نهر خريسان في ديالى... تلوث يقود الى كارثة بيئية

دوائر المحافظة تلقي باللوم على بعضها

ديالى/ بسام عبد الرزاق

 

شبكة النبأ: في مركز محافظة ديالى وضواحي المدينة يقسم المواطنون ان أصواتهم بحّت من الشكوى، وما من مجيب ولا حتى من يسمع.

المسئولون في المدينة يحمّلون بعضهم المسؤولية، ومدير البيئة في المحافظة يعتبر الكلام عن "التلوّث الشديد" مبالغا فيه.

فيما "خريسان"، النهر الذي انشغل أزلام النظام المباد بمسخ اسمه إلى "سارية" وتجاهلوا مأساة تلوثه، يئن تحت وطأة النفايات والأوساخ التي تغرقه، وتحوله إلى ما يذكـّر بأي شيء الا بالنهر!.

كذلك شبكة إسالة الماء في بعقوبة، التي تتسرب اليها - بسبب قدمها وتكسرها - مياه مجاري الصرف الصحي وتلوثها.

انما كيف يتحول نهر إلى حاوية كبرى للنفايات؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ وهل تحتمل المحافظة كارثة أخرى بعد كارثة "القاعدة" وبشاعاتها؟ وكيف بمواجهة تخمة التلوث في خريسان الذي يخترق قلب بعقوبة، والتلوث الخطير لماء الإسالة؟ بعض المسؤولين في المحافظة نفوا في الأسابيع الماضية عبر وسائل الإعلام ان يكون هناك تلوث، وقالوا ان في مثل هذا الكلام تهويلا. لذلك توجهنا إلى بعقوبة للوقوف على حقيقة الأمر واستيضاح ما يحيط به.

السيدة أزهار حميد مجيد عضو مجلس المحافظة لم تنف تلوث خريسان، بل وقالت ان المجلس هو من اكتشف أمره بعد زيارة ميدانية إلى عدد من المواقع على ضفاف النهر. وأضافت أنهم وجدوا النهر مغطى بالأواني والمخلفات المتنوعة، ووصفت ذلك بأنه "غير حضاري". وحول تلوث شبكة الإسالة الماء في بعقوبة، اكتفت بتحميل قِدم الأنابيب وتكسرها المسؤولية.

والسيدة إيمان عبد الوهاب رئيسة لجنة الخدمات في مجلس المحافظة رأت ان المسؤول عن التلوث هو "الإهمال الوظيفي"، معتبرة هذا الإهمال عملا لا يقل خطورة عن الإرهاب. وأضافت "ان الأجهزة التي تنصبها دائرة البيئة في المحافظة روتينية في عملها، ولا تنهض بواجبها كما ينبغي". وشددت على محاسبة المقصرين في دوائر البلدية والبيئة والري والمجاري، بدلا من فرض الغرامات على المواطنين، ثم أكدت "ضرورة إزالة مسببات التلوث".

وعن الحال المزري لأنابيب إسالة الماء إلى المواطنين قالت ان مجلس المحافظة على دراية بالأمر، لكنها لم تشر إلى أي تدابير اتخذها أو ينوي اتخاذها لمعالجة الأمر. ودافعت عن دائرة الماء قائلة ان "عملها ضخم كون الشبكات التالفة كثيرة". وجوابا على سؤالنا عن الحل؟ نصحت المواطنين بأن "يتركوا الماء يتدفق لبعض الوقت قبل استخدامه".

من جانبه قال السيد عبد الله هادي مدير دائرة البيئة في المحافظة ان دائرته اهتمت بالمصادر المائية وخصوصا مياه نهر خريسان، وحددت 12 موقعا للتلوث، ابتداء من خانقين (نهر الوند) نزولا نحو جلولاء ووادي العوسج، ووصولا إلى مدينة بعقوبة حتى نهايتها. وبيـّن ان دائرته اهتمت بالمصادر المائية وخصوصا مياه نهر خريسان، وباشرت منذ اليوم الأول لعملها بمسح نهري، حتى حددت المناطق الملوثة. وأضاف انه عند إجراء الفحوصات ظهر ان نسب التلوث مرتفعة، وقد تمت معالجتها – حسب قوله - من خلال إيقاف بعض التصاريف، وفرض الغرامات على المسببين. وأكد انه باتخاذ هذه الإجراءات بدأت نسب التلوث تنخفض، وان دائرته تفحص المياه تكنولوجيا وكيمياويا، وأضاف: "حين نجد أي مشكلة نخاطب الجهة المختصة لكي تزيلها".

مدير دائرة البيئة اعتبر هو أيضا ان نسب التلوث المعلنة مبالغ فيها وغير صحيحة، وانها تثير الرعب لدى المواطن. وزاد ان ما يصدر عن الجهات غير المختصة - مشيرا إلى بعض أعضاء مجلس المحافظة - غير مبرر "وقد اخبرنا السيد المحافظ بهذا الأمر وهو على دراية تامة بعملنا".

وجوابا على أسئلتنا قال ان الدائرة مهتمة بالحملات التفتيشية، ومهتمة بالماء الذي يصل إلى المواطنين. واستطرد ان بعض النفايات الموجودة لا يمكن تحديد خطورتها إلا بعد الفحص، وان أكثرها من القناني الفارغة، وهي بحاجة إلى من يجمعها باستمرار. "فكمية المياه قليلة جدا ولا تستطيع ان تدفع النفايات، مما يؤدي إلى تراكمها فوق الماء".

توجهنا بعد ذلك إلى السيد باسم حميد مجيد، مدير دائرة الري في المحافظة. وقد اخبرنا ان الدائرة تعد خطة سنوية لتطهير الجداول لمرة واحدة، ومن ضمنها نهر خريسان. وأضاف: "بمبادراتنا الشخصية قمنا بتنظيف المقطع الذي يبدأ من منطقة خليل باشا وينتهي في منطقة بهرز أربع مرات خلال هذه السنة". لكن حتى هذا لا يكفي كما يبدو، نظرا إلى كون المقطع المذكور من النهر يمر في المناطق السكنية والصناعية، حيث جعل المواطن منه حاوية للنفايات: "فهناك محلات قصابين ومطاعم ترمي مخلفاتها في النهر، وهذا الموضوع ليس من مسؤوليتنا. فتعليمات الوزارة بالنسبة الينا تقول بتنظيف النهر مرة واحدة في السنة. إلا اننا نحتاج إلى تعاون المواطن، كما ان كلا من الدوائر المعنية يجب ان يتحمل مسؤولياته".

واقر مدير دائرة الري بوجوب محاسبة المقصرين في الدوائر المعنية، لكنه استدرك مضيفا ان "من الواجب ايضا محاسبة من يرمي الفضلات في النهر، ومن الواجب قبل هذا وذاك توفير حاويات للنفايات"، حتى لا يضطر المواطن إلى رمي الأوساخ في النهر.

وفي خصوص شبكة مياه الإسالة وتلوثها، قال ان ذلك من اختصاص دائرة الماء، التي "تعمل بجد، لكنها لم تحصل ضمن تخصيصات الأعوام 2008 و2009 و2010 على أي مبلغ لإنشاء المشاريع"، مضيفا ان "المشاريع متوقفة تقريبا، وهذا موضوع خطير لان المواطن مر ويمر بأزمات على مستوى المحافظة كلها".

ومن المسؤولين الحكوميين تحولنا الى المواطنين وممثليهم، تحدثنا أولا إلى السيد عبد الله جاسم مختار محلة "الدواسر" في ناحية "بهرز"، وهي من أكثر المناطق معاناة من تلوث النهر، نظرا إلى وقوعها جنوب مدينة بعقوبة والى تجمع كل النفايات التي يحملها النهر عند "قناطرها". وقد حمّل الدوائر المعنية مسؤولية إهمال نهر خريسان، فضلا عن الإهمال الخدمي في كل جوانبه. وأشار إلى "الفساد الذي ينطلق من المجالس البلدية، ويصل إلى أعلى المستويات في المحافظة". وطالب بأن توفر الدوائر البلدية حاويات للنفايات، وان تستمر عملية التنظيف دون انقطاع.

وأوضح المختار ان الناس يضطرون، حين ينقطع عنهم ماء الشرب، للجوء إلى ماء النهر بجانب الماشية، ما ينذر بأخطار صحية كارثية لا سيما للأطفال.

وحمّل المواطنون الآخرون الذين تحدثنا اليهم مجلس المحافظة ومديرية بلدية بعقوبة مسؤولية ما يحدث، واستهجنوا البطء غير العادي في انجاز المشاريع بذرائع قلة التخصيصات والوضع الأمني، خاصة وان المحافظة تعيش استقرارا امنيا ملحوظا. لكنهم يقرون بان الفساد والرشى تكبح عملية إعادة الإعمار وتوفير الخدمات.

ووجه المواطن محمد وهابي ـ من أهالي بعقوبة القديمة ـ اللوم إلى دائرة الماء، على عدم استبدالها شبكات أنابيب الماء القديمة وأكثرها متكسرة وتالفة، ما يسهل تسرب مياه المجاري اليها. ووصف حال نهر خريسان بانه "مزر"، وأشار إلى الكثير من ملوثاته وأبرزها نفايات المستشفيات.

واستهجن المواطن عمر باسم ـ من سكنة محلة الدواسر ـ إهمال قضية التلوث وترك طبقات النفايات والقذارات تغطي النهر في منطقتهم تحديدا. وقال ان البلدية لم توفر حاويات لحفظ النفايات، فيضطر الناس إلى رميها في النهر. واختتم حديثه بالتعبير عن المخاوف التي تسكن أهالي المنطقة من حدوث أمراض خطيرة بسبب تلوث النهر والمياه عموما.

وتتواصل شكوى أبناء مدينة بعقوبة ومحافظة ديالى، خاصة وان أحدا من المسؤولين لا يعيرهم سمعا حتى الآن، بينما هؤلاء ودوائرهم في المحافظة يتقاذفون كرة التلوث، وكل منهم يرمي بها في شباك الآخر أو يكاد، وفيما خريسان يستحي ان يسمى نهرا، ويخجل من برتقالات بساتينه وهو يئن تحت وطأة القاذورات، حتى صحّ عليه قول شاعر من أهله:

والذي كانت تزفه النوارس دهرا

هجرته – الآن –

حتى الطحالب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/حزيران/2010 - 18/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م