أزمة الكهرباء والحاجة لحلول جذرية

مواطنون واقتصاديون يشككون بجدوى الحلول الآنية

شبكة النبأ: شككَ عراقيون من مناطق وأعمار مختلفة باستمرار تنفيذ شمول المنطقة الخضراء ومنازل المسؤولين ومقار الأحزاب بالقطع المبرمج للتيار الكهربائي وإضافتها إلى المواطنين، معللين ذلك بأنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة عن هذا القرار الذي جاء، بحسب رأيهم، للتخفيف من الضغط الشعبي الذي بدأ بالجنوب وامتد للوسط والشمال.

فيما قال وزير الكهرباء المستقيل كريم وحيد، إن مشكلة الكهرباء في العراق تكمن في وجود منظومة كهربائية مدمرة ومنذ ثلاثة عقود يتم بناؤها حاليا من جديد، مضيفا أن استقالته التي قدمها كانت للمرة الثانية، مستدركا كان على المالكي أن يصر على عدم قبول الاستقالة.

وقال رسول جوحي (38)عاما، مدرس، يسكن حي العبيدي جنوب شرقي بغداد “لو طبق هذا القرار، ستتقلص المسافة بين المواطن والمسؤول، وستكون هناك عدالة في توزيع الكهرباء في ظل حر الصيف اللاهب، ولكن تنفيذ هذا القرار لن يدوم كثيرا، لان السادة المسؤولين لا يعجبهم هذا وكذلك الأحزاب السياسية لأنهم في معزل عن الشعب”.

وأضاف جوحي لوكالة أصوات العراق “منذ أن أنشئت المنطقة الخضراء وسكانها يتمتعون بكامل الحقوق وزيادة. وهي أشبه بقلاع ملوك القرون الوسطى بعيدة عن هموم الشعب ومعاناته، وهناك صراع للمسؤولين للسكن فيها نظرا للامان والخدمات فيها حسبما نسمع من وسائل الاعلام “.وخلص الى القول “لذلك أنا اشكك بان يستمر شمولها بالقطع المبرمج ،وما هذا القرار إلا للدعاية ولامتصاص غضب الشعب المتصاعد في ظل الفراغ السياسي والأمني الذي يشهده البلاد منذ الانتخابات النيابية في آذار مارس الماضي”.

وأعلن وزير النفط حسين الشهرستاني في مؤتمر صحفي عن قرار لمجلس الوزراء يقضي بقطع التيار الكهربائي عن المنطقة الخضراء والوزارات والدوائر الرسمية ومنازل المسؤولين، فضلا عن مقرات الأحزاب، مشيرا الى ان العملية ستوفر أكثر من 1000 ميكا واط تضاف الى الخطوط الوطنية.

وترى أم رعد، نحو(45)عاما، ربة بيت تسكن حي الوشاش غربي بغداد أن”هذا القرار واحد من الوعود التي تطلقها الحكومات المتعاقبة منذ سبعة سنوات غير قابلة للتطبيق ،أسوة بوعود القضاء على البطالة وتوفير السكن اللائق وإنشاء الحدائق والمتنزهات وتأهيل شبكات الماء والمجاري التي نسمع بها فقط “.

وأضافت أم رعد ان “هذا القرار جاء بعد التظاهرات التي شهدتها البصرة والناصرية والانبار وكربلاء والموصل، وكأن المتظاهرين نبهوا الحكومة لأمر لم تكن تدركه”.

وتابعت المواطنة أم بلال متسائلة بتهكم “هل ستشمل الحكومة نفسها فعلا بالقطع المبرمج، كيف لها تحمل حرارة الصيف اللاهب”.

وقال خليل عبد اللطيف (52) عاما، موظف ،يسكن حي الكرادة وسط بغداد أن” هذا القرار قد ينفذ لمدة شهر أو دون ذلك لتخفيف الضغط الشعبي والانتقادات التي تتعرض لها الحكومة ووزارة الكهرباء ، وإلا لايمكن للمسؤولين كما عهدناهم أن يرضوا بانقطاع التيار الكهربائي عن منازلهم ومقارهم”.

وأضاف عبد اللطيف لوكالة أصوات العراق“انه قرار حكيم وعادل من حيث المبدأ ،لكن تنفيذه قد يكون صعبا، فقد سبق للحكومة وان أعلنت عن مثل هذا القرار في سنوات سابقة ونفذ ليوم واحد، حيث ظهر احد المسؤولين في مؤتمر صحفي وانقطع التيار الكهربائي خلال المؤتمر ليبرهن أمام الإعلام إن القرار نفذ فعلا، لكن في اليوم التالي لم يلمس المواطن تغييرا في واقع الكهرباء”.

وقال علي جبار( 27) عاما، بائع شاي قرب إحدى الأسواق الشعبية في مدينة الصدر شرقي بغداد أن” الأحزاب التي ارتضت لنفسها الاستيلاء على المبان الحكومية في ظل شحة المدارس ورياض الاطفال والمستشفيات، لايمكن لها القبول بقطع التيار الكهربائي عن مقارها والتعامل معها أسوة بالمواطنين، لذلك من الصعب تنفيذ هذا القرار أو الاستمرار بتنفيذه”.

مشكلة الكهرباء تكمن في وجود منظومة مدمَّرة

من جهة أخرى قال وزير الكهرباء المستقيل كريم وحيد، إن مشكلة الكهرباء في العراق تكمن في وجود منظومة كهربائية مدمرة ومنذ ثلاثة عقود يتم بناؤها حاليا من جديد، مضيفا ان استقالته التي قدمها كانت للمرة الثانية، مستدركا كان على المالكي أن يصر على عدم قبول الاستقالة.

وأوضح وحيد في حوار أجرته معه صحيفة الصباح الجديد انه “لا توجد مشكلة آنية حقيقية في الكهرباء، فهناك منظومة كهربائية مدمرة ومنذ ثلاثة عقود يتم بناؤها حاليا من جديد وتحتاج وقتا ومبالغ مالية حددت وفق خطة وضعت ومنذ عام 2006 وتم تنفيذها بشكل أكثر جدية بعد عام 2008″، مضيفا ان “عدم الاستقرار الأمني الذي مر بالعراق منع دخول الشركات العالمية من القدوم إلى العراق لتنفيذ مشاريع الكهرباء والنفط وغيرها”.

وتابع ان “المبالغ المخصصة لعام 2006 لا تتجاوز 700 مليون دولار وفي عام 2007 بحدود 800 مليون دولار، وقد وضعت خطة على ثلاث مراحل تنفذ بالتوازي”، مبينا ان المنظومة الكهربائية “دمرت في الحرب العراقية الإيرانية ودمرت بالكامل في حرب الخليج الثانية في عام 1991 وبنسبة 97 % وتم إعادة 78% بالتصليح العراقي ودون جلب مواد من الخارج ثم 13 سنة حصار، ثم تعرضت الى السلب والنهب بعد عام 2003 وتم إعادتها”.

وأشار وحيد الى انه قدم “مقترحا الى مجلس الوزراء بخصوص مشاريع الكهرباء فتم تشكيل لجنة رئاسية وزارية وتم تخصيص مبالغ بحدود 135 مليون دولار لإكمال هذه المشاريع وتم إكمالها بالكامل ما عدا محطة الحرية التي سوف تكتمل هذا العام ومحطة حديثة التي سوف تكتمل في العام المقبل وقد تركت هذه العقود من قبل الشركات بسبب ضعفها”، مبينا ان هناك “خطة قصيرة المدى لتأهيل المحطات العاملة وصيانتها والزيادة في أنتاج خلال الأعوام الماضية وصلت الى أكثر من 40 %”.

وأضاف أن “تنفيذ هذه الخطة يتطلب استقرارا امنيا وتوفير مبالغ ووقود ولم يتوفر كل هذا”، لافتا الى ان “الوقود لن يتوفر إلا في عام 2015 وهذا كلام وزارة النفط في الخطة الوقودية مع وزارة الكهرباء”، مضيفا “لقد حسبنا مدة خمس سنوات مع توفر كل هذه المستلزمات لإنجاح هذه الخطة وطلبنا مبلغ خمسة مليارات إلا إن حتى هذا الجانب لم يتوفر”.

وبشأن البارجات التي استقدمتها وزارة الكهرباء لتحسين الطاقة، قال وحيد “عقد البارجات هو لشراء الطاقة، الأولى 100 ميكا واط والثانية 150 ميكا واط الأولى وصلت وهي في الطور التجريبي التشغيلي ووصلت 78 ميكا واط وسوف تصل الى 90 او 100 ميكا واط حسب درجات الحرارة”، مضيفا ان “الشركة المجهزة لديها مشاكل منها وجودها في المياه الإقليمية والقرصنة في الصومال وسوف تصل الثانية نهاية الشهر السابع وهناك غرامات عن كل يوم تأخير على الشركة المجهزة”.

وحول تقديم استقالته والاسباب التي دفعته الى ذلك، قال وحيد “هناك حقيقة يجب ان اذكرها هي أنني للمرة الثانية التي أقدم فيها استقالتي، ولأسباب عديدة فلا يمكن العمل بهكذا ظروف صعبة ومنها عدم اعطاء الوزارة حقها من التخصيصات المالية والوقودية وعدم الاعتراف بأن هناك نقص وقود كبيرا جدا وكل مشاريع الاستثمار تأخرت بسبب طلب المستثمرين توفير الغاز”.

وتابع “القضية هي قضية أخلاقية تجاه شعبنا فعندما يخرج أهلنا في البصرة وللأسف سيست هذه المظاهرات واستشهد فيها اثنان من المواطنين لم يكن أمامي غير ان احترم هذا الدم الذي سال، لان الدم العراقي بالنسبة لي مقدس وهو أهم من أي منصب”، مضيفا ان ”موجة الحر كانت تضرب المنطقة بالكامل بل أن هناك محطات في السعودية والكويت توقفت عن العمل وأنا قلت حين زرت البصرة ان المشكلة مؤقتة ولمدة أسبوع وبعدها سيعود الوضع على ما عليه وقد توقف الخط الإيراني لنفس السبب”.

واضاف وحيد “كان على المالكي أن يصر على عدم قبول الاستقالة ويدافع عني دفاعا شديدا وكان عليه ان يسأل هل وزارة النفط نجحت في عملها؛ فقد كان تصدير النفط في عام 2006 مليونين برميل يوميا وكما لم تبنَ أية مصاف للنفط”.

وعن البدائل التي من الممكن استخدامها لتحسين الكهرباء في العراق، قال وحيد “قدمنا مشروعا لاستخدام الطاقة النووية وبالتعاون مع الجانب المصري الا ان العراق لا يزال مكبلا بالبند السابع وهناك تفسير خطأ كان يجب على وزارة الخارجية العمل على تفسير البند لان الطاقة النووية استخدامها سلمي وانا مع هذه التقنية فهناك شركة كورية بنت محطات كهرونووية في الأمارات رغم انه بلد نفطي أيضا وبقيمة 22 مليار دولار ومع ان كلفة إنشائها خمس ضعف المحطات العادية الا ان عمرها أطول خمسين سنة”.

مواطنون واقتصاديون يطالبون بحلول..

تقول شيماء عبد الجبار، التي تحمل بين يديها طفلها حديث الولادة دون أن يهدأ صراخه بسبب الحر رغم إستمرارها بتحريك الهواء حوله بمروحة يدوية، ان “الكهرباء لا تنقطع لديهم إطلاقا لأنها أصلا لا تأتي منذ نحو إسبوعين”.

وتسكن عبد الجبار منطقة بغداد الجديدة المكتضة بالسكان وتقول ان عدم توفر التيار في أشهر الصيف “يؤثر على الوضع العصبي والنفسي للعراقيين ويفقد البعض صوابهم، أما حديثي الولادة وكبار السن فالتأثير يكون مضاعفا عليهم كونهم الأقل قدرة على التحمل”.

وتضيف عبد الجبار التي تعمل موظفة في إحدى دوائر الدولة وتتمتع بإجازة إمومتها ان “تكاليف الحصول على الطاقة الكهربائية في العراق باهضة الثمن وتؤثر بشكل كبير على ميزانية العائلة بسبب رفع اصحاب المولدات الأهلية لسعر الأمبير الواحد”، فبعد ان كانت تتزود بـ”خمس امبيرات شتاء وتسعة صيفا بمبلغ عشرة آلاف للأمبير الواحد، اصبحت تدفع مبلغ 14 الف دينار للأمبير على ان تزداد ساعات التزويد حتى الصباح”. بحسب وكالة أصوات العراق.

ولا يذهب أبو رائد الذي يمتلك محلا لبيع المواد الغذائية بعيدا عن رأي عبد الجبار ويقول ان “تكاليف المحافظة على المواد الغذائية من التلف اصبحت عالية جدا ويحتاج المحل الى الكهرباء طيلة اليوم وبالطبع لن تتوفر إلا بالاشتراك مع المولدات الأهلية التي توفر الكهرباء صباحا حتى الظهر، ثم أخرى من الظهر وحتى الليل وهو أمر مكلف يتجاوز 100 ألف دينار شهريا”.

ويقول ابو رائد انه ما عاد يتعب نفسه بالتفكير كثيرا بموضوع الكهرباء لأنه أخذ “من أعصابنا الكثير واستنفذنا الكلام فمنذ سنوات ونحن نطالب بتحسين التيار الكهربائي ووزارة الكهرباء لا تستجيب لمطالباتنا رغم الأرقام الفلكية المخصصة لها في الموازنة”، مطالبا وزير الكهرباء بـ”الاستقالة لأنه أثبت عدم قدرته على التعامل مع الأزمة وعدم التشبث كعادة السياسيين العراقيين بالمناصب وإن كانوا غير مؤهلين لها” بحسب قوله.

ويؤثر انقطاع التيار الكهربائي، بحسب محمد محسن الذي كان يمتلك معملا للنسيج في منطقة الكاظمية  أضطر لبيعه وتسريح عماله منذ خمس سنوات خلت “على المجتمع ككل أفرادا ووضعا صحيا ومعيشيا على السواء”، مشيرا إلى أن الكثير من زملائه الصناعيين “تركوا معاملهم للعناكب تنسج خيوطها بكامل حريتها حولها لعدم قدرتهم على تغطية تكاليف تشغيلها، او منافسة البضائع المستوردة ذات الأسعار الرخيصة بسبب توفر الطاقة والدعم من قبل حكومات تلك البلدان لها”.

ويرى محسن ان عدم توفير التيار الكهربائي للمصانع العراقية كانت نتيجته “كارثية على الصناعة العراقية”، مطالبا وزارة الكهرباء بـ”توفير التيار للمناطق الصناعية لمدة لا تقل عن ثمان ساعات متواصلة يوميا وهي أدنى فترة إنتاج يمكن ان تثبت بها المعامل إنتاجها، أو توفير الوقود لمولداتها الخاصة لتقليل التكاليف التي تجعل من المنتوج العراقي مرتفع الثمن وغير قادر على المنافسة”.

ويقول الخبير الاقتصادي ماجد الصوري ان تأثير عدم توفير الطاقة في الاقتصاد العراقي “كبير جدا، ويتغلغل الى كافة جوانب  الحياة الإنسانية فهي ئؤثر على الفرد وعلى العائلة والمجتمع والاقتصاد” مشيرا إلى أن “الضرر سيلحق بخطط التنمية التي وضعها العراق للخمس سنوات المقبلة، فلا تنمية بدون كهرباء”.

أما الخبير الاقتصادي مناف الصائغ فيرى ان عدم قدرة وزارة الكهرباء على رفع الطاقة والتحجج بعدم توفر الوقود او التخصيصات وبزيادة حجم السكان تارة أخرى “يعتبر فشلا في قدرتها على التخطيط لاحتياجات البلد من الكهرباء”.

وأضاف الصائغ أن تأثير فقدان الطاقة الكهربائية “ينسحب على المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة بشكل مباشر لتفقد قدراتها التنافسية في السوق المحلية”، أما في حال امتلاكها لمولدات خاصة بها “فالأمر يؤدي إلى زيادة التكاليف وبالتالي زيادة أسعار سلعها وعدم قدرتها على تصريف منتجاتها لغلائها”.

أما القطاع الزراعي فيقول الصائغ لوكالة أصوات العراق انه “تأثر بشكل مباشر لعدم تزويده بالطاقة، فالأراضي تحتاج إلى مكائن لرفع المياه من الأنهر بسبب الجفاف وهي تعتمد على الكهرباء”، فضلا عن “المنشآت الزراعية الأخرى مثل تربية الدواجن ومحطات تربية الأبقار التي تحتاج الى تيار متواصل”.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 3/تموز/2010 - 20/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م