عن الحرب القادمة

د. أحمد راسم النفيس

نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية يوم الجمعة 16 أبريل تحذير الملك الأردني عبد الله الثاني من حرب «وشيكة» بين حزب الله وإسرائيل، خلال لقائه مع عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي الذي دعا إليه النائب آدم شيف أول من أمس. ووفقاً لأحد المشاركين أبدى الملك الأردني قلقاً جدياً من أن الصراع على وشك أن يندلع من جديد بين إسرائيل وحزب الله في لبنان.

من ناحية أخرى نشر مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بتاريخ 14-4-2010 تقريرا أعده أندرو تابلر عن أزمة صواريخ سكاد المرسلة لحزب الله اللبناني يحمل نفس المعنى حيث أشار التقرير إلى إمكانية أن تبادر إسرائيل لشن غارات على أماكن وجود هذه الصواريخ كمقدمة لحربها المحتملة على إيران لتأمين مدنها ضد أي عمليات ثأر محتملة يشنها حزب الله أثناء تلك الحرب.

إنها الحرب القادمة أما الحديث عن صواريخ سكاد ومداها المحتمل فلا يعدو كونه جزءا من الدعاية الحربية الإسرائيلية التي تهدف لتخويف الخصوم حيث أشارت مصادر حزب الله إلى أن صواريخ سكاد قد أصبحت قديمة وبالية وتم سحبها من الخدمة منذ زمن طويل وأن الأجيال الأحدث من الصواريخ تتميز بدقة الإصابة بخلاف هذا النوع القديم من الصواريخ. 

وشددت هذه المصادر على أن صاروخ سكود يعمل بوقود سائل مما يعوق عملية التخزين والاطلاق، في وقت يعمل فاتح 110- بالوقود الصلبة وقد أنتج في العام الماضي. كما ان سكود يستغرق إعداده للاطلاق بعد تدريبات طويلة عليه من 45 الى 60 دقيقة، بينما لا يحتاج فاتح 110، الا لأقل من 4 دقائق بأيد خبيرة"، موضحة ان الخطأ في "سكود" نحو 5 كيلومترات بينما يتمتع فاتح بدقة الاصابة التي لا يتجاوز الخطأ فيها سوى بضعة امتار (من 5 الى 10 امتار)، وهو ما أشار اليه السيد حسن نصرالله على نحو غير مباشر حين كشف عن معادلة "المرفأ بالمرفأ والمطار بالمطار والشارع بالشارع"، وهو الامر الذي لا يستطيع "سكود" توفيره.

لهذه الأسباب فالضجة التي أثارتها إسرائيل عن صواريخ سكود لا تعدو كونها ضجة إعلامية لا علاقة لها بما يجري في أرض الواقع وبمعادلات الردع التي أعلنها الأمين العام لحزب الله في خطبه السابقة (المطار بالمطار والمرفأ بالمرفأ وتل أبيب مقابل الضاحية الجنوبية لبيروت) مما أجبر الصهاينة على إعادة النظر في خططهم الموضوعة وتأخير شن الحرب التي كانت مقررة على ما يبدو هذا الصيف.

في نفس الوقت كانت إسرائيل تواصل قضم والتهام ما تبقى من الوجود الفلسطيني عبر قرارها بإبعاد آلاف الفلسطينيين الغزيين المقيمين في الضفة الغربية إلى غزة المحاصرة فضلا عن مواصلتها مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات قطعا للطريق على مطالب (دعاة التسوية) من فلسطينيي الاعتدال بعد أن انتهى دور عرب الاعتدال (الريادي القيادي من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط) ولم نعد نسمع لهم ركزا!!.

لماذا تبدو الحرب ضرورة إسرائيلية ولماذا تحرص إسرائيل على إشعال فتيلها رغم تأكدها أن لا أحد يفكر في توجيه الضربة الأولى لها خاصة وأنها مرتبطة مع الولايات المتحدة بحزمة مترابطة من الاتفاقات التي تردع أيا من كان عن مجرد التفكير ببدء هكذا حرب؟!.

الجواب أن إسرائيل لا يمكن لها أن تواصل البقاء من خلال سعيها  للتطبيع مع جوارها العربي كما كانت تزعم سابقا وهي لا تراهن عليه قدر مراهنتها على إبقاء محيطها في حالة انقسام وعداء متبادل وهي قد نجحت في تحقيق هذا أضعاف نجاحها في كسب صداقة دول المحيط العربي والإسلامي.

تسعى إسرائيل الآن بدأب إلى كسب مزيد من الصداقات المجانية من (عدو عدوي صديقي) وهذا الأمر لا يحتاج إلا لنخس جماعات الحمق السياسي والديني لإشعال نيران العداء المذهبي والعرقي بين المسلمين وهي مهمة طالما قام بها هؤلاء من دون وجود خطر حقيقي يدفعهم للقيام بهذه المهمة التي لم يحصدوا منها إلا الخيبة والخذلان ويكفي أن تسمع خبراء قراءة الكف والفنجان السياسي وهم يتحدثون عن (برتوكولات حكماء قم) بدلا من الحديث عن (برتوكولات حكماء صهيون) لتعرف مدى النجاح الذي حققه اليهود دون أن يدفعوا دولارا واحدا.

ولأن هذا لا يكفي لإشعال حرب أهلية فلا بد من شن حرب أمريكية أو إسرائيلية على إحدى دول المنطقة كتلك الحرب التي شنت على العراق لتوجد منطقة فراغ هائلة وحالة (صراع بين الضباع) حول اقتسام ما تبقى من الفريسة وهل (يكون رئيس الوزراء القادم شيعيا أو سنيا، عربيا أو كرديا، بلوشيا أم فارسيا) يتلهى بها المحيط (الفارسي أو العربي) لعقود قادمة تقوم فيها إسرائيل بإفراغ الضفة من سكانها وتهويد القدس وهدم الأقصى ثم بناء الهيكل.

تعلم إسرائيل والولايات المتحدة جيدا أن الخلافات البينية الإسلامية لن يجري تجميدها في مواجهة أي ضربة عسكرية قادمة بل العكس هو الصحيح حيث سيمنع الخوف من المجهول الآتي أغلب النظم الحاكمة من محاولة التوحد والتكتل عملا بالنصيحة القائلة (من أين تعلمت الحكمة؟ قال من رأس الذئب الطائر)!!.

لو أدرك قادة العرب خطورة بقاء التمزق الراهن على رأس الذئب طار أم لم يطر، لسارعوا بإعلان التضامن والتوحد منعا للحرب وحفاظا على ما تبقى من رؤوس ما تزال في مواضعها!!.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/أيار/2010 - 16/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م