قوانين الهجرة الأمريكية بين الاحتضان والإجحاف والإهمال

 

شبكة النبأ: من حدود ولاية أريزونا الأمريكية ووصولا إلى قاعات الكونجرس يمثل البروز المفاجئ لقضية إصلاح الهجرة المثيرة للانقسام على السطح مرة أخرى مخاطر كبيرة أمام الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة وذلك قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقررة في نوفمبر تشرين الثاني.

وقد تتعرض جهود الحزب الجمهوري لاستعادة تأييد فقده بين أوساط الامريكيين من أصل لاتيني وهم أكبر الاقليات في الولايات المتحدة وأسرعها نموا لضربات قاتلة بسبب جدل محتمل في مجلس الشيوخ واجراءات صارمة بشأن الهجرة في أريزونا أقرها مشرعون جمهوريون ووقع عليها حاكمة ولاية جمهوري.

ولكن الرئيس الامريكي باراك أوباما وزملاءه في الحزب الديمقراطي يواجهون تحديات خاصة بهم في مواجهة قانون أريزونا وحشد دعم لتغيير يتعلق بالهجرة من شأنه حتما أن يثير غضب المحافظين الحانقين أصلا بسبب مبادرات أوباما في الانفاق والرعاية الصحية.

وقال ستيفن شير وهو محلل سياسي في كلية كارلتون في مينيسوتا "بغض النظر عن الطرق التي سترى بها هذا الامر فهناك مخاطر أمام الحزبين ... سياسة الهجرة قضية معقدة تؤثر في الاتجاهين." بحسب رويترز.

ويواجه هاري ريد زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ حملة انتخابية صعبة للفوز بفترة جديدة في مسقط رأسه بولاية نيفادا ويقول ان الديمقراطيين سيبحثون تغيير سياسة الهجرة فور انتهاء حزبهم من العمل في اصلاح مالي تنظيمي.

ومع مواجهة الديمقراطيين خسائر كبيرة محتملة في نوفمبر فان مسودة قانون حول الهجرة تتضمن طريقا لمنح الجنسية الامريكية للعديد من المهاجرين غير الشرعيين الى الولايات المتحدة وعددهم 11 مليونا قد تساعد على تعزيز التأييد القوي للحزب الديمقراطي من قبل الامريكيين من أصل لاتيني في سباقات انتخابية مهمة بمجلس الشيوخ في ولايات كولورادو وكاليفورنيا ونيفادا.

ويرى الجمهوريون أن اهتمام ريد بالدفع باصلاح يتعلق بالهجرة هو جهد ساخر يحمي به نفسه. ولكن الامر قد يعني مشاكل أكبر بالنسبة للديمقراطيين في مجلس النواب حيث سيصبح العشرات منهم في المناطق ذات التوجه الجمهوري في دائرة الضوء مجددا بعد تصويتات شاقة بشأن اصلاح الرعاية الصحية والانفاق.

وقال ريتش جالين وهو استشاري جمهوري "سيكون الديمقراطيون في هذه المناطق التي لا تحسم توجهها كمن يسير على الحبل. ولقد اهترأ هذا الحبل الى حد كبير ... عند نقطة ما سيمل هؤلاء الديمقراطيون من المجازفة. لا أعتقد أن ذلك يحدث."

وذكر شير أن وضع ما يصل الى 60 عضوا ديمقراطيا في مجلس النواب في المناطق التي لم تحسم توجهها سيكون على المحك في اطار جدل متجدد حول اصلاح الهجرة.

وأضاف "انها قطعة حطب أخرى تؤجج النيران. ستثير حماسة المحافظين والجمهوريين في هذه المناطق."

ولكن الجمهوريين قد يواجهون أيضا خطرا سياسيا على المدى البعيد اذا عارضوا اصلاح الهجرة ودعموا قانون أريزونا الذي تصفه جماعات الامريكيين من أصل لاتيني بأنه انتهاك صارخ للحقوق المدنية.

ويلزم القانون الشرطة بتحديد شرعية وجود الاشخاص في الولايات المتحدة كما يمنحها سلطة استجوابهم مما أثار مخاوف بين الامريكيين من أصل لاتيني من التصنيف العنصري.

وقال أنطونيو جونزاليس رئيس مشروع تعليم تسجيل الناخبين في الجنوب الغربي "الهجرة قضية اختبار بالنسبة لمجتمع الامريكيين من أصل لاتيني."

وأضاف في اشارة الى احتجاجات الحقوق المدنية التي نظمها السود في الستينيات من القرن العشرين "بالنسبة للامريكيين من أصل لاتيني فان أريزونا هي ألاباما ومقاطعة ماريكوبا هي سيلما."

وتقرب الجمهوريون من الامريكيين من أصل لاتيني لسنوات أيام حكم الرئيس السابق جورج بوش الابن وبلغ الامر ذروته عام 2004 عندما فاز بوش بأكثر من 40 في المئة من أصواتهم لكنهم تحولوا الى أوباما في انتخابات عام 2008 بعدما ساهم الجمهوريون في وأد اصلاح يتعلق بالهجرة في الكونجرس.

نظام الهجرة الأمريكي غير سليم

من جانب آخر وصف الرئيس الامريكي باراك اوباما نظام الهجرة في الولايات المتحدة بأنه "غير سليم" وعبر عن تأييده لاتخاذ اجراءات ضد الشركات الامريكية التي تستأجر عن قصد عمالا بلا وثائق ثبوتية.

وأبلغ اوباما حشدا في قاعة بلدية اوتوموا بولاية أيوا "ما أريده هو نظام يكفل تأمين حدودنا... وان نبدأ حملة على الشركات التي تستأجر عن عمد عمالا بلا وثائق ثبوتية لتقويض اجور العمال الامريكيين." بحسب رويترز.

وقال انه يتعين على الكونجرس ان يبدأ العمل "في قانون يتعامل مع الاشياء بشكل سديد" يأخذ في الحسبان تأمين الحدود والاعتبارات الانسانية لملايين المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. واضاف قائلا "امل بأن نتمكن من انجازه قريبا."

وكان الرئيس أوباما انتقد والأعضاء رفيعو المستوى في حكومته قانونا جديدا سنّته ولاية أريزونا، يطالب الشرطة بالتدقيق في وثائق وضع من يشتبه بهم بأنهم مهاجرون ومقيمون بصورة غير شرعية. ويقولون إن قانون أريزونا يبرز ضرورة تحرك الكونغرس والعمل على إصدار تشريع شامل وذي مغزى لإصلاح نظام الهجرة.

وقال أوباما في كلمة له في اجتماع أهلي في ولاية أيوا في 27 نيسان/أبريل إن القانون الذي ربما يصبح ساري المفعول في تموز/يوليو المقبل هو "قانون ذو صياغة رديئة " ويطرح احتمال الشك والشبهة على أساس الصور النمطية ويعمل على مضايقة الأميركيين من أصل لاتيني بمطالبتهم بوثائق ثبوتيه؛ "وهذه ليست الطريقة السليمة التي ينبغي سلوكها."

وأقر الرئيس أوباما بأنه في حين أن الحكومة أحرزت "تقدما كبيرا" في تأمين حدود الولايات المتحدة لمنع الهجرة غير القانونية فإن "النظام معطل" وهناك حاجة إلى أسلوب شامل يتم عبر التشريع الفدرالي لمحاسبة المهاجرين غير الشرعيين على مخالفتهم القوانين الأميركية ويمهد لهم في نفس الوقت الطريق أمام الحصول على الجنسية الأميركية.

وأضاف أوباما أنه ينبغي للقانون أن يتضمن إجراءات صارمة ضد الشركات الأميركية التي تستخدم مهاجرين غير شرعيين.

وقال إن "بوسعنا أن نقيم الكثير من الأسيجة والحواجز التي نريد على الحدود، لكن تبقى هناك حقيقة أن الأشخاص الذين يكسبون دولارين في اليوم في بلدهم ويستطيعون أن يكسبوا 10 دولارت في الساعة هنا، فإنهم سيأتون إلى هنا – ما لم نتأكد من أن المستخدمين (أصحاب العمل) يلتزمون بالقانون."

وقدّر أوباما أن هناك حاليا ما يتراح بين 11 و12 مليون مهاجر غير قانوني في الولايات المتحدة وحث أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس على إصدار قانون يطالبهم بأن يسجلوا أنفسهم ويتعلموا اللغة الإنجليزية ويفرض عليهم غرامات لدخول البلاد بصورة غير مشروعة. لكنه قال إن قانونا مثل هذا يجب أن يوفر لهم أيضا فرصة لنيل الجنسية الأميركية في نهاية المطاف.

الديمقراطيون يقترحون إصلاحات..

وكشف السناتور هاري ريد زعيم الاغلبية بمجلس الشيوخ الامريكي وزملاؤه الديمقراطيون النقاب عن "اطار عمل" لاصلاح شامل لقوانين الهجرة الامريكية.

وفي اعقاب الضجة التي اثارتها حملة ولاية اريزونا على المهاجرين غير الشرعيين قال الديمقراطيون ان الخطوة الاولى نحو الاصلاح يتعين ان تكون تعزيز أمن الحدود.

ودعوا أيضا الي ايجاد بطاقة هوية بتكنولوجيا متطورة للعمال المهاجرين والي عملية جديدة لقبول العمال المؤقتين وفرض "عقوبات صارمة" على ارباب العمل الامريكيين الذين يستخدمون مهاجرين غير شرعيين والي مسار -في نهاية المطاف- نحو منح الجنسية الامريكية للاشخاص الذين يقيمون في الولايات المتحدة بطريقة قانونية.

ومع وجود حوالي 10.8 مليون مهاجر غير شرعي في الولايات المتحدة قال ريد "الديمقراطيون والجمهوريون يمكنهم جميعا ان يتفقوا على أن نظامنا للهجرة غير سليم" ودعا الى تعاون الحزبين لاصلاحه. بحسب رويترز.

واضاف ريد أن "اطار العمل" المقترح استند الي أشهر من المفاوضات شارك فيها السناتور تشارلز شومر عضو القيادة الديمقراطية.

وشارك أيضا في تلك المحادثات لينزي جراهام العضوة الجمهورية بمجلس الشيوخ التي قالت الأسبوع الماضي أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل قبل تقديم أي تشريع لإصلاح الهجرة إلى الكونجرس لدراسته.

مظاهرات احتجاج..

وانضمَّ عشرات الآلاف من الأشخاص في الولايات المتحدة إلى مظاهرات الاحتجاج ضد قانون لمكافحة الهجرة مثير للجدل تم تشريعه في ولاية أريزونا.

وكانت أكبر مظاهرات الاحتجاج في مدينة لوس انجليس، ولكن من المقرر ان تخرج مظاهرات أخرى في أكثر من 70 مدينة فى جميع انحاء البلاد.

ويقتضي القانون ان تقوم الشرطة المحلية بإيقاف واستجواب أي شخص تشتبه في انه يقيم في الولايات المتحدة بصورة غير قانونية.

ويقول المحتجون ان القانون يمكن أن يؤدي إلى استهداف المهاجرين من أصل لاتيني بشكل اساسي، وتأجيج التوترات العرقية. وقدرت الشرطة أنه في لوس انجليس انضم حوالي مائة الف شخص الى المسيرة التي تقودها المغنية جلوريا استيفان وهي من اصل لاتيني. وقالت جلوريا للمتظاهرين: ان من حق كل أمريكي حماية المكان الذي يعيش فيه .

واضافت لكن ذلك لا يعطي أحدا مبررا لوضع القوانين التي يمكن أن تؤدي إلى العنصرية والتمييز .

ويقول راجيش ميرشانداني مراسل بي بي سي الموجود في عين المكان إنه كانت هناك لافتات تدعو لمقاطعة ولاية اريزونا، وحتى تصوير حاكم الولاية، يان بروير، في صورة هتلر. ولوح العديد من المتظاهرين بالعلم الامريكي، في حين ترددت بعض الشعارات التي تدعو الرئيس باراك أوباما إلى التدخل. وكان حاكم ولاية أريزونا (وهو جمهوري) قد قام بتوقيع القانون في وقت سابق من هذا الشهر، وقال انه يحمي كل مواطن أمريكي .

وبموجب القواعد الجديدة، يمكن أن يعاقب من لا يمكنه إثبات انه يقيم اقامة شرعية في الولايات المتحدة بالسجن لمدة ستة أشهر وبغرامة قدرها 2500 دولار.

ويقول مؤيدو مشروع القانون انها سوف تساعد على وضع الهجرة غير المشروعة تحت السيطرة في ولاية اريزونا، التي تعد نقطة عبور رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة. ويقدر عدد المهاجرين غير الشرعيين المقيمين في أريزونا بنحو 460 الف شخص.

إخفاق المكسيك في حماية المهاجرين..

من جانبها أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا لاذعا يوثق لإخفاق الحكومة المكسيكية في توفير الحماية اللازمة لمهاجري أمريكا الوسطى الذين يمرون بالبلاد في طريقهم إلى الولايات المتحدة.

وأفاد التقرير بأن العصابات الاجرامية تنقض على المهاجرين، الذين يأتي أغلبهم من السلفادور وجواتيمالا وهندوراس ونيكاراجوا، وأن الوقوف في وجه هذه الجرائم أو معاقبة المجرمين لايمثل أولوية كبيرة للحكومة المكسيكية أو السلطات الاتحادية.

وذكرت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان في تقريرها "في كثير من الاحيان، يمكن أن يبدو ذلك للوهلة الأولى عملا من جانب العصابات الإجرامية فقط ، ولكن هناك دليل على أن مسئولي الدولة متورطون بشكل ما  سواء بشكل مباشر أو نتيجة للرضوخ لما يحدث".

أعد التقرير الذي يحمل عنوان "ضحايا محجوبون: المهاجرون المارّون بالمكسيك" مندوبو منظمة العفو الدولية خلال عامي 2008 و 2009 ، عبر مقابلات مع مهاجرين ونشطاء محليين في مجال حقوق الإنسان ومسئولين من السلطات المكسيكية وغيرهم .

يصف التقرير الرحلة التي يقضيها المهاجرون عبر المكسيك ، وغالبا ما يكون ذلك فوق قطارات البضائع ، حيث يصبحون فريسة للصوص وعصابات الابتزاز.

وقال روبرت نوكس، الباحث المكسيكي في المنظمة الدولية إن هؤلاء المهاجرين يواجهون أزمة حقوقية كبيرة تجعلهم بالفعل يتعرضون للظلم ويخشون الانتقام، والترحيل إذا اشتكوا من ذلك.

وأضاف أن إخفاق السلطات المتواصل في التصدي لهذه الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون، جعلت رحلتهم عبر المكسيك تعد بين "اخطر الرحلات في العالم.

وأفادت تقديرات اللجنة الوطنية المكسيكية لحقوق الإنسان ، وهي هيئة حكومية مستقلة ، العام الماضي بأن ما يزيد على 9 آلاف مهاجر من أمريكا الوسطى تعرضوا للخطف خلال ستة شهور في عامي 2008 و2009 على يد عصابات إجرامية تسعى للحصول على فدي. يتم اكراه الضحايا على منح خاطفيهم أرقام هواتف ذويهم في أوطانهم، أو في الولايات المتحدة للاتصال بهم وطلب الأموال.

وصف الناجون من هذه المحن لمنظمة العفو الدولية "كيف يمكن أن يتعرض المهاجرون للتعذيب، أو القتل إذا لم تصل الفدية في الوقت المحدد".

وتمثل النساء، وحتى الأطفال، نسبة لا يستهان بها من المهاجرين الذين يمرون عبر المكسيك. وتفيد بعض التقديرات بأن ما يزيد على 60% من النساء والفتيات يتعرضن للعنف الجنسي خلال الرحلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/أيار/2010 - 24/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م