هل تطيح أزمة اليونان المالية بالاتحاد الأوربي؟

علي الأسدي

تمر اليونان بكارثة مالية منذ فترة طويلة، وكان لها أن تتفجر قبل هذا التاريخ، ويظهر أنها قد اختمرت ما فيه الكفاية لتتفجر أخيرا وتطلق حممها في كل الأرجاء، محملة الجماهير الكادحة اليونانية والطبقة المتوسطة أخطاء إدارات المصارف والمؤسسات المالية العالمية التي ضاربت بحاضرهم ومستقبلهم حتى أوقعتهم في فخها ليغرقوا في مديونية لم يكن لهم بها ناقة ولا جمل.

اقتصاديا هي أكثر من أزمة مالية عابرة، لأنها ليست عابرة بل متغلغلة عميقا في اقتصاد اليونان، لتضعه في أسوء أزمة اقتصادية في تاريخه، ووفق شاهد من أهلها، فإن البلاد على شفا الافلاس، كما صرح به وزير ماليتها السيد جورج بابا كونستانتينو، عندما أعلن أن هناك سندات خزينة قيمتها 12 مليار دولار مستحقة الدفع في 19 من هذا الشهر مايو 2010، وليس للخزينة العامة المبلغ لسدادها. وقد اقرت اليونان بعدم قدرتها على الاقتراض من الاسواق العالمية، وحثت صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي على التسريع بمنحها مساعدات مالية لتتمكن من دفع ديونها المترتبة عليها الشهر المقبل.

 وترزح اليونان تحت ديون تصل الى 300 مليار يورو وتحتاج الى اقتراض 54 مليار يورو هذا العام فقط. وقد حذر رئيس صندوق النقد الدولي دومنيك ستراوس قائلا: " أن الأزمة المالية في اليونان قد تمتد إلى باقي دول أوروبا". تحذير ستراوس، يثير مخاوف حقيقية يجب عدم الاستهانة بها أو تجاهلها. واستجابة للنداءات التي توجه بها المسئولون اليونانيون دعا السيد ستراوس دول الاتحاد إلى الإسراع في تنفيذ حزمة إنقاذ الإقتصاد اليوناني لتدارك الوضع الذي يزداد سوءا على حد تعبيره. وقد اقترحت صحيفة لوموند الفرنسية لتدارك حالات مشابهة قبل أن تتعرض أي دولة عضو في الاتحاد الأوربي إلى حالة كالحالة التي تواجه اليونان حاليا، بأن تكون للاتحاد اجهزة انذار مبكر للحيلولة دون تكرار الأزمة اليونانية وكذلك الاتفاق على آلية جديدة لمراقبة الدول الأعضاء في منطقة اليورو.

وكانت برلين قد حثت اليونان على البدء بتنفيذ برنامجا متشددا في التقشف قبل موافقتها على تقديم مساعدة مالية لها، بينما يعارض الرأي العام الالماني في اغلبيته لتقديم مساعدة مالية لليونان. حيث يشعر الألمان بأن نوعية حياتهم قد بلغت من التردي ما لم تبلغه منذ عشرين عاما، بينما تذهب المليارات من اليورو الى اليونان والى البنوك. وتخشى المستشارة الألمانية من تراجع حظوظ حزبها في الفوز بالانتخابات البلدية في 8 /مايو الجاري، اذ يصر الألمان على تفضيل مصالح بلادهم على مصالح الاتحاد الأوربي.

واكدت المستشارة، التي انتقدها بعض شركائها الاوروبيين لتشدد بلدها في هذه القضية قائلة : " قلت صراحة ان المانيا ستساعد اليونان اذا تحققت الشروط."واوضحت في الوقت نفسه انها "تتفهم جيدا مخاوف الناس في المانيا" لذلك "اصر على برنامج متكامل معد باحكام" لخفض العجز اليوناني. وستكون المانيا، اول قوة اقتصادية في اوروبا، اكبر مساهم اوروبي في خطة المساعدة. من جهة اخرى استبعدت ميركل خروج اليونان من منطقة اليورو معتبرة ان هذا الامر الذي اثاره البعض في المانيا في الايام الاخيرة "ليس خيارا محتملا" وليس من شانه سوى اثارة قلق الاسواق. جاء ذلك في ختام المفاوضات التي جرت بين اليونان من جهة وصندوق النقد والاتحاد الاوروبي وتناول تفاصيل هذه المعونة.

ويأتي تشدد ألمانيا في شروطها لاطلاق حزمة القروض لليونان إثر اصدار مكتب الاحصاء الاوروبي (يوروستات) بيانات مقلقة حول حجم العجز الذي تعانية الموازنة اليونانية حيث تبين انها اكبر بكثير مما كان متوقعا العام الماضي، وان الارقام قد تزداد سوءا. وتشير هذه البيانات الى ان العجز في الميزانية بلغ نسبة 13.6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي وليس 12.7 بالمائة كما كان مقدرا في السابق، في حين زادت مديونية اليونان لتبلغ العام الحالي إلى 115.5 % الناتج القومي المحلي الاسباني للعام الماضي، وقد تزداد إلى أكثر من ذلك. وقد تأثر سعر صرف اليورو بهذه الانباء، وتراجع امام الدولار، كما تأثرت البورصات الاوروبية مع تصاعد المخاوف من احتمال تخلف اليونان عن سداد ديونها.

وكانت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد اند بورز (Standard and Poor's) قد قررت تصنيف ديون اليونان على انها "بلا قيمة" وسط قلق من إمكانية فشل اليونان في التعامل مع أزمتها الاقتصادية، وبذلك تكون اليونان أول دولة من منطقة اليورو تصنف ديونها على أنها "ديون متعثرة". وحذرت ستاندرد آند بورز حاملي السندات اليونانية من أن فرصتهم في استعادة أموالهم تتراوح بين 30 إلى 50 في المئة في حالة إعادة هيكلة الديون أو عدم القدرة على الدفع.

إن اليونان ليست الوحيدة ولا الأخيرة في دول الاتحاد الأوربي 27، ولا الوحيدة في دول اليورو الستة عشر التي تعاني من مشكلة المديونية، وتنتظر مساعدة بقية دول الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي. هناك على قائمة الانتظارالبرتغال واسبانيا وأيرلندا، وسيتبعها لاحقا وربما سريعا دول اشتراكية سابقة مثل رومانيا وهنغاريا وليتفيا وأخواتها في دول البلطيق. يظهر هذا عمق الأزمة التي يمر بها الاتحاد الأوربي منذ قيامه في عام 1957.

فقد وصل مستوى البطالة في إسبانيا إلى 20 % وذلك لأول مرة منذ 13 عاما، وفق إحصائيات رسمية. وبلغ عدد العاطلين عن العمل مع نهاية شهر مارس/آذار الماضي نحو 4,612,7000 شخص. ويعتبر معدل البطالة في إسبانيا الذي ارتفع بشكل حاد خلال الأزمة الاقتصادية الحالية، الأعلى في منطقة اليورو داخل الاتحاد الأوروبي. وأظهرت إحصائيات رسمية صادرة عن الاتحاد الأوروبي أن معدلات البطالة داخل منطقة اليورو قد بلغت نسبة 10% خلال شهر مارس الماضي. وكانت وكالة التصنيف الائتماني، ستاندر أند بورس خفضت مستوى تصنيف ديون الحكومة الإسبانية على خلفية مخاوف مرتبطة بالتوقعات الاقتصادية الحالية. وانكمش الاقتصاد الإسباني بنسبة 0.1 في المئة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة لكنه انكمش بنسبة 3.6 في المئة خلال العام الفائت، فيما زادت مديونية اسبانيا عن 50 % ناتجها القومي الاجمالي للعام الماضي، مما يجعل اسبانيا في دائرة الخطر تماما مثل سابقتها اليونان. واعتبر مسؤول في وكالة التصنيف الائتماني ان الاوضاع في اسبانيا تبعث على القلق اكثر لان الاقتصاد الاسباني اكبر بكثير من الاقتصاد اليوناني.

اما في بريطانيا فقد بلغ عجز الميزانية البريطانية للنصف الأول من عام 2010 حوالي 12% من الناتج المحلي الاجمالي للعام الماضي، وقد اتخذت حكومة براون المرشحة للاستقالة بعد انتخابات هذا العام في السادس من مايو الجاري عددا من الاجراءات لتخفيض العجز في الميزانية، وتقليص المديونية التي أصبحت موضوعا ساخنا بين الأحزاب الثلاثة الرئيسية في مجلس النواب البريطاني وهي العمال والمحافظين والأحرار. وبالنسبة لعام 2009 اجمالا، انكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 4.9 في المئة حسب تقديرات المكتب الوطني للاحصاء. أما البطالة فقد بلغت هذا العام نسبة5.4 ليبلغ عدد العاطلين فيها 2.5 مليون لول مرة منذ استلام حزب العمال للحكم في عام 1997.

وفي ألمانيا ذات أضخم واقوى اقتصاد في أوربا فقد بلغ معدل البطالة فيها حدود 7.4 % في العام 2009، ويتوقع المعهد القومي للإحصاءات أن يرتفع معدل التضخم قليلا من 1.4 في المئة إلى 1.5 في المئة خلال الستة أشهر الأولى من 2010. وفي فرنسا زادت نسبة البطالة عن متوسط معدلها في دول الاتحاد وهو 10% لتبلغ 11% هذا العام، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 2.7مليون عامل.

مما تقدم تتبين لنا العاهات التي يشكو منها الاتحاد الأوربي الذي وضعت أسسه في عام 1957 بعد التوقيع عل معاهدة روما التي مهدت " لاتحاد تربطه عرى تزداد وثاقة ".ويرى الكاتب والصحفي ديفيد اغناتيوس في مقاله في الواشنطن بوست في 4 /5 /2010 بعنوان " تفسخ النسيج الأوربي " والمعاد نشره في موقع الأخبار الالكترونية الذي جاء فيه : أن هذا النسيج من التكامل الأوروبي، الذي جرت حياكته على يد جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، شرع في التفسخ على مدار العقد الماضي. وفي الأسبوع الماضي، كان بمقدور الجميع سماع أصوات تفسخ خيوطه مع خوض ألمانيا والدول الأخرى القوية ماليا نضالا لتقرير كيفية إنقاذ اليونان، أضعف الدول الأعضاء في الاتحاد وأكثرها مديونية. وينقل الكاتب عن الخبير المالي ديفيد سميك، قوله : فإنه حال عرض إعانات مالية مشابهة على إسبانيا والبرتغال وأيرلندا، فإن التكلفة قد تصل إلى 660 مليار دولار إضافية، مما يعني أن مجمل التكلفة ربما يربو على تريليون دولار حال إقرار حالة اليونان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/أيار/2010 - 26/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م