اللوبي اليهودي واللوبي المضاد

جي كول.. الصراع بين الولاء لليهود والاحتجاج عليهم

شبكة النبأ: كثيرة هي المنظمات التي تدعم توجهات اللوبي اليهودي داخل أمريكا وخارجها ولكن هناك قسم منها يحاول الوقوف على خط يضمن المصالح اليهودية وبالمقابل يرضي الخصوم العرب، ومنظمة "جي كول" منظمة جديدة من اليهود الأوروبيين الذين يطالبون الساسة في الاتحاد الأوروبي بممارسة ضغط واضح على إسرائيل، ويكافحون في سبيل إنهاء سياسة الاحتلال والمستوطنات. وقد قدموا مبادرة بهذا الخصوص إلى الاتحاد الأوربي، كتبَ عنها الصحفي بيتر مونش ما يلي:

إن حدود التضامن تسير بالنسبة لـ"جي كول" مع الخط الأخضر الذي يفصل إسرائيل عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حرب الأيام الستة في عام 1967. خارج ذلك الخط لا يريدون مساندة سياسة إسرائيل بعد اليوم.

ويضيف مونش، كان صراعاً بين الولاء والاحتجاج، بين التضامن والقلق – ولكن في النهاية تغلب القلق. بـ"نداء إلى العقل" توجهت منظمة تشكلت حديثاً من اليهود الأوروبيين إلى الرأي العام، مكونين "لوبيا" يهودياً من نوع خاص، إذ إن المنظمة تطالب الساسة في الاتحاد الأوروبي بممارسة ضغط واضح على إسرائيل.

"جي كول" تكافح من أجل إنهاء سياسة الاحتلال والمستوطنات ومن أجل إقامة دولة فلسطينية قادرة على الحياة. وبذلك يهدف يهود أوروبيون ليبراليون إلى تكوين ثقل مضاد للحكومة اليمينية في القدس من ناحية، ومن ناحية أخرى للمنظمات التقليدية لليهود في المهجر التي كانت في الماضي كثيراً ما تقدم نفسها باعتبارها مدافعة عن تلك السياسة دفاعاً مستميتاً. وبهذا تظهر قوة جديدة على الساحة.

مبادرة ذات جذور عميقة

ويتابع مونش، أسماء مشهورة قامت بتلك المبادرة، منها الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي وألان فنكيلكراوت ودانيل كوهن بنديت، النائب في البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر الألماني، وكذلك آفي بريمور، سفير إسرائيل السابق في ألمانيا. كلهم دافعوا عن إسرائيل كثيراً، وبعضهم دافع عنها حتى خلال حرب غزة الأخيرة. ولكنهم الآن لم يعودوا يريدون الدفاع عن إسرائيل. كما لم يعودوا يقدرون على الصمت، غير أنهم يعلمون هم أيضاً أن النقد الموجه إلى إسرائيل يجب أن يوجه بحذر بالغ.

فمن ناحية هناك دوماً الخوف من أن يأتي تصفيق من الجانب الخطأ – أي من إسرائيل العديدين، سواء كانوا يجلسون في مكاتب طهران الحكومية أو في أوكار النازيين الجدد في تيمبلين. إنهم جميعاً سيستخدمون بكل ترحاب شهادة "شاهد من أهلها" في نشاطهم ضد الدولة اليهودية. ولكن بغض النظر عن تلك المحاولات الاستحواذية الرخيصة فإن نقاد إسرائيل يجدون أنفسهم في مواجهة رياح عاتية تهب عليهم من القدس. سرعان ما يصدر الحكم عليهم بأنهم معادون للسامية إذا كانوا من خارج إسرائيل، أما إذا كانوا من الداخل، أي يهوداً، فإنهم في كثير من الأحيان يواجهون نقداً أشد عنفاً. بحسب موقع قنطرة 2010 .

وصمة لوبي الاستسلام

ويبين مونش، عندئذ يتم التقليل من شأنهم على اعتبار أنهم "يهود كارهون لأنفسهم" أو يلاقون العداوة باعتبارهم "لوبي الاستسلام" الذي يطعن إسرائيل في الظهر أثناء صراعها المستمر للبقاء على قيد الحياة. من يعطي نصائح ذكية من الدياسبورا فلابد أن يسمع دائماً أن العالم من شرفة مقهى باريسي يبدو مختلفاً تماماً عنه في أحد أبراج الحراسة على الحدود مع قطاع غزة.

ويؤكد مونش، لذلك يؤكد مؤسسو "جي كول" في ندائهم على "الرابطة التي لا تنفصم" التي تربطهم بدولة إسرائيل التي يصفونها بأنها "جزء من هويتنا". إنهم يعترفون بالخطر الوجودي الذي يهدد إسرائيل من الخارج، كما أنهم ينظرون بقلق تجاه مستقبل الدولة وأمنها، وخاصة في عصر التهديد النووي الإيراني الذي يلوح في الأفق. غير أنهم يدركون أيضاً الخطر الوجودي الذي يواجه دولة إسرائيل من الداخل، أي من خلال "بناء المستوطنات وتوسيعها في الضفة الغربية وفي الأحياء العربية في القدس الشرقية". هذا "خطأ أخلاقي وخلل سياسي" قد يقود إلى "أمر لا يُقُبل، ألا وهو سحب الشرعية من إسرائيل كدولة".

إن حدود التضامن تسير إذن بالنسبة لـ"جي كول" مع الخط الأخضر الذي يفصل إسرائيل عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حرب الأيام الستة في عام 1967. خارج ذلك الخط لا يريدون مساندة سياسة إسرائيل بعد اليوم. ويبدو ذلك في النداء وكأنه عملية تعلم مؤلمة: "إن التوحد المنهجي مع سياسة الحكومة الإسرائيلية أمر خطير"، تقول المنظمة في ندائها، "لأنها قد تقف في تعارض مع المصالح الحقيقية لدولة إسرائيل".

جي ستريت نموذجاً

ويضيف مونش، على غرار جماعة الضغط اليهودية الأمريكية "جي ستريت" التي تشكلت قبل عامين تكونت "جي كول". ومنذ اللحظة الأولى واجهت المنظمة هجوماً من اليمين في إسرائيل من ناحية ومن المنظمات اليهودية الراسخة وذات النفوذ الهائل، مثل منظمة "أيباك" من ناحية أخرى. كان البعض يريد لـ"جي ستريت" أن تدخل في طريق مسدود، غير أنهم لم ينجحوا في ذلك. واليوم فإن المنظمة اليهودية الليبرالية تشد من أزر الرئيس الأمريكي باراك أوباما في سياسته الشرق أوسطية، ولم يعد أحد يستطيع أن يتجاهلها، بدءاً من السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة ووصولاً إلى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز.

وتهدف "جي كول" إلى ترسيخ مكانتها على المستوى الأوروبي، ولذلك فإن النداء التأسيسي الذي صدر قبل فترة من بروكسل، حيث سُلم رسمياً إلى نواب البرلمان الأوروبي. وعلى الفور وجه "المؤتمر اليهودي الأوروبي" ومقره باريس – الذي يعد المنظمة الكبرى التي تضم بين جناحيها منظمات يهودية أخرى - التأنيب واللوم إلى ليفي وفينكيلكروات وشركائهم: "جي كول" تزرع الفرقة، وهي لن تجلب فائدة أو نفع بل تعيق الجهود المبذولة."

غير أن الإنترنت شهد حتى نهاية الأسبوع انضمام أكثر من 5000 موقِّع على النداء. صحيح أن مركز ثقل المبادرة حتى الآن هو فرنسا، حيث تعيش أكبر جالية يهودية في أوروبا يبلغ تعدادها نحو 700 ألف يهودي، غير أن بعض اليهود المرموقين في ألمانيا أيضاً قد وقعوا على النداء، مثل ميشا برومليك أو الناشر أبراهام ملتسر. وفي ميونيخ تستعد يوديت برنشتاين، الناشطة من أجل السلام المولودة في القدس، لتأسيس فرع ألماني يتولى التنسيق مع "جي كول".

المجلس المركزي لا يحظر التفكير

"نداء إلى العقل من أجل تحقيق تحول أساسي بالفعل ومن أجل سياسة مستقبلية عادلة في الشرق الأوسط: بحملتها تناضل منظمة "جي كول" من أجل الوصول إلى هذا الهدف"، مثل هذا التنسيق قد يكون أمراً معقداً، نظراً إلى الآراء المتنوعة والمختلفة داخل الجالية اليهودية في ألمانيا. وقد أبدى شتيفان كريمر، الأمين العام للمجلس المركزي لليهود في ألمانيا، تفهماً وانفتاحاً تجاه "جي كول" على العكس تماماً من زميله الفرنسي مثلاً. "إني أرحب بالمبادرة جداً"، أكد كريمر، مضيفاً أن على المرء "أن لا يحظر التفكير على نفسه، وأن مثل هذه المبادرات لا يجب إفسادها باستخدام حجج قاتلة"، لاسيما وأن موجهي نداء "جي كول" ليسوا من أولئك "الرومانسيين المعروفين الحالمين بالسلام"، بل هم مثقفون مشهورون.

ويستدرك مونش، غير أن كريمر لم يوقع حتى نهاية الأسبوع الماضي على النداء بعد، فموقعه كأمين عام يجعله يفكر في أشياء عديدة قبل القيام بتلك الخطوة، فإلى جانب الأجواء السائدة لدى أعضاء المجلس الآخرين، هناك على سبيل المثال من الموقعين الألمان على النداء "مرتد" مثل رولف فرليغر الذي سحب عضويته قبل عام من المجلس المركزي لليهود لأنه انتقد بشكل بالغ العلنية السياسة الإسرائيلية. غير أن فرليغر لم يوقع أسفل نداء "جي كول" بسهولة أو سرعة، فهو يرى أن النداء ألطف من اللازم في بعض أجزائه، كما أن بعض الأشياء تنقصه، ولذلك لم يوقع إلا بعد أن كتب جملة إضافية. يقول فرليغر: "نقطة الخلاف الأهم هي وجوب التحدث مع حماس".

ويختم مونش بالقول، غير أن هناك أصواتا أخرى – حتى وإن كانت ترغب في مساندة هذا التحرك الضاغط من أجل تحقيق السلام - لا تستطيع، من ناحية المبدأ، أن توافق على ما جاء في النداء من أن "الارتباط بإسرائيل" جزء من الهوية، ومن هوية اليهود الألمان أيضاً. لا شك أن كل يهودي يرى "أرض الميعاد" على نحو مختلف. ولهذا كان من المتوقع أن يُقابل التجمع الجديد بالسباب والاعتراضات. ومن فطنة مؤسسي "جي كول" أنهم كانوا مستعدين لذلك، فهم يقولون في النقطة الأخيرة من النداء: "إن هذه الحركة تود أن تعلو على الاختلاف التقليدي في الآراء".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/حزيران/2010 - 13/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م