الكهرباء في العراق: أزمة وطنية وسط أزمة تشكيل الحكومة

بعد 7 أعوام.. واقع لا يطاق ووعود وهمية

شبكة النبأ: خرجَ أكثر من خمسة آلاف عراقي في تظاهرة حاشدة في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق منددين بتردي الخدمات العامة في المحافظة وعدد من المحافظات الأخرى.

وطالب المتظاهرون بوضع حد لمشكلة انقطاع التيار الكهربائي المستمر والذي عبر عنه المتظاهرون بأنه وصل حداً لا يمكن احتماله.

وقد وصلت ساعات انقطاع التيار الكهربائي في بعض مناطق الجنوب إلى نحو عشرين ساعة يوميا، وسط أجواء حارة جدا، حيث تجاوزت درجة الحرارة 50 درجة مئوية. والرطوبة أكثر من 80%...

وهذه ليست التظاهرة الأولى، إذ خرج قبل ذلك الآلاف من أهالي مدينة البصرة لنفس الغرض، ورافق التظاهرة أعمال عنف نتج عنها مقتل وإصابة عدد من المتظاهرين برصاص الشرطة، التي حاولت السيطرة على الاحتجاجات. وقد أفادت مصادر صحية بوفاة مصاب على الأقل متأثرا بجروح نتيجة إطلاق النار عليه.

وطالب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في بيان صدر عن مكتبه، أهالي البصرة بـ الهدوء وضبط النفس، وتفويت الفرصة على أولئك الذين يحاولون استغلال هذه القضية وإثارة الفوضى وعدم الاستقرار في المحافظة، حسب تعبيره.

كما أرسل المالكي وفدا إلى البصرة لإجراء تحقيق وأمر بإرسال كمية إضافية من وقود الديزل إلى أصحاب المولدات الأهلية التي يعتمد على عملها الغالبية من العراقيين في سد احتياجهم من الكهرباء. كما أمر المالكي بإحالة عدد من مسئولي قطاع الكهرباء إلى التحقيق، حسب البيان الرسمي.

وقد رفع المتظاهرين لافتات تقول: يا أعضاء مجلس المحافظة أطفئوا مكيفاتكم، وان كنتم عاجزين عن توفير الكهرباء لا تقودوا البلاد، وشعار: السجن أكثر راحة من بيوتنا. بحسب رويترز.

كما حملوا نعشا كتب عليه: موت الكهرباء، يا رئيس الوزراء البصرة لا نريد النفط. نريد الكهرباء والماء.

واتهم أعضاء في قائمة دولة القانون الذي يترأسها المالكي جهات سياسية، لم يسمونها، بالوقوف وراء المظاهرات، وقالوا انه تلك الجهات تريد وقف المالكي عن سعيه لولاية ثانية لرئاسة الوزراء.

إلا أن مصادر أخرى قالت ان التظاهرة كانت عفوية، وخرجت للتنديد بواقع خدمات المحافظة المتردية. وتعد مدينة البصرة ثاني أكبر مدينة عراقية من حيث عدد السكان، وأغني مدن العراق في انتاج النفط الخام.

الا ان البصرة تعيش اوضاعا اقتصادية صعبة للغاية حيث تتردى او تنعدم الخدمات في بعض الاحياء، فضلا عن غياب حركة النمو العمراني في المنفذ التجاري الوحيد شمال الخليج.

يذكر أن محطات الكهرباء العراقية تعمل بحوالي ثلثي قدرتها البالغة 11 ألف ميغاوات بسبب تعرضها لهجمات متكررة من مسلحين، كما انها عانت لعدة سنوات من الاهمال.

شرطة ذي قار توجه منتسبيها بضبط النفس..

ومن جهة أخرى وجهت مديرية شرطة ذي قار، منتسبيها بضبط النفس في مواجهة مظاهرات شعبية للاحتجاج على تردي خدمات الكهرباء في المحافظة، داعية في الوقت ذاته الى حماية المتظاهرين والانتباه إلى أية عناصر “مندسة” تحاول إثارة أعمال شغب.

وقال الناطق الإعلامي لشرطة ذي قار العقيد مرتضى الشحتور لوكالة أصوات العراق ”اصدر مدير عام شرطة ذي قار اللواء الركن صباح الفتلاوي أوامره لمنتسبي الأجهزة الأمنية بضبط النفس والتأهب لحماية المتظاهرين من أهلنا  إثناء خروجهم للاحتجاج على الكهرباء”.

وأضاف “شددنا على التعليمات بخصوص التنبه لاستغلال مندسين للتظاهرة ومحاولة تغيير مسارها من مظاهرة سلمية الى أعمال شغب مؤكدين على ان الإنسان قيمة عليا يجب احترامها ومنع تكرار الأحداث المؤسفة بالبصرة”.

وكانت محافظة البصرة المجاورة شهدت اليوم أحداث شغب خلال تظاهرة ضد تردي الخدمة الكهربائية وفتحت قوات الشرطة نيرانها على المتظاهرين ما ادى الى مقتل مواطن وجرح ثلاثة.

من جانبه، قال عضو المجلس البلدي بناحية البطحاء حيدر سنيد" احتجاجا على تردي الخدمات وسوء حالة الكهرباء وعدم التزام الدوائر المختصة باي حد من وعودها سيخرج أهالي الناحية للاحتجاج صباح الأحد مطالبين بإيجاد حد ادني من إمدادهم بالتيار الكهربائي تلتزم بة الجهات المعنية”.

وأضاف “نقدر زيادة الأحمال التي يتحدث عنها المسئولون ولكننا نسألهم هل هذا أول صيف يمر على العراق واين كانوا طوال هذه السنوات فهم يتحدثون عن إجراءات فنية هي ليست ضمن مسئولية المواطن البسيط ولامجال عمله، فما فائدة اغراقه بالمعلومات الفنية”.

ولفت الى انه “المفروض بالجهات الحكومية العمل على إيجاد حلول وليس تقديم وصف للمشاكل التي تعترضهم للمواطنين الذين يعانون من سوء أداء الأجهزة الحكومية”.

وكان عدد من أعضاء مجلس المحافظة علقوا عضويتهم بسبب تفاقم ازمة الكهرباء. فقد علق رئيس لجنة النزاهة علي عطية شجر عضويته بسبب محاولات الجهات المختصة بالمحافظة عزل قضاء الرفاعي (90 كم شمالي الناصرية)عن المنظومة الكهربائية لمحافظة ذي قار وربطها بمحافظة واسط ، كما قدم رئيس لجنة الطاقة في المجلس حسين العوادي استقالته عن اللجنة.

 يذكر ان محافظة ذي قار تشهد أوضاعا سيئة بخدمات الكهرباء اثر زيارة الوزير كريم وحيد وأمره بتجهيز المواطنين بساعتين تشغيل مع أربع ساعات قطع إلا أن ما يصل للمواطنين اقل من ساعة مقابل خمس ساعات قطع في ظل ارتفاع مستويات الحرارة لدرجات لم تعرفها المحافظة سابقا بحيث تخلو الشوارع من المارة بعد منتصف النهار. وتقع مدينة الناصرية مركز محافظة ي قار على بعد 380 كم جنوب العاصمة بغداد.

مسؤولية وزارة النفط..

وفي النجف اتهم المحافظ عدنان الزرفي, وزارة النفط بالمسؤولية عن معاناة المواطنين من جراء انقطاع التيار الكهربائي, مبينا أنها لم تصادق حتى الآن على مذكرة التفاهم مع الشركات الكورية لاستخراج النفط من أحد حقول المحافظة مقابل تزويد النجف باحتياجاتها من الكهرباء وخدمات أخرى.

وأضاف الزرفي لوكالة أصوات العراق أن وزارة النفط “سبب رئيس لما يعانيه المواطن في فصل الصيف من جراء النقص الحاد بالطاقة الكهربائية”, مشيرا إلى أنها “لم تصادق على مذكرة التفاهم المبرمة بين حكومة المحافظة المحلية والشركات الكورية لتزويد المحافظة بكامل احتياجاتها من الطاقة الكهربائية خلال ثمانية أشهر من تاريخ مصادقة الوزارة على قيام تلك الشركات باستخراج النفط من حقل المرجان (31 كم شمال المدينة)”.

وذكر المحافظ أن العقد المبرم يقضي بـ”قيام الشركات الكورية بجلب مولدات عملاقة لتزويد المحافظة بكامل احتياجاتها من الطاقة الكهربائية التي عجزت وزارة الكهرباء عن توفيرها”، منوها إلى أن الكثير من الوزارات “تعرقل عمل المحافظات لعدم وجود تنسيق مبرمج معها فضلا عن عدم معرفتها بالاحتياجات المحلية”.

وطالب بـ”تشكيل لجان خاصة من قبل وزارتي النفط والكهرباء للتعاون في مجال استثمار حقول النفط ودعم قطاع الكهرباء عن طريق جلب مستثمرين من خارج العراق”، كاشف عن وجود شركات مستثمرة كبيرة في المدينة “تتباحث لإقامة محطات كهربائية”، دون إعطاء تفاصيل أكثر عنها.

وعن أسباب عدم مباشرة الشركات بإنشاء المحطات الكهربائية، أفاد محافظ النجف أن ذلك ناجم عن وجود “حلقات مفقودة بين الوزارات والحكومات المحلية ما تسبب بعرقلة واضحة لعمل المحافظة فضلا عن غياب التنسيق المشترك”.

يذكر أن الاستكشافات الأولية أظهرت وجود حقول نفطية في العديد من مناطق المحافظة أهمها حقول المرجان وأخرى موجودة في بحر النجف. وتقع مدينة النجف, مركز المحافظة, مسافة 160 كم جنوب العاصمة بغداد.

الفساد في عقود الكهرباء..

وبموازاة ذلك طالب إمام وخطيب جمعة النجف، بالإسراع في تشكيل حكومة تجمع كل الأطراف دون إقصاء احد، منتقدا واقع الكهرباء في البلاد، مشيرا إلى وجود فساد في عقودها.

ووصف القبانجي وعود وزارة الكهرباء بتزويد المواطنين بساعتين من الكهرباء مقابل ساعتين من القطع بانها “وعود غير دقيقة وغير صادقة”، مشيرا الى وجود “فساد اداري طال مشاريع الكهرباء التي رصدت لها ميزانية بلغت 17 مليار دولار”، مشددا على “محاسبة المفسدين لاسيما المسؤولين عن مشروع الطاقة الكهربائية عبر البارجة”.

ولفت القبانجي الى ان “مواصفات مشروع الكهرباء على البارجة تخالف مواصفات العقد الذي ابرم لاستيرادها”.

ويواجه العراقيون في مختلف محافظات البلاد نقصا حادا في الكهرباء، وصل في بعض المحافظات الى 16 ساعة قطع يوميا، في وقت ارتفعت درجات الحرارة الى اكثر من 40 درجة مئوية في معظم مناطق البلاد.

استمرار أزمة الكهرباء في نينوى..

وفي الموصل شمالاً، أشار مصدر مسؤول في مديرية توزيع كهرباء نينوى الى وجود تباين كبير بين الطلب والمتوفر من الكهرباء بالمحافظة يتسبب في قطع التغذية لساعات طويلة، فيما أوضح مدير محطة كهرباء الموصل ان المحافظة مربوطة بالشبكة الوطنية ويتم التحكم بحصتها من محطة تازة بكركوك.

وقال المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لوكالة اصوات العراق ان “مديرية توزيع كهرباء نينوى مهمتها توزيع ما يصل اليها من كهرباء عبر الشبكة الوطنية وليست مسؤوليتها توليد الطاقة الكهربائية”، لافتا الى ان “الحاجة الفعلية لمحافظة نينوى تترواح بين 1200-1400 ميكا واط، لكن ما يصل المحافظة هو 500 ميكا واط، على امل ان يتم زيادة الحصة الى 600 خلال الايام القادمة”.

ويشكو المواطنون في نينوى منذ اسابيع من انخفاض في عدد ساعات التغذية الكهربائية تتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة الى ما فوق الاربعين درجة مئوية وهو ما وضع الأهالي أمام واقع صعب.

ولفت المصدر الى أن “وزير الكهرباء كريم وحيد اقترح بعد زيارته للمحافظة، الجمعة الماضية، تشكيل غرفة عمليات مشتركة مؤلفة من مجلس المحافظة ووزارة الكهرباء وقيادة الفرقة الثانية للجيش العراقي، للسيطرة على التجاوزات الحاصلة على الشبكة الوطنية للكهرباء، حيث رغم قلة الكمية الواصلة الى المحافظة فان الشبكة الوطنية تعاني من كثر التجاوزات عليها من قبل المواطنين وبعض عناصر القوات الامنية”.

وأضاف ان “الوزير توجه الى اقليم كردستان بعد زيارته لنينوى، للعمل على إعادة الخط التركي المقطوع عن الموصل منذ عام 2008، كما سيتم الاتصال بالجانب التركي لغرض زيادة الكمية من 50 الى 100 ميكا واط”.

وأرجع المصدر سبب زيادة ساعات القطع في المحافظة خلال الاسبوع الحالي “الى مشاكل في محطة انتاج الكهرباء بمنطقة الهارثة بالبصرة نتيجة التحميل الزائد مع ارتفاع درجات الحرارة في البلاد، ما أدى الى قطع انتاجها البالغ 1200 ميكا واط الذي يزود للمحافظات ومنها نينوى”، مبينا أن “اعادة حصة نينوى من الكهرباء بعد عودة المحطة المذكورة الى الخدمة”.

من جانبه، قال مدير محطة كهرباء الموصل الحرارية المهندس خلف حسن، ان “عدم تزويد المحطة بالغاز ضمن الضغط المحدد لها، أدى الى انخفاض طاقتها الانتاجية”، مشيرا الى ان المحطة جزء من المنظومة الوطنية في العراق.

وأوضح لوكالة أصوات العراق “توجد في محطة الموصل الحرارية 13 وحدة لتوليد الطاقة الكهربائية تعمل بالغاز، والوحدات الداخلة في العمل هي 10 – 11 وحدة فقط، وهناك وحدات نصبت مؤخرا من قبل شركة هيتاشي، تقدر سعة كل واحدة بـ 25 ميكا واط، لكنها تعمل ليوم واحد في الأسبوع فقط لأن ضغط الغاز لا يكفي”.

اعتداء وزير الكهرباء على مراسل العراقية..

ومن جانب آخر قال نقيب الصحفيين في البصرة، إن نقابة الصحفيين بالمحافظة تستنكر وتدين “اعتداء” وزير الكهرباء على مراسل ومصور القناة العراقية الذي كانا متواجدين في محطة كهرباء الهارثة لتغطية زيارة الوزير.

وأوضح حيدر المنصوري لوكالة أصوات العراق ان “نقابة الصحفيين في البصرة تدين وتستنكر بشدة الاعتداء بالشتم والطرد الذي تعرض له زميلنا مراسل قناة العراقية وكذلك مصور القناة من قبل وزير الكهرباء أثناء محاولة تغطية زيارته لمحطة الهارثة”. وأضاف “لم نكن نتوقع من الوزير أن يقدم للاسرة الصحفية هذه الهدية في يوم عيد الصحافة العراقية”.

من جهته قال مدير مكتب العراقية عباس الفياض إن “الاعتداء على زميلنا مرتضى البغدادي بالشتم والطرد من قبل وزير الكهرباء لم يكن مبررا بالمرة”.

وذكر أن القناة العراقية “دأبت على دعم الأنشطة الحكومية بشكل فعال ومستمر، وخصوصا تلك الأنشطة التي تتعلق بالمسائل الخدمية وهدفها كشف الحقائق للمواطنين والمسؤولين”، مستدركا “لذلك نستحق التقدير والدعم وليس الشتم والاعتداء”.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/حزيران/2010 - 9/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م