الرهان الأكثر أمانا للعراق... حكومة تمثيل شامل

 

شبكة النبأ: بعد مرور أثنا عشر أسبوعاً على انتخابات 7 آذار/مارس 2010، يبدو أن العراق يتجه نحو تشكيل حكومة "وحدة وطنية" مترامية الأطراف تُولي أهمية للاستقرار والشمولية أكثر من اهتمامها بالكفاءة أو العزم. وعلى الرغم أنه بإمكان القول أن هذا النهج هو رهان أكثر أماناً بالنسبة للعراق في لحظة حساسة وخطيرة، فإنه سيطرح عدة تحديات لسياسة الولايات المتحدة في تلك البلاد والمنطقة على حد سواء.

وكتبَ مايكل نايتس المدير المؤقت لبرنامج الأمن والدراسات العسكرية في معهد واشنطن، والباحث أحمد علي، مقالاً حول الموضوع قالا فيه: يشارك كل شخص تقريباً وإلى حد ما في الحكومة ذات القاعدة العريضة المنبثقة حالياً؛ بيد، لم يوقِّع أي شخص على وثيقة متفق عليها تحدد عمل الحكومة. واذا استمر الوضع على نهجه الحالي، سوف لن تمثل الحكومة الجديدة تحالفاً بين أطراف متكافئة، بل ستقوم مجموعة فرعية متكونة من ثلاثة ائتلافات سياسية بتشكيل جوهر هذه الحكومة وتعمل على ترجيح كفة ميزان الأصوات في مجلس الوزراء لصالحها.

ويضيف الكاتبان، تشير العديد من الدلائل بأنه يتم السير باتجاه الوصول إلى هذه النتيجة. إن احتمال قيام تحالف ثنائي يضم رئيس الوزراء نوري المالكي وزعيم القائمة «العراقية» أياد علاوي ويتمتع بـ 180 مقعداً في البرلمان، آخذ في الخفوت على الرغم من الإدعاءات عن قيام الولايات المتحدة بجهود وراء الكواليس لتسهيل عقد اجتماع بين الجانبين. إن الشخصيات المختلفة، والخلافات الايديولوجية القائمة بين الطرفين، بالإضافة إلى ديناميات التحالف، وحث طهران وإصرارها [على التدخل] تجعل من غير المحتمل ظهور ما يمكن اعتباره كـ "ائتلاف وطني كبير". ومن غير المرجح أيضاً أن يتم استثناء كتلة علاوي بصورة تامة من الحكومة المرتقبة، خاصة وأنها تتكون من العرب السنة في المقام الأول. وقد قام الزعيم الشيعي آية الله علي السيستاني، والأكراد العراقيون والولايات المتحدة بإسماع أصواتهم حول ضرورة شمل جميع الأطراف.

تقسيم مجلس الوزراء إلى شرائح

ويضيف كاتبا المقال، يبدو أن رئيس الوزراء نوري المالكي بدأ يقتنع بفكرة تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة. وقد تساءل في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" في 23 أيار/مايو الحالي: "كيف يمكن تشكيل الحكومة بدون مشاركة القائمة «العراقية» سواء ككتلة واحدة أو [كمجموعة] سنية؟" وقدم المزيد من الحوافز لأعضاء كتلة علاوي، حيث أشار بأن "القائمة «العراقية» والعنصر السني... يجب أن يتبوؤا مناصب سيادية، وليس وظائف ثانوية".

وتشير هذه التعليقات بأن المالكي يتمتع بإدراك واسع ووعي كبير بنقاط ضعف علاوي، ويتكهن بصورة صحيحة بأن القائمة «العراقية» تكافح من أجل الحفاظ على تماسكها وربما يكون من السهل حدوث انشقاق في صفوفها. وكما أشار في المقابلة مع الـ "واشنطن بوست"، "أنا أقرأ الوضع الحقيقي وأرى أن مسار علاوي صعباً، فلديه العديد من المشاكل التي تقف أمامه. لا أقول بأن ليس لدي أي مشاكل ولكنها أقل من مشاكله. فلدي قائمة متماسكة بعكس الآخرين. لذلك، على المرء أن يتخيل المشاكل التي تواجه علاوي والآخرين". ورفض المالكي باستمرار احتمال قيام علاوي بتشكيل حكومة جديدة؛ ولم يؤد الإجتماع الذي عُقد يوم الأحد بين علاوي والسيستاني إلى حصول زعيم القائمة «العراقية» على أي ميزة سياسية.

إن التحدي المتبقي الذي يواجهه المالكي هو طمأنة الشركاء الشيعة، والأكراد، والسنة العراقيين بأن بإمكانهم الثقة به من ناحية اتخاذه موقفاً أقل سلطوياً إذا ما حصل على فترة ولاية ثانية. فعلى سبيل المثال، ستطالب عناصر «التيار الصدري» -- التي هي جزء من «الإئتلاف الوطني العراقي» الشيعي المتحالف حالياً مع حزبه -- تقديمه حوافز كبيرة لكي توافق على تقلده منصب رئيس الوزراء، بما في ذلك السيطرة على وزارات خدمية مثل الصحة والعمل والنقل. بالإضافة إلى ذلك، يصر «الإئتلاف الوطني العراقي» على فرض بعض الإجراءات التقييدية على قدرات صنع القرار التي سيتمتع بها رئيس الوزراء المقبل. كما هناك تحيز قوي قائم في صفوف الأكراد والعناصر العربية السنية ضد المالكي.

ويستدرك الكاتبان بالقول، على الرغم من أن المالكي يستطيع تقديم العديد من المكافآت المغرية لحلفائه بصورة مناصب وزارية [إذا ما قام بتشكيل الحكومة المقبلة]، تشير الكراهية الظاهرة حالياً بأن بالإمكان إزاحته جانباً في مرحلة متأخرة بعد قيام الحكومة بمهامها، والإستعاضة عنه برئيس وزراء يكون مقبولاً بصورة أكثر (وأضعف منه بشكل ملحوظ) ليترأس حكومة وحدة وطنية تضم عدد كبير من الوزراء. وقد أظهرت إدارته السابقة بأن رئاسة الوزراء يمكن أن تؤدي إلى تحويل شاغل المنصب إلى لاعب مهيمن، بغض النظر عن ضعفه السياسي الأولي أو اعتماده على الآخرين. لذلك، قد تأخذ الكيانات المختلفة وقتها قبل أن تقوم باختيار رئيس الوزراء العراقي الجديد للحيلولة دون تكرار تجربة المالكي.

الآثار المترتبة على السياسة الأمريكية

ويتابع كاتبا المقال، إذا بقي المالكي في منصبه أو ستتم إزالته من رئاسة الوزراء، سوف لن يتم تشكيل الحكومة الجديدة قبل بداية شهر رمضان المقبل في أواسط آب/أغسطس. وعلى الرغم من أن الضغوط التي مارستها الحكومة الأمريكية و«بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق» كانت مفيدة في الحفاظ على الشعور بأن هناك حاجة ملحة لتشكيل حكومة جديدة، قد يكون من الصعب تسريع المفاوضات لتشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة وملتئمة (سواء كان ذلك عن طريق إنشاء تحالف مقصود أو مجرد قيام بعض الفصائل بالقفز في عربة [الإئتلاف] ). وقد يستخدم القادة العراقيون مناورات إجرائية للحفاظ على المواعيد النهائية القريبة في حين يتمكنون من التصرف كما يشاؤون ويؤدون إلى إرهاق عملية تشكيل الحكومة في آن واحد، لكي تحدث المعالم المختلفة في نهاية المطاف في تعاقب سريع، وذلك بمجرد الإنتهاء من الوصول إلى اتفاق.

ويذكِّر الكاتبان بالقول، من المقرر أن يتم انسحاب الألوية القتالية الأمريكية في منتصف شهر رمضان -- 31 آب/أغسطس، على وجه الدقة -- وبذلك ستكون هناك مدة اسبوعين تفتقر خلالها العراق لكل من حكومة [جديدة] ووجود عسكري أميركي رئيسي. ومع ذلك، لن يكون هناك عدد أكبر من القوات الأمريكية في العراق قبل شهر رمضان مباشرة، مقارنة بعددها بعد شهر رمضان مباشرة، إلا بشكل هامشي. ووفقاً لذلك، قد يكون من الأفضل ترك عملية تشكيل الحكومة لكي تظهر إلى حيز الموجود بصورة طبيعية، بدلاً من الضغط عليها لكي تناسب مواعيد أمريكية هي رمزية إلى حد كبير.

ومن المحتمل أن تشهد الوزارات المختلفة حدوث تغييرات هامة بعد الإنتهاء مباشرة من تشكيل الحكومة، حيث ستتم أثناء المفاوضات إعادة توزيع معظم أو جميع المناصب الوزارية. ويمكن تقسيم الوزارات السيادية -- المالية والداخلية والنفط والدفاع والشؤون الخارجية -- بين المعينين الذين يمثلون ما يصل إلى خمسة فصائل رئيسية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى بعض النتائج الإيجابية "للمستثمرين"، مثل حصول البراغماتيين في صفوف «العراقية» أو ائتلاف المالكي على وزارة النفط، أو حصول الأكراد على وزارة المالية.

ويبّين الكاتبان، مع ذلك فإن التعديل الذي سيحصل في المناصب الوزارية قد يؤدي أيضاً إلى تعيين شخصيات غير مستساغة في المناصب الرئيسية. ينبغي على واشنطن أن تبدأ بالتحضير لاحتمال قيام قوى سياسية مناهضة للولايات المتحدة وواقعة تحت تأثير إيراني، بتولي أدوار أمنية أو دبلوماسية في الوقت الذي تنسحب فيه القوات الأمريكية ويتم التفاوض على اتفاق أمني جديد. إن تشكيل الحكومة الذي يشابه عملية إجراء قرعة، سيعتبر العديد من [بنود] العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة والعراق لاغياً وباطلاً، الأمر الذي سيتطلب البدء مجدداً ببذل جهود جديدة للقيام بعمليات اتصال بين الطرفين. ومن جانبها، يتعين على الحكومة العراقية الجديدة أن تتطلع إلى اتخاذ موقف أكثر توازناً في علاقاتها مع إيران. ويمكن أن تتضرر العلاقات الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة إذا ما سعت بغداد إلى إقامة علاقات أوثق مع الجمهورية الإسلامية.

وبالنسبة للكثير من صانعي السياسات في واشنطن والعالم العربي، سيكون الحل الأمثل هو قيام تحالف حصري بين المالكي وعلاوي. ومن الناحية النظرية، تضمن هذه الخطوة قيام دولة اتحادية قوية، ومناخ استثماري أكثر ملاءمة، وتوازن عبر الطوائف المختلفة، ونفوذ إيراني متقلص. ومع ذلك، يمكن لمثل هذه الحكومة ذات الأغلبية الضئيلة أن تشكل تهديداً كبيراً على الأكراد، نظراً لأنها ستتألف إلى حد كبير من القوميين العرب الذين يتمتعون بسجل حافل من المعارضة للمصالح الكردية. كما أنها من المرجح أن تؤدي إلى حدوث شلل سياسي، لأن الفصائل المستبعدة ستلجأ إلى اتخاذ إجراءات استراتيجية مضادة لحجب الثقة عنها -- حيث لا يتطلب سوى الخُمس من أعضاء البرلمان (65 عضواً) للمبادرة بعملية تصويت لحجب الثقة عن الحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون من الصعب تشكيل حكومة بين علاوي والمالكي لأن حكومة كهذه من المحتمل أن تكون واهية وضعيفة، بسبب الخصومات والخلافات السياسية بين هذين الجناحين القوميين المختلفين جداً.

ويختم الكاتبان مقالهما بنتيجة، على الرغم من أن احتمال قيام المالكي وعلاوي بالتعاون سوية من أجل تشكيل حكومة جديدة يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيير السياسة العراقية بصورة إيجابية؛ إلا أن هذه لعبة محفوفة بالمخاطر في هذه اللحظة من ناحية تطور البلاد. ومن شأن تشكيل حكومة وحدة وطنية مترامية الأطراف أن تمثل من نواحي خاصة خطوة إلى الوراء باتجاه ما كانت عليه الأوضاع أثناء فترة مجلس الحكم العراقي الفوضوي من عام 2003-2004 والحكومة العراقية الإنتقالية من عام 2005. إلا أن هذا الخيار -- حكومة تضم الجميع، ولا تضم أحداً -- قد يكون السبيل الآمن الوحيد نحو قيام أول حكومة حقيقية في العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/حزيران/2010 - 16/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م