العراقيون اباة الضيم

ولن يسكتوا طويلا على الظلم

نــــزار حيدر

لو امهل القدر الشهيد السيد محمد باقر الحكيم ليبقى مدة زمنية اطول بعد التغيير، لاخذ على السياسيين اليوم غياب الانسان، المواطن، في مشروعهم السياسي، فان ما يؤسف له حقا هو ان هؤلاء انشغلوا بامتيازاتهم ومصالحهم الذاتية واهدافهم الحزبية الضيقة فاضاعوا مصالح المواطنين الذين يعانون اليوم الامرين بسبب غياب الكثير من القضايا التي تدخل في صلب كرامة الانسان، فماذا يعني ان يعاني العراقيون من غياب الطاقة الكهربائية في شدة حر الصيف التي وصلت في بعض محافظات العراق الى (52) درجة مئوية كما هو الحال في البصرة مثلا؟ واين ثمار الـ (15) مليار دولار التي صرفتها وزارة الكهرباء خلال السنوات القليلة الماضية على مشاريع الطاقة التي وعدت بها العراقيين؟.

واتساءل، لو قطعت (الحكومة) الطاقة الكهربائية على منزل السيد الوزير، وبقية المسؤولين، ليشعر بحرارة الصيف، هذا اذا كانت عائلة سيادته تعيش في العراق، هل كان سيتعامل بدم بارد مع معاناة العراقيين الذين يعيشون في وسط لهيب الحر القائض كما يفعل اليوم؟.

واقول بصراحة، فان شعبا بلا كهرباء، هو شعب بلا كرامة، لان الكهرباء اليوم هي عماد الحياة، فعندما تغيب الكهرباء عن بلد ما تغيب معها الزراعة والصناعة والتعليم والاخلاق والتفوق والابداع وكل شئ، وتتوقف الحياة، ولذلك فانا اجزم بان الحكومة العراقية اليوم تتعمد سحق كرامة المواطن العراقي بتماهلها في حل مشكلة الكهرباء.

تصوروا ان الامتحانات الوزارية للمرحلة النهائية للسادس الاعدادي، البكالوريا، ستبدأ في الثالث من شهر تموز القادم، اي في لب الحر القائض مع انقطاع التيار الكهربائي، فاي جهل وتخلف هذا الذي يدفع بوزارة التربية وغيرها من الوزارات المعنية لاجراء الامتحانات بمثل هذا التوقيت؟ ثم ينتظرون من الطالب العراقي ان يتفوق وينجح ويبدع؟ اي منطق هذا الذي يديرون فيه البلد؟ واي منطق هذا الذي يردون فيه بعض الوفاء للمواطن العراقي الذي ضحى بكل غال ونفيس من اجل ان يصل هؤلاء وامثالهم الى السلطة؟.

تصوروا، ان مدير التربية (الشهم) في احدى المحافظات اصدر قرارا يقضي بجمع الكراسي الفارغة من قاعات الامتحانات حتى لا تجلس عليها المراقبات، وبينهن حوامل لا يطقن الوقوف ساعات طويلة يراقبن الطالبات، خاصة وان بعض القاعات الامتحانية تم تنظيمها في الساحات العامة للمدارس، تحت اشعة الشمس الحارقة، مع غياب تام لنسمة الهواء، بسبب انقطاع التيار الكهربائي، اي ان على المراقبة ان تقضي الوقت وقوفا تحت اشعة الشمس الحارقة والكهرباء مقطوعة، فاي تعامل انساني هذا؟ واي مرجلة هذه التي يبيعها السيد المدير العام على الجنس اللطيف والضعيف؟ واتساءل، لو كانت زوجته او ابنته او اخته او حتى زوجة ابنه او صديقه هي المراقبة في مثل هذه القاعات، فهل كان سيصدر مثل هذا القرار القرقوشي؟ ام انه كان سيبعث لها مولدة الكهرباء مع عرش مرصع من مكتبه الخاص؟.

ايها المسؤولون، اتقوا الله في العراقيين، والا....فان اجل الله آت، وهو الذي يمهل ولا يهمل، وما مصير الطاغية الذليل صدام حسين ببعيد عنكم، وان {يوم المظلوم على الظالم، اشد من يوم الظالم على المظلوم} فاعتبروا يا اولي الالباب.

انني احذر السياسيين، وبشدة، من مغبة التمادي مع هذا المنطق الاعوج، منطق النزاع السياسي الذي اضاع كرامة المواطن، او كاد، في ظل غياب مؤسسات الدولة كنتيجة للانتخابات التشريعية الاخيرة، وفي ظل غياب الامن الذي عاد يهدد حياة المواطن، وفي ظل غياب الخدمات الاجتماعية والحياتية وغياب البطاقة التموينية، وتنامي ظاهرة الفقر والمحرومية، فان ما شهدته محافظة البصرة الفيحاء يوم امس قد يكون الشرارة التي ستشعل فتيل ثورة شعبية عارمة تسقط عروش السياسيين بعد ان اتضح للعراقيين بانهم ليسوا اهلا لتحمل المسؤولية وانهم ليسوا اهلا للثقة.

ان منطقهم اعوج ودليلهم افلج وردهم اهوج، فاذا سكت المواطن على حقه المضيع، وصفوه بالطيب الصالح الذي يسير الى جانب الحائط ويقول، يا رب السترة، الحال الذي يتمنونه من المواطن دائما، حتى لا يسبب لهم صداعا، واذا احتج او اعترض او تظاهر مطالبا بحقه الطبيعي في الحياة الحرة الكريمة، اتهموه بالخروج عن القانون وان قوى اقليمية ودولية، وربما سكان من الكواكب الاخرى، تحركه ضد الحكومة، ثم يزيدون الامر تعقيدا عندما يصوبون رصاصهم الحي الى صدور الاطفال المتظاهرين المحتجين من الذين راعهم ان يرون الشيخ الكبير يموت من الحر والطفل الصغير يختنق من الحر، فمالكم كيف تحكمون؟.

يا زعماء الكتل السياسية، ويا زعماء الكتل النيابية، اين غيرتكم الوطنية؟ واين غيرتكم الانسانية؟ واين شعاراتكم؟ واين لافتاتكم الانتخابية؟ واين وعودكم؟ اليس فيكم رجل رشيد ينقذ البلاد من ورطتها قبل ان تعم التظاهرات كل العراق فتقلب الطاولة عليكم جميعا، وعندها {ولات حين مندم}؟.

لقد حذرت من الطوفان قبل ثلاث سنوات، واخشى ان يكون الوقت قد حان حينه اليوم.

واقولها واكررها بصراحة، فان العراقيين اباة الضيم، لن يسكتوا طويلا على هذا الظلم الواقع عليهم، فيما ينعم (الزعماء) و (القادة) بالنعيم والرفاهية في قصور الطاغوت امام مكيفات الهواء البارد التي لم ينقطع عنها الكهرباء لحظة واحدة.

لن يسكت العراقيون على حقوقهم، ولن يصنعوا طاغوتا بعد اليوم، ولن يكونوا شياطين خرساء بسكوتهم عن الحق.

تذكروا الفقراء والمساكين والمحرومين الذين يتضورون الما من حر الصيف، فلتعيشوا بعض معاناتهم لتبحثوا لهم عن الحلول المناسبة والعاجلة، فردود الفعل المتسرعة من جانب الحكومة لا تنفع كثيرا، وان تطييب الخواطر بقرارات متعجلة لا تغني المواطن ولا تسمنه من جوع، وان الشعارات واللافتات البراقة لا تحل مشكلة الكهرباء، التي بحاجة الى قرارات عملية تبدا اولا من رفع السيد رئيس الوزراء يده عن الوزراء الفاشلين واستبدالهم بآخرين يمكنهم ان ينجحوا في حل المشكلة، فالى متى يظل (القادة) يدافعون عن الفاشلين؟ والى متى يتسترون على اللصوص؟ والى متى يحمون المختلسين؟ والى متى المخادعة والتضليل الذي لم يعد ينطلي على احد؟. 

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن متحدثا في  الحفل التابيني الذي اقامته الجالية العراقية في العاصمة الاميركية واشنطن، في مركز الامام علي (ع) بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد السيد محمد باقر الحكيم

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/حزيران/2010 - 10/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م