ضعف دور الجامعات في حياتنا العامة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ليس غريبا أن يؤشر المتابع حالات الضعف الواضحة في دور الجامعات العراقية بصياغة نمط الحياة في مجالاتها المتنوعة، إذ تكاد الجامعات أن تكون محيَّدة وضعيفة ويقتصر دورها على التعليم المنهجي النمطي المعتاد من دون أن يظهر لها دور بارز في صناعة القرار السياسي مثلا او في التخطيط الاقتصادي الحيوي وما شابه من مساهمات عديدة يُفترض أن تنهض بها الجامعات قبل غيرها.

فكلنا قرأ أو سمع أو لاحظ الدور الهام الذي تقوم به الجامعات في البلدان المتقدمة، لاسيما العريقة منها حيث يمتد دورها الى جميع مفاصل السياسة والاقتصاد وتشذيب المؤسسات التي تلعب دورا حاسما في صناعة نمط الحياة العامة للمجتمع، ولا تكتفي بدورها التعليمي المنهجي فحسب بل تذهب الى أبعد من ذلك بكثير، حتى يصل الامر الى درجة التحكم بطبيعة الاقتصاد او غير ذلك مما يسهم برسم ملامح الحياة العامة.

ولكن كيف يمكن للجامعات أن تأخذ دورها الصحيح ومن أين تستمد قوتها وقدرتها على رسم الحراك المجتمعي في مجالات السياسة والاقتصاد والتعليم وما شابه؟، إن الاجابة تكاد أن تكون واضحة وهي تتعلق بجانبين أساسيين:

الاول: قناعة السياسيين وإيمانهم بدور الجامعة في تطوير النمط السلوكي والفكري للمجتمع عموما مما يدفع بالسياسيين الى الحرص على هذا الدور وتنميته وفسح المجال أمام الخبرات الجامعية في عموم مجالات الحياة لكي تأخذ دورها الريادي والقيادي في توجيه المجتمع نحو المسارات الصحيحة.

الثاني: يتعلق بالخبرات والطاقات الجامعية نفسها، حيث تتوافر الطاقات الخبروية القيادية في التخطيط والتوجيه وتفرض قدراتها على القادة السياسيين من خلال ما تقدمه من إسهامات لا يستطيع أن يقدمها غير الجامعيين للدولة، وبهذا تكون الدولة بحاجة للجامعات وكوادرها وليس العكس، كما يشعر القادة السياسيون بحاجتهم الى الخبرات الجامعية في جميع المجالات من أجل المساعدة في إنجاح مهامهم وتحقيق اهدافهم التي تقود الرأي العام للقبول بهم وتجديد انتخابهم في دورات قادمة وهذا يعني البقاء فترة أطول بمناصبهم، بمعنى آخر تسهم الخبرات الجامعية في ضمان المستقبل السياسي الجيد لقادة الدولة وهذا جل ما يطمح إليه صناع القرار او المهتمون بالسياسة.

من هنا فإن الطرفين المذكورين لهما دور مهم وكبير في ترسيخ الدور الريادي للجامعات، فلا يجوز مثلا أن يتسلم رئاسة الجامعة الفلانية استاذ ذو شخصية مهزوزة لا تتمتع بالمواصفات القيادية المنسجمة مع الخبرة العلمية التي تتحلى بها، بمعنى لابد أن يكون الاستاذ الجامعي صاحب شخصية نافذة وقادرة على موازاة قدراتها وامتيازاتها العلمية المتميزة وذلك من خلال دوره التخطيطي السليم في بناء مؤسسات الدولة وتطوير المجتمع على نحو مستمر.

من جانب آخر لابد أن يدرك السياسيون أهمية الجامعات وقدرتها على المساهمة الفعالة في بناء الدولة ومؤسساتها وتطوير البنى المتنوعة في السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع وغيرها، وبهذا تتشكل حزمة من الخطوات التي يرتكز إليها الدور الجامعي بحيث تصبح فاعلة وعاملة على أرض الواقع الفعلي للدولة، ولابد لهذه الخطوات أن تترسخ وتثبت وتكون حالة دائمة يرتكز عليها الدور الهام للجامعات في صناعة الحياة العامة في عموم المجالات.

ولا يكفي هنا أن تضمن الدولة راتبا مجزيا للاستاذ او الخبير الجامعي، أو توفر له سكنا لائقا او بعض الامتيازات الاخرى التي يستحقها حتما، لأن توفير هذه المتطلبات المادية لوحدها لا يساعد على تحقيق الدور الخبروي الكامل للجامعي في النهوض بالمجتمع، بل لابد أن تتوفر حزمة من الصلاحيات (القانونية) للجامعيين وتضمن لهم موقعا واضحا ومميزا في مجالات التخطيط العلمي في الجوانب كافة، ناهيك عن ضمان الاشراف التنفيذي المباشر في بعض الحالات.

ولنا في تجربة الجامعات في بعض الدول المتقدمة أمثلة واضحة وجيدة بهذا المجال، حيث ترتكز الكثير من الانشطة السياسية والاقتصادية على الرؤية العلمية المستقاة من الخبرات الجامعية لتلك الدول، لدرجة أنها قد تتحكم في الكثير من مفاصل الدولة الهامة، وربما تشكل أهم وأوسع وأقوى قاعدة لجماعات الضغط الفاعلة والمؤثرة في القرارات السياسية وغيرها.

من هنا لابد أن تتنبّه كوادرنا الجامعية الى الدور الملقى على عاتقها في مجال النهوض بالمجتمع ليس في المجال التعليمي حصرا وإنما في كل ما يتعلق بحياة الناس في الجوانب السياسية والاقتصادية وغيرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/حزيران/2010 - 15/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م