حينما نمشي عكس التيار

مرتضى بدر

يبدو أن الشعوب العربية مخلوقات جاءت من خارج كوكب الأرض! تتمتع بهالة من الرومانسية والأنوار القدسية التي لا تتمتع بها جميع شعوب الأرض! ويبدو أننا شعوب مميزة في كل شيء... في اللغة، وفي الملبس والمأكل والمشرب، وحتى في الأنظمة السياسية التي أوجدنا بعضها بأيدينا، وأوجد المستعمر البعض الآخر.

وأما دساتير بلداننا ومجالسها المنتخبة فحدّث حولها من دون حرج! الحاصل أن دواوين الأمراء والوزراء ومجالس شيوخ الطوائف والقبائل أصبحت أقوى من المجالس المنتخبة والمؤسسات الرسمية، حتى بات مفهوم (دولة المؤسسات) أضحوكة... مؤسسات من دون صلاحيات.

 فلا نستغرب من شعوب تتقدم وترتقي وتستشرف المستقبل، بينما نحن ندور في حلقة مفرغة ومثخنة بالآلام والجراحات والنزاعات! صحيفة (الشرق الأوسط) نشرت بتاريخ الرابع من الشهر الماضي مقالاً للكاتب الصحافي مأمون فندي تحت عنوان (هل نمشي إلى الخلف؟) يقول فيه: “الدولة العربية الحديثة اليوم تتراجع عن الحداثة السياسية داخليا وخارجيا؛ لتتحول إلى قبيلة أو طائفة من حيث السلوك السياسي”... القناعة التي توصّل إليها الكاتب أكدت الممارسات الخاطئة للحكومات التي أخذت تسير عكس التيار العالمي، المتمثل في الحداثة والتمدن والعلم والمعرفة، وتعزيز الحريات، والتشبث بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، في الوقت الذي نجد فيه معظم الأنظمة العربية قد اختار مسار الرجوع (اليوترن) والعودة إلى الماضي من حيث السلوك السياسي، فبعضها أخذ يكتسي بلباس ووشاح طائفته، والبعض الآخر أخذ يحيي أمجاد قبيلته وتراثه القديم، ويروج للفكر القبلي لعله وعسى ينجح في بعث الروح في القبيلة من جديد.

الكاتب يعرض بعض الأمثلة لممارسات وسلوكيات السلطات الرسمية في بعض الدول العربية، ومن ثم يتساءل: هل نقبل بالعودة إلى الوراء كمنطق يمكن البناء عليه، أم نعيد النظر في ذلك الوراء لنزيل عن أعيننا الغشاوة، ونزيل عن هذا الوراء وهذا الماضي هالة الرومانسية التي تغلفه، فنعيد قراءته وتركيبه؟

الارتماء في أحضان الطائفة والقبيلة، في الوقت الذي أخذت فيه دول كثيرة تتخطى عتبات الدولة القومية، وتدخل عصر العولمة الاقتصادية والثقافية والعلمية، والحقوقية ناهيك عن الطائفة والقبيلة والعرق. وفي الوقت الذي أخذت فيه معظم الدول تتمسك بمقومات الصعود والتقدم، نسمع بين ظهرانينا دعوات العودة إلى الوراء. ما يدعو للأسى هو ما نشاهده من سلوكيات لبعض الحكومات، وتشجيعها للعودة إلى الماضي، رغم ما تكتنف صفحات الماضي من مآسٍ ونكبات.

 وهذا لا يعني أننا نبغض الماضي وتراث الآباء والأجداد، ودور القبيلة والطائفة في إيجاد اللحمة والتواصل الاجتماعي في المجتمع. لكن شتان بين الطائفة والعصبية الطائفية، وبين القبيلة والعصبية القبلية. العودة إلى العصبيات التي يُروَّج لها من خلال المنابر والفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام تعتبر كارثة، ليس لأنها سياسات خاطئة فحسب؛ بل لأنها مخالفة للعقل والحكمة، وترجعنا إلى العهد السحيق... عهد الثارات والمعارك، كمعارك الداحس والغبراء، والأوس والخزرج، وقد تؤدي إلى تمزيق الأمة.

إن المعارك الطائفية والقبلية والعرقية تعتبر من أخطر المعارك؛ لأنها تحرق الأخضر واليابس، كالذي شاهدناه في البوسنة وراوندا، وما نشاهده اليوم في أفغانستان والعراق والصومال. وإذا ما استُدرِجت الأمة إلى تلك العصبيات لا سمح الله، فسوف نشهد ضغائن وأحقادًا، ومن ثم حروبًا ونزاعات... حينها نكتب نهايتنا بأيدينا. بتقديري، أي دولة تتباطأ اليوم في حجز موقعها تحت شمس المستقبل، من خلال مواكبتها للعصر، فإنها لا تستحق العيش بكرامة غداً بين دول العالم المتحضر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/أيار/2010 - 24/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م