الدوران الأوروبي حول عنق زجاجة الأزمة!

ماجد الشّيخ

تجتاز أزمة النظام الرأسمالي المالية حاليا عتبة مرحلتها الثانية، بتنامي الديون الآخذة بالتضخم يوما بعد يوم، في ظل تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، على نحو بات يهدد مجددا ببعث شبح الركود عالميا. الأمر الذي دفع الصين للتحذير من إمكانية أن تؤثر مساعي أوروبا لاحتواء أزمة الديون المتنقلة في عدد من بلدان الاتحاد، في طبيعة المعالجات التي بدأتها اليونان ومن ثم إسبانيا، وشكاوى دول عدة وعدت بمكافحة الأزمة، عبر الاحتفاظ بتصنيفها الائتماني، منعا لاهتزاز أسواق المال التي بدأت تشهد شعورا بعدم الاستقرار، فيما بدأت تتراكم لدى العديد من الدول عبر أنحاء العالم؛ ديون قياسية ضخمة قد تتجاوز تكلفتها خمسة تريليونات دولار، في محاولة انتشال الاقتصاد العالمي من أقوى سقطاته في هذه المرحلة، حيث تجري الآن محاولات حثيثة لخفض الديون، دون أن يؤثر ذلك على النمو، المتأثر أصلا بطبيعة الأزمة المالية العالمية المتوسعة، والتي بدأت تطاول العديد من الدول خارج ما يسمى قوس الأزمة، وصولا إلى آسيا والعديد من الدول النامية.

 لهذا بات من المؤمل أن تؤدي التعهدات التي أخذتها الحكومات الأوروبية على عاتقها، لتقليص العجز، إلى تفادي انتشار الأزمة، حيث هنالك مخاوف من أن يؤدي التباطؤ بإيجاد معالجات جادة، لاقتصادات عدد من الدول الأوروبية التي دخلت دورة التأزم، بإعلانها خططا تقشفية، وطلبها رزم مساعدات دولية؛ إلى امتداد الأزمة إلى العديد من الدول النامية التي قد تتأثر اقتصاداتها غير المستقلة أصلا، ما يزيد من أخطار ركود عالمي حاد، لن تتأثر به الاقتصادات المتضررة مباشرة، بل واقتصادات العالم كله.

 ووفق البنك المركزي الأوروبي، فإنه يتوقع أن تحتاج المصارف في منطقة اليورو إلى نحو 433 بليون يورو حتى نهاية العام القادم، وذلك فقط كمخصصات تجنّبها خسائر من قروض وشطب ديون معدومة، إضافة إلى أن تلك المصارف تواجه مخاطر تحمّل ما يصل إلى 195 بليون يورو، ضمن ما أسماه "موجة ثانية" من خسائر القروض المحتملة، ما يدفع به باتجاه زيادة مشتريات المستندات الحكومية في منطقة اليورو، حيث اشترى سندات يونانية وبرتغالية وإسبانية في الغالب.

 وفي الوقت الذي يحاول الاتحاد الأوروبي عبر مؤسساته، وقف امتداد الأزمة من نقطة انطلاقها اليونانية، وصولا إلى ما أمسى يهدد إسبانيا والبرتغال إلى كامل منطقة اليورو، فقد نصح رئيس البنك الدولي روبرت زوليك بالاستفادة من دروس الأزمة المالية التي ضربت آسيا في تسعينات القرن الماضي، حين تعرضت بين عامي 1997 و 1998 لأزمة مشابهة لتراجع قيمة اليورو، وبسبب ارتفاع قيمة الديون السيادية في بعض الدول الأوروبية، حيث تتباين الآراء والمواقف الهادفة لخفض العجز في الموازنات العامة وآليات استعادة التوازن للاقتصاد العالمي، عبر رزمة من إصلاحات مالية وتنظيمية، يقف في مقدمتها "فرض ضريبة عالمية على المصارف"، ليس هناك إجماع على تأييدها، في ظل انحيازات عامة لدى أرباب الرأسمالية المالية المحلية والمعولمة، على محاولة تحقيق خطوات هامة للتوازن في الإنفاق العام بين خفض العجز في الموازنات العامة، والحفاظ على النمو الاقتصادي، وذلك على الضد من خطوات الإصلاح المالية الهادفة إلى تحقيق ما يتجاوز النمو إلى التنمية، التي تحتاج إلى سياسات تدخلية منظمة من قبل مؤسسات الدولة السيادية، أو مؤسسات الاتحاد ومحاولة التوفيق فيما بينهما.

 وفي الاجتماعات التمهيدية التي كانت قد بدأت أوائل حزيران (يونيو) الجاري، وسبقت انعقاد قمة مجموعة العشرين (26 و27) منه في تورنتو بكندا، تحاول مجموع المحادثات التحضيرية تلك، تجريب العديد من "أقصر الطرق" لتجاوز الأزمة، في محاولة للاستفادة من أزمة الديون اليونانية التي سلطت الضوء على عدم وجود آلية داخل الاتحاد الأوروبي للتعامل مع الإنقاذ السيادي، بحسب رئيس الاتحاد هيرمان فان رومبوي، الأمر الذي دعاه إلى تشكيل حكومة اقتصادية قوية داخل الاتحاد، كما وداخل منطقة اليورو على وجه الخصوص.

 وعلى العموم.. فإن ما يجري يضفي مزيدا من التخبط وعدم اليقين إزاء الاجراءات المتبعة، أو التي يمكن أن يجري تبنيها في قمة مجموعة الثماني ومن ثم في قمة مجموعة العشرين، ولعل أصدق تعبير عما يجري، ذاك الذي عبر فيه مسؤول من مجموعة العشرين بالقول: "إن أزمة منطقة اليورو أظهرت أنه يتعين على دول؛ الخروج من سياسات الحفز في أسرع مما كان متوقعا، لكن لا ينبغي أن يركض الجميع إلى الجانب الآخر من الزورق في وقت واحد".

 ولئن وجد الأوروبيون أنه لا مفر من إنقاذ السفينة اليونانية من الغرق، وسط تدافع أمواج الأزمة، وفي أعماق البحر؛ إلاّ أن الرهان اليوم وفي الغد، يقوم على تحقيق نجاحات فعلية، ليس في عملية إنقاذ الدولة اليونانية وغيرها من الدول المشابهة، بل وفي إنقاذ أداة اتحادها النقدي (اليورو) أملا بالاحتفاظ بأداة اتحادها السياسي، وإلاّ فإن الاتحاد الأوروبي يوشك على مواجهة خيار تاريخي: التكامل أو الانفصال التام، بحسب فولفغانغ مانشو (الجريدة الكويتية 5/5/2010).

 وما لم تأخذ الاجتماعات والمباحثات والمداولات الأوروبية مع بقية دول العالم الأخرى، أو حين البدء في تنفيذ القرارات التي اتخذتها قمة الثمانية كما قمة العشرين، الهادفة للخروج من عنق زجاجة الأزمة، التأثيرات الإجتماعية والسياسية وكل التشريعات الفاعلة في تأمين حياة رعائية مسؤولة، فإن الاستجابات ذات الطابع الاقتصادي البحت وحدها، لن تكون مجدية وفاعلة، ناهيك عن أن الإتحاد الأوروبي والحفاظ على مؤسساته وقوانينه وأنظمته الخاصة وعملته الموحدة، كل هذا يتطلب إنقاذ الاتحاد من الانهيار، في حال تعرضت عملته للانهيار قبلا؛ أو الجمود وسط استمرار الاتحاد يراوح عند حد الأزمة، والدوران حول عنق الزجاجة، قبل أن يفقد العالم ثقته بأوروبا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/حزيران/2010 - 17/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م