متى تستنفذ حظوظ الولايات المتحدة في المحاولات الإرهابية؟

 

شبكة النبأ: في بداية الشهر الحالي، أدى مزيج من حسن الطالع وإنفاذ قوانين استثنائية إلى منع حدوث مأساة محتملة في ساحة "تايمز سكوير" في مدينة نيويورك، وتم إلقاء القبض على المنفذ المزعوم لتلك العملية قبل أن يتمكن من مغادرة الولايات المتحدة. ولكن في المرة القادمة - وستكون هناك مرة قادمة - قد لا تكون الولايات المتحدة محظوظة إلى هذه الدرجة.

وكتبَ ماثيو ليفيت، مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والإستخبارات في معهد واشنطن، مقالاً حول الموضوع قال فيه: إن الحقيقة المذهلة والمحزنة هي أنه بعد مرور ثماني سنوات على وقوع حوادث 11 أيلول/سبتمبر، لا تستطيع الولايات المتحدة القول بكل ثقة بأنها تستطيع على الأرجح منع الهجوم المقبل على أراضيها. إن السبب هو ليس لعدم وجود إهتمام، أو موارد، أو بذل جهود كافية، بل لأن واقع الأمر هو أنه لا يمكن النجاح 100 في المائة في مكافحة الإرهاب.

إن الولايات المتحدة بحاجة لأن تنجح بصورة يومية في مكافحة الإرهاب، حيث لا يحتاج خصومها إلى اختراق دفاعاتها سوى مرة واحدة فقط. إن واقع الأمر هو أن هذه ليست هي المرة الأولى التي حالفها الحظ. فقد وقعت عدة محاولات منذ 11 أيلول/سبتمبر -- مثل محاولة ريتشارد ريد، المعروف أيضاً باسم "مفجر الحذاء" -- التي لم تُحبط بل أصابها الفشل.

ويضيف ليفيت، إن ما يمكن استنتاجه هو أنه ليس من الكافي أن تقوم الولايات المتحدة بتحصين دفاعاتها في الداخل ومطاردة خصومها في الخارج. يجب عليها أيضاً أن تعد نفسها لإحتمال نجاح بعض الهجمات، على الرغم من أنها تبذل قصارى جهودها لمنع وقوعها. إن تعزيز القدرة على التكيف داخل المجتمع الأمريكي لا يعني الإستسلام للإرهاب، بل على العكس من ذلك تماماً.

وتقوم هذه الجهود بإعداد المواطنين على كيفية التصرف في حالة وقوع هجوم، لكي يستمر المجتمع بالقيام بأعماله. وفي هذا الصدد، يجب على بقية الشعب الأمريكي أن يحذو حذو أولئك السكان الجريئين في مدينة نيويورك الذين عادوا بأعداد كبيرة إلى ساحة "تايمز سكوير" في اليوم التالي لمحاولة التفجير الفاشلة للسيارة الملغومة. فلم تلغى المسرحيات التي تُعرض في برودواي [نيويورك]. وفي الواقع، يجب ان تستمر المسرحيات (أي الحياة) كما هي.

ويقول ليفيت، قبل عدة سنوات حضرتُ مأدبة عشاء في اسرائيل مع مجموعة من كبار الضباط الإسرائيليين لمكافحة الإرهاب، عندما فوجئنا بأنباء عن وقوع هجوم إرهابي. وعندئذ رفع رئيس الوفد الاسرائيلي وجهه تجاهي وسألني إذا كان باستطاعتي تسمية أي نشاط آخر يكون فيه النجاح بمعدل 99 ٪ هو فشل تام.

ربما في كرة القدم، أجاب لنفسه. إذا استطاع حارس المرمى إيقاف جميع محاولات التهديف باستثناء الناجحة منها، فالشيء الوحيد الذي سيتذكره الجمهور في صباح اليوم التالي هو الهدف الذي أخفق حارس المرمى في صده. ولكن بحكم التهديد الإرهابي المتواصل الذي يواجه بلادهم، نجح الاسرائيليون في إظهار مرونة ملحوظة.

إن تعزيز هذا النوع من المرونة أمر بالغ الأهمية. وخصوصاً بسبب الطبيعة المتغيرة للتهديد الإرهابي واليقين بأنه، إن عاجلاً أو آجلاً، سوف ينجح أحد [الإرهابيين] باختراق دفاعات الولايات المتحدة والقيام بعملية تفجير.

ويبين ليفيت، من ناحية أدى تحسين جهود مكافحة الإرهاب إلى نقل المعركة ضد تنظيم «القاعدة» إلى طول الحدود الأفغانية الباكستانية وإلى التقليل من قدرات «القاعدة» والمنظمات التي تدور في فلكه على تنفيذ هجمات مذهلة في الغرب. وتعني قلة العقول المدبرة الإرهابية بأن هناك إرهابيين أقل كفاءة من أن يقوموا بمحاولات لتنفيذ هجمات تكون أضعف قوة وأصغر نطاقاً -- ولكن أكثر تواتراً. ويمكن أن يعزى الإنخفاض النسبي لمكانة تنظيم «القاعدة»، بصورة جزئية، إلى تحسين جهود مكافحة الإرهاب. إن مسؤولي مكافحة الإرهاب هم اليوم أفضل بكثير مما كانوا عليه قبل ثماني سنوات، من ناحية جمع المعلومات الإستخبارية عن تنظيم «القاعدة»، بسبب التحسن الكبير الذي طرأ على كل من المصادر البشرية والتغطية التقنية.

ويمكن النظر إلى عمليات "فرقة حماية أنظمة الإستخبارات والمراقبة والإستطلاع" التابعة للجيش الأمريكي، التي قامت بنشر طائرات بدون طيار [للقضاء على أوكار الإرهابيين باتباعها استراتيجية] "إيجاد - إصلاح - إنهاء" الأهداف [الحيوية]، وأدت إلى وقوع تأثيرات مدمرة، [كمثال على التحسن الذي طرأ في جمع المعلومات الإستخبارية].

ويؤكد ليفيت، بالطبع هناك علامات مثيرة للقلق بصورة أكثر. فمن المنظور الأمريكي، هناك قلق كبير من العدد المتزايد من مواطني الولايات المتحدة الذين أصبحوا متطرفين ويحاولون الإنضمام إلى الجهاد العالمي. ويمكن النظر في القضايا المتعلقة بالأمريكيين من أصل صومالي الذين سافروا إلى الصومال للقتال مع "حركة الشباب" الإرهابية، فضلاً عن غيرهم من الأمريكيين الذين غادروا الولايات المتحدة للإنضمام إلى الإرهابيين الذين يعملون في باكستان وافغانستان، كأمثلة على هذه العلامات.

من الواضح أن خطر التطرف الناشئ في الداخل آخذ في الإرتفاع بدءاً من نجيب الله زازي، الشاب الأفغاني الأمريكي المتهم بالتآمر لشن هجوم في مدينة نيويورك، وانتهائاً بالهجوم الذي وقع في قاعدة فورت هود.

ومن وجهة نظر [أجهزة] إنفاذ القانون، إن عدم وجود معلومات استخباراتية مؤكدة هي إحدى الأسباب التي تجعل من التهديد المتنامي الناشئ في الداخل أمراً مثيراً للقلق بدرجة كبيرة.

ويوضح ليفيت، قد لاحظ نائب رئيس شرطة لوس انجلوس لمكافحة الإرهاب والاستخبارات الجنائية مايكل داونينج، بأنه في حين قد تحسنت جهود مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة بشكل كبير فيما يتعلق [بالحصول على] معلومات عن وجود تهديدات إرهابية أجنبية، إلا أن جمع المعلومات الإستخبارية في الداخل "لا تزال غير كافية".

وقد لاحظ ريتشارد فولكنراث، الذي تقاعد للتو من منصب نائب المفوض لشؤون مكافحة الإرهاب في شرطة نيويورك، بأنه من الصعب منع وقوع هجمات من قبل أولئك الذين لم يكونوا على اتصال مع الآخرين والذين تتم بالفعل مراقبتهم من قبل الحكومة.

ولتعزيز القدرة على التكيف، هناك الكثير الذي يمكن للولايات المتحدة أن تتعلمه من الإسرائيليين والبريطانيين وغيرهم من الذين عانوا طويلاً من الهجمات الإرهابية في بلادهم. فعلى سبيل المثال، تتم إعادة بناء وتنظيف وإعادة فتح محطات الحافلات والمقاهي الإسرائيلية في غضون ساعات من قيام عملية انتحارية، حيث أن أفراد المجتمع مدربون على القيام بأعمالهم، كما أن الناس مدربون على التعامل مع أوضاع كهذه.

وفي بريطانيا، يتم إرشاد جهود مكافحة الإرهاب من قبل استراتيجية مكافحة الإرهاب البريطانية، التي تعرف باسم «كونتيست». ولا تركز هذه الاستراتيجية -- التي تم تننقيحها وتحديثها في آذار/مارس 2009 -- على وقف الهجمات الإرهابية ومكافحة التطرف فقط، بل تعمل أيضاً على إعداد المجتمع على الهجمات التي لا مفر منها والتي من المؤكد نجاحها. إن الغرض من ذلك، وفقاً لاستراتيجية الـ «كونتيست» هو: "عندما لا يمكن إيقاف هجوم معين، يجب تخفيف آثاره".

ويختم ليفيت بالقول، من المتوقع أن تعلن إدارة أوباما في الشهر القادم عن استراتيجيتها الجديدة لمكافحة الإرهاب. على المسؤولين القائمين بصياغتها أن يتعلموا من أبناء عمومتهم البريطانيين وأن يشملوا خططاً لبناء القدرة على المرونة اليوم، في محاولة لـ "تخفيف التأثير" الذي يحدثه المفجر الذي قد يستطيع التغلغل غداً.

نبذة عن معهد واشنطن

والجدير بالذكر أن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بـ إيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد، حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/أيار/2010 - 7/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م