الكتاب والساسة التجهيليّون

 في اليوم العالمي للكتاب 23/4

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: علَّمنا آباؤنا الذين تعلَّموا من آبائهم وأجدادهم بأن الكتاب هو (خير جليس في الزمان)، ومع قولهم هذا بيّنوا لنا الاسباب التي حدت بهم لوصف الكتاب بهذا الوصف الفريد، وقدموا لنا الدلائل التي تثبت صحة هذا الوصف الذي أطلقوه على الكتاب في بيت شعري شهير لأحد شعراء العرب.

ومن خلال التجربة إستطعنا أن نصل الى قناعة تامة بأن الأمم ما كان لها أن ترتقي وتصل الى ما وصلت إليه من سمو وتعافي وتحضَّر متواصل لو لا احترامها لهذا الجليس ومعاملته بما يليق به من الرعاية والتقدير وكأنه الأب الذي لا يجوز إهماله أو التنكّر لأفضاله أو نسيان دوره الكبير في تعميق الوعي لدى عامة الناس والانتقال بهم من مرحلة وعي متدنية الى أفضل وأعلى فأعلى، حتى عَلَتْ الشعوب والامم الى مستوى إنتاجي وأخلاقي يليق بالانسان.

وهنا يُطرح التساؤل التالي: تُرى هل تعاملنا مع هذا الجليس المربّي بما يليق بمكانته وأفضاله، وهل أتحنا له المجال التام كي يعلمنا ويربينا كما يجب ؟ وهل رفعنا أيدينا وأكفنا التي حاولت على مدى التأريخ أن تكمَّ فمه وتطفئ صوته ؟ أم أننا برعنا ولا نزال بارعين في طرق وأساليب التكميم التي تسلب من الكتاب دوره التربوي التعليمي الاخلاقي الديني وما شابه ؟.

إن الاجابة الحقيقية عن الأسئلة المذكورة وغيرها، كفيلة بوضع النقاط على الحروف، وأن الإقرار بالذنب والخطأ بل الاخطاء التي تكاد لا تُحصى في هذا المجال، ربما تقلل من فداحة الخسائر التي تعرضت لها امتنا وشعوبنا في مجال تحسين الوعي والارتقاء الى مصاف الشعوب المتنورة، فهل نملك الشجاعة الكافية للإعتراف بأخطائنا وتأشيرها والعمل على معالجتها في هذا المجال؟.

ولعل أفدح أخطائنا تتمثل بتلك المحاولات المحمومة من لدن الاقوياء والمتنفذين التي تنصبّ على تحجيم دور الكتاب وتوجيهه الوجهة التي تخدمهم وتساعد على تثبيت ومضاعفة نفوذهم وقوتهم كما يحدث لدى الأنظمة الحكومية التي تستشيط ذعرا من الكتاب ودوره في فتح آفاق الوعي والمعرفة لعامة الناس وتبصيرهم بواقعهم ومستقبلهم وتعرفهم بالاخطار التي تحيق بهم في الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها، وتحثّهم على تغيير هذا الواقع الشائن الذي صنعه السياسيون المنحرفون الى واقع أكثر سموّا وتطورا ورحمة بهم.

نعم لقد قامت الحكومات المتفردة بمحاربة الكتاب وتحجيم دوره ودرء خطره عليهم، هذا الخطر الذي يمثل وقفة مشرفّة الى جانب الإنسان البسيط حين يحرضه على تشغيل ملكاته العقلية والجسمانية كي يقوم بدوره الانساني في تحقيق التوازن المطلوب بين الحاكم والمحكوم.

وثمة تساؤل آخر يفرض نفسه في سياق الكلام، تُرى هل سعى إنساننا العربي والمسلم الى مؤازرة الكتاب في اداء دوره المطلوب كما ينبغي ؟. فإذا كان الحاكم رقيبا متشددا وكاتما من الطراز الاول لصوت الفكر الجديد والوعي المتنامي الذي يتسق مع ملامح العصر، هل كان انساننا ا بمستوى المسؤولية فآزر الكتاب ليقول كلمته ويؤدي دوره الكفاحي ضد القتلة والسفاحين وأرباب التجهيل المتعمّد من السياسيين وغيرهم؟.

 إن واقع الحال يشير بوضوح الى عكس ذلك، وهذا يعني أننا لا يجوز أن نلقي بمسؤولية تردي دور الكتاب على عاتق الحاكم والسياسي المتنفّذ فحسب، بل ثمة دور غائب ومغيَّب للقارئ نفسه، أي لعامة الناس، وهذا دليل على تقاعس جمعي خطير تتحدد أسبابه في الطبيعة الاتكالية واللامبالية للشخصية العربية، وإلاّ من يدلنا على أسباب الصمت على وضع القيود الصارمة على دور الكتاب من لدن هذه الحكومة او تلك؟

 ومن ينتصر ضد الرقابة التجهيلية التي فاقت حدود التصور في عموم الدول العربية؟ ومن يهشّم أسوار البوابات الحدودية وجدران المطارات التي تمنع هذا الكتاب او ذاك من الوصول الى هذا القارئ او ذاك، ليصل الأمر بالمانعين التجهيليين الى حجب بعض المواقع الألكترونية بحجة خطر الفكر المعادي وما شابه؟ ثم من قال أن صحة معالجة الفكر المعادي تكمن في عدم الاطلاع عليه ومنعه؟!! مع أن الصحيح هو معرفة الافكار المعادية ثم تحاشيها وتطوير منابع الوعي الصحيح لهذه الأمة او تلك؟.

إذن سنتفق على أن الساسة التجهيليّين لهم دورهم في قمع الكتاب وتحجيم صوته، ولكننا سنتفق أيضا على الضمور الخطير لدور العامة وخنوعهم وصمتهم على أساليب ووسائل ومصادر منع الفكر، ثم جلوسهم في الهامش بانتظار أن يتفضّل عليهم هذا المتنفذ او ذاك ليقدم لهم الافكار (بالقطّارة) وهم راضون بذلك وشاكرون، فهل هذا هو الاسلوب الصحيح بالتعامل مع خير جليس في الزمان؟.

هذا السؤال نضعه بين أيدي المحكومين اولا كونهم أصحاب الفائدة الأكبر، ثم الحكام والمتنفذين ثانيا، ونأمل أن يجيبوا عنه كلا على انفرد في خلوة مع أنفسهم لعلنا سنصل ذات يوم الى إيمان فعلي وليس قولي فحسب بأن الكتاب هو الجليس الأكثر فائدة لنا من جميع الجلاّس الآخرين.

وبأنه رمز التقدم والسمو، وطريق التطور والتنمية، وانه لاحرية بلا كتاب ولا كتاب بلا حرية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/نيسان/2010 - 10/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م