استيعاب المعاني الجوهرية للمفاهيم التربوية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تنتظم أنشطة الإنسان المتنوعة في الحياة وفقا لمجموعة من المفاهيم التي تحدد أنواع السلوك والمشاعر والافكار، وتتشكل حركة الانسان وردود أفعالة تبعا لطبيعة فهمه واستيعابه لهذه المفاهيم، فكلما كان أكثر فهما واستيعابا لها ولمعانيها الأصيلة كلما كان أكثر إنسجاما مع المحيط الذي يتحرك فيه.

من هنا ثمة دعوات متكررة من لدن المعنيين على أهمية فهم الانسان عموما ومن بينهم الشباب –كونها المرحلة العمرية الأخصب- لطبيعة المفاهيم عمومة ثم استيعابها والتحرك على ضوء هذا الفهم والاستيعاب السليم، بمعنى يُشترَط بالانسان أي يعي خطورة اللبس في فهم ما تذهب إليه المفاهيم وما تتيحه له من هامش للحركة، فأي خلل في ذلك سيعني حدوث اللبس الذي يعود بالضرر على الفرد والجماعة في آن واحد.

فلا بدّ من التمييز بين المفاهيم المغلوطة وبين المفاهيم الضيّقة، فقد يكون المفهوم صحيحاً لكنّه محصور في زاوية ضيّقة، أي أنّ الناس ينظرون إليه من خلال وجه واحد، أو بعين واحدة، أو إلى بُعد واحد من أبعاده .

وهنا سيكون الخلل في طبيعة النظر الى المفهوم وفهمه واستيعابه وليس في أصل المفهوم نفسه، وهذا الخلط بين الجانبين، أي بين فهم المفهوم وبين جوهره الأساس، هو الذي يؤدي الى الخسائر الكثيرة التي قد يتعرض لها البشر سواء في علاقاته الاجتماعية او غيرها.

ولنأت بمثال متداول على نحو واسع يتعلق بمفهوم الجهاد على سبيل المثال، فهو يعني مقارعة العدو ومقاومته وعدم الاستسلام له، وانزال الهزيمة به، لكنّه يعني أيضاً مجاهدة النفس ومكافحة عيوبها وسيِّئاتها، مثلما يعني بذل الجهد لتطوير الحياة ودفعها إلى الأمام وتنمية الإمكانات والممكنات لتحقيق النهضة والإزدهار.

إذن فهذا المفهوم وغيره لا يمكن التعامل معه على انه يهدف الى تحقيق هدف ذي إطار ضيق أو وحيد، بل يمكن أن يتوسع فهمنا له على أنه يشمل عموم مجالات الحياة، وهنا يتساوى جهادك ضد العدو الذي يحاول أن يتجاوز على حقوقك مع ما تبذله من قوة ارادة وصلابه في مقارعة أهواء النفس غير المستساغة من لدن المحيط او المجتمع الذي تنشط فيه.

ولذلك فمن الخطأ حصر المفاهيم في أطر ضيّقة أو تحجيمها في دلالات معيّنة، أو النظر إليها من زاوية واحدة فقط، وهذا هو الاهم في استيعاب المفاهيم والاستلال بها على كيفية التعامل مع وقائع الحياة، سواء مع الافراد او الجماعات ويشمل ذلك الحركة بين جميع الاوساط ولا تُستثنى من ذلك فئة عمريم دون غيرها، لكن التركيز غالبا ما يطال الشباب كونهم مشبعون بالحماسة وبالعواطف الجياشة التي قد تقودهم أحيانا الى الفهم الخاطئ.

ولقد جرت العادة في النظر إلى العلاقة العاطفية بين الشاب والفتاة على اعتبارها حبّاً، وهي حبّ ولا شك، لأنّ أيّة حالة ميل نفسي وعقلي وجسدي لأيّ شيء ولأيّ شخص هي حالة حبّ، لكنّ الحب لا ينطبق على العلاقة بين الجنسين فقط ، فأنت تحبّ والديك وإخوانك وأقرباءك وأصدقاءك ومعلميك وتحبّ الانسان الذي تجمعك به بعض المشتركات حتى وإن كنت لا تعرفه معرفة شخصية، وبهذا يتسع مفهوم الحب الى آفاق كبثيرة ومتنوعة، وأن الفهم الصحيح له يقود الشاب او الانسان بصورة عامة الى تجنب الاخطاء والمزالق وسلوك الجادة الصواب في هذا المجال الحيوي للعلاقات الانسانية.

ولعل الهدف الأهم لنا جميعا هو تجنب الوقوع في الخطأ لاسيما ما يتعلق بالمفاهيم التي تحرك منظومة النشاط المتنوع للانسان، وهذا يتطلب عدم الانصياع للفهم الخاطئ حتى لو كان متداولا على نحو واسع لأن المفهوم الخاطئ، أو الذي قد يتخذ لسبب أو لآخر دلالة سلبية، لا يعني أنه سيتحول بمرور الزمن إلى مفهوم صحيح، إذ أن المفاهيم الخاطئة تبقى خاطئة مغلوطة مهما طال عمرها، ولا يمنحها طول العمر والتبني شهادة الصحة أو البراءة من الخطأ، لذا مطلوب منا جميعا لاسيما الشباب وقد ذكرنا الاسباب آنفا، أن نستوعب جوهر المفهوم الذي يدخل في تنظيم حياتنا، وأن نحرص على أن لا نحصره في حيّز ضيق او نظرة لا تطول أكثر من ذات الانسان نفسه، كي تكون الفائدة أعم وأشمل وأكثر رسوخا.

وهذا بطبيعة الحال يتطلب تعاونا فرديا وجماعيا لاسيما من لدن المعنيين بتطوير وتوسيع آفاق الفهم لدى شرائح المجتمع كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/نيسان/2010 - 7/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م