السلم والأمن والوئام جوهر الإسلام

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: من البديهي أن نقرّ بميل الانسان الى الاجتماع والتشارك ونبذه في الغالب للعزلة والانفراد، ودافعه في ذلك حالة التنافس التي تؤجج طاقاته الفكرية والعملية فتدفعه لاستثمارها من اجل تحقيق التقدم لذاته ومن معه، لكن الاجتماع والتشارك والتنافس المتواصل بين الأضداد لها انعكاساتها السلبية ما يؤدي الى حدوث الصراعات والمشاحنات واعتماد ألاساليب التي لا تليق بالانسان كونه سيدا لكائنات الارض كما أراد له الله تعالى.

ونتيجة لتكاثر الانسانية وتنافسها الدائم نحو التطور والتقدم الى أمام نشأت الصراعات وتجذّرت بين أمم الارض وشعوبها، إبتداء من الافراد الى الجماعات الصغيرة ثم الى الدول فالأمم وهكذا صار السلام والوئام شغل الانسان الشاغل في العصر الراهن، فقد مرت الانسانية بسلسة من الحروب الطاحنة التي أكلت الاخضر واليابس ناهيك عن الوباءات والجهل وما شابه، فكان لابد من وسائل متحضّرة ترتفع بروح الانسانية فوق الضغائن والدسائس والحروب التي لا تبقي ولا تذر.

وجاء الاسلام وتعاليمه السمحاء لكي يسهم بتكوين رؤية جديدة لدى الانسانية في تعاملها على مستوى الافراد والجماعات ولكي يحد أو يخفف من حدة الصراع المنبثق من طبيعة تكوين الانسان أصلا، حيث الحاجة الى تشذيب الطبيعة البشرية وتقويمها وتوجيهها نحو الخير والسلم والوئام الفردي والجماعي في آن، لهذا كان للاسلام رؤيته الواضحة في هذا الجانب حيث يؤكد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية) على أن:

(الاسلام دين السلم والسلام ويعمل على نشر الامن والامان والسلم والسلام في العالم ويسعى في اطفاء نار الحرب واخماد لهيبها وانتزاع فتيلها من بين الناس باجتثاث العوامل الداعية للحرب وزرع العوامل المشجعة على المحبة والوئام وعلى الصلح والصفاء).

وطالما أن حالات الصراع متعددة ومتجددة استنادا الى الطبيعة البشرية النازعة الى التنافس لاسيما اذا انتفت الضوابط التي تحكم الصراعات، فإن الاسلام ركّز في مبادئه وتعاليمه الواضحة على أهمية بل وقطعية تحريم التجاوز والاعتداء مهما كان نوعه حيث أكد سماحة المرجع الشيرازي في قول آخر بالكتاب نفسه على أن الاسلام:

(يحرم العنف والارهاب والغدر والاغتيال ويحارب كل ما يؤدي الى الذعر والخوف والرعب والاضطراب في الناس الآمنين).

وهكذا تدفع التعاليم الاسلامية بالوعي الانساني نحو السلام وتعمل على تحييد الذات المتعصبة وتؤكد على ضرورة العدل والمساواة والتكافؤ في فرص التعليم والعمل والامن وفي كل مجالات الحياة من اجل أن تسود حالة من التفاهم والتشارك السلمي بين الجميع، ومثل هذه العناصر الهامة لاستمرارية الحياة لا يمكن أن تتحقق في ظل حالة من الاحتراب والتنافس السلبي، لهذا تؤكد جميع التعاليم الاسمية على ضرورة استتباب السلم بين عموم فئات وطبقات وأفراد المجتمع، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع في الكتاب نفسه:

(يرى الاسلام وجوب استتباب الامن في الداخل وفي الخارج ففي الداخل ينفي الجريمة وفي الخارج لا يعتدي على احد ويقف امام المعتدين).

فالسلم بطبيعة الحال ليس داخليا فحسب أي بين أفراد وجماعات الشعب الواحد بل لابد من سيادة السلام في المجتمع العالمي أجمع، لكن تبقى المجتمعات تشكل اللبنة الأساسية للسلام العالمي، بمعنى كلما كانت المجتمعات آمنة مستقرة على انفراد كلما تحقق نوع من السلام الشامل لعموم البشرية، لهذا يركّز الاسلام على أهمية نجاح المجتمعات منفردة في بناء السلام والطمئنينة الداخلية لأنها ستقود الى السلام العالمي قطعا، وهنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي أيضا على أن الاسلام:

(ينفي الجريمة من جذورها، فإن اسباب الجريمة هي الفقر، المغريات، الجهل، العداء، المشاكل، وأشبه ذلك، والاسلام يعالجها حتى ينفيها، فاذا انتفت اختفت الجريمة تلقائيا).

وهكذا يكون الاسلام في جوهره مساندا للطبيعة البشرية المسالمة المنتجة المبدعة في آن، وهذه هي صورة الاسلام وجوهره الحقيقي، وليس الصور والمشاهد المرفوضة التي يحاول بعضهم أن يلصقوها بالاسلام وهو منها براء، فالاسلام يرفض العنف والحروب والاقتتال إلا في حالة الدفاع عن النفس وهو أمر تكفله السماء والارض معا.

وهنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن الاسلام:

(لا يعتدي على احد اطلاقا ومن مال من الدول الى السلم مال الاسلام الية واذا وقع عليه عدوان دافع الاسلام عن نفسه وعن الامة بأنظف صورة واذا اعتدى احد من الدول عليه رد الاسلام على اعتدائه بأقل ما يمكن لايقافه عند حده).

فهذه هي صورة الاسلام وجوهره الحقيقي، أما المحاولات التي تحاول أن تظهر الاسلام وتعاليمه بمظهر آخر فليس الاسلام منها ولا هي من الاسلام بشيء، لأن جوهر الاسلام الحق هو السلام والأمن والمحبة والوئام.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/حزيران/2010 - 13/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م