دور الرأي العام في توطيد الديمقراطية

حق التظاهر أهم مكاسب التغيير

علي حسين عبيد/النبأ

 

شبكة النبأ: حين تعود بنا الذاكرة الى الايام والشهور الأُوَل التي أعقبت نيسان 2003 والى تلك المشاعر العجيبة المتناقضة التي اكتنفت ملايين العراقيين، فإننا سنتذكر حتما تلك الآمال العريضة التي رافقت التغيير رغم مجهولية ما سيفرزه الاحتلال ويعكسه على الواقع العراقي، بيد أن النسبة الأكبر من العراقيين أخذت تتطلع الى حال أفضل في المجالات كافة كتعويض عن عشرات السنوات من الظلم والقهر والتجويع والسياسات الرعناء التي أحالت حياتهم الى سجن كبير، حتى صارت الديمقراطية كالحلم المستحيل نتيجة للقمع وكبح الرأي وسيادة الصوت الأوحد.

فكان العراقيون يحلمون بالحرية لأنها الطريق الى الكرامة والتخلص من الفقر والقهر والظلام، وبدأت التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق تنمو وتحبو حتى بدت للمراقب وكأنها تكبر رويدا ويشتدّ عودها رغم أن المتربصين يحيطون بها من كل الجهات، داخلا وخارجا، حيث الداخل ملغوم بالعقبات والمعارضة الشديدة للوليد الجديد وحيث الدول المجاورة والاقليمية تنظر الى هذا الوليد بعين الريبة والخطر القادم الذي سيقلب المعادلات السائدة قطعا ويساعد شعوب المنطقة على التغيير نحو الأفضل.

وكان الأمل بالديمقراطية كبيرا رغم مساوئ الاحتلال وإفرازاته السلبية الكثيرة، وراح العراقيون يحصدون بعض المكاسب لاسيما في مجال حرية الاعلام ونسف التمركّز المقيت في عملية صنع القرار وما شابه، بيد أن الفوضى التي أسهمت بنشرها الجهات المضادة للتجربة (إضافة الى مآرب بعض السياسيين) أخذت تنمو هي الاخرى وتفعل فعلها في الطريق الى إفشال الوضع المتجدد في الحياة العراقية لاسيما في المجال السياسي، ومن بين المكاسب التي تحققت للعراقيين هو حقهم بالاعتراض على القرار السياسي وحق التظاهر وحق الرأي المضاد وهي أمور جديدة لم يعشها العراقيون في السابق، فكانت ممارسة هذه الحقوق أحد أهم مظاهر التغيير والمكاسب التي تحققت بعد عام 2003.

وقد سادت ثقافة الرأي العام في المجتمع، فصرنا نرى عشرات المظاهرات السلمية تخرج في مدن العراق تجوب الشوارع حاملة للشعارات التي تطالب بحقوق المواطن وترفض التفرد والمغالاة في السلطة وما شابه، وكانت أجهزة الأمن تقوم بحمايتها وهي مظاهر جديدة على الواقع العراقي، ولم تكن شكلية او مفبركة وإن كانت لا تؤدي الى الهدف المطلوب بالكامل، بيد أنها شكّلت أساسا لنشر ثقافة الرأي العام وترسيخه وزيادة أهميته في العملية الديمقراطية الوليدة في العراق.

هذا ما حدث في السنوات القليلة التي أعقبت التغيير، وهو أمر لافت ومفرح في آن، وكان المتوقع أن تسود هذه الثقافة وتقوى وتنتشر على نحو أوسع (برغم الفوضى المخطط لها) لأن نجاح الديمقراطية يعتمد على حفظ حرية الرأي العام كونها الدليل القاطع على سلامة النهج الديمقراطي التحرري، كما أن هذه الحرية المتاحة للجميع تحيل الى نجاح التجربة وتدل على تحقيق بعض المكاسب المتوخاة للمواطن العراقي، كما أنها دليل على تحييد السلطات الفردية الطائشة وزيادة دور الشعب في صنع القرار، بيد أن ما حدث لاحقا (كما حدث في هذه الأيام) يدعو للأسف والغرابة في آن.

فبعد سبع سنوات من نمو التجربة (رغم العقبات المعروفة) كان من المتوقع صيانة الرأي العام وترسيخه وتطويره الى مراتب أفضل إستنادا الى قانون التطور الزمني، لكن ما حدث مؤخرا في المظاهرات التي خرجت في بعض المدن العراقية نتيجة لتردي الخدمات ومنها محافظة البصرة يعدّ مؤشرا على عدم مراعاة الرأي العام وفهم أهميته في إسناد النهج التحرري ورسوخ الديمقراطية كمنهج حياة ناجح.

وهنا لابد من الاشارة الى مسؤولية القادة السياسيين في هذا الجانب، فليس من المعقول أن يُحارَب الرأي العام لمجرد المطالبة بتحسين الخدمات، وليس من المقبول بعد مضي سبع سنوات من عمر التجربة، أن تُعاد عقارب الساعة الى الوراء، فتُطلق النار على المتظاهرين مع أنهم يشكلون مظهرا من مظاهر الحرية بل يمثلون جوهر تحرر الرأي العام من العوائق التي كانت تحدّ من مهامه ودوره في الحياة العامة السياسية وغيرها، ولذا كان الخطأ فادحا في هذا المجال، لأن مساندة الرأي العام تعد مظهرا هاما من مظاهر نجاح التجربة العراقية، إذ أن الترابط بين الديمقراطية وحرية الرأي العام هو حجر الزاوية في نجاح النهج السياسي.

لذا من الامور الملقاة على عاتق المعنيين سياسيين او غيرهم:

- تطوير ثقافة الرأي العام وحماية الحريات العامة وكفالة الرأي الآخر.

- كفالة حق التظاهر وتوفير الحماية اللازمة للمتظاهرين.

- تثقيف الأجهزة الامنية والمعنيين بضرورة حفظ حقوق المتظاهرين ونشر هذه الثقافة كسلوك معتاد من قبل الجميع.

- محاسبة المتجاوزين على الرأي العام وفقا للقوانين السارية وعدم التهاون في هذا المجال قط.

- نشر ثقافة التظاهر السلمي وعدم الاضرار بالممتلكات العامة مهما كانت الاسباب.

- عدم توظيف الرأي العام بين المتنافسين سياسيا وعدم زج الناس في هذا المجال خدمة لمصالح ضيقة.

- النظر الى الأفق الأبعد فيما يخص دور المعارضة والرأي الآخر والاستفادة منه في تعضيد التجربة الديمقراطية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/حزيران/2010 - 14/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م