مدارسنا وبناء العقل المعرفي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عملية بناء العقل وتأثيثه بالمعرفة غالبا ما تكون شاقة وبالغة الاهمية والخطورة في آن، فعلى ضوئها تُبنى شخصية الانسان واستنادا إليها تتوجه مسارات إنتاجه المادي والمعرفي أيضا، ومن بداهة القول أن تتسق طبيعة الانتاج مع طبيعة المعرفة، حيث تترادف العلاقة بين الجانبين قوة وضعفا.

وحين نبحث في كيفية بناء العقل المعرفي، فإننا يجب أن نذهب أولا الى الجهة التي تتكفل بهذا الدور الكبير ونحاول أن نستشف قدراتها ومؤهلاتها في هذا الجانب، وهل هي أهل للقيام بمثل هذا الدور الحياتي المعرفي الخطير؟.

فنقول بداية أن المدرسة هي المؤسسة المعرفية الاولى التي تكون مسؤولة عن بناء العقل المعرفي لانساننا الحاضر (على الاقل فيما يتعلق بالدول الاسلامية والعربية) وهي المصدر المعرفي الاول الذي يغذي عقولنا بروافد المعرفة المتنوعة، واستنادا الى هذا تتحدد قدراتنا الحياتية الموزعة على الجانبين المادي والمعنوي. فهل أفلحت مدارسنا بالقيام بهذا الدور الكبير أم أخفقت؟.

وللإجابة عن هذا السؤال، لابد أن نستند الى الوقائع القائمة على الارض، حيث الهشاشة بائنة على نحو واضح في اداء مدارسنا لدورها المعرفي، ولا توجد أية مغالاة في قولنا أن مدارسنا (مع ما بذلته من جهد) لم ترتق الى المستوى المطلوب كما هو الحال مع مدارس المجتمعات المتطورة، إذ يغيب البناء العلمي المعرفي الصحيح للعقل المتعلم في ظل غياب او ضعف واضح في آليات التعليم المادية والفكرية في آن وهو أمر مرصود ومؤشر وينبغي معالجته بجدية عالية كي تستطيع المدارس أن تقوم بواجبها التعليمي بأفضل قدر ممكن.

ومن بين هذه الآليات الضعيفة التي تستند إليها مدارسنا في ممارسة التناقل المعرفي هو مسألة استخدام العنف كوسيلة قسر لتقبل المعلومات وضخها الاجباري الى عقل المتعلم لاسيما في المراحل التعليمية الاولى، حيث يقوم التدريسي بإجبار الطلاب على استيعاب المعلومة بالعنف والقسر الذي يصل في بعض الحالات الى الايذاء الجسدي والنفسي الكبير، حيث يتصور التدريسي إنه هذا الاسلوب هو الأمثل والأقصر لاكتساب المعرفة في حين نبذ عالم التدريس هذه الطرق المتخلفة منذ زمن ليس بالقصير واعتمد آليات التعليم الحديثة لتوصيل رسالته المعرفية الكبيرة.

وتبرز أمامنا أيضا آلية أخرى تتعلق بطبيعة المناهج التعليمية التي (أكل الدهر عليها وشرب) فحين أطالع مادة القراءة العربية الحالية مثلا قد أجد فيها درسا كنت قد تعلمته قبل خمسين سنة تقريبا ولك أن تقيس ذلك على مناهج أخرى، فكم هي درجة التخلف في هذا المجال؟ وكم هي درجة اللامبالاة في تنفيذ خططنا لتوصيل المعرفة الى عقول أطفالنا وأبنائنا عموما؟.

إن التخلف الواضح في المناهج التعليمية لابد أن يقود بدوره الى ضعف كبير في نقل المعرفة وضعف في بناء العقل بالصورة التي تتسق مع معالم العصر والتطور السريع الهائل في عموم مفاصل المعرفة ومجالاتها، وهذا ما يسهم حتما في تخلّف العقل وقصوره في التعامل مع مقتضيات العصر الراهن وملامحه التي تنطوي على السرعة والدقة والتجديد المتواصل.

وليس غريبا إن نلاحظ غيابا كبيرا للكفاءات في مجتمعاتنا، حيث المعرفة الصحيحة تبني العقل الصحيح وبالتالي تبني الكفاءات المهمة وتوفرها للمجتمع، وخلاف ذلك يحدث العكس حيث تضمحل المعرفة فيضمحل العقل ليؤدي ذلك الى ضعف الكفاءات او غيابها كليا بسسب التراجع في دور المؤسسات التعليمية ابتداء من المدارس التي تؤسس للمعرفة وتضع الخطوات الاولى لها في عقل المتعلم وليس انتها بالمراحل التعليمية المتقدمة.

لذا نحن بحاجة الى أن نتعامل بجدية مع هذا الامر إبتداء من المدرسة وطبيعتها المادية والعلمية فيما يتخصص بالمناهج والكادر التعليمي المتطور مسنودا بالبنايات المدرسة المصممة بشكل يتواءم مع متطلبات التعليم مضافا الى توفير وسائل الايضاح والأجهزة الداعمة كالمختبرات واللوحات الملائمة للمواضيع وورش تحويل المعارف النظرية الى واقع عملي من خلال التطبيق وما شابه.

وهكذا ينبغي على الجهات المعنية (الحكومية أولا) ثم الأهلية كالمنظمات المعنية المحلية والدولية أن تتنبه لجدوى ودرجة المعرفة التي تقدمها مدارسنا الحالية ودرجة دورها في بناء العقل المعرفي، ثم تأخذ على عاتقها القيام بعمليات التصحيح تدريجيا وصولا الى الهدف المبتغى متمثلا بدور أفضل للقطاع التعليمي يتناسق مع مواصفات العصر الراهن ويسهم ببناء أفضل وأرقى للعقل المعرفي الناجح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/أيار/2010 - 2/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م