الإسلام والتواصل مع متطلبات العصر

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: لا يُخفى أن مجتمعاتنا الاسلامية لا تزال بحاجة الى توعية كبيرة ومتواصلة من أجل أن تتوافق مع العصر وتحتفظ بهويتها الاسلامية الانسانية في الوقت نفسه، بمعنى ربما يرى بعضهم أن هناك تعارضا بين سمات العصر وبين مبادئ الاسلام الذي يحرص على أن يصون كرامة الإنسان ويعلي من شأنه. ولكن هل فعلا هناك تناقض بين الإسلام وطبيعة العصر؟.

إن الاجابة الدقيقة عن هذا التساؤل يمكن أن تؤخذ من جوهر التعاليم الاسلامية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وسيرة أهل بيت النبوة الاطهار عليهم السلام، ولدينا في كفاح الامام الحسين (ع) وطبيعة صراعه الذي خاضه ضد الظلم والطغيان دلائل واضحة تشير الى أن الاسلام مع الحق والعدل والمساواة وهي سمات ينبغي أن يتجدد بها العصر الراهن وما يليه من العصور كونها مبادئ إنسانية شاملة تصب في تعضيد الكرامة البشرية والحفاظ عليها.

وبهذا الصدد يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في إحدى محاضراته القيّمة الموسومة بـ (عاشوراء دروس وعبر) يقول:

(إن للمدرسة الحسينية عطاءً لا ينفد، ومكاسب لا تبلى، وهي تجسّد عظمة سيد الشهداء سلام الله عليه. فالحسين إمامنا ومثلنا الأعلى، فلنرَ ماذا قدّم لنا حتى نسلك طريقه ونتبع أثره).

وهذا ما يقودنا الى الاسترشاد بسيرة الامام الحسين (ع) والأخذ منها في معالجة شؤون العصر والتعايش معه وفقا لتطلعات المسلمين نحو حياة افضل تضمن لهم واقع ينسجم مع التمسك بنا يريده الله تعالى من الانسان في حياته وبعد مماتاه ايضا، لذا فإننا مطالبون في هذه الحالة بالمحافظة القصوى على المزايا والمكاسب التي حصلنا عليها من دروس وعبر الملحمة الحسينية الخالدة، ومن هذه العبر المهمة هي مواجهة العنف بالسلام كما تعامل أمامنا عليه السلام مع من حاربوه، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال:

(أحد الأعمال التي قام بها الإمام الحسين سلام الله عليه هي تقديمه الماء لأصحاب الحرّ الرياحي، فمن هم يا ترى أصحاب الحرّ. إنّهم جماعة كلّفهم ابن زياد بمهمة اقتياد الإمام الحسين سلام الله عليه إليه، وكان الحسين قد قال: «حتى لو استسلمت لهم، فلن يتورّعوا عن قتلي»، نعم، إنّهم جاءوا لمحاربة الحسين سلام الله عليه وقتله في حال عدم استسلامه، لكنّ الحرّ رجع إلى نفسه وتاب في يوم عاشوراء بعد الذي بدر منه في البداية، فتاب الله عليه وكذلك الإمام سلام الله عليه عفا عنه. والآن لنرَ ماذا فعل أصحاب الحرّ؟ فريق منهم رمى الإمام بوابل من سهامه، وفريق آخر حاربه بالرمح والسيف، وأولئك الذين لم يكن معهم سلاح أمطروه بقطع الخشب والحجارة، كما ساهم بعضهم في قتل علي الأكبر سلام الله عليه، ومنهم من رمى أبا الفضل العباس بالسهام. وكان الإمام سلام الله عليه يعرفهم ويعرف نواياهم، لكن مع ذلك سقاهم الماء، وهنا نسأل دون أن نعترض: «يا أبا عبد الله لماذا سقيتهم الماء؟». الجواب هو أنّ الله تعالى يريد من الإنسان أن يخدم أخاه الإنسان صالحاً كان أم شريراً).

إن هذا الدرس الكبير هو احد الدروس العظيمة المستقاة من سيرة الامام الحسين (ع) وهي تعلمنا كيف نتعامل مع بعضنا في حالات التضاد والصراع وما شابه، بل هي تطلب منا أن نتعامل بلا عنف حتى مع أعدائنا، فأي درس عظيم هذا، وماذا تريد الحضارة الانسانية الناجحة أكثر من ذلك؟

إن قمة التحضّر البشري هي أن يصل الانسان الى حالة العفو والرحمة حتى عن  أعدائه، وهذا درس ينبغي أن يتمسك به المسلمون وهم يتعاملون مع العصر الراهن القائم على الاحتراب والتنافس والصراع العجيب على موائد الدنيا، في ظل هجمة شرسة تحاول أن تلصق بالاسلام مبادئ لا تمت له بأية صلة، فيُقال هنا وهناك بأن الاسلام لا يصلح للتعامل مع العصر، ولعل من أهم الاسباب أننا لم نتعلم كيف نصون المبادئ الحسينية او أننا لم نوظفها لصالحنا بالوجه الأمثل.

لقد أكد سماحة المرجع الشيرازي على أهمية أن نؤدي أمانتنا ازاء الامام الحسين (ع) وفكره من جهة وازاء الشباب من جهة أخرى، حيث تتطلب مسؤوليتنا أن نفتح الافاق أمام الافكار والمبادئ العظيمة ونجعلها في متناول الشباب والناس عموما لكي يهتدوا بها ويطبقوها في التعامل مع العصر ومستجداته، إذ قال سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد:

(إنّ شبابنا هم أمانة الله وأهل البيت سلام الله عليهم في أعناقنا، وقد حافظ أسلافنا على الأمانة على أحسن وجه وسلّمونا الدين ومضوا، لذلك علينا أن نسعى بدورنا أن نصون الأمانة الواصلة إلينا على أتمّ صورة، لنسلّمها إلى الأجيال من بعدنا).

لهذا السبب فإن الاسلام بهذه المبادئ العظيمة هو أفضل من يستطيع التواصل مع حاجات العصر والانسان معا، استنادا الى إنسانية مبادئه وتعاليمه، التي طُبّقت على أفضل وجه من لدن الانبياء والاوصياء والائمة الطاهرين عليهم السلام، ولنا في مآثر الفكر الحسيني دليلا واضحا على تواؤم وانسجام الاسلام مع سمات ومتطلبات العصر الراهن وكل عصر.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/أيار/2010 - 13/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م