المستقبل الاقتصادي للدول النامية

مرتضى بدر

في محاضرةٍ ألقاها في مركز (وودرو ويلسون) للباحثين الدوليين بالولايات المتحدة أشار رئيس البنك الدولي (روبرت زوليك) إلى وجود مؤشرات قوية ببزوغ نظامٍ اقتصاديٍ متعدّد الأقطاب، وأضاف: “آن الأوان لنقرّ ونسلّم بهذا الطرح الاقتصادي الجديد”. صحيفة (الحياة) اللندنية نقلت بتاريخ 16 من الشهر الحالي مقتطفًا من محاضرة (زوليك)، الذي أشار في كلمته إلى أنه “إذا كان عام 1989 شهد نهاية العالم الثاني بانهيار الشيوعية، فإن عام 2009 هو الذي رأى مشهد النهاية لما كان يُعرف بالعالم الثالث.

 وأضاف: “نحن نعيش الآن في اقتصادٍ عالميٍ جديدٍ متعدّد القطب وماضٍ في التطور بوتيرةٍ سريعة، عالم يبزغ فيه نجم بلدان نامية كقوى اقتصادية”... ما أعلن عنه (زوليك) ليس سراً، فنحن لو ننظر في الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، وحركة المشاريع، وانتقال رؤوس الأموال، والقوة الشرائية للدول النامية، فإننا نلاحظ نموًا متصاعدًا في معظم بلدان الجنوب.

على سبيل المثال (وكما أشار زوليك) فإن نصيب آسيا من الاقتصاد العالمي يحقّق ارتفاعًا مطرداً، على أساس تعادل القوى الشرائية من 7  عام 1980 إلى 21  عام 2008، وتمثل أسواق أوراق المال في آسيا 32  من رسملة العالم، أي إنها سبقت الولايات المتحدة وأوروبا اللتين تبلغ نسبتهما 30 و25 على التوالي.

وفي العام الماضي حلّت الصين محلّ ألمانيا كأكبر دولةٍ مصدّرةٍ في العالم، كما نجحت في أن تحلّ محلّ الولايات المتحدة كأكبر سوقٍ للسيارات في العالم.

في 15 من الشهر الجاري عُقِد في البرازيل مؤتمر لقادة مجموعة (بريك BRIC) التي تضمّ البرازيل وروسيا والهند والصين، وهي الدول المصنّفة اقتصادياً ضمن الدول النامية، التي تتمتع باقتصادٍ حركيٍ نشط، والمؤهلة جداً لتخطي هذا التصنيف. والمعروف عن الدول الأربع أنها تنتج في الوقت الراهن ما يقرب من 15 % من الناتج المحلي الإجمالي للعالم.

أثناء الأزمة المالية العالمية دعت الدول الغربية مجموعة (بريك) المساهمة في حلّ الأزمة عبر ضخّ 100 مليار دولار في صندوق النقد الدولي، إلا أن المجموعة رفضت الطلب، وطالبت الدول المسبّبة للأزمة أن تتحمل المسؤولية وحدها. وفي هذا الصدد قال الرئيس البرازيلي: “كمجموعة، سوف نواصل الدفاع عن دمقرطة عملية صنع القرار المشترك. فللدول النامية الحق في أن يُسْمَع صوتها”.

 وأكد “أن تضييق الهوة التي تفصل بينها وبين الدول الغنية ليس نوعًا من العدالة فحسب، بل إن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي العالمي يعتمد على ذلك”.

ما قاله الرئيس البرازيلي وما أعلن عنه رئيس البنك الدولي، ما هي إلا تباشير لبزوغ نجم الدول النامية في حركة الاقتصاد العالمي. الاقتصاديات الناشئة في دول الجنوب تسابق الزمن، فهناك دول تسير بخطوات حثيثة نحو عملية التنمية، ودول أخرى تمشي كالسلحفاة، تنتظر الشفقة والمساعدة من البنك الدولي والدول الغنية.

من الدول العربية والإسلامية التي من المتوقع أن تلتحق بمجموعة (بريك) في عملية التنمية الاقتصادية هي: إيران وتركيا وماليزيا والسعودية. الدول الأربعة تتمتع كل منها بموقع استراتيجي، وكثافة سكانية، وثروات طبيعية. ماليزيا - من جهتها - تُعتَبر إحدى الاقتصاديات الناشئة في جنوب شرق آسيا، ومركزا لاستثمار مالي إسلامي، وإيران قد خطت خطوات جيدة في حقل الزراعة والصناعة، والطاقة النووية سوف تساعدها بشكل كبير في تنمية اقتصادها.

السعودية - من جهتها - تمتلك أكبر احتياطيٍ للنفط في العالم، ويعتبر اقتصادها من أنشط اقتصاديات المنطقة، بخاصة في الصناعات التحويلية وصناعة العقار، ومشروعها الطموح في بناء مدينةٍ علميةٍ للطاقة الذرية والمتجدّدة سوف يعطيها دفعةً قويةً لتنشيط اقتصادها، أما تركيا فهي تتمتع باقتصادٍ حركيٍ ومتحوّل. إذاً نحن أمام تغيّرٍ وتحوّل في النظام الاقتصادي العالمي... نظام متعدد الأقطاب... لا يطلق يد الأسواق والبنوك في تحديد مصير العالم، ولا يسمح للحكومات بوضع يدها بصورة كاملة على حركة الاقتصاد... نظامٌ فيه تمازج بين الحرية والرقابة... ويتطلع للدول النامية أن يكون لها دور محوري في صنع القرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/أيار/2010 - 16/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م