لماذا تفشل الحكومات في الدول الإسلامية بأداء مهامها؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: ثمة مقدمات لكل ما يحدث في الحياة من نجاح او فشل في هذه الدولة او تلك ولهذا الشعب أو ذاك، فلكل فشل في مجال ما من مجالات الحياة سببه الجلي الواضح، فلا فشل من دون مسببات واضحة المعالم والصور ولا نجاح من دون مستلزمات مسبقة ومعروفة تقود الى ذلك، ومن ينظر منا الى حال الحكومات في الدول الاسلامية او التي - تتخذ من الاسلام دينا رسميا لها- سيرى ببصيرته أسبابا واضحة تقف وراء هذا الفشل الذريع في إدارة شعوبها ودولها في عصر لا زالت الدول والمجتمعات تتسابق فيه نحو التطور والاستقرار والتوازن.

ولعل أول أسباب الفشل وأكثرها وضوحا وأهمية في هذا المجال هو أن هذه الحكومات تأخذ من الدين الاسلامي قشرته او شكله الخارجي ولا تستند في ادارتها للدولة لجوهر هذا الدين وتعاليميه التي تشكل دستورا انسانيا متكاملا، وتكان هذه السمة أن تكون العلة الكبرى التي تقف وراء اخفاق هذه الحكومات بقيادة شعوبها وتحقيق أهدافهم وتطلعاتهم من العيش الكريم الذي تستحقه.

وقد أكدّ سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في الكثير من بحوثه وكتبه ومحاضراته على أهمية التعامل الحكومي مع جوهر الدين الاسلامي حيث ذكر سماحته في كتاب (من عبق المرجعية/ الذي احتوى على الف كلمة وكلمة للمرجع الشيرازي) ما يؤكد رؤيته هذه الى التعامل الحكومي السطحي مع تعاليم الاسلام، إذ قال سماحته:

(السبب فيما نراه في البلاد الاسلامية اليوم من نواقص ومشاكل يعود الى انها اسلامية بالاسم فقط والشعار فحسب وليس اكثر من ذلك).

ولا يخفى أن تعاملا من هذا النوع مع جوهر التعاليم الاسلامية لابد أن يقود الى نتائج مجتزأة لا تصب في الاتجاه الصحيح كما أنها ستأتي منقوصة وغير فاعلة ولا مؤثرة في المحيط الذي تنشط فيه، لأن جوهر هذه التعاليم يدعو الحكومة الى الالتزام بمواصفات وخطوات واضحة تصب باكامل في صالح المجتمع، وتحدد وظيفة الحكومة بالسير في الاتجاه الصحيح الذي يعمل لخدمة الغالبية من المجتمع، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه بهذا الصدد:

إن (وظيفة الحكومة الاسلامية تجاه الامة هي حفظ العدل بين الناس داخلا وخارجا والدفع بالحياة الى امام).

هكذا يكون العدل سمة أساسية للحكومة في تعاملها مع الملأ الأعم، وهو المعيار الاساس الذي يحفظ للحكومة موقعها الطيب بين الناس عموما ويحفظ للناس حقوقهم أيضا، وهذا ما يقود الى دفع الحياة عامة نحو التقدم والاستقرار والرفاهية والانتاج والمعاصرة المتوازنة التي توائم بين الشكل والجوهر.

ولا يوجد تقاطع بين الدين والعمل الحزبي الملتزم بالتعاليم المنصوص عليها، بمعنى أن الاسلام لا يحرّم العمل السياسي الحزبي لكن ما يحرمه هو الاهواء الشخصية او الحزبية التي تقود هذا الحزب او ذاك مما يقود الى الخروج عن جادة الصواب والصراع من اجل المناصب وشيوع ظاهرة الاستحواذ والفساد وما شابه حيث يكون الناس ضحية هذا الخروج الخاطئ عن التعاليم الاسلامية، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال:

(لا باس بالاحزاب التي تعمل لاجل اعمار الوطن اذا لم تكن مخالفة للشرع).

إذن فباب العمل السياسي مفتوح للساسة والاحزاب شريطة أن يكون الالتزام بالشرع طريقا الى قيادة الناس والمحافظة على حقوقهم، ولهذا يدعو الاسلام الى ضرورة تحصيل الناس على الوعي الذي يجعلهم عارفين بحقوقهم وواجباتهم، وكما يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال:

(الاسلام يشجع كل ما يؤدي لنشر الوعي ويعمم الثقافة الانسانية في الامة ويحرم المفاسد والمغريات في هذه الوسائل فاذا خلصت منها كان الاسلام من اشد المستقبلين لها).

وكل هذه الامور لابد أنها تشد من أزر المجتمع وتركّز مساره في الطريق الصواب، حيث ينمو الوعي الشعبي عموما ليعرف العامة ماهية السياسة وطبائع السياسيين وتوجهاتهم ودرجة قربهم من الصواب او الخطأ، لذا لابد أن تكون الحكومة قريبة من الشعب ومتفهمة له ولحقوقه مع واجباته، فلا يصح غمط الحقوق مقابل المطالبة بالواجبات وبالعكس، وبهذا تكون هناك علاقة تفاهم وتآزر بين الطرفي الحكومي والشعبي نحو النجاح، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال:

(الحكومة في الاسلام شعبية بالمعنى الصحيح للكلمة فماذا يريد الناس غير المشاركة في الراي وغير الغنى والعلم والحرية والامن والصحة والفضيلة مما يوفرها الاسلام خير توفير).

نعم إن جلّ ما يطمح إليه الانسان في حياته هو هذه الحاجات المذكورة اعلاه وفي حال توفرها للناس عموما، فلابد أن تكون العلاقة القائمة بين الحكومة والشعب في أعلى مستويات القبول والتفهم والوئام، وهو ما نرجوه ونتمناه لحكومات الدول الاسلامية التي ينبغي أن تتعامل مع جوهر الاسلام وليس إسمه فقط.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/حزيران/2010 - 27/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م