
شبكة النبأ: نجحت تركيا خلال الفترة
القليلة الماضية حراكها السياسي لاستقطاب أتباعها القدامى والتأثير
عليهم بشكل كبير وفاعل، سيما إن تلك الدولة التي أخفقت في الانضمام الى
الاتحاد الأوربي وجدت في العالم الإسلامي وتحديدا العربي الذي تكتنفه
الصراعات والتشتت محيطا ملائما لإبراز نفسها كقوة إقليمية مؤثرة في
العالم وأمام المجتمع الدولي فيما لو تكللت جهودها في قيادته.
ويرى المحللون إن الحراك التركي الأخير وتحديها لإسرائيل جاء كخطوة
ممهدة لمسعاها في حلم قيادة العالم العربي مجددا، خصوصا أن ذلك قد يكون
موضع ترحيب في العديد من الدول العربية التي تخشى توسع النفوذ الإيراني
المستمر.
قيادة الشرق الأوسط
فبعد أسبوع على حادثة "أسطول الحرية"، والتوتر المتزايد في العلاقات
التركية الإسرائيلية، وما رافق ذلك من زيادة التأييد الشعبي العربي
للمواقف التركية العملية والخطابية، هاهي إيران تبدأ بتحركات لسحب
البساط من تحت أقدام "العثمانيين الجدد"، الذين باتوا يهيمنون على "العقل
والقلب" العربيين.
باستثناء بعض التصريحات، لم تشهد إيران أي تظاهرة منددة بالهجوم
الإسرائيلي على أسطول الحرية، كما لم يسمع عن أي مبادرة إيرانية مماثلة
للمبادرة التركية.
البعض يعزو ذلك إلى أن إيران لم تكن لتسمح بأي تظاهرات منددة
بإسرائيل لأنها "قد تتحول إلى مظاهرة منددة بنظام الرئيس محمود أحمد
نجاد، ومؤيدة للمعارضة الإيرانية"، على غرار بعض التظاهرات السابقة
التي خرجت في مناسبات إيرانية.
هذا القول يحتمل الوجهين، فهو قد يكون صحيحاً، وربما لا يكون كذلك،
إذ لم تخرج مظاهرة في هذا الإطار حتى يمكن الحكم عليها.
على أن إيران تحركت أخيراً باتجاهين، الأول تقديم المساعدة العسكرية
المباشرة من خلال عرض توفير الحماية العسكرية لقوافل الحرية بواسطة سفن
حربية تابعة للحرس الثوري، وهو الأمر الذي رفضته حماس.
بالإضافة إلى أن هذا الاقتراح لن يساهم في رفع الحصار عن غزة بقدر
ما سيعززه، ناهيك عن أنه قد يؤذن باندلاع حرب إقليمية، في وقت تبدو فيه
الدول غير مستعدة لها، لأكثر من سبب.
التحرك الثاني، كان بإعلان جمعية الهلال الأحمر الإيراني الاثنين عن
تجهيزها لسفينتي مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، غير أن الغريب أن إيران
ربما تكون قد أعلنت عن فشل المهمة منذ لحظة الإعلان عن المشروع، عندما
قالت إن إحدى السفن للمساعدات والثانية تحمل عمال إغاثة تابعين لجمعيه
الهلال الأحمر لمساعدة أهالي غزة.
إن مجرد مرافقة "عمال إغاثة" في سفن الإغاثة الإيرانية يشكل عامل "فشلها"
في الوصول إلى أهدافها، فإسرائيل ستعتبرهم "إرهابيين"، ربما أكثر مما
اعتبرت ركاب السفينة التركية "مرمرة."
فقد أعلنت إسرائيل الاثنين أن واحدة، إلى جانب أربعة أشخاص آخرين
ممن كانوا على متن السفينة مرمرة، تدعى فاطمة محمدي، وهي أمريكية من
أصل إيراني تقطن في الولايات المتحدة وقد حاولت أن تنقل إلى القطاع
أجزاء إلكترونية يحظر إدخالها.
وأشارت إسرائيل إلى أن هؤلاء الخمسة "مخربين كانوا على متن السفينة
التركية.. وقد توفرت معلومات حول ضلوع الخمسة في نشاطات إرهابية." بحسب
السي ان ان.
وفي خضم هذه التطورات، تواصل تركيا بقيادة، رئيس الوزراء التركي،
رجب طيب أردوغان، حصد النجاح بين الشعوب العربية، بحيث باتت أعلامها
الحمراء ذات الهلال والنجمة، مرافقة دائمة للأعلام الوطنية والفلسطينية
في التظاهرات المؤيدة لتركيا التي شهدتها الدول العربية.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تواصل تردي العلاقات التركية الإسرائيلية،
رغم أن أنقرة كانت في وقت من الأوقات، من أكثر الدول الحليفة لإسرائيل
وأقواها في المنطقة.
فقد بدأت علاقات التردي في العلاقات بين تركيا وإسرائيل، مع بداية
الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في أواخر العام 2008 وبداية العام
2009، وهو الهجوم الذي انتقدته تركيا بقوة.
وتلا ذلك تدهور آخر في العلاقات بينهما، عندما "أساء" نائب وزير
الخارجية الإسرائيلي إلى السفير التركي لدى تل أبيب، عندما استدعي
الأخير إلى مقر الخارجية الإسرائيلية وأجلسه على كرسي منخفض ودون وجود
علم تركي.
الاستدعاء جاء على خلفية مسلسل تركي يظهر فيها الإسرائيليون كقتلة
أطفال ومدنيين عزل.
وعلى الصعيد الشخصية الكريزمية، يحظى أردوغان بحضور طاغ أكثر من
الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، رغم تصريحات الأخير المعارضة
لإسرائيل، والتي تتسم بالحدة، وخاصة فيما يتعلق بزوال إسرائيل أو إنكار
المحرقة "الهولوكوست."
فأردوغان بات "الزعيم العربي الأول" منذ أحداث غزة، ويشهد منتدى "دافوس"
الاقتصادي عام 2009 على ذلك، وتحديداً بعد الجدل الذي ثار بين أردوغان
ورئيس اللجنة حول الرد على الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز.
ومقابل "العمل" التركي ظلت إيران حبيسة التصريحات "القوية" ضد
إسرائيل، ما أعطى أفضلية للأتراك على حساب الإيرانيين.
إلى ذلك، فإن إيران متهمة بأنها تعمل على تعزيز الطائفية في المنطقة
من خلال التوغل في العراق، والتدخل في شؤونه، والانتصار لشيعة العراق
على حساب السنة.
كذلك تظل مشكلة "الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية" الثلاث طنب
الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى، كما تقول الإمارات العربية المتحدة،
مجالاً للنظر إلى إيران باعتبارها دولة توسعية، وخصوصاً مع ظهور بعض
المطالبين من الإيرانيين بضم البحرين.
أما الأتراك فهم من السنة، ما يجعلهم أكثر قبولاً بين العرب، فهم لا
ينظرون إلى تركيا باعتبارها دولة توسعية أو دولة تساهم في تعزيز
الانقسام الطائفي بين أطياف شعوب الدول العربية.
وفيما ينقسم العرب حول إيران من خلال دعمها لحزب الله وحركتي حماس
والجهاد الإسلامي، فإن تركيا تحظى بإجماع عربي مطلق، من المحيط إلى
الخليج.
هذا الإجماع العربي على تركيا، والانقسام حول إيران، يأتي في ظل
انهيار شبه كامل للنظام العربي، وعجز الأنظمة العربية عن اتخاذ خطوات
يمكن للشعوب العربية أن تعتبرها إيجابية وتقلل من التأييد للزعامات
الإقليمية على حساب الزعامات المحلية.
عالقون في الماضي
الى جانب ذلك ثمة أسئلة ما تزال تؤرق المواطن العربي فيما يخص الحكم
والديمقراطية، وها هو مواطن أجنبي يطرحها بالنيابة عنه.. ولكن هذه
الأسئلة وإن وجدت الإجابات المناسبة، إلا أنها تظل كتابات على أمل..
وبانتظار.
منذ سنوات قليلة، بدأ العالم يلج أبواب القرن الحادي والعشرين، ولكن
العالم العربي يبدو عالقاً في الزمن الماضي.. لماذا؟ ولماذا مازالت
الشعوب العربية تخضع لحكم ملوك أو أنظمة دكتاتورية عسكرية؟ وعلى وجه
التحديد، لماذا مازالت أكبر دولة عربية من حيث السكان، أي مصر، يحكمها
رجل واحد منذ قرابة ثلاثة عقود؟
وصل الرئيس المصري حسني مبارك، وهو جنرال سابق في سلاح الجو، إلى
السلطة في أعقاب اغتيال أنور السادات في أكتوبر/تشرين الأول من عام
1981، ومنذ ذلك الحين وهو يحكم مصر في ظل قانون حالة الطوارئ.
قبل أيام مدد نظام مبارك العمل بقانون الطوارئ الصارم، الذي يسمح
للشرطة والأجهزة الأمنية باحتجاز الأفراد لأجل غير مسمى ويحظر التجمعات
غير المرخصة ويفرض قيوداً صارمة على حرية التعبير، لعامين آخرين. بحسب
السي ان ان.
ولكن هل تأبه الولايات المتحدة بهذا الأمر.. يعتقد الصحفي الأمريكي
كاي بيرد، أنه ينبغي عليها أن تهتم لهذا الأمر، فنظام مبارك "قائم في
جزء منه نتيجة لضرائب الأمريكيين التي تحمي هذه الديكتاتورية وتدعمها
بعدة مليارات من الدولارات سنوياً."
ويضيف بيرد: "كذلك، نحن ندعم النظام الملكي السعودي.. ورغم أن
الرئيس باراك أوباما والرؤساء الأمريكيين السابقين كثيراً ما صرحوا
علناً بالحاجة إلى نشر الديمقراطية والعمل بها، فإن الانتخابات في مصر
كانت أبعد ما تكون عن الديمقراطية، ولكن، لماذا لم يتغيّر أي شيء؟"
عاش الصحفي بيرد طفولته كلها تقريباً في منطقة الشرق الأوسط، ويقول
إنه قلق بشأن هذه المسألة في المنطقة كما لو كانت تهم وطنه رغم أنها
كذلك.
ويرى بيرد أن الحداثة، إن لم تتعرض لهزيمة قاسية، فإنها ركنت على رف
قصي في معظم أنحاء العالم العربي.
وفي العام 2010، مازال "الفرعون البالغ من العمر 82 عاماً، والذي
بات مهترئاً،" كما يصفه بيرد، يحكم مصر.. كما أن الأنظمة الملكية
مازالت تحكم في الأردن والسعودية والمغرب ودول أخرى، فيما أصبحت
الأنظمة الجمهورية أقرب إلى الأنظمة الملكية وذلك بالتوريث، كما حدث في
سوريا، ويعتقد أنه سيحدث في مصر وليبيا واليمن. وفي ظل الفراغ السياسي،
يبدو أن الإسلاميين يكسبون قلوب وعقول المواطنين.
وبالنسبة لبيرد، فإن مصر ستينيات القرن العشرين، كانت أكثر
ديمقراطية وعلمانية مما هي عليه اليوم.
يقول بيرد إن والده كان موظفاً في وزارة الخارجية الأمريكية، وكان
يعمل في القاهرة في الفترة بين عامي 1965 و1967، وفي تلك الفترة كان
الضابط جمال عبدالناصر، يحكم مصر.
ورغم اعتباره ديكتاتوراً من قبل بعض الناس والأنظمة، إلا أن
عبدالناصر كان قد انتخب رئيساً عام 1956، وكان سياسياً يحظى بالشعبية
في جميع أنحاء مصر.
أما أنور السادات، فهو لم يكن أبداً يحظى بشعبية عبدالناصر، فتوجه
للإسلاميين في أعقاب وفاة عبدالناصر، باعتبار أنهم لا يشكلون خطراً،
فانتهي به الأمر مقتولاً بأيديهم.. فلا السادات ولا مبارك كان يمكن أن
يصلا إلى الحكم لو أجريت انتخابات ديمقراطية حقاً.
ومع أن عبدالناصر أصبح أوتوقراطياً، إلا أنه على الأقل قدم للعرب
رؤية علمانية.. وحتى اليوم، مازال رمزاً لحقبة مفقودة عندما كان الأمل
يحدو العرب، من كافة الطبقات والقبائل، للوصول إلى دولة عربية حديثة
وعلمانية وتقدمية.
كان عبد الناصر، خطيباً مفوهاً ويتمتع بالذكاء، وعرف زملاؤه عنه أنه
غير قابل للفساد، فلم تكن لديه هفوات شخصية باستثناء أنه كان يدخن ثلاث
علب سجائر يومياً.. وكان يعشق الأفلام الأمريكية.
يقول عنه صديقه الصحفي، محمد حسنين هيكل إنه كان يحب مشاهدة حكاية
فرانك كابرا حول عيد الميلاد "إنها حياة رائعة"، وكان مارك توين الكاتب
الأمريكي المفضل بالنسبة له، حيث كان يقضى ساعة أو ساعتين كل مساء في
قراءة المجلات الأمريكية والفرنسية والعربية.
عودة إلى عقد الستينيات من القرن العشرين، فإن معظم الشباب العربي
كان يتوق إلى الحداثة العلمانية.. فهم أرادوا أن يصبحوا مهندسين أو
أطباء أو محامين.. وكانوا ينشدون الثقافة الأمريكية مثل جمال عبد
الناصر.
يقول الصحفي الأمريكي بيرد إنه عاش في المعادي، أحد أحياء القاهرة
الراقية، وتبين له لاحقاً أن الشاب أيمن الظواهري، الذي أصبح طبيباً
والرجل الثاني في تنظيم القاعدة، كان يعيش في الحي نفسه والتحق
بالمدرسة الثانوية، وأنهما بنفس العمر تقريباً، وأنه كان يشاهد أفلام
هوليوود على شاشة في الهواء الطلق في نادي المعادي الرياضي.
ويعتقد بيرد أن الظواهري كان يتطلع للعمل في مجال الصحة العامة، وهي
ذات طموحات معظم الشبان العرب في عصر عبدالناصر.
ورغم أنه كان مسلماً عادياً، فإن الظواهري لم يبد أي تطرف حتى بعد
إعدام زعيم جماعة الإخوان المسلمين، سيد قطب، في العام 1966.
ويؤكد بيرد أن الظواهري وشبان آخرين بدؤوا طريقهم إلى "الجهاد
الإرهابي" بعد حرب يونيو/حزيران 1967.
وصف صادق العظم، الفيلسوف السوري الذي تلقى تعليمه في جامعة ييل،
هزيمة عبد الناصر في حرب حزيران باعتباره "صاعقة" و"صدمة " للروح
العربية. فإذلال عبدالناصر عكس هزيمة لفكرة العلمانية في مسار الحداثة
العربية، المتمثلة برؤية عبدالناصر حول إمكانية توحيد الشعوب الناطقة
بالعربية تحت راية القومية العربية التقدمية، وبالتالي فقدت مصداقيتها
بعد الهزيمة.
وبمرور الوقت، بدأ الإسلام السياسي يملأ الفراغ السياسي القائم..
فقد كتب الظواهري نفسه في مذكراته عام 2001 أن "النكسة.. أثرت في إيقاظ
الحركة الجهادية."
ويختبئ الظواهري حالياً في كهف في أفغانستان، أو يهرب من هجمات
صاروخية بطائرات بدون طيار في باكستان، وهو سيموت يوماً ما إلى جانب
أسامة بن لادن.
ويعتقد صادق العظم أن الجهاديين خسروا بالفعل، فهو يقول: "قد تكون
هناك معارك في العقود المقبلة، وسيسقط فيها العديد من الضحايا
الأبرياء، ولكن من غير المرجح أن يزيد عدد من أنصار الحركة المتشددة،
بل ومن المحتمل ينخفض تأييدها ودعمها في العالم العربي والإسلامي..
وتشكل هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 مؤشراً على أنها تعيش في
الرمق الأخير، بدلاً من كونها بداية للتحديات العالمية."
لكن إذا كان العظم محقاً، فيجب على الجيل الجديد من الشبان العرب أن
يجدوا الأمل في حياتهم في مكان آخر. وطالما أن "الملوك والفراعنة
المهترئين على عروشهم يخنقون حقوق هذه الشعوب ويمنعونهم من الحصول على
انتخابات ديمقراطية ويحرمونهم من حرية التعبير،" فإن "الجهاد" سيظل
يوفر البديل اليائس. |