المفاوضات في ظل الاستيطان

مرتضى بدر

السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس لُدِغت في جُحرها مرات ومرات حتى باتت مدمنة على اللدغات المسمومة والمُخدّرة. اللدغة المسمومة تأتيها عادةً من قبل العصابة الصهيونية، وأما تلك المُخدّرة فتأتيها من قبل الإدارة الأميركية!! وهكذا تدور الدائرة على السلطة في كل مرة، وفي كل جولة من المفاوضات، ويا ليتها تأخذ العبرة من التاريخ، وتراجع حساباتها الخاطئة، وترجع إلى رُشدها، وتركن إلى أحضان شعبها، بدل الركون إلى أحضان الغير.

 الوضع الذي وصلت إليه السلطة الفلسطينية أشبه بالغريق الذي يتشبث حتى بُعشّ العصفور. ولكي تبرر غداً فشلها وإخفاقاتها وتنازلاتها المُخزية؛ فإنها ترمي بالمسؤولية على كاهل الجامعة العربية، فتقدم التنازلات تلو التنازلات، وتدخل في مفاوضات سلام مع العدو الصهيوني بتفويض من قبل الجامعة العربية، وليس من قبل الشعب الفلسطيني. وهذه المرة دخلت في مفاوضات غير مباشرة من دون أي ضمانات من قبل الأميركيين.

سلسلة التنازلات الفلسطينية قد بدأت في ديسمبر 1988 حين اعترفت (منظمة التحرير الفلسطينية) بالقرار رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة، والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين (عربية ويهودية)، ثم دخلت في المفاوضات مع العدو عام 1989 في مدريد، وفي نفس العام اعتمدت حركة فتح الحل السلمي للقضية الفلسطينية، ثم وقعت اتفاقية أوسلو مع الكيان الغاصب في سبتمبر 1993 بعد اجتماعات سرية بين الجانبين، ثم دخلت في سلسلة من المفاوضات المباشرة مع العدو بدأت من القاهرة عام 1995، والخليل عام 1997، وواي ريفر في أكتوبر 1998، وشرم الشيخ في سبتمبر 1999، وكامب ديفيد عام 2000.

كل تلك المفاوضات والتنازلات لم تفضِ إلى قيام دولة فلسطينية، كما إن الإسرائيليين لم يلتزموا بكل تلك الاتفاقيات!

وبالعودة إلى المفاوضات الجديدة، نستطيع القول إن الإدارة الأميركية لم تقدم أي ضمانات أو تأكيدات إلى الجانب الفلسطيني عدا تطمينات شفوية، بينما السلطة الفلسطينية بررت موافقتها على الدخول في مفاوضات غير المباشرة على ضماناتٍ أميركية. جاء في بيان السلطة “أن قرارها يستند إلى الضمانات والتأكيدات الأميركية لوقف النشاطات الاستيطانية وبشأن مرجعية السلام، أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية (ياسر عبد ربه) ذهب إلى أبعد من ذلك حينما قال: “إن الضمانات الأميركية تشمل التفاوض على كل قضايا الوضع النهائي التي ستكون مطروحة للتفاوض، وهي الحدود والقدس واللاجئين والمياه والأمن والأسرى والاستيطان”.. الأميركيون لم يعلقوا على بيان السلطة، فقرروا الصمت تجنباً لأي إحراج للجانب الفلسطيني الذي وضع كل بيضة السلام في سلة الأميركيين! المهم بالنسبة إلى الإدارة الأميركية هو بدء المحادثات، حفظاً لماء وجه إدارة أوباما التي وعدت بقيام دولتين، وقد سبق لجورج بوش أيضًا أن قدّم نفس الوعود. وسيرحل (أوباما) من دون أن يرى حلمه قد تحقق. إننا، نعتقد جازمين أن رئيس الحكومة الإسرائيلية (نتنياهو) كعادته سيقوم بوضع ألغام في طريق ما يسمى “بعملية السلام”، بعد أن وضع شروط حكومته قبل انطلاق المحادثات غير المباشرة، هذا في الوقت الذي تراجعت فيه السلطة عن شرطها اليتيم، وهو وقف الاستيطان.

وفي يوم انطلاق المباحثات غير المباشرة، أقدمت حكومة العدو على حركة استفزازية، حيث أمرت ببناء 14 وحدة سكنية للمستوطنين في حي “رأس العمود” في القدس الشرقية، كإشارة واضحة بعدم وجود أي ضمانات أميركية كما ادعت السلطة. وقال بعد يوم من انطلاق المفاوضات: “إننا لم نقدم تعهدات إلى الأميركيين بخصوص الاستيطان في القدس الشرقية”. أما (مهندس السلام) محمود عباس فقال بصريح العبارة: “الإدارة الأميركية أعطتنا وعوداً، وقالت لنا كلاماً وقالت للجانب الإسرائيلي كلاماً، وعليها الرد على إعلان “إسرائيل” الاستمرار بالتوسع الاستيطاني”.

نعتقد أن (نتنياهو) سوف يوجّه ركلة قوية لسلة “بيضة السلام” التي يحملها المبعوث الأميركي (جورج ميتشل)، فيكسر كل محتوياتها، فتعود “عملية الخراب” إلى نقطة الصفر من جديد، ويُعيد التاريخ نفسه. وحينئذ نكون أمام مشاهد من القتل والدمار والتهجير والاستيطان من جديد، وربما يستمر التوسع الاستيطاني لعقد أو عقدين، وبعد ذلك لا يبقى من فلسطين إلا اسمها، وتصبح هذه القضية قصة من القصص المأساوية التي سُجّلت في التاريخ، كقضية التبت، وكشمير، وشيشان وغيرها من القضايا التي أصبحت نسياً منسيًا في نظر كثيرين!! هكذا تحلم العصابات الصهيونية، وهكذا تحول الحكومة الإسرائيلية تلك الأحلام إلى حقائق على الأرض، هذا في الوقت الذي تحلم فيه السلطة الفلسطينية بالرهانات والضمانات الأميركية، ووعودها المعسولة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/أيار/2010 - 7/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م