الشاعر حسين الهاشمي: إصلاح الهيكل الثقافي يبدأ من إعادة الاعتبار للمبدعين

خاص/ شبكة النبأ

 

* لماذا يعيش المبدع والمثقف المنتج عندنا مثل كائن فائض عن الحاجة

* عملية البناء الراسخة لا يمكن أن تتأسس على أرضية ملؤها الجهل والتعتيم والتخلف

* لا يمكن تصور العراق بلا نهرين ونخيل وشمس، لا يمكن تصوره بلا أدب.

* ان أية سماء بلا نجوم، هي سماء موحشة وعلينا أن نرفع رؤوسنا من خلالها

 

شبكة النبأ: للمثقفين والادباء عموما رؤيتهم الخاصة حول ما يدور في الساحة العراقية في عموم المجالات لاسيما الثقافية والسياسية منها، ونظرا لكوننا بحاجة ماسة الى تحقيق الاصلاح في ميادين الفكر والتنظير والعمل والتطبيق في آن، فإننا بحاجة الى وجهات نظر متعددة لعقول متخصصة ومراقبة ومتابعة لما يحدث في الساحة العراقية، ومطلوب أيضا من اجل تحقيق الاهداف الثقافية لأبعد المديات أن نزج بالطاقات الفكرية في هذا الميدان، لذا حاولنا أن نلقي بعض الضوء على رؤى وافكار المثقفين حيال ما يدور في العراق سواء في السياسة او الثقافة او غيرهما، على أمل أن تكون النتائج التي نمخضت عنها الانتخابات النيابية الأخيرة بوابة مناسبة لاستيعاب أفكار ومساعي الجميع تحقيقا لمجتمع عراقي متناغم ومتنوع يقبل التعايش وتعدد الرؤى والافكار معا.

في هذا الحوار تلتقي (شبكة النبأ المعلوماتية) الشاعر حسين الهاشمي من محافظة ميسان لغرض التعرف على وجهة نظره ورؤيته لامكانية تحقيق تطور هام في المجالات الثقافية والسياسية وغيرهما من وجهة نظر أحد المنتمين الى الثقافة العراقية، وكان سؤالنا الأول:

* حسين الهاشمي كشاعر ومثقف كيف ينظر إلى ما حققته الانتخابات النيابية الأخيرة؟ وهل هي المخرج الملائم من أزمات البلاد؟

- آمل ذلك.. رغم أن ذلك يعني أن الحلول تأتي من السياسيين وليس غيرهم، ولكن ما أعنيه هو ؛ أن الحراك السياسي القادم قد يفتح بابا لانضمام المثقفين والمبدعين وأصحاب المهارة والكفاءة والوعي الحضاري والإنساني، كشركاء فاعلين في إيجاد المخرج القادم من معظم المشاكل والأزمات التي نمر بها الآن.. وفي كل الأحوال فان الانتخابات كانت ضرورة لابد منها في محاولة الوصول إلى ذلك الباب المهم كي نحرك القبضة التي أحكم إغلاقها أو تغافلنا وتجاهلنا موقعنا ودورنا، لفترة من الزمن عن القيام بذلك.

* الإصلاح الثقافي كمفهوم راسخ هل يمكن أن يصحح المسارات الخاطئة في السياسة والتعليم والاقتصاد وغيرها؟

- في كل التجارب المعروفة التي سمعنا وقرأنا عنها في العالم، تكون حلقات التغيير والتصحيح مرتبطة بعضها مع البعض الآخر، ولكن الحلقة الأهم والأساس في الإصلاح تبدأ من الوعي الفردي وصولا إلى الوعي العام، وبلا شك فان دولا مثل دولتنا بحاجة إلى تخطيط مسبق وبرامج يهيأ لها بما يتناسب وخصوصية المكان والزمان والسكان وطبيعة الثقافة والمجتمع عموما.لذا فان الخطوة التالية هي إيجاد الأرضية العملية لتنفيذ هذه البرامج والخطط، وذلك لن يتحقق من دون تصحيح المسارات الخاطئة في الاتجاه السياسي الذي ينبغي أن يأخذ بنظر الاعتبار قيمة الفرد وأهميته من خلال توفير أفضل وأوفر الفرص والإمكانات التي تطور من مستوى تعليمه ومعرفته وكذلك تمتين وضعه الاقتصادي أيضا، بدلا من وضع العوائق أمامه.

* الثقافة ما هو دورها التفعيلي الهام، وهل يكفي ما قامت به حتى الآن في المساهمة الثقافية ببناء المجتمع؟.

- الجزء الأهم في الجواب عن هذا ؛ ذكرته في السؤال السابق تقريبا، إذ أن عملية البناء الراسخة لا يمكن أن تتأسس على أرضية ملؤها الجهل والتعتيم والتخلف، ولهذا تجد أن أغلب التجارب المهمة التي سبقتنا في البناء بدأت من خلال تأسيس منظومات واسعة للثقافة وفتح قنوات اتصال مشتركة بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية والمثقفين، ويصل الحال أيضا في بعض الدول المتقدمة للاستعانة بالمثقفين لإدارة المؤسسات والوزارات التي تعنى بتحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي إضافة إلى مجالات اختصاصاتهم الفنية والثقافية. ذلك ما ينبغي أن يحصل عندنا أيضا وبشكل مدروس وحقيقي.

* أنت كشاعر فاز بجوائز عربية ودولية ومحلية هل تعتقد بأن الأدب يمكن أن يكون له دور في إشاعة أجواء مناسبة لبناء التجربة العراقية الجديدة؟.

- الأدب الحقيقي ؛ لغة اتصال سحرية ومدهشة وأحيانا مختزلة بين العالم الداخلي والخارجي عموما. ومن لا يجيد لغته يجهل الآخر القريب عنه، فكيف بالبعيد؟ كل شيء مهم في الأدب بدءا من النقطة! النقطة المحذوفة تدمر أحيانا، وعليك أن تتخيل شكل ومحتوى الخطورة الكامن في دوره إزاء الإنسانية في التحول والبناء والجمال وإيصال الحقيقة والتجارب بطرق مبتكرة وجديدة.كان السياسيون الكبار يقرؤون التجارب الأدبية كي يعوضوا القصور الموجود في تجاربهم ويفتحوا من خلالها تلك المغاليق والحجب التي تقف أمام رؤاهم في البناء والتغيير والإصلاح.الأدب نوع من الخلق يعيد التوازن إلى الكثير من المفاصل المرتبكة، ولأنه يؤمن بالجمال جوهرا وصورة، وبالحلم نزوعا وحبا لما هو جديد، وبالحياة تواصلا وسموّا ورقيّا منشودا، فانه سيبقى الجسر الموصل إلى المفاتيح الروحية والعقلية التي تفتح أبواب التجارب الجديدة. وإذ لا يمكن تصور العراق بلا نهرين ونخيل وشمس، لا يمكن تصوره بلا أدب.

* أخيرا هل أننا بحاجة إلى إعادة هيكلة الثقافة العراقية وما هي رؤيتك في هذا المجال ؟.

- نعم. وهذا هو الأساس في كل الإصلاحات القادمة والمؤثر المضيء لها. هل يمكن تخيل كيف يمكن أن تهدي السفن التائهة دون بوصلة أو فنار !؟ فإصلاح الهيكل الثقافي يبدأ من إعادة الاعتبار إلى كل المبدعين الموهوبين والمميزين والمثقفين المهملين في زوايا الضياع والبؤس والصعلكة التي تؤدي إلى الموت والانقراض. لماذا يعيش المبدع والمثقف المنتج عندنا مثل كائن فائض عن الحاجة أو في أحسن الأحوال يستدعى للمناسبات فقط وينتهي دوره بانتهاء المناسبة. يجب أن لايقترن اسم المثقف والمبدع بـ ( ثقافة ) المناسبة فقط، وأن يرفض هذا المبدع المثقف الدور المقنن له ويكون حرا في ذهنه واختياراته وفنه، دون اشتراطات مؤسساتية وأيدلوجية أو سياسية مقيدة لروح تطلعاته الكونية والإنسانية. المبدعون في أي بلد ؛ هم سفراء ذلك البلد وهم بوصلتها وفناراتها التي تشير إلى أية خارطة مجهولة لم تكتشف بعد، وهم الثروة التي لا يجب أن يضيعها أدعياء الكلمة ومروجو التضليل والعتمة والضجيج والتهريج في هذا المجال. الحياة الثقافية مازالت مليئة بالكثير مما يجب تسوية الوعورة فيها وتنقية التلوث في أجوائها، مثلما مازال الكثير فيها مدمرا أو موصدا أو غير صالح إضافة إلى غير المكتشف فيها من ثروات مهملة وضائعة في دهاليز اللامبالاة والفوضى والاهمال.

قبل أيام انتعشت تفاؤلا وأنا أحضر سماءً تحتفي بأربعين نجما عراقيا أغفلتهم سماوات الثقافة العراقية، هؤلاء حصدوا جوائز وشهادات عالمية وعربية ومحلية في العام 2009، فاحتضنتهم ( الجمعية العراقية لدعم الثقافة) بطريقتها الخاصة وقدراتها الخاصة وفضائها الجميل الذي ينعش الأمل بالقادم، لقد بحثت هذه الجمعية الرائعة عن هذه (النجوم) البعيدة والقريبة بشتى الطرق والوسائل الممكنة كي تحتفي بحضورها المضيء، رغم الصعوبات، وكي تشير للآخرين أيضا؛ ممن نسوا أو تجاهلوا أو تماهلوا أو...؛ ان أية سماء بلا نجوم، هي سماء موحشة وعلينا أن نرفع رؤوسنا من خلالها. تلك هي البداية على ما أعتقد!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/أيار/2010 - 20/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م