
شبكة النبأ: لم تمر دعوة العشاء التي
وجهها الساسة الإيرانيون على هامش المؤتمر الدولي في نيويورك مرور
الكرام لدى العديد من المراقبين والمتابعين للشؤون السياسية والملف
الأمريكي الإيراني خاصة، حيث تناولت العديد من الصحف الأمريكية في
تحليلاتها طبيعة لقاء الأنداد وما سوف يتمخض عنه على صعيد الأزمة
المستمرة بين تلك الدولتين.
حيث اعتبرت صحيفة الواشنطن بوست استضاف وزير خارجية إيران منوشهر
متقي في مقر البعثة الإيرانية الفخم بالجادة الخامسة في نيويورك، أعضاء
مجلس الأمن الدولي، ودبلوماسيا امريكيا رفيع المستوى ايضا، خطوة غير
عادية الى حد بعيد.
معتبرة الدعوة الايرانية جزء من حملة مناهضة للجهود الامريكية
والاوروبية التي تستهدف تأمين التأييد في مجلس الامن لجولة رابعة من
العقوبات على ايران.
فتقول الواشنطن بوست، تأتي هذه الدعوة ايضا عقب حملة علاقات عامة
قام بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد مؤخرا – تضمنت ظهوره في عدد
من البرامج التلفزيونية الامريكية – للتأكيد بأن هدف برنامج إيران
النووي هو إنتاج الطاقة، وليس السلاح النووي.
غير ان سوزان رايس، رئيسة الوفد الامريكي للامم المتحدة، لم تحضر
حفل العشاء فقد حضر بالنيابة عنها اليجاندرو وولف، الرجل الثاني في
بعثة امريكا في المنظمة الدولية.
وبينما مثّل فرنسا الرجل الثاني في بعثتها، ارسلت بريطانيا مبعوثها
الثالث، وذلك لأن كبار دبلوماسيي هذين البلدين كانوا خارج نيويورك في
حين أرسلت معظم الدول الأخرى كبار مبعوثيها لدى المنظمة الى حفل العشاء.
جدير بالذكر إن الولايات المتحدة قلصت منذ وقت طويل نطاق اتصالاتها
الدبلوماسية مع إيران باستثناء القيام باتصالات محدودة لمعالجة صراعات
إقليمية مثل افغانستان والعراق. بحسب صحيفة الوطن.
وكان زلماي خليل زاد مبعوث الرئيس جورج دبليوبوش لكابول، بغداد
والأمم المتحدة قد اجتمع مرارا مع مسئولين إيرانيين كبار لمناقشة قضايا
أفغانستان والعراق لكنه تورط في مشكلة حينما ظهر خلال مناقشة مع متقي
أثناء انعقاد مؤتمر دافوس الاقتصادي في سويسرا في يناير 2008، لكن على
الرغم من ذلك، قال خليل زاد عندئذ، «إن تصادم الأفكار دبلوماسية ذكية
أيضا».
غير إن إدارة الرئيس أوباما أبدت بعد ذلك استعدادا أكثر للدخول
بحوار مباشر مع الإيرانيين، فقد عقد وليام بيرنز، وهو المسئول الثالث
في وزارة الخارجية الأمريكية، محادثات مباشرة مع كبير مفاوضي إيران
النوويين سعيد جليلي في فيلا قديمة بجنيف يعود تاريخ بنائها الى القرن
الثامن عشر.
إلا إن العلاقات بين الجانبين ما لبثت ان توترت اثر حملة القمع التي
شنها الرئيس احمدي نجاد ضد المعارضة الإيرانية عقب الانتخابات في الصيف
الماضي. فقد امتنعت وزارة الخارجية الأمريكية في ذروة الأزمة عن توجيه
دعوات للدبلوماسيين الإيرانيين لحضور حفلات يوم الرابع من يوليو في
السفارات الأمريكية المنتشرة في العالم.
وقبل العشاء ذكر المسئولون الأمريكيون إن الولايات المتحدة لا تعلق
آمالا تذكر على احتمال أن يؤدي حفل العشاء الى انفراج دبلوماسي بين
البلدين، لكن واشنطن لا تمانع في توفير فرصة للإيرانيين كي يوضحوا
موقفهم.
حول هذا، قال مسئول أمريكي، تحدث شرط عدم الإفصاح عن اسمه: إننا نرى
في ذلك الحفل فرصة لإيران لبحث التزاماتها الدولية، لكننا لا نرى ما
يشير الى استعداد الإيرانيين للإيفاء بهذه الالتزامات.
ومن الملاحظ ان الدعوة الإيرانية الأخيرة جاءت في وقت تنشغل فيه
الولايات المتحدة والأعضاء الدائمون بمجلس الأمن بمفاوضات معقدة وراء
أبواب موصدة حول إصدار قرار في المجلس يقضي بفرض عقوبات على إيران
لرفضها وقف عملية تخصيب اليورانيوم. لكن واشنطن تؤكد ان على الآخرين
عدم تفسير حضورها حفل العشاء على انه مؤشر لتراجعها عن العقوبات، وذلك
لأن تلبية الدعوة ما هي الا جزء من إستراتيجية مزدوجة المسار تعتمد على
التعامل مع إيران من جهة والضغط عليها من جهة أخرى.
رقصة سامبا
وفي السياق ذاته علقت صحيفة (آسيا تايمز) على الحراك البرازيلي
ومسعاها في التوصل الى حل الأزمة النووية الإيرانية بشكل يرضي جميع
الأطراف بمقال استرسلت في وصف الدور البرازيلي برقصة السامبا، فتقول،
لا يتطلب الأمر سوى شخصين بالطبع لأداء رقصة الـ«سامبا» الشائعة في
أمريكا الجنوبية، ويبدو أن البرازيل تريد مشاركة إيران فيها هذه المرة.
فقد تقدمت باقتراح لفتح الطريق المسدود في الملف النووي الإيراني،
وهو تطور ترحب به على ما يبدو مجموعة جيوبوليتيكية جديدة من الدول تريد
التصدي لهيمنة الولايات المتحدة. (تتألف من: البرازيل، روسيا، الهند
والصين).
وبدورها وافقت إيران على أن تتوسط البرازيل بين طهران والأمم
المتحدة من أجل تسوية ملفها النووي بشكل نهائي.
فقد ذكرت وكالة «أخبار إيران» ان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد
أبلغ في اتصال هاتفي الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز موافقة إيران على
المقترح البرازيلي بشأن تبادل الوقود النووي اللازم لمفاعل الأبحاث في
طهران الذي ينتج نظائر مشعة لمعالجة مرضى السرطان.
ومن المتوقع الآن أن تتم مناقشة الاقتراح البرازيلي هذا بالتفصيل
عندما يزور الرئيس البرازيلي لويز إيناشيو لولا دا سيلفا طهران قريباً.
والحقيقة أن البرازيل، التي تتحرك على خط التصادم «اللطيف» مع إدارة
أوباما، كانت قد جعلت من نفسها وسيطاً منذ بعض الوقت.
فمن المعروف أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت قد اقترحت تبادل
الوقود النووي أول مرة في أواخر العام الماضي في فيينا، وذلك بأن تقوم
طهران بنقل الجزء الأكبر من وقودها المخصب بدرجة منخفضة الى الخارج
مقابل إمدادها بقضبان وقود نووي من فرنسا.
بيد أن المفاوضات تعثرت بعد أن اقترحت طهران أن يتم التبادل إما في
اليابان، البرازيل أو تركيا. إلا أن لولا خرج بنهاية ابريل بفكرة أفضل
تقوم على أساس ان يتم التبادل في مكان مجاور لإيران. وهنا حددت إيران
جزيرة كيش كمكان لعملية التبادل. فقد كانت طهران ترى في هذه العملية
مسألة سيادية وطنية، لكن الولايات المتحدة وأوروبا لم تقبلا بذلك.
جدير بالذكر أن موقف نجاد من عملية التبادل تطور حينما رفض علناً في
نيويورك ما وصفه تكتيكات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فيما
يتعلق بالأسلحة النووية، وشجب مواقف مجلس الأمة واللجنة الدولية للطاقة
الذرية لأنهما أصبحا برأيه أداة تعمل ضد الدول غير النووية ثم طالب دول
العلم بالكف عن تطوير الأسلحة النووية، حظر إنتاجها، تخزينها ونشرها أو
استخدامها. بحسب صحيفة الوطن.
ويبدو أن نداءه هذا وجد صدى على نحو ما. فقد أيد أعضاء مجلس الأمة
الخمسة في بيان مشترك صدر أخيراً فكرة جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من
الأسلحة النووية. ومن شأن هذا التطور ان يرغم إسرائيل أن تعلن أنها قوة
نووية ومن ثم تعمل للانضمام الى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
بيد أن فرص حدوث هذا في ظل حكومة بنيامين نتنياهو ضئيلة جدا.
بل ومن الملاحظ أن واشنطن لم تهتم كثيراً بهذا النوع من التفكير
الذي يدخل في نطاق الأماني، لكنها منحته أذناً صاغية كي تكسب تأييد
العرب للجولة الرابعة من العقوبات على ايران. لذا، يتعين الانتظار لنرى
ما اذا كانت الدول العربية ستنخدع بهذا أم لا، إذ من المعروف أنها تريد
فعلاً قيام شرط أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك إسرائيل.
فقد وزعت مصر على 189 دولة موقعة على معاهدة حظـر الانتشار النووي
مقترحاً لتحويل الشرق الأوسط الى منطقة بلا أسلحة نووية بحلول عام
2011. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة سوف تحاول إقناع مصر بتخفيف
اندفاعها في هذه المسألة، وذلك لأن اهتمام الولايات المتحدة منصب الآن
على مسألة العقوبات التي لن تتجسد على أرض الواقع قبل يوليو لسبب بسيط
على ما يبدو هو تردد الصين وروسيا في فرضها. كما أن الدول الأخرى
المناهضة للنفوذ الأمريكي، ومنها البرازيل والهند، لا تريد هذه
العقوبات أصلاً.
ومن الواضح الآن أن كل العيون تتركز على الاجتماع البرازيلي –
الإيراني المرتقب.
لكن إذا كان هناك شخصية سياسية تستطيع التوفيق بين العداء الأوروبي
الأمريكي وبين دكتاتورية الملالي العسكرية في طهران، فإن هذه الشخصية
ليست سوى لولا. فهو من الغرب ومن جنوب العالم، وهذا عدا عن كونه
مفاوضاً بارعاً، لقد حان الوقت لرقصة سامبا نووية حقيقية. |