياة الاجتماعية بجميع مفاصلها، والتي شكلت بمجموعها وسائل جذب واغراء الى هؤلاء الطلبة والشباب لاستخدامها بدرجة كبيرة قد تفوق التصور سيما انهم كانوا محرومين منها في السابق ونتيجة لما يتوفر في مثل هذه الاجهزة من وسائل دعائية واغرائية وجذب بدرجة كبيرة تخاطب بها الطلبة والشباب والتي قد يسيء البعض منها الى توجهات وافكار هؤلاء الطلبة ودرجة التزامهم الوطني والديني والاخلاقي سواء كانت هذه الاساءة بصورة مقصودة ومخطط لها على المدى الطويل من قبل الاعداء وهو الاعم الاغلب او كان بصورة غير مقصودة، مما قد يجعلهم عاجزين عن الوقوف بوجه هذه المغريات ومقاومتها والتصدي لها بقوة، وهذا قد يؤدي الى انجرارهم وراءها بصرة قد تكون مقصودة ومخطط لها من قبلهم او بصورة غير مقصودة وخاصة وهم في ظل الفراغ غير المستغل بصورة صحيحة خلال العطلة الصيفية.

 ان هذه الحالة الاجتماعية الجديدة على مجتمعنا بكل ايجابياتها وسلبياتها تضعنا امام مسؤولية كبيرة يجب علينا النهوض بها والتصدي لهذا الدور المهم والاساس، وهي محاولة تحصين طلبتنا وشبابنا الاعزاء حول كيفية الاستفادة من افرازات ومعطيات التطور العلمي والتكنولوجي في الجوانب الايجابية التي تخدمهم وتزيد من شأنهم في المجتمع كأبناء صالحين مخلصين لعوائلهم ووطنهم ووفق مباديء ديننا الاسلامي الحنيف العظيمة التي جاء بها هادي الانسانية الاول الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

 على طلبتنا الاعزاء الاستفادة القصوى من الخدمات الهائلة التي تقدمها شبكة الانترنت في المجالات العلمية والتربوية والدينية والثقافية والاخلاقية والاجتماعية والتي تزيد من ثقافتهم العامة وتكسبهم معلومات ومعارف علمية وادبية وتربوية ودينية واجتماعية لايستطيعون الحصول عليها بالطرائق التقليدية المعتادة، خاصة وان مكاتب ومقاهي شبكة الانترنت متوفرة لدينا بكثرة اضافة الى امتلاك الكثير للمنظومات الخاصة داخل المنازل، وان لايكون استخدامهم لها استخداما سطحيا وتافها وغير نافع لمجرد قضاء الوقت والتسلية غير البريئة وقد يكون مضرا ومنافيا للاداب الاجتماعية والاخلاقية العامة ومخالفا لتعاليم الدين الاسلامي، مما يؤدي بطلبتنا لاسمح الله الى الوقوع في الامور التي ينهى الله سبحانه وتعالى عنها وتؤدي بهم الى تحمل اوزار أعمالهم امام الخالق العظيم سبحانه وتعالى يوم الحساب الكبير اضافة الى هدر الوقت الثمين في امور تافهة لاتعود بالنفع عليهم وعلى مجتمعاتهم وتساهم في تسريع حركة عجلة الرقي والتقدم في المجتمع للحاق بالمجتمعات المتطورة. وهذا الكلام نفسه يقال على ماتعرضه القنوات الفضائية من الكثير من المواضيع والمشاهد اللااخلاقية والتي لايستسيغها الذوق العام وتؤدي بالطلبة والشباب الى الوقوع في المحرمات لاسمح الله.

 اننا نأمل من طلبتنا الاعزاء ان يكونوا اصدقاء حقيقيين للكتب العلمية والادبية والتربوية والدينية الرصينة، والتي تكون لهم خير مؤنس وجليس لان هذه المقولة الرائعة باقية ومتجددة مهما طال عليها الزمان، فالكتاب يبقى امرا اساسيا في كل عملية تطور ورقي سواء على المستوى الوطني او الفردي لانه ينقل المعرفة والثقافة للطلبة وهم في بيوتهم ويطلعهم على سيرة عظماء مجتمعاتهم وتجارب الشعوب والحضارات الاخرى. نريدهم ان يكونوا واعين ومثقفين لكي يمتلكوا الحصانة والمبدئية الكبيرة ليعرفوا ماذا يريد منهم الاعداء ليكونوا قادرين على مواجهتهم وحماية دينهم وبلدهم بوسائل الاقناع والعمل الجيد الملتزم.

 اننا نتمنى ان تكون المساجد والمراكز الاسلامية الحقيقية هي البيت الثاني للطلبة خلال العطلة الصيفية الذي يلجأ اليه الطلبة لتكون محطة استراحة وأمان لهم من هموم الحياة ومغرياتها ليكونوا على تواصل حقيقي مع الخالق العظيم سبحانه وتعالى. وان يتخذوا من المساجد والحسينيات مراكز للتشاور والتذاكر في شؤون الدين والتفقه فيه والتعرف على تعاليمه السمحاء الحقيقية من مصادرها الاصلية دون تزييف اضافة الى اكتساب المعلومات العلمية والادبية والثقافة العامة، وان يدرسوا تأريخ وافكار ومباديء عظماء الاسلام وقادته وابطاله الذين نشروا تعاليمه وافكاره العظيمة في شتى بقاع الدنيا يتقدمهم في كل هذا اهل بيت النبوة عليهم السلام لتكون نقاط اشعاع مضيئة في حياتهم تهديهم الى طريق الحق والصلاح والفوز برضا الله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الاطهار عليهم السلام.

 لقد كانت المساجد والمراكز الاسلامية الحقيقية ولازالت وستبقى ان شاء الله مراكز لتخريج الصفوة الصالحة الهادية المهدية من علماؤنا ومفكرينا وقدوتنا في اعمالنا الدنيوية والاخروية فعلى طلبتنا الاستفادة القصوى مما يتوفر فيها من امهات المصادر الدينية وقوانين التشريع السماوي والاطلاع على الرسائل العملية لمجتهدينا وعلماؤنا الاعلام للتعرف على الامور المستجدة والاراء الشرعية حولها، وعدم اضاعة أي دقيقة من الوقت خلال العطلة الصيفية دون الاستفادة بدرجة كبيرة مما تم ذكره انفا وتطبيقها في الحياة العملية والاجتماعية للطالب لكي يكون مصدرا للاشعاع العلمي والديني والاخلاقي في عائلته ومحيطه الاجتماعي الذي ينتمي اليه.

 نتمنى من طلبتنا الاعزاء ان يتهيأوا للعام الدراسي القادم من خلال اطلاعهم على المناهج الدراسية للعام القادم وكل حسب صفه ومرحلته الدراسية وتخصصه وجمع المعلومات عنها من مختلف مصادر المعلومات والمعرفة والتعرف على امكانياتهم العلمية والمعرفية والدراسية في هذه المناهج، ومحاولة قراءتها والتهيؤ لها ابتداء من الان لكي يحصلوا على التفوق اثناء الدراسة وعدم الانتظار لحين بدء الدراسة في العام القادم.

 اخيرا نقول لأحبابنا واعزاءنا الطلبة من الشباب والشابات انتم الامل المرجو لبناء المجتمع واعلاء شأن بلدكم العزيز بين البلدان وانتم خير دعاة وحماة لدينكم الاسلامي الحنيف وانتم الممهدون الحقيقيون لدولة الامام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، وقد تكونون من انصاره والمستشهدين بين يديه. اذن واجبكم كبير والامل بكم ليس به حدود، فأنتم اشراقة المستقبل السعيد، وأنتم بناة الحاضر وفيكم يرى اباءكم المتعبين وامهاتكم الحنونات ثمرات يانعة يتمنون ان يقطفوا خيراتها في يوم من الايام، فلاتبخلوا عليهم احبائي بهذا الحلم الذي يولد صغيرا ليكبر ويتعمق في اذهانهم وهم يرونكم تكبرون يوما بعد يوم.

 فأنتم بناة الوطن وحماة الدين واشراقة المستقبل السعيد. فأمنياتنا لكم بعطلة سعيدة ومثمرة تعم فيها الراحة لكم والفائدة والتطور وبناء الشخصية الوطنية الاسلامية الحقيقية الفاعلة في الحياة والمجتمع.

* هيئة التعليم التقني – المعهد التقني في الناصرية – جمهورية العراق

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/تموز/2010 - 24/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م