أزمة ما بعد الانتخابات: محاولات التدويل وتداعيات الفراغ الأمني

 

شبكة النبأ: بعد شهرين من انتخابات عامة لم تسفر عن فائز واضح بات العراق محاصرا في معركة بين كتلتين كبيرتين تتصارعان على السلطة، وكتل أخرى غير واضحة الاتجاه تصف نفسها ببيضة القبان، الأمر الذي يهدد أمن البلد الهش وآماله بالاستقرار.

ففي الوقت الذي زادت حمى اللقاءات بين الكيانات السياسية الفائزة، لتشكيل حكومة شراكة وطنية يتحدث الجميع عنها، رجعت الأمور إلى نقطة الصفر بعد قرار الهيئة التمييزية الخاصة بالنظر بالطعون بنتائج الانتخابات إعادة عملية العد والفرز في بغداد، وقرار هيئة المساءلة والعدالة بإبعاد 52 مرشحا من ضمنهم فائزون بالانتخابات أكثرهم من القائمة العراقية التي ترى أن هذه الإجراءات تستهدفها، في حين يقول مسئولي هيئة المسائلة العدالة أنهم لا يطبقون سوى القانون الذي يقضي بحماية العملية السياسية من تسلل البعثيين وكل مَن يروج لهم أو يشاركهم الفكر والعمل..

وتقول جالا رياني المحللة في (اي.اتش.اس) جلوبال انسايت ميدل ايست "المعركة ترجع بأشكال عديدة الى الكراهية الشخصية بين الاثنين وهو أمر يهدد الاستقرار السياسي الان." بحسب نقل رويترز.

وكانت كتلة تتكون من أغلبية سنّي ساحقة ويقودها علاوي قد فازت بفارق مقعدين على كتلة المالكي التي يغلب عليها الشيعة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من مارس اذار. ولم يحصل اي منهما على النسبة الكافية لتشكيل حكومة مما ترك البلاد في حالة من عدم اليقين السياسي.

ويريد الاثنان الحصول على منصب رئيس الوزراء وقد تؤدي الازمة الناتجة عن هذا الى عرقلة خطط الولايات المتحدة لانهاء العمليات القتالية في اغسطس اب وتستدعي تدخلا أعمق من جيران مثل ايران والسعودية.

وقال علاوي ان تقدمه بفارق طفيف في الانتخابات يعطيه الحق في تشكيل حكومة وقيادتها وهو الادعاء الذي سارع المالكي الى الاعتراض عليه. ويقول محللون ان من غير المرجح فيما يبدو أن ينسحب اي منهما بسلاسة.

وقال المحلل جوست هيلترمان من المجموعة الدولية لمعالجة الازمات "أحد الاثنين سيسود. هذا سيناريو من شأنه زعزعة الاستقرار. وأضاف "من الصعب تصور كيف ستكون حكومة يقودها أحدهما جامعة شاملة لان الاخر سيرفض المشاركة."

ومنذ فترة طويلة يشير مسؤولون أمريكيون ومن الامم المتحدة الى أن ديمقراطية العراق الوليدة لن يحدد ملامحها من يفوز بالانتخابات بقدر ما سيحددها سلوك الخاسرين. وحتى الان لا يبدو أن أيا من الطرفين يريد لعب دور المعارضة السياسية.

ولم تعط الانتخابات التي كانت نتيجتها غير حاسمة لاي من اللاعبين الرئيسيين الاغلبية الساحقة اللازمة ليشكل حكومة بمفرده. ويتصارع الساسة الشيعة والسنة والاكراد على مكان في الحكومة الجديدة.

وسعى المالكي الى تشكيل تحالف مع الائتلاف الوطني العراقي القوي المدعوم من ايران لكنه يواجه معارضة قوية لمطلبه تولي رئاسة الوزراء لولاية ثانية.

كما حاول علاوي الشيعي العلماني التودد للائتلاف الوطني العراقي لكنه واجه صراعا عسيرا لتشكيل ائتلاف اذ ينظر اليه الشيعة المتشككون على أنه ممثل لمصالح السنة.

وترك هذا ائتلاف دولة القانون الذي يقوده المالكي والقائمة العراقية بقيادة علاوي امام خيار جديد هو محاولة تشكيل أغلبية برلمانية معا. لكن أعضاء في معسكري المالكي وعلاوي يقولون ان كلا منهما يريد منصب رئيس الوزراء.

وقال المحلل السياسي العراقي ابراهيم الصميدعي انه في كل مرة يحتدم فيها الصراع بين المالكي وعلاوي يصبح هذا عاملا في اخراجهما من المنافسة على السلطة لانهما بدا يثيران مخاوف وقلق الاخرين. وقال انه لابد من توصلهما لتسوية.

وأظهرت انتخابات مارس اذار التي وصفت بأنها كانت نزيهة الى حد كبير لكنها شهدت معارك قانونية ومزاعم بالتزوير دعما قويا لعلاوي من الاقلية السنية التي كانت مهيمنة في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وتريد الان لعب دور سياسي اكبر. ونجح المالكي في تحقيق طلبه اعادة فرز الاصوات في بغداد والذي اعتبر محاولة لانهاء تقدم العراقية.

ومما يزيد الوضع سوءا بالنسبة للعراقية اعترضت هيئة يقودها الشيعة هدفها منع أنصار حزب البعث المحظور الذي كان مهيمنا في عهد صدام من العودة الى الحكم على صحة الاصوات التي أدلي بها لمرشحين لهم صلات مزعومة بحزب البعث ومعظمهم من القائمة العراقية.

وحشد علاوي الطبيب الذي تدرب في بريطانيا وتولى منصب رئيس الوزراء المؤقت عامي 2004 و2005 دعم دول بالمنطقة للتدخل وقال ان على المجتمع الدولي تنظيم انتخابات جديدة.

وأثارت الدعوة غضب المالكي الذي انتقد الرغبة في تدخل خارجي وندد بما وصفه برغبة القوى الخارجية للقيام بانقلاب من خلال صندوق الاقتراع.

وقالت رياني "اختار علاوي أن يجعل من نفسه رجل الدول ذات النفوذ بالمنطقة... كوسيلة لموازنة (نفوذ) المالكي الذي تزداد شعبيته تراجعا على مدى الوقت في أنحاء المنطقة."

وأضافت "من المؤكد أن يثير هذا مخاوف من ظهور سيناريو يشبه النموذج اللبناني بالعراق حيث يتطلع لاعبون داخليون الى داعمين خارجيين لتعزيز رصيدهم السياسي في الداخل."

وقد يؤدي حرمان العراقية من تقدمها بعد اعادة فرز الاصوات في بغداد واحتمال صدور حكم اليوم الاثنين قد يقضي ببطلان أصوات حصل عليها مرشحون من العراقية الى اثارة غضب السنة الذين شعروا بالتهميش بعد الغزو الامريكي الذي أسقط حكم الدكتاتور صدام.

أزمة سياسية قابلة للتدويل؟

تعددت الحلول والمشكلة واحدة.. هذا هو حال العملية السياسية في عراق اليوم، بعد انتخابات كانت تنبيء ببزوغ فجر جديد على عراق تسمو فيه دولة المؤسسات وتنتعش عملية الاعمار والبناء في ارجائه.

ففي الوقت الذي زادت حمى اللقاءات بين الكيانات السياسية الفائزة في الانتخابات، لتشكيل حكومة الشراكة الوطنية التي تحدث عنها الجميع، رجعت الامور الى نقطة الصفر بعد قرار الهيئة التمييزية الخاصة بالنظر بالطعون بنتائج الانتخابات، باعادة عملية العد والفرز على اثر طعونات قدمها ائتلاف دولة القانون، وقرار هيئة المساءلة والعدالة بابعاد 52 مرشحا من ضمنهم فائزون بالانتخابات اكثرهم من القائمة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي. بحسب وكالة نينا.

زاد هذا الامر من حدة التوترات وتحديدا بين القائمة العراقية التي فازت بـ91 مقعدا بالبرلمان المقبل وبين ائتلاف دولة القانون الفائز بـ 89 مقعدا.

وتعتقد القائمة العراقية انها هي المستهدفة الوحيدة من هذه الاجراءات من خلال اجراءات قالت انها التفاف على القانون والدستور، في حين يؤكد ائتلاف دولة القانون انها اجراءات قانونية ودستورية، الامر الذي عدته /العراقية/ محاولة لعدم تسليم السلطة سلميا من خلال هذه الاجراءات.

ولوحت القائمة العراقية بتدويل المسألة العراقية، وطالبت في مناسبات عدة بتشكيل حكومة انقاذ وطني، واعادة الانتخابات في ظل هذه الحكومة، الامر الذي رفضته اطراف عدة، وعدته رجوعا الى المربع الاول وانهيارا للعملية السياسية.

ويسمح الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة بتشكيل حكومة انقاذ وطني في الدول التي تعاني من الفوضى والارباك والتي لا تستطيع تشكيل حكومة لها، وبالتالي تؤثر في حالة السلم للدول المجاورة خاصة والعالم بشكل عام.

ويرزح العراق تحت طائلة الفصل السابع منذ عام 1990 اثر غزو الرئيس الاسبق صدام حسين للكويت، ولم يخرج العراق لحد الان من اجراءات هذا الفصل على الرغم من سقوط النظام السابق قبل اكثر من 7 سنوات.

وعقدت هذه الامور مجتمعة العملية السياسية بشكل غير مسبوق حتى في احلك الظروف التي مر بها العراق بعد عام 2003، ووصلت الامور الى مرحلة الجمود السياسي، ما دفع البعض الى التفكير بحلول تخرج العملية السياسية من المأزق الذي وقعت فيه.

فكانت المبادرة من نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بدعوة مجلس رئاسة الجمهورية لاجتماع عاجل لتدارك ما سماه التدهور السياسي الحالي الذي تشهده الساحة العراقية بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة في البلاد.

وكان الهاشمي اكد في رسالة بعثها الى رئيس الجمهورية جلال طالباني ونائبه عادل عبد المهدي " ان الامر يتطلب موقفا حازما وواضحا من هيئة الرئاسة وفقا للمادة 67 من الدستور للتصدى للقرارات غير الدستورية وغير القانونية التي اصدرتها او تنوي اصدارها هيئة المساءلة والعدالة، في بيان رسمي يصدره المجلس على عجل بعد ان تأكد للجميع ان مثل هذه القرارات اصبحت مصدر ارباك وقلق للجميع وان الهيئة تجاوزت كل الحدود ".

لكن هذه الدعوة فيما يبدو لم ترق لبعض الاطراف السياسية التي دعت الى التفريق بين النقاشات السياسية، وبين الاجراءات القانونية، في اشارة الى اجراءات هيئة المساءلة والعدالة التي استبعدت على اثرها مجموعة من المرشحين.

فيما دعا القيادي في الكتلة العراقية اسامة النجيفي /الثالث على مستوى العراق في الحصول على الاصوات/ الى اجتماع عاجل لقادة الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات لتهدئة الاجواء ومحاولة ما سماه نزع فتيل الازمة وترتيب وجهات النظر.

وقال للوكالة الوطنية العراقية للانباء:" يجب ان يتحقق هذه الاجتماع باسرع وقت ممكن، لوضع الاسس لبناء حكومة وازالة المشاكل بين جميع الاطراف ".

واضاف :" ان الامور تتجه الى الاسوأ، فالعملية السياسية تشهد تدهورا خطيرا في العلاقات السياسية، فيما الوضع الامني سيء، فضلا عن وجود قلق كبير في الشارع العراقي ".

وحث النجيفي، ائتلاف دولة القانون على " مراجعة سياسته تجاه القائمة العراقية وخلق جو جديد حتى نستطيع التعاون معه " حسب تعبيره.

وتابع:" ان ما ظهر من انفعالات اخيرة بموضوع الاجتثاث، وعملية العدّ والفرز ولغة التهديد والوعيد وعدم قبول الاخر، امر مؤسف للعملية السياسية، وخلق فجوات كبيرة بين القائمة العراقية ودولة القانون، وهذا ما لا نتمناه ".

هل تستطيع رئاسة الجمهورية إنقاذ العملية السياسية؟

ويبدو ان التداعيات السياسية في العراق وصلت الى مرحلة انقطاع السبل بين الكيانات السياسية الكبيرة لتشكيل الحكومة المقبلة، في ظل اوضاع متوترة افرزتها قرارات الهيئة التمييزية باعادة العدّ والفرز يدويا في بغداد وشطب اصوات 52 مرشحا لشمولهم باجراءات هيئة المساءلة والعدالة.

ودفع انقطاع هذه السبل بعض الاطراف السياسية الى التلويح بتدويل المسألة العراقية وعدتها خيار مَن لا خيار له، وذلك بدعوة المجتمع الدولي للتدخل من اجل ما سمته " انقاذ البلد " ومنع التدخل في عمل السلطة القضائية التي يرى البعض انها تجامل كتلا معينة على حساب كتل اخرى.

وشجع هذا الامر الكتلة العراقية التي ترى انها المستهدفة الوحيدة من اجراءات هيئة المساءلة والعدالة، على الدعوة لتشكيل حكومة انقاذ وطني، واعادة الانتخابات في ظل هذه الحكومة.

ويسمح الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة بتشكيل حكومة انقاذ وطني في الدول التي تعاني من الفوضى والارباك التي لا تستطيع تشكيل حكومة لها، وبالتالي تؤثر في حالة السلم للدول المجاورة خاصة والعالم بشكل عام. بحسب وكالة نينا.

ويرزح العراق تحت طائلة الفصل السابع منذ عام 1990 اثر غزو الرئيس الاسبق صدام حسين للكويت، ولم يخرج العراق لحد الان من اجراءات هذا الفصل على الرغم من سقوط النظام السابق قبل اكثر من 7 سنوات.

وبعد ترحيب رئيس الجمهورية جلال طالباني بعقد اجتماع، يبقى السؤال الاهم : هل يستطيع مجلس رئاسة الجمهورية الحامي للدستور انقاذ البلد من ازمته الحالية ؟.

ويؤكد ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي احقية مجلس الرئاسة بالاجتماع ومناقشة كل التداعيات السياسية باعتباره المسؤول عن الحفاظ عن الدستور، لكنه دعا في الوقت نفسه الى التفريق بين القرارات السياسية، والمسائل القانونية والدستورية.

وقال الناطق الرسمي باسم ائتلاف دولة القانون حاجم الحسني للوكالة الوطنية العراقية للانباء:" من المفروض ان يحافظ مجلس الرئاسة على قانونية المسائل الصادرة من المؤسسات الدستورية ومنها قرارات هيئة المساءلة والعدالة، لا ان يعمل عكس هذا ".

واضاف :" ان قرارات هيئة المساءلة والعدالة، قرارات قانونية بحتة، واذا اراد مجلس الرئاسة حلها لابد ان يكون هذا الحل قانونيا ايضا . اذ ان هذا الامر يحتاج جهة لها صلاحيات قانونية ". لكنه توقع ان تكون قرارات مجلس الرئاسة داعمة للدستور، باعتبار ان وظيفة مجلس الرئاسة وهو الحفاظ على الدستور.

ودعا الحسني الأطراف السياسية إلى" اللجوء إلى القضاء في حالة شعورها بأي غبن أو إجحاف، كما لجأ ائتلاف دولة القانون حين شعر بان هناك خروقات في الانتخابات، وطالب بإعادة عملية العد والفرز في بغداد" حسب قوله.

وتابع:" ان الدولة التي تحترم مؤسساتها القضائية، لابد أن تلجأ إلى الأساليب القانونية، والتفكير بمعايير القانون لا ان تكون خارج هذه المعايير".

القانون والوطني يتوصلان لاتفاق اندماج

وفي تطور جديد أعلنت مصادر مطلعة ان اندماج ائتلافي دولة القانون والوطني سيكون خلال الاسبوع الحالي.

وقالت تلك المصادر للوكالة الوطنية العراقية للانباء ان دمج الائتلافين بات محسوما وان هناك اتفاقا جرى بينهما على الاعلان عن هذا الائتلاف. واضافت:" ان النقطة الخلافية بين دولة القانون والائتلاف الوطني حول رئيس الوزراء قد تم تأجيلها الى وقت لاحق ".

وبينت المصادر:" ان الائتلاف الوطني العراقي سيرشح ابراهيم الجعفري وباقر جبر الزبيدي وعادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة فيما سيرشح ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لرئاسة الحكومة ".

من جانبه اكد حسن السنيد القيادي في ائتلاف دولة القانون للوكالة الوطنية العراقية للانباء وجود هذا التقارب بين دولة القانون والائتلاف الوطني، مشيرا الى ان مسارات الحوارات ايجابية وتوحي بالتفاؤل وسيشكل الائتلافان الكتلة الاكبر.

وحول ما نقلته مصادر مطلعة من زيارة وفد من دولة القانون يضم طارق نجم مدير مكتب رئيس الوزراء ومظهر الزهيري القيادي في حزب الدعوة الى ايران الامر الذي ادى الى هذا الاتفاق، قال السنيد:" لا توجد اية صحة لمثل هكذا انباء وجميع هؤلاء موجودون في العراق".

وتابع:" ان اللقاءات جرت في العراق في منزل الدكتور ابراهيم الجعفري ومقر الهيئة السياسية للتيار الصدري ومقر ائتلاف دولة القانون".

واضاف:" ان الامور جرت دون تدخل اي احد وان الكتلتين تواصلان اجتماعاتهما وبصورة مطمئنة وان الاعلان عن تحالفهما سيكون قريبا".

وفي حال تحالف الائتلافين فان مجموع المقاعد التي سيحصلان عليها يبلغ 159 مقعدا وهي الكتلة الاكبر في البرلمان. ومن المتوقع ان ينضم لهما التحالف الكردستاني او ما يسمى بائتلاف القوى الكردستانية ليصبح عدد مقاعدهم 216 مقعدا اي ثلثي مقاعد البرلمان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/أيار/2010 - 20/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م