الجينات.. مخازن الأسرار الإنسانية

تحاليل فورية لكشف الشفرة الوراثية وتحديد مستقبل الحياة

 

شبكة النبأ: لم يتسنَّ لفرانسيس كولينز الذي ساعد في وضع خريطة الجينوم البشري إجراء تحليل لجيناته هو شخصيا حتى الصيف الماضي. وما عرفه أدهشه. فقد تبين أن كولينز لديه استعداد للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني وهو ما لم يشتبه به قط.

ومن جانب آخر يعتقد عدد من كبار خبراء المنشطات الرياضية بالمعهد العالي للرياضة في مدينة كولونيا الألمانية أن العديد من الرياضيين باتوا يلجئون إلى استخدام  المنشطات الجينية  بدلا من المنشطات الاصطناعية مثل منشط "إيبو" والتي لم تعد تستخدم منذ وقت طويل.

فيما يبدو أن الاستعداد الفطري لدى بعض المخلوقات مثل النمل والنحل للتضحية بحياتها في سبيل سلامة المستعمرة التي تنتمي إليها يتحدى نظرية داروين الخاصة بالبقاء للأصلح، حسب ما أشار إليه باحثان من المملكة المتحدة في تقرير جديد عن أصل الإيثار في علم الوراثة.

واكتشف المدير السابق للمعهد الوطني لأبحاث الجينوم البشري هذا من خلال أبحاث توفرها شركات مثل نافيجينيكس وتوينتي ثري اند مي وديكودمي التي تتقاضى من العملاء بضع مئات من الدولارات مقابل نظرة على تكوينهم الجيني. وقال "خضعت للاختبار عند الثلاثة لأنني أردت أن أرى ان كانوا سيعطونني نفس الإجابة... اتفقوا جميعا على أن درجة تعرضي للإصابة بالسكري عالية."

وبعد معرفة تلك المعلومات انقص وزنه 25 رطلا في نهاية المطاف. لكن كقاعدة هو لا يعتبر هذه الاختبارات مفيدة بشكل خاص.. على الأقل ليس بعد. وقال "لا يمكن إنكار أن تاريخ عائلتك قد يكون أفضل رهان لديك ولا يكلف شيئا."هذا هو الحال في مجال أبحاث الجينوم الوليدة. بحسب رويترز.

يقول بعض الخبراء ان العالم على شفا "عصر ذهبي" لعلم الجينوم حين ستكشف اطلالة على شفرة الحمض النووي الخاصة بك مدى امكانية الاصابة بالسرطان او السكري او أمراض القلب والتكهن بالعقاقير التي ستنجح معك. غير أن مشروع الجينوم البشري العالمي الذي بلغت تكلفته ثلاثة مليارات دولار والذي اكتملت مرحلته الاولى قبل عشر سنوات لم يؤد الى تشخيص او منتج حقق نجاحا مذهلا.

والمؤكد أنه كانت هناك بعض اللمحات المشجعة ومن أمثلتها:

- تحليل دم يستطيع تحديد ما اذا كان السرطان المصاب به المريض انتشر أو عاد. واكتشف الدكتور بيرت فوجلستاين من جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور وزملاؤه أجزاء من الحمض النووي في أورام القولون والثدي تحمل نسخا اضافية من الحمض النووي او كروموسومات مندمجة مع بعضها البعض.

- اختبار قائم على فحص الجينات تجريه شركة جينوميك هيلث يساعد في تحديد مرضى سرطان الثدي الذين من غير المرجح أن يستفيدوا على الاطلاق من العلاج الكيميائي.

لكن كولينز يصف هذه بأنها انجازات سهلة التحقيق. ويقول ان العمل الشاق بدأ لتوه. وأصبح المجال نوعا ما ضحية لما شهده من نجاح.

وتحاول الشركات خفض تكلفة مسح التسلسل الجيني وتتنافس على انتاج الجهاز الذي سيكون موجودا في كل معمل للتكنولوجيا الحيوية كأحد معداته الثابتة لاجراء مسح كامل لتسلسل الجينوم للشخص على الفور. لكن كل هذا المسح لتسلسل الجينوم يخلق ما يصفه المدير الحالي للمعهد الوطني لابحاث الجينوم البشري اريك جرين بأنه "تسونامي المعلومات" التي تنهك عقول العلماء وطاقة أجهزة الكمبيوتر.

والمفارقة أن البشر يملكون جينات فعلية قليلة نسبيا وهي أجزاء الحمض النووي التي توجه الخلية لتنتج البروتين. ولا يملك البشر سوى 20500 منها مقابل ما يصل الى 30 الفا للفئران و50 الفا في الارز. وكانت هذه احدى المفاجات الكبرى من مشروع الجينوم البشري.

نتيجة لذلك تكمن بعض أهم المعلومات فيما اصطلح على تسميته "المناطق اللاجينية" التي تمثل ثلثي الشفرة الوراثية للانسان. وقال كولينز "هناك هذه المادة الداكنة من الجينوم الكامنة في انتظار الكشف عنها."

وبدأ جزء من البحث في مبنى بغرب لندن حيث يصطف متطوعون لكشف أسرارهم الدفينة. وفي حين تبرع كثيرون بالدم من قبل فانهم هذه المرة يتطوعون بحمضهم النووي وسجلاتهم الطبية الماضية والمستقبلية لتجربة هائلة ستتعقبهم حتى الموت.

الجينات الوراثية منشطات المستقبل!

ومن جانب آخر يعتقد عدد من كبار خبراء المنشطات الرياضية بالمعهد العالي للرياضة في مدينة كولونيا الألمانية أن العديد من الرياضيين باتوا يلجئون إلى استخدام  المنشطات الجينية  بدلا من المنشطات الاصطناعية مثل منشط "إيبو" والتي لم تعد تستخدم منذ وقت طويل. ويساهم عقار معين في تنشيط الجينات الوراثية ودفعها لإنتاج هرمون "إيبو" المنشط من خلايا الجسم. ويرى باتريك ديل، خبير المنشطات الجينية، أن الرياضيين الذين تتاح لهم فرصة الحصول على هذا العقار قد يكون أداءهم أفضل بكثير من غيرهم، ولن ينتابهم أي خوف من أن يثبت عليهم تعاطي المنشطات، لأن ذلك غير ممكن.

وفي الأصل تم تطوير هذا العقار لعلاج المرضى الذين يعانون من فقر الدم كي يستعيد الجسم قدرته على إنتاج كريات الدم الحمراء التي تنقل الأكسجين إلى أعضاء الجسم المختلفة. بيد أن باتريك ديل يؤكد على أن شركات الأدوية لا تسمح رسميا بتزويد الرياضيين بهذا العقار، لكنه يقول "بما أن عقارا ممتازا من هذا القبيل لا يزال في مرحلة التطوير المعملي، فإنه يكون هناك دائما أشخاص يبيعونه سرا بأسعار باهظة".

 وكما هو الحال بالنسبة لبروتين مايوستاتين المسؤول عن وقف نمو عضلات الجسم، إذ عند تعطيل الجين الوراثي الذي ينتج هذا البروتين، فإن العضلات تبدأ في النمو بشكل كبير. وهذا تم تجربته على الفئران المعملية التي نمت لها كتل عضلية. ويوضح باتريك ديل بأنه تم تطوير هذا العقار لمعالجة المرضى الذين يعانون من ضعف العضلات أو من ضمورها. وجاءت النتائج الأولية للدراسات الطبية على هذا العقار إيجابية إلى حد كبير بالنسبة للرياضيين المفترض تعاطيهم للمنشطات، إذ لم تثبت أي مضاعفات ضارة بالصحة. وهذا ما يجعل باتريك ديل واثقا من أن بروتين مايوستاتين يمكن أن يلعب دورا كبيرا في مسألة تعاطي المنشطات، ويقول في هذا السياق: "ما عليك إلا أن تكتب كلمة "مايوستاتين" في محرك البحث غوغل، وستفاجأ بالنتائج؛ فالرغبة عليه كبيرة جدا."

وما يقلق باتريك ديل هو عدم اكتراث أحد بأن هذا النوع من المنشطات غير مسموح به، ويستشهد هنا باستطلاعات الرأي العلمية التي توصلت إلى أن 80 في المائة من الرياضيين لن يترددوا في تناول أي مادة منشطة تضمن لهم الفوز في الألعاب الأولمبية القادمة، رغم علمهم بأن ذلك قد يسرع وفاتهم بعشر سنوات.

هل النزعة الإنسانية وراثية؟

ويبدو أن الاستعداد الفطري لدى بعض المخلوقات مثل النمل والنحل للتضحية بحياتها في سبيل سلامة المستعمرة التي تنتمي إليها يتحدى نظرية داروين الخاصة بالبقاء للأصلح، حسب ما أشار إليه باحثان من المملكة المتحدة في تقرير جديد عن أصل الإيثار في علم الوراثة. وجاء في ورقة البحث الصادرة عنهما "إذا كان الإيثار يحد من إمكانيات تكاثر الكائنات التي تتصف به، فلماذا لا تتعرض تلك المخلوقات للاندثار طبقا لنظرية الانتقاء الطبيعي"؟

ويرى الباحثان أن الحشرات التي تضحي بحياتها دفاعاً عن المخزون الغذائي للمستعمرة والأعضاء غير القادرين على الإنجاب الذين يعملون بكد في مجتمعات الحشرات يعدون من "أشد المخلوقات إيثارا". وبما أن هناك صلة قرابة بين جميع أعضاء مستعمرات الحشرات، استخلص الباحثان أن الحشرات التي تتصف بالإيثار تساهم في تعزيز فرص تمرير جيناتها، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عبر نكران ذاتها والحرص على استمرار ونمو العش الذي تنتمي إليه.

من هذا المنطلق، يتساءل الكاتبان عما إذا كان الإيثار الذي يتصف به العاملون في المجال الإنساني يشكل صفة مبرمجة وراثيا تهدف للحفاظ على الخلية الإنسانية في العالم؟ ويرد عليهما عامل إغاثة طلب عدم الإفصاح عن اسمه، يعمل في الميدان منذ عدة عقود، قائلا:"عندما يتساءل المرء عما إذا كانت النزعة الإنسانية وراثية فإنه يفترض أن العمل الإنساني مرتبط بالإيثار، وهو ما لا ينطبق، حسب اعتقادي، على جميع عمال الإغاثة بأي حال من الأحوال". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وفي هذا السياق، أوضح ستيوارت ويست، أحد مؤلفي التقرير، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن علم الوراثة لا يمكن أن يفسر كل السلوكيات، "فهناك على ما يبدو بعض الأدلة على أن الجينات تؤثر تأثيرا مباشرا على مستوى الاستعداد للمساعدة لدى البشر. ولكن تأثير ذلك يبقى ضئيلا مقارنة بغيره من العوامل الأخرى مثل الظروف البيئية والسلوكيات المكتسبة".

الخريطة الجينية للأفارقة تكشف عن أسرار العمر

ويؤكد بحث تفصيلي عن العوامل الوراثية أن للافارقة تنوعا وراثيا أكبر من الاوروبيين أو الاسيويين ويكشف عن معلومات مفيدة عن العمر المديد على الرغم من المرض والمجاعة.

ووضع باحثون الخرائط الوراثية الكاملة لخمسة من منطقة الجنوب الافريقي ممن تجاوزوا سن الثمانين هم كبير الاساقفة ديزموند توتو من جنوب افريقيا وأربعة من السكان الاصليين في ناميبيا.

وقالت الدكتورة فانيسا هيز من جامعة نيو ساوث ويلز في استراليا التي شاركت في الدراسة في عدد دورية (نيتشرNature) العلمية ليوم الخميس "رصدنا في المتوسط الكثير من الاختلافات الجينية بين اثنين من مواطني (ناميبيا) أكثر مما يوجد بين مواطن أوروبي واخر اسيوي. "يقدم لنا هذا البحث الان أدوات لقراءة قصة تطور الانسان وخاصة قصة تطور المرض."ويعرف علماء الوراثة جيدا منذ فترة طويلة أنه فيما يخص الحمض النووي لا وجود لعامل العرق.

كما أنهم يعلمون أن افريقيا مصدر كل البشر في العصر الحديث لديها تنوع جيني أكبر. وربما يرجع هذا الى أن الكثير من الشعوب المختلفة بقت هناك وتطورت هناك في حين أن الاوروبيين والاسيويين وغيرهم انحدروا من أعداد أصغر هاجرت من القارة.

وقال ويب ميلر من جامعة بنسلفانيا "لمعرفة كيف تؤثر الجينات على الصحة علينا أن نرى المجموعة الكاملة من التنوع الوراثي البشري وجنوب القارة الافريقية هو المكان الصحيح للبحث."

وأجرى الفريق بحثه على عدد من أكبر الافارقة سنا وأقدمهم من حيث الجذور الوراثية. وكبير الاساقفة توتو من البانتو في حين أن الاربعة الاخرين من السكان الاصليين جميعهم من مجتمعات تعتمد على الصيد وجمع الثمار في صحراء كالهاري بناميبيا.

العوامل الوراثية وراء غزو الشيب للشعر

ومن جانب آخر وجدت دراسة طيبة أن العوامل المورثة في المرأة وليس نمط حياتها كطبيعة الغذاء الذي تتناوله أو الضغوط العصبية التي تتعرض لها هي السبب وراء تسلل الشيب إلى شعرها.

ودرس الباحثون في مؤسسة يونيليفر برئاسة الدكتور دافيد جان أكثر من 200 من التوائم المتماثلة وغير المتماثلة في هولندا تتراوح أعمارهن بين 59 ـ 81 عاما.

ووجد هؤلاء أنه لا فرق هناك في نسبة الإصابة بالشيب في التوائم المتماثلة التي يوجد بها نفس العوامل المورثة. فيما وجدوا فروقا أكبر في التوائم غير المتماثلة حيث تختلف العوامل المورثة. كما وجدت الدراسة أن تساقط الشعر يرتبط أصلا بالعوامل الوراثية. إلا أنها أشارت إلى أن سقوط الشعر من أعلى الرأس له صلة بالعوامل البيئية ونمط الحياة.

وتقول نينا جود من الرابطة البريطانية لإخصائيي الأمراض الجلدية إن دراسات سابقة أيضا لم تجد عوامل بيئية محددة في حياة الأشخاص الذين غزا الشيب شعرهم قبل أقاربهم.

وتضيف إن هذا يعني أن غزو الشيب للشعر بالنسبة لأغلبية الناس ليس بسبب شيء ما فعلوه، وإنما لعوامل وراثية خارجة عن إرادتهم، وإن نمط الحياة لن يؤثر كثيرا على الفترة التي سيفقد فيها الشعر لونه.غير أن جود تشير إلى أنه لكل قاعدة استثناء بالطبع .

ويوافق دكتور دافيد فيشر من معهد دانا فابر لأمراض السرطان والذي قام بدراسات حول الإصابة بالشيب على أن العوامل الوراثية ربما تلعب دورا رئيسيا في التحكم في فقدان الشعر للونه. إلا أنه يضيف بأن هناك دلائل على أن التعرض لبعض المواد الكيماوية قد ينشط عملية الشيب.

جينوم الطائر المغرّد واضطرابات النطق لدى الإنسان!

وللمرة الاولى تمكن علماء من فك الشفرة الجينية لطائر مغرد وتعرفوا على أكثر من 800 جين لهم صلة بتعلم الغناء وذلك في اكتشاف ربما يلقي الضوء على الاضطرابات في النطق والتحدث لدى الانسان.

وتتعلم عصافير الزيبرا الصغيرة الغناء عمليا بالطريقة نفسها التي يتعلم بها الاطفال من بني البشر التحدث -- عن طريق تقليد اقرانهم الاكبر سنا-- وهو ما يعني ان الطائر الصغير هو مثال جيد لفهم كيفية تعلم البشر وذاكرتهم. بحسب رويترز.

وقال كريس بونتينج الاستاذ في وحدة علم الجينوم الوظيفي في مجلس البحوث الطبية بجامعة اوكسفورد الذي اشترك في البحث "تعلم الغناء هو نموذج ممتاز لجميع انواع التعلم."

واضاف قائلا لرويترز "هناك تجارب يمكن ان تجرى تقدم معلومات على الفور بشأن التغيرات التي تحدث في خلايا المخ اثناء تعلم اغنية. ويقدم جينوم عصفور الزيبرا اداة تتيح هذا الاستكشاف."

وعصفور الزيبرا الاسترالي الذي يزن اقل من نصف اوقية (14 جراما) هو ثاني طائر فقط يتم وضع الخريطة الجينية له بعد الدجاجة في 2004.

وصغار العصافير - مثل اطفال بني البشر - تبدأ باصدار اصوات غير مفهومة قبل ان يتعلم صغار الذكور تقليد غناء اباءهم وفي النهاية ينقلونه الى الجيل التالي.

ولانها تتعلم بمثل هذه الطريقة التي يمكن توقعها والكثير من جيناتها توجد ايضا في البشر فان العصافير يمكن ان تقدم نافذة على اسباب اضطرابات التحدث مثل مرض التوحد (اوتيزم) والجلطات والتهتهة ومرض باركنسونز (الشلل الرعاش).

وقال فريق من العلماء الدوليين يقوده ويس وارين من مركز خرائط الجينوم بجامعة واشنطن في دورية نيتشر يوم الاربعاء ان هذا يجعل من جينوم عصفور الزيبرا "مثيلا فريدا لعلم الخلايا العصبية البشرية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/نيسان/2010 - 3/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م