سلالات الائتلاف البريطاني والعلاقة الخاصة مع الشرق الأوسط

 

شبكة النبأ: يوم 6 مايو/ايار، ذهب البريطانيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب حكومة جديدة، ولم تسفر النتيجة إلا على استقالة زعيم حزب العمال غوردون براون. وفي غضون ساعات من توليه منصب رئيس الوزراء، أنشأ ديفيد كاميرون زعيم حزب المحافظين الهيئة الجديدة لمجلس الأمن القومي البريطاني، الذي ركز أول اجتماعه على مناقشة الوضع في أفغانستان وباكستان، واستعراض التهديد الإرهابي للمملكة المتحدة. وبصرف النظر عن المشاكل الاقتصادية في بريطانيا، يظهر أن هذه القضايا والسياسة في الشرق الأوسط بصفة عامة تهيمن في جدول أعمال الحكومة الجديدة وعلاقاتها مع واشنطن.

وكتبَ الباحث سايمون هندرسون، مدير برنامج سياسات الخليج والطاقة في معهد واشنطن، مقالاً حول الموضوع قال فيه: على الرغم من الخلفية التاريخية للولايات المتحدة المتمثلة في تحقيق الاستقلال عن التاج البريطاني، فإن تركة العقود العديدة الماضية تظهر شراكة وثيقة بين البلدين، هذه "العلاقة الخاصة" التي هي مفهومة تماما بالرغم من عدم تعريفها في كثير من الأحيان، وتكمن أصولها في تعاون وثيق بين الرئيس فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء ونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية، والتي تعززت خلال الحرب الباردة.

ويضيف هندرسون، في محاضرة ألقاها عام 2009، حدد وكيل وزير الدفاع السابق اريك ادلمان أربع ركائز للعلاقة بين البلدين: "القادة والنخب ملتزمة بالفكرة القائلة بأن الشعوب الناطقة باللغة الإنجليزية لديها شيء خاص تقدمه للعالم كمجتمع منفتح يسود فيه القانون، ولديهم الرغبة في التحالف العسكري معا، والتبادل العلمي خاصة في الأسلحة النووية، والتعاون الوثيق في مجال الإشارات والاتصالات الاستخبارية". بعبارة أخرى، فإن ذلك يعني أن كل بلد يمثل بالنسبة للآخر الشريك العسكري المفضل والشريك الاستخباراتي والدبلوماسي الأكثر ثقة.

وعلى الرغم من الضغوط، فقد ظلت العلاقات بين الولايات المتحدة وبريطانيا قائمة، ويمكن القول إنها تعمقت جراء الصراعات في العراق وأفغانستان، حيث تأتي العسكرية البريطانية والالتزامات الأخرى في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أنه بعد ساعة واحدة من تولي كاميرون رئاسة الوزارة، تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس أوباما يهنئه قائلا: "ليس للولايات المتحدة صديق وحليف أقرب من المملكة المتحدة" واصفا العلاقة في وقت لاحق بأنها "استثنائية". ولتعزيز العلاقات الثنائية، توجه وليام هيج المعين حديثا وزيرا للخارجية البريطانية إلى الولايات المتحدة في زيارة قصيرة ضمن ثمان وأربعين ساعة من تلقي دعوة من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.

جدول أعمال فوري

ويوضح هندرسون، كانت المواضيع الرئيسية التي ذكرت في اجتماع لاهاي-كلينتون تدور حول أفغانستان وإيران وباكستان وعملية السلام في الشرق الأوسط. تبدو أفغانستان بارزة بين هذه المواضيع، كما تبدو واشنطن قلقة على أن كاميرون سوف يعيد النظر في الالتزام العسكري البريطاني بسبب مخاوف داخلية حول إصابات البريطانيين والشعور بعدم جدوى التوصل إلى تسوية سياسية. كما أن ضعف الاعتماد المالي اللازم لشراء المعدات العسكرية الأنسب مسألة طرحت أثناء الانتخابات، إلى ذلك فإن كاميرون لن يرغب في وراثة ملامة براون.

في مجال الدفاع والشؤون الخارجية، فمن الصعب تمييز أية خلافات سياسية بين الإدارات السابقة والجديدة. ولكن من المؤكد أن الاختلاف سيكون في النهج الذي تتبعه، نظرا للانتقادات الموجهة للحكومة في الماضي حول خضوعها لواشنطن بشأن القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، في تصريحات في وزارة الخارجية يوم 14 مايو/ أيار، وصف لاهاي العلاقة بين البلدين بأنها "غير قابلة للتخريب"، بينما وعد في نفس الوقت ب"العلاقات المتينة دون تبعية" – وهي الصيغة المستخدمة من قبل كاميرون في خطاب ألقاه عام 2006، عندما صرح أن بريطانيا لن تكون "شريك أميركا المطلق في كل المساعي.".

سلالات داخل الائتلاف الحاكم البريطاني

ويتابع هندرسون، من أجل التوصل إلى الأغلبية البرلمانية اضطر حزب المحافظين تشكيل ائتلاف مع حزب الديمقراطيين الأحرار اليساريين على حساب منحهم خمسة مقاعد في مجلس الوزراء المكون من 23 عضوا. (وكان حزب الديمقراطيين الأحرار اليساريين على حساب منحهم خمسة مقاعد في مجلس الوزراء المكون من 23 عضوا. قد حاول أيضا تشكيل حلف مع المهزومين ولكنه مماثل إيديولوجيا لحزب العمال). و قد بدأ المعلقون يتكهنون حول إمكانية استمرارية هذا التعاون الذي هو نادر جدا في السياسة البريطانية.

على صعيد السياسة الخارجية، فإن الاختلافات واسعة. معظم المحافظين هم "أطلسيون" طبيعيون وحذرون من أوروبا. في المقابل، فإن حزب الديمقراطيين الأحرار اليساريين على حساب منحهم خمسة مقاعد في مجلس الوزراء المكون من 23 عضوا. يميلون للتحذير من "علاقة التبعية" لبريطانيا مع الولايات المتحدة. وهم يعارضون أيضا الحفاظ على الردع النووي البريطاني المستقل (والمكلف) والذي يعتمد على الغواصات الصاروخية ترايدنت المستوردة من الولايات المتحدة.

بخصوص تقسيم الحقائب الوزارية يمسك الساسة «المحافظون» بقبضة قوية على الخارجية والدفاع والمالية وما يناظرها من العدل وأقسام الأمن الداخلي في واشنطن. ولكن نيك كليج رئيس «الديمقراطيين الأحرار» اليساريين على حساب منحهم خمسة مقاعد في مجلس الوزراء المكون من 23 عضوا.» يشغل منصب نائب رئيس الوزراء وهو عضو في مجلس الأمن القومي الجديد على حد سواء، وهذا يعني، على حد تعبير وزير الخارجية لاهاي، أنه سيكون "في القلب الداخلي" فيما يتعلق بقرارات السياسة الخارجية الرئيسية. في مارس/ آذار، أعلن كليغ أن المصالح الاستراتيجية لبريطانيا "لن تتحقق ما لم نتخلص من "الأطلسية" التي سادت بشدة منذ [1956]".

ويضيف هندرسون، أما فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، ف«حزب المحافظين» داعم لإسرائيل بشكل عام. أخبر كاميرون الزعماء اليهود البريطانيين قبل الانتخابات أنه سوف يجدد التركيز على العلاقات مع دول الخليج العربي، ولكن خلال زيارته لإسرائيل وصف القدس الشرقية بالأراضي المحتلة. ويقال إن «المحافظين» يتفهمون الفكرة القائلة بأن بريطانيا لا يمكن أن تقوم بدور في عملية السلام في نفس الحين الذي يكون فيه الإسرائيليون المسؤولون الزائرون لبريطانيا عرضة للاعتقال بموجب إجراءات «الاختصاص العالمي» بمعنى احتمال اعتقالهم بتهم ارتكاب جرائم حرب حشدها ناشطون مؤيدون للفلسطينيين. وفيما يتعلق بالعمليات العسكرية، كان وزير الخارجية لاهاي منتقدا لإسرائيل خلال حرب لبنان عام 2006 لكنه غير موقفه خلال النزاع في غزة عام 2009.

ويتابع هندرسون، من جانب آخر يعتبر «الديمقراطيون الأحرار» اليساريين على حساب منحهم خمسة مقاعد في مجلس الوزراء المكون من 23 عضوا.» تقليديا غير وديين تجاه إسرائيل، فهم يدعمون مواقف مثل مقاطعة السلع الإسرائيلية، كما أن العديد من كبار أعضاء الحزب لهم سمعة كونهم صرحاء بشأن هذه المسألة. فهناك مثال صارخ عندما اضطر كليغ في فبراير 2010 اقالة البارونة جيني تونغ من منصبها كناطقة باسم حزب «الديمقراطيون الأحرار» في مجال الصحة بعد أن صادقت على تقرير جاء فيه أن فرقا طبية إسرائيلية تعمل في هايتي بعد الزلزال مشتبه فيها بجني أعضاء الضحايا. كما أن كليج نفسه دعا إلى فرض حظر على الأسلحة ضد إسرائيل خلال عملية الرصاص المصبوب في غزة، يعتقد الحزب أن المسألة تحتاج إلى مزيد من التحقيق والنظر قبل القيام بأي تغييرات في ظل «الولاية القضائية العالمية».

بالنسبة لإيران، يميل «حزب المحافظين» إلى دعم فرض عقوبات مشددة على الفور سواء عبر الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أو أحادي الجانب. بالنسبة لـ «الديمقراطيون الأحرار» فهم يدركون الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني ويدعمون عقوبات "محددة"، لكنهم يعارضون أي تدخل عسكري.

ويؤكد هندرسون، إن إلغاء العقوبات المفروضة على إيران و«الولاية القضائية العالمية» والذي يتطلب تصويت البرلمان من الاختبارات الأولى لمجلس الأمن القومي الجديد ولطريقة العمل الداخلي للائتلاف الحكومي. ويبدو وجود خصومة سياسية في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب أقل احتمالا. و من المرجح أن تقوم الحكومة الجديدة بإلغاء قوانين تجيز الاحتجاز لمدة 42 يوما للمتهمين بالإرهاب، وإلغاء المشروع الحكومي للحصول على بطاقة الهوية الوطنية. و قد أظهر كاميرون على ما يبدو وجهة نظره الشخصية بخصوص التهديد الإرهابي حين اقتصر موكبه على سيارة واحدة فقط، وعندما اختلط مع السياح مصرا على المشي بضعة مئات من الامتار من مكتبه في "داوننج ستريت" إلى البرلمان. وسيظهر مؤشر مبكر لسياسته على ما إذا كانت حكومته ستتواصل مع المجتمع المسلم عبر «المجلس الإسلامي في بريطانيا» (التي قاطعتها إدارة براون في العام الماضي بسبب بيان صادر عن "مجلس الأمن» يوافق على العنف) بدلا من تفضيل نهج التعاطي على نطاق أوسع.

دور العلاقات الشخصية؟

ويضيف هندرسون، بصرف النظر عن التعاون العسكري والأمني، فإن نصف القرن الماضي من العلاقات بين الولايات المتحدة وبريطانيا يظهر بوضوح أن العلاقة الخاصة أصبحت تعكس عمق الروابط بين قادة الأمتين والمقربين منهما. فعلى هذا الأساس، تبشر تهاني الرئيس أوباما الفورية كاميرون بالخير.

ومن المقرر عقد اجتماع بين أوباما وكاميرون في قمة مجموعة ال 20 الاقتصادية في كندا الشهر المقبل. ودعا أوباما أيضا كاميرون وزوجته لزيارة الولايات المتحدة في أقرب وقت في يوليو/ تموز. وفي الوقت نفسه، فإنه من المعروف أن أوباما يتجنب الصداقات الشخصية الوثيقة مع القادة الحلفاء.

ويختم هندرسون بالقول، على أية حال فإن وصف الشراكة بين الولايات المتحدة وبريطانيا بال"استثنائية"، قد اجتذب انتباه جمهور حريص على معرفة أحدث تعريف للعلاقة الخاصة، وما يمكن أن تساهم به في العديد من التحديات الرئيسية المتعلقة بالسياسة العامة.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/أيار/2010 - 14/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م