
شبكة النبأ: في الحالة غير المستقرة
المحيطة بالبرنامج النووي الإيراني، ربما يكون الرهان الأسلم هو توقع
المزيد من المفاجآت. وعلى الرغم من المشروع الواعد الذي تم تعميمه في
19 أيار/مايو، ليس من الواضح مدى جدية قرار العقوبات الذي اتخذه مجلس
الأمن الدولي، حتى إذا تم اعتماده في وقت قريب. كما ليس من الواضح مدى
الحيوية التي ستتابع بها البرازيل وتركيا الإتفاق الثلاثي الذي تم
التوصل إليه في 16 أيار/مايو الحالي بين هذين البلدين وإيران. ومع ذلك،
يمكن استخلاص دروس مهمة من التطورات الأخيرة.
وفي هذا الصدد كتبَ الباحث پاتريك كلاوسون، مدير المبادرة الأمنية
حول إيران ونائب مدير الأبحاث في معهد واشنطن، مقالاً قال فيه: حتى في
الوقت الذي يقول فيه القادة الإيرانيون بأنهم سيتجاهلون أي ضغط تمارسه
الولايات المتحدة وحلفاؤها، تشير السجلات [بأن التطورات تسير] خلاف ذلك.
فالإتفاق الثلاثي الذي تم التوصل إليه هذا الأسبوع بين إيران والبرازيل
وتركيا لتزويد الوقود لـ «مفاعل طهران البحثي»، قد تم بشفافية بهدف
الحيلولة دون فرض عقوبات على طهران في الأمم المتحدة. كما أن الظروف
المثيرة التي حدثت قبل التوصل إلى الإتفاق الثلاثي الأخير هي أيضاً
مثيرة للإهتمام. فمنذ أشهر، كانت تركيا تقوم بالضغط على إيران لكي
توافق على شروط مماثلة، ولكن -- وفقاً لمسؤولين أتراك -- لم تستجب
طهران لتلك الشروط. وعندما قللت الولايات المتحدة وغيرها من المسؤولين
الغربيين من احتمالات نجاح الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا في التوصل
إلى اتفاق خلال زيارته إلى طهران في 15-17 أيار/مايو الحالي، فإنهم قد
وصلوا إلى ذلك الإستنتاج بعد عدة أشهر من رفض إيران للصفقة نفسها أساساً.
ولكن الشئ الذي لم يأخذوه في الحسبان هو مدى استجابة إيران للضغوط.
ويضيف كلاوسون، من الجدير بالذكر أن الكثير مما جاء في الإتفاقية
نفسها كان قد تم طرحه على إيران في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ولكن
بشروط أفضل. ففي المفاوضات التي جرت في العام الماضي، والتي ترأستها
فرنسا وروسيا والولايات المتحدة و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» [«وكالة
الطاقة الذرية»] (والتي تعرف باسم "«مجموعة فيينا للإتصال»")، عرضت
الولايات المتحدة أن تزود إيران بتحديثات وقائية لـ «مفاعل طهران
البحثي»، إذا ما طلبت «وكالة الطاقة الذرية» ذلك.
وفي حين ترد طهران على الضغوط، نادراً ما يستجيب النظام الإيراني
لإغراءات مثل عرض الرئيس الأمريكي أوباما للإنخراط في محادثات ثنائية
دون شروط أو للعروض الأوروبية في الفترة 2004-2005 للتفاوض حول الحوافز
الإقتصادية لمعالجة مخاوف إيران الأمنية. فلم تمل طهران فقط إلى تجاهل
مثل هذه الإغراءات، إلا أنها أظهرت في كثير من الأحيان عدم اهتمامها
بالحوافز نفسها والتي كانت قد أصرت على شملها في [أي] اتفاق يتم التوصل
إليه. فعلى سبيل المثال، شكت طهران على مدى سنوات من أن الولايات
المتحدة كانت تعرقل طلب إيران للإنضمام إلى "منظمة التجارة العالمية".
ولكن عندما رفعت إدارة الرئيس بوش اعتراضها في عام 2005 -- في أعقاب حث
الأوروبيين -- استمرت إيران في تجاهل "منظمة التجارة العالمية" لمدة
أربع سنوات كاملة.
المقترحات الإيرانية تتضمن بنود تهرّب
ويرى كلاوسون، إن الإتفاق الثلاثي الذي تم التوصل إليه هذا الأسبوع
هو توافق مبهرج. فقد ظهرت إيران وكأنها تتنازل عن كل من القضايا الثلاث
التي استشهدت بها في رفضها لإتفاق تشرين الثاني/نوفمبر 2009: أولاً،
سيغطي الإتفاق وبصورة كاملة 1200 كيلوغرام من "اليورانيوم المنخفض
التخصيب"، وهي الكمية اللازمة لإنتاج وقود لـ «مفاعل طهران البحثي»،
ثانياً، سيتم شحن "اليورانيوم المنخفض التخصيب" بصورة كاملة في شحنة
واحدة (وفي أقرب وقت ممكن، كما تقول تركيا، وإن لم يُذكر ذلك في النص
نفسه)، وثالثاً، سيتم تخزين "اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب" في
الخارج حتى تحدث المبادلة مع وقود «مفاعل طهران البحثي». وإذا تم
الإتفاق على المضي قدماً وفق هذه الأسس، سيتم في الواقع تأخير البرنامج
النووي الإيراني بحوالي ستة إلى عشرة أشهر، وهي المدة التي ستستغرق
إيران لإنتاج بديل للـ 1200 كيلوغرام من "اليورانيوم المنخفض التخصيب".
وبعبارة أخرى، سيعيد الإتفاق عقارب الساعة إلى الخريف الماضي، عندما تم
التوصل إلى الإتفاق الأول حول «مفاعل طهران البحثي»، أي قبل أن تتراجع
إيران عن ذلك الإتفاق. إن هذا سيمثل [بعض] التقدم، بيد أنه تقدم محدود
بشكل ملحوظ، لأنه لم تتم معالجة القضية الأساسية -- رفض إيران تعليق
تخصيب اليورانيوم حتى تثبت لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» الطابع
السلمي المحض لبرنامجها النووي.
ويبين كلاوسون، كما أن الاتفاق الثلاثي كان أيضاً بمثابة عرض [يعكس
كفاءة الدول الموقعة] أكثر من كونه توافقاً واقعياً، بمعنى إتاحة النص
لقيام مسار من المفاوضات المعقدة والصعبة قبل دخول الإتفاق حيز التنفيذ.
ويحدد الاتفاق بأن إيران ستُخبر «وكالة الطاقة الذرية» عن استعدادها
للمضي قدماً. كما أن أي إجراءات أخرى ستتوقف "على الرد الإيجابي لـ «مجموعة
فيينا»"، مع امتلاك إيران الصلاحية لكي تحدد ما إذا كان رد الولايات
المتحدة وأعضاء فريقها هو فعلاً إيجابياً بما فيه الكفاية. وإذا ما
افتُرض بأنه سيتم إزالة تلك العقبة، ستبدأ المفاوضات بنسخ "اتفاق مكتوب
وترتيب ملائم" مع «مجموعة فيينا». وفي إيران، وضع مسؤولون مهمون شروط
مثيرة للقلق لأي اتفاق من هذا القبيل، مثل رفع جميع العقوبات المفروضة
على إيران. وعلى الأقل، يمكن قيام مفاوضات صعبة قد تستمر شهور تتمكن
خلالها إيران من المضي قدماً في أنشطتها لتخصيب اليورانيوم بصورة
متواصلة وبدون اعتراض.
ويتابع كلاوسون، حتى لو افترضنا بأن المفاوضات المرتقبة مع «مجموعة
فيينا» ستكون ناجحة، يمنح الإتفاق الثلاثي طهران الحق من جانب واحد
لاستعادة "اليورانيوم المنخفض التخصيب" الخاص بها في أي وقت، إذا قرر
النظام الإيراني بأنه "لا [يتم] احترام أحكام هذا «الإعلان»". ويشير
البعض في إيران بأن حصيلة كهذه يمكن إثارتها من خلال "التهديدات" التي
يوجهها الغرب ضد إيران. لذلك، ليس من الضروري إدراج «مجموعة فيينا» في
أي نقاش حول ما إذا كان يتم احترام الإتفاق، كما ليس من الضروري إدراج
هيئة محايدة مثل «محكمة العدل الدولية». إن بإمكان إيران أن تتصرف
وحدها.
ويمكن ان نلخص ما ذكر: بإمكان إيران طلب ضمان العديد من التنازلات
الإضافية قبل دخول الإتفاق الثلاثي حيز التنفيذ، وفي أعقاب ذلك، يمكن
أن يهدد النظام بالإنسحاب في أي لحظة ما لم يتم تقديم تنازلات إضافية.
دائرة إيران من الشركاء آخذة في التقلص
ويوضح كلاوسون، في التسعينات من القرن الماضي عملت إيران وبنجاح
كبير على التفريق بين أوروبا والولايات المتحدة. وربما كانت الكيفية
التي تم التعامل بموجبها مع الجمهورية الإسلامية أثناء ولاية الرئيس
كلينتون الأولى، المسألة التي اختلف حولها الشركاء عبر الأطلسي بصورة
أكثر حدة. وعلى النقيض من ذلك، يعمل الآن الجانبان الأمريكي والأوروبي
معاً وبشكل وثيق؛ فقد أقر الزعماء من كل جانب بأنه يجب مقاومة
استراتيجية "فرق تسد" التي تتبعها إيران عن طريق التنسيق الوثيق [بين
جميع الأطراف]. ومن المفارقات أنه نظراً لحدة شكوك الولايات المتحدة
تجاه إيران بالمقارنة مع أوروبا أثناء فترة ولاية الرؤساء كلينتون وبوش،
تتبع الآن بعض الحكومات الأوروبية موقفاً أكثر تشدداً من ذلك الذي
تتبعه إدارة أوباما.
ويضيف الكاتب، لقد كانت لإيران آمال كبيرة، على مدى العقد الماضي أو
أكثر، بأن تقوم روسيا بمنع محاولات الغرب لبطء تقدمها النووي. ولكن
بدلاً من ذلك، ازدادت خيبة أمل موسكو تجاه طهران، كما اتضح من الغضب
الذي تم التعبير عنه حول الكشف عن «موقع فردو» السري لتخصيب [اليورانيوم].
ومما كان لافتاً للإنتباه بصورة خاصة هو الإستماع لنائب رئيس الوزراء
الروسي سيرغي ايفانوف في 17 أيار/مايو، وهو يستعمل نفس اللغة التي
استخدمها مسؤولون أمريكيون، حيث وصف قرار فرض عقوبات جديدة من قبل
الأمم المتحدة بأنها عملية ينبغي أن تمضي قدماً وبصورة مستقلة عن
الإتفاق الثلاثي. وفي حين كانت الصين أكثر تردداً في التعاون الكامل مع
الدول الأخرى في الـ P-5 +1 [الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس
الأمن + ألمانيا]، لا يبدو أن بكين على استعداد بصورة خاصة لمعاندة
الغرب (واصدقائها العرب) نيابة عن الجمهورية الإسلامية.
ولا تتفاوض طهران مع البرازيل وتركيا لأن النظام الإيراني يفضل
هاتين الدولتين كشريكتان دوليتان، أو لأنه يعتقد بأن البلدان النامية
هي التي تجسّد العالم. وبدلاً من ذلك، ليس لدى طهران خياراً: فلم يعد
محاوريها السابقين والمفضلين يصدقون الحجة بإن الإيرانيين سيتعاونون
حقاً هذه المرة. ويشير سجل طهران بأن إيران ستقوم بمرور الوقت باتباع
مسارات ملتوية بحيث تُمطر البرازيل وتركيا بأنصاف حقائق، وتأخيرات،
وتراجعات. وسيكون التحدي الذي ستواجهه الدبلوماسية الأمريكية هو احتواء
الضرر بينما تواجه البرازيل وتركيا تجربة "منحنى التعلم" بصورة مباشرة.
الخاتمة
ويختم كلاوسون بالقول، ليس من الواضح إلى أي مدى يمكن أن تساعد
التطورات التي شهدناها الأسبوع الماضي في حل المشكلة الأساسية
المطروحة: إذا كانت طهران ستعلق تخصيب [اليورانيوم] وإعادة معالجته،
كما أمر ذلك مجلس الأمن مراراً وتكراراً، من أجل طمئنة المجتمع الدولي
من النوايا السلمية البحتة لبرنامج إيران النووي. ولا تعالج الصفقة
الجديدة لـ «مفاعل طهران البحثي» ولا العقوبات المقترحة ذلك الموضوع
بصورة مباشرة. وفي أفضل الأحوال، سيكسب إتفاق «مفاعل طهران البحثي»
الجديد بعض الوقت. على المرء أن يكون متفائلاً كبيراً لكي يعتقد بأن
قرار العقوبات الذي طُرح على مجلس الأمن في 18 أيار/مايو الحالي سيجبر
زعماء إيران المتشددين بتغيير الإتجاه الذي يتبعونه حول نواياهم
النووية. وعندما يستقر الغبار من على هذه الواقعة الحالية، قد لا يكون
العالم أقرب إلى الهدف، كما تمت صياغته من قبل الرئيس أوباما، حول "منع
إيران من تطوير أسلحة نووية".
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |