أدباء المحافظات بين الحضور والتهميش

 

شبكة النبأ: يتذكر الأدباء العراقيون المعاناة الكبيرة التي كانت تواجه ادباء الهامش (المحافظات) وبقاءهم في الظل سنوات طويلة، ومنهم من وعى المحنة مبكرا فشد رحاله الى العاصمة واختصر رحلة الرسوخ والشهره من عقود الى أعوام ومنهم من فضل النقش المضني على الحجر لكي يتنبه اليه عرابو ثقافة وادب المركز ويشار الى اسمه في هذه الفعالية الثقافية او تلك ولكي يجد له موطئ قدم في هذه الصحيفة او المجلة او تلك في وسط ادبي تعوَّد ان تأكل فيه السمكة الكبيرة اختها او إبنتها الصغيرة!!.

وعانى ادباء الهامش ما عانوه على مدى عقود طويلة ولم تفد الدعوات ولا التنبيهات ولا الاحتجاجات في تغيير الوضع ما دفع بعض الادباء - لكي يقولوا للآخرين عليكم ان تنتبهوا لنا- الى انتهاج اساليب عدة (إستهجنها ادباء المركز) لأنها في أضعف الايمان تسحب بساط الشهرة والضوء ولو قليلا منهم وتمنحه ولو قليلا ايضا لادباء الظل، وهكذا كان ادباء العاصمة يستكثرون على ادباء المحافظات أي بقعة ضوء تسلط على ابداعهم لأنها في عرفهم مسروقة من حصتهم الاعلامية وممنوحة من دون وجه حق الى ادباء لا يستحقونها.

 ولذلك كان اديب الهامش عندما يقرر اقتحام العاصمة الثقافية تدق اجراس الخطر وتعلن الحرب الخفية والمعلنة ضده بشتى الاساليب والوسائل وأولها عدم النشر في الصحف والمجلات وممارسة أخسّ صور العزل وقد تصل الامور (وقد حدثت مع البعض فعلا) الى درجة الاعتداء الجسدي، وهكذا سيفرّ هذا الزائر الغريب بجلده ليبقى مقيما في الهامش محتفلا بادباء المركز ومبجلا لابداعهم الذي لا يضاهى! إلاّ ما ندر من ادباء الهامش الذين عزموا على نقل حياتهم برمتها وتحايلوا بشتى السبل والوسائل لكي يقبلهم مجتمع المركز الادبي بصورة او أخرى .. ولعل الألم يتضاعف والمعاناة تطول وتطول ولربما لدى الادباء من ذوي التجربة في هذا لمجال عشرات بل مئات الصفحات التي توثق لمثل هذه الاحداث.

ان الخطأ القاتل والمقصود كان يكمن في تركيز الثقافة والادب ونشاطهما وتكثيف الضوء الاعلامي في العاصمة حصرا وهذا ما جعلها حلما ثقافيا سرمديا للجميع. والآن وقد تغير الحال وانفتحت الآفاق وغابت الأحادية وتعددت قنوات النشر وتضاعفت مساحات الضوء، فهل تساوى الهامش مع المركز وهل تكافأت الفرص وهل ترفعت الاسماك الكبيرة عن التهام أخواتها وبناتها الصغيرات؟!.

ان نظرة لن يصاحبها أي عناء على المشهد الاعلامي للثقافة والادب العراقي الراهن ستقول بلا تردد ان (من شب على شيء شاب عليه) وان الاسماك الكبيرة لا تزال تمارس اللعبة ذاتها بل هناك اسماك كبيرة كانت نائمة تحت سطوة المؤسسة الثقافية السابقة لسبب او آخر استيقظت الآن واستيقظت معها كل غرائزها التي تبيح لها وتدفعها الى تهميش الجميع بلا تردد او تفكير من باب تعويض ما فاتها من ضوء كان يستحوذ عليه المستيقظون من ادباء المركز الذين رتبوا وضعهم (الادبي) بطريقة او اخرى على وفق اسلوب مسك العصا من الوسط.

وفي حال كهذا ظل المهمشون في هامشهم المكاني والابداعي والمركزيون في مركزهم المكاني والابداعي ايضا، ولم تشفع المعطيات الجديدة لبزوغ حالة جديدة تساوي بين الفرص الممنوحة للمثقف والاديب العراقي على اساس تجربته وكفاءته، فكثير من ادباء الهامش (المبدعين) ما زالوا نائمين في هامشهم في الوقت الذي يتمتع فيه ادباء المركز الأقل ابداعا وتجربة بالامتيازات التي لا يستحقونها وفقا لتكافؤ الفرص والمساواة، حيث الايفادات والمنح المالية والحوارات في الفضائيات وما شابه ناهيك عن فرص نشر الكتب والمخطوطات في دار الشؤون الثقافية او المؤسسات المانحة الاخرى، لا تزال حصرا على الاسماك الكبيرة القديمة وتلك التي استيقظت مجددا بعد نومها الطويل.

 ان هذه الصورة ما هي إلاّ جانب من مشهد راسخ ومريض وغيض من فيض تغص به ساحة الثقافة العراقية التي تنحت عن دورها في تصحيح اخطاء السياسيين وغيرهم وتقليل شهواتهم المادية في الاستحواذ والشراهة وما شابه لنجد ان الحال قد انعكس بطريقة مخيفة حيث نزعة الاستحواذ والشراهة تنتقل من السياسي الى المثقف ليدخل مساحة الفوضى الكلية في العراق برغبته بل بسعيه لدخولها من دون اجبار متنحيا عن دوره الذي يرسم للناس جادة الصواب كي يحصنهم من خطر الاخطاء مهما صغرت او عظمت.

وأخيرا يبدو اننا لم نستخلص درسا من قرون وعقود القهر والنكوص والتلكؤ لكي نستنير به نحن الذين نسمي انفسنا بالمثقفين وصفوة الناس، ولم تصنع حالات القهر والظلم التي أثقلت تأريخنا مفكرا واحدا ينتشل الخلق (العراقي) بأفكاره وقوة روحه وانسانيته من فورة الهفوات والكبوات والسقطات المتلاحقة التي تقوده من منحدر الى آخر أشد انحدارا، ولعل القول الذي يؤكد على اصلاح النفس اولاً لا ينطبق إلاّ علينا، فقبل ان نفكر ونبحث ونبدع ونكتب وندعوا الى مجتمع مثالي ومدينة فاضلة علينا ان نتخلص من اسماكنا الكبيرة أولا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/أيار/2010 - 27/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م