احذروا 11 سبتمبر جديدة في العراق

صباح جاسم

 

شبكة النبأ: لم تكن تداعيات هجمات 11 أيلول سبتمبر في الولايات المتحدة داخليةً مستندة على رد الفعل تجاه خسائر مادية وبشرية قاسية مني بها الشعب الأمريكي فحسب، إنما تعدت تداعيات تلك الهجمات حدود البلد الذي تمت فيه إلى ما وراء البحار في أفغانستان وباكستان والعراق وغيرها، واتخذت خطوطا وتشعبات تداخلت فيها المعالجات الأمنية مع المادية والفكرية حتى تحوّل مسار السياسة الأمريكية الخارجية من نهج الاحتواء الناعم وأساليب الحرب الباردة إلى آخر يستند للقوة المفرطة والضغوط المختلفة الاتجاهات.

وهذا إنما يدل على حجم الخطر الذي يمكن أن تمثله هجمات القاعدة النوعية إذا ما حدثت في أي بلد آخر، وأقرب مثال على ذلك تدمير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006 وما تبعه من تمزق كبير في نسيج المجتمع العراقي جراء موجات العنف الطائفي التي تبعت ذلك الحدث الجلل الذي راح ضحيته مئات آلاف المدنيين في قتل وتهجير واستباحة حرمات..

اليوم وبعد انحسار نفوذ القاعدة في المحيط السنّي العراقي لأدنى مستوى وفقدانها الحاضنات التي كانت تمدها بالمساعدات المادية والبشرية، يبدو أنها قد أخذت مساراً يعتمد على اتجاهين الأول هو تحريك الخلايا النائمة- التي هي بقايا مجموعات القاعدة من العراقيين الذين إما لم يستفيدوا من التحول إلى صف الحكومة العراقية أو إنهم متمسكون فعلا بالبرنامج التدميري الذي تنتهجه القاعدة وينتظرون الوقت والمكان المناسب-، والاتجاه الثاني يتمثل في تحويل نهج الهجمات الإرهابية من كمية إلى نوعية، عبر أفكار إجرامية غير مسبوقة حتى على مستوى العالم.

وقد حدث مثالين هما الأقرب للواقع على ما ذكرنا أحدهما، مقتل العشرات من أفراد الصحوة في جنوب بغداد بمنطقة تدعى البوصيفي على أيدي عراقيين من عوائل معروفة في تلك المنطقة بولائها السابق لتنظيم القاعدة، وهذا إنما يدل على ضعف المتابعة الحكومية الدقيقة لأوضاع الصحوات التي هي محور الأمن في المناطق الساخنة، وعدم ايلائها الاهتمام المطلوب من تقديم معاشات مناسِبة تبعد شبح الفقر عن هذه العوائل وتوفير الخدمات المناسبة في تلك المناطق.

يقول احد منكوبي حادثة البوصيفي، بمجرد أن قامت الحكومة بتسجيل اسمائنا وأخذِ المعلومات الكاملة عنّا وتوزيعنا على نقاط حماية وتفتيش، تركتنا وراء ظهرها دون اهتمام لا من ناحية الراتب ولا من ناحية الدعم العسكري، فلم نستلم رواتبنا منذ عدة أشهر ولم يزورنا احد من المسئولين ليتفقد احتياجاتنا التي نستطيع أن نؤمّن بها أنفسنا ومناطقنا من مخاطر القاعدة وسعيها الحثيث للانتقام منّا. فأصبحنا بين ضغط مجموعات القاعدة علينا وإهمال الحكومة لنا.

المثال الآخر الذي يمثل الاتجاه الثاني لتحركات القاعدة هو، تفجير سيارات مفخخة في سفارات ومصالح دول معينة. وهذه الهجمات عموماً وجهت ثلاث رسائل واحدة إلى الحكومة العراقية وأخرى إلى الصحوات وثالثة إلى المحيط الإقليمي والدولي.

الرسالة الموجهة للحكومة هي أنه ليس في وسعكم حماية الشعب والمؤسسات وهناك دائماً ثغرات نستطيع النفاذ منها للتفجير والتدمير وتقويض إنجازاتكم الأمنية. وهنا تبرز الحاجة القصوى لانتهاج طريق القوة العسكرية الذي يعتمد على الجهد الاستخباري ذي الحرفية والمصداقية العالية في سبيل التحول من موقف التصدي والمعالجة إلى موقف المبادرة ووأد المخططات قبل تنفيذها من خلال العمليات الاستباقية، وهذا لن يتم إلا عن طريق إشراك الصحوات التي هي على دراية كاملة بمعطيات التحرّك والتفكير والمناورة لجماعات القاعدة والمتحالفين معها من فلول البعث.

أما بالنسبة للصحوات فكانت هجمات القتل ضدهم رسالة انتقام، تحمل بين طياتها الترغيب والترهيب، بمعنى انكم إما تعودون للعمليات المسلحة حيث لم تفدكم الحكومة ولم تفِ بوعودها، أو لن تنعموا بالطمأنينة والأمان بعد اليوم..

الرسالة الأخيرة الموجهة للمحيط الإقليمي والدولي كانت واضحة جداً باتجاه صد التطبيع في العلاقات مع العراق وإعادة التمثيل والعلاقات الدبلوماسية في سبيل إضعاف إعادة دمج العراق مع محيطه الطبيعي.

ليس هذا فقط ما يستدعي من العراقيين القلق والحذر الشديد إنما هناك مخاطر جهنمية تتمثل في مخططات يتم ترتيبها بهدوء بالغ هدفها إعادة حقبة الفتنة الطائفية بقوة، من خلال تفجير مراقد شيعية مقدسة بهجمات جوية مماثلة لما تم في 11 أيلول سبتمبر في الولايات المتحدة.

يقول مسؤول أميركي في مجال مكافحة الإرهاب، أن السلطات العراقية اكتشفت أن تنظيم القاعدة كان ينوي خطف طائرات بهدف تفجيرها بمساجد شيعية في العراق. وقد كُشف عن هذه المعلومات بالتزامن مع إغلاق مطار النجف الذي يقع في قلب المدينة.

ومع انه لا يمكن تحديد مدى جدية هذا الخطر إلا أن ما حدث من اختراق أمني في الولايات المتحدة مؤخرا عندما حاول النيجيري عمر الفاروق تفجير طائرة ركاب كانت قد قاربت على الهبوط في نيويورك التي تعتبر من أكثر المدن أماناً وأحدثها تدابير أمنية، يعطي مثالاً كبيراً على إمكانية القاعدة اختراق المطارات في أي دولة وبالتالي فإن مثل هذا الاحتمال ممكن جداً على ضوء الاختراقات الأمنية الحاصلة بشكل شبه يومي في العراق.

هذه التهديدات المتنوعة أبلغ دليل على الحاجة الماسة للإسراع بتشكيل حكومة عراقية تستلم زمام الأمور في البلاد وتبعد شبح الفتنة الطائفية التي إن أطلّت برأسها هذه المرة فستكون مدمرة بحق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/نيسان/2010 - 6/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م