هل يمكن للسياسي أن يكون قائدا ذا منهج إنساني؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: كلنا نتفق على أن القائد السياسي يمكن ان يحمل في أعماقه سمات الانسان الصالح قبل أن يتسنم منصبه الحكومي المتنفذ، كما أن هذه السمات لا تموت في أعماقه بل ربما، تُخمَد او تسكن أو تُعزَل الى حين بسبب مفعول السلطة الغريب الذي يأخذ بإزاحة السمات الانسانية لدى القائد وتحل محلها سمات هي أقرب الى الطغيان والظلم لاسيما اذا كان هذا القائد غافلا وضعيفا في التحكم بنفسه وأهوائها.

وطالما أن السياسي انسان اولا فينبغي أن يحترس من رغباته قبل كل شيء وهذا يتطلب درجة مهمة من الايمان، أي أن يكون انسانا مؤمنا ويقدم هذه الصفة على كونه قائدا سياسيا، ومع أن اكتساب الايمان واتسام الانسان به بصورة حقيقية أمر في غاية الصعوبة لكنه ليس مستحيلا، لذا على القائد السياسي أن يجمع بين الصفتين، صفة الانسان المؤمن والقائد السياسي في آن واحد.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) بهذا الصدد في كتابه القيّم (حلية الصالحين):

(أنّ المؤمن عملة نادرة. فالفرد كلّما حاول أن يصبح إنساناً جيّداً واجهته صعوبات كثيرة تحاول أن تثنيه، وربما أثنته. وليس ذلك لضعف في عطاء الله تعالى، بل لتقصير من جانب الإنسان نفسه؛ فإنّ شهواته قد تبلغ من الكثرة والقوّة ما تتطلّب جهداً إضافياً للسيطرة عليها. ونيلُ المعنويات والتغلّب على الشهوات يتطلّبان دائماً قوّة أكثر وعزماً أكبر مما هو مطلوب في سبيل نيل الشهوات، ولذلك ترى الناس عادة ما يبلغون المقصود في تحقيق شهواتهم أكثر مما يبلغون في كسب المعنويات).

إذن ثمة صراع بين الذات والاهداف المبتغاة، فمثلما يريد الانسان أن يرتقي ماديا عليه أن يعمل ويسعى لكي يرتقي معنويا وروحيا، وهذا ما ينبغي على القائد السياسي فعله، بمعنى مثلما يريد هذا القائد أن ينجح في قيادته السياسية للمجتمع عليه أن ينجح في سمة الايمان وتعميقه في شخصيته وسلوكه، لكي يتدرّع بهذا الايمان من زلل ومكائد الذات الدنيوية، لكننا سنتفق على أن تحقيق هذا الهدف يتطلب جهودا مضاعفة من لدن الانسان السياسي وغيره، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه:

(فكما أنّه لا خلاف في صعوبة الالتزام بالمعنويات، فكذلك لا خلاف في أنّه كلّما أراد الإنسان أن يحتلّ مساحة أوسع من المعنويات كلّفه ذلك جهداً أكبر، حاله في ذلك حال من يريد الحصول على مساحة أوسع في المادّيات؛ فإنّ ذلك يتطّلب منه بذلاً أكثر).

وهذا دليل آخر على أهمية الاصرار على اكتساب الايمان والسمو الروحي والمعنوي للقائد السياسي الذي عليها واجبين، الاول قيادة المجتمع ماديا بما يحقق له اهدافع وتطلعاته المشروعة، والثاني أن يتحصّن السياسي من أهواء النفس بوساطة قوة الايمان والسمو الروحي الذي ينبذ الغرور والتكبر بفعل السلطة ومغرياتها. ولعل أخطر ما يمكن أن يصيب أصحاب المناصب هو داء الغرور والتكبر اذا لم يفلح في تحصين نفسه من هذا الخطر الوشيك والدائم من خلال اصراره ونيته الصادقة في هذا الاتجاه، وليس صعبا على القائد السياسي أن يحقق نجاحا واضحا في هذا المضمار.

بمعني يمكن للسياسي أن يبلور نيته للسيطرة على ذاته وهو قادر على ذلك، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في (حلية الصالحين) أيضا:

(لقد أودع الله تعالى في الإنسان من الطاقات ما هي كفيلة بتصحيح مساره، لكنّه ـ الإنسان ـ كثيراً ما يضعف عن صيانة نيّته وحفظها عن الزيغ والتذبذب، فتراه يعجز عن الصعود والارتقاء بها إلى درجات الكمال العليا).

من هنا على الانسان لاسيما القائد السياسي -بسبب امتداد مسؤولياته الى عموم المجتمع- أن يستثمر الطاقات اللامحدودة التي اودعها الله تعالى في كينونته لكي يكون قائدا انسانيا تتغلب فيه سمات الروح على أهواء ورغبات المادة، وأن يحصّن أعماله ومسؤولياته تجاه الجميع بالنوايا الحقيقية الصادقة الهادفة الى تقديم الخدمات الخالصة من أي هدف منفعي او مصلحي غير مشروع، لأن النية الصادقة تقود الى تحقيق العمل المستهدَف بأسرع وأقصر الطرق وأكثر صحة ويسرا، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد في كتابه نفسه:

(فالنيّة إطار العمل، والعمل لا لون له، مثل الماء الصافي الذي لم تخالطه أجزاء ترابية أو شوائب أخرى. فلو كان الماء صافياً جداً وصُبّ في إناء زجاجي شفّاف، حينها لا يتمكّن الإنسان أن يبصر حدّ الماء من بعيد بسهولة، خصوصاً إذا كان ساكناً لا تموّج فيه، وذلك لأنّ الماء في الأصل لا لون فيه وإنّما يكتسب لون الإناء الذي يوضع فيه أو لون الشيء الذي يمتزج معه، أو غير ذلك. فالعمل كالماء بصفائه، وإنّ النيّة هي ذلك الشيء الذي يمنحه لونه).

وهكذا يمكن للقائد السياسي أن يتحصّن بنوايا حقيقية وصادقة لادائه تجاه المجتمع مدفوعا بقوة الايمان وسمو الروح وتغلب الجانب المعنوي في ذاته على الجانب المادي الدنيوي الزائل لا ريب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/حزيران/2010 - 20/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م