مهام السياسي وأولوية القضاء على الفقر

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: حين يسود العدل في مجالات الحياة المتعددة يسود النجاح والابداع والتطور ويعيش المجتمع في ظل حالة من الاستقرار والرضا تؤدي الى نتائج تصب في صالح الانسان على الدوام، لذا من البديهي أن يتسم القائد السياسي بالعدل في إدارة شؤون البلاد لأنه في هذه الحالة سيجد السبيل ممهدا له لتحقيق أفضل النتائج وبالتالي كسب رضا الناس وتأييدهم لجميع الخطوات التي يتخذها كونها قائمة على العدل.

كذلك ثمة علاقة تضاد قوية بين الفقر من جهة والعدل من جهة أخرى، فلو كان الفقر هو السائد بين النسيج الاجتماعي هذا يعني غياب او ضعف العدل، والعكس يصح بطبيعة الحال، من هنا لابد للقائد السياسي أن يكون عادلا في جميع القرارات التي تتطلبها ادارة شؤون الناس في المجالات كافة على المستويين التشريعي او التنفيذي، إذن فالعدل هو حجر الزاوية في نجاح القائد السياسي باداء مهامه، وفي هذا الصدد يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في الكتاب الذي يحمل عنوان (من عبق المرجعية):

(تزدهر الحياة بجميع ابعادها وجوانبها، في ظل النظام الاسلامي العادل، فتُعمَّر الديار، وتبنى الدور، وتُزرع الارض، وتتقدم الصناعة، وتتوسع التجارة، وتتراكم الثروة، ويستقر الناس في جو لا ظلم فيه ولا جور، ولا عنف ولا ارهاب، ولا قيود ولا اغلال، ولا سجن ولا تعذيب، ولا مشاكل ولا فقر، ولذا كان العمران والرقي، والمحبة والثقة، إبان تطبيق الاسلام، أمرا عاديا لم يجده العالم في هذا اليوم وإن كثرت فيه الوسائل).

ولكن ماذا يحدث في عالم اليوم لاسيما في البلدان الاسلامية التي تقودها أنظمة تتخذ من الاسلام دينا رسميا لها ؟ هل تقوم هذه الانظمة على العدل في ادارة شؤون شعوبها ؟ وهل يشعر حكامها بالرضا على انفسهم ؟ وهل أنهم يقودون شعوبهم مثلما أراد الاسلام وخطط له ووضع المنهج الصحيح لذلك ؟ إن واقع الحال يشير الى طبيعة هؤلاء الحكام ويؤكد بأنهم لا يملكون من الاسلام سوى اسمه وهم لم يطبقوا العدل في ادارة شؤون الناس ونتيجة لذلك يستشري الفقر ويستأسد الحرمان فيعيث بحياة الناس ويجعلها أقرب الى الجحيم بسبب العوز المزمن الذي تعاني منه معظم الشعوب الاسلامية، وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه المعد من أقواله المتعلقة بشؤون الحياة كافة فيقول سماحته:

(هل يوجد بلد في العالم اليوم يخلو من المتسولين؟ لو ذهبتم الى اغنى بلد في العالم لوجدتم فقراء ومتسولين، وبالطبع، فإن الامر يتفاوت من بلد الى آخر، فهناك بلد فيه متسولون وفقراء اكثر وآخر أقل .. وهكذا فأنتم تلاحظون انه حتى في اكثر بلدان العالم تقدما وفي ظل افضل القوانين العصرية يوجد متسولون، في حين لا تجد مثل هذه الحالة في الاسلام، بل لا معنى لوجود تسول في بلد اسلامي ! فقد كان الامام علي بن ابي طالب -عليه السلام- رئيس اكبر حكومة لا نظير لها اليوم سواء من حيث القوة او العدد لأن الامام كان يحكم زهاء خمسين دولة من دول عالم اليوم وليس في دولته فقير).

هكذا كان قادة الدولة الاسلامية العظام لايفرقون بين قريب او بعيد او بين انسان وآخر بسبب القرابة او العرق او اللغة او الدين وما شابه، بل أن الامام علي (ع) خصص راتبا تقاعديا لأحد اليهود الذين كانوا يعيشون في ظل الدولة الاسلامية، فالانسان وفقا لرؤية الامام علي (ع) اما أخ لك في الاسلام أو نظير لك في الخلق، من هنا لا مكان للفقر او الظلم بسبب حضور العدل الدائم واتخاذه منهجا للحياة وطريقا نحو سمو الانسان روحا ومادة.

فلقد وعى قادة الامس العظام أهمية إسعاد الناس وكفايتهم وتوفير وسائل العيش الكريم لهم وحمايتهم من ذل السؤال والحاجة والعوز، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال على أن:

(سعادة الدنيا والآخرة رهينة مثلث، يشكل طرفاه الاقتصاد السليم والسياسة العادلة، والطرف الثالث الفضيلة.)

ومتى ما تمكن الحاكم أن يفهم التعالق بين هذه الاطراف الثالثة وأهميتها فإنه لابد أن يتوصل الى قيادة حكيمة وناجحة للناس عموما، ولابد للفقر أن يُقتل (لو كان الفقر رجلا لقتلته) بسبب عبثه المرير بحياة الانسان وتدميرها من خلال الحاجة للمال والاكل والملبس وما شابه وهو ما يقوده الى الانحراف عن جادة الصواب.

لذلك ينبغي أن يتنبّه قادة الدول الاسلامية الى محاربة الفقر من خلال نشر العدل وجعله سلوكا معتمدا وسائدا بين الجميع، فلا يصح قط أن ينتشر الفقر والفساد في دولة تعلن انها اسلامية، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(في البلد الاسلامي في وقت حكم الاسلام الصحيح يلزم ان لا يوجد فقير واحد فالضمان الاجتماعي في الاسلام يحتم على الحاكم الاسلامي ان يزيل الفقر نهائيا).

إذن على قادة الدول الاسلامية أن يتنبهوا للفقر الذي ينخر اجساد الناس وارواحهم وأن يجعلوا من العدل بين الجميع ومن دون استثناء قانونا ساريا على الجميع، وأخيرا هل نحن بحاجة الى تذكير قادتنا (المسلمين) بالفوارق الرهيبة بين مستوى رواتبهم ومخصصاتهم الشهرية وبين رواتب ومخصصات عامة الناس وهل هم بحاجة الى القول بأن الفقر ينهش أغلبية شعوبهم حد الجهل والتخلف والموت جوعا ومرضا؟!.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/حزيران/2010 - 6/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م