الأحزاب السياسية بين الأرباح الآنية والثمار المستقبلية

علي حسين عبيد/النبأ

 

شبكة النبأ: تنشط الأحزاب السياسية وتفعّل دورها من اجل تحقيق حزمة من الاهداف المادية والمعنوية كي تدعم كيانها ووجودها من خلال تحقيقها لهذه الاهداف او بعضها، وهي أهداف متنوعة تتوزع على الجانبين المادي والمعنوي، وقد غاب دور الاحزاب في الساحة العراقية في ظل الحكومات الجمهورية السابقة واقتصر على الشكل (الكارتوني) غير الفاعل بسبب سيطرة الحزب الواحد والقائد الاوحد على مقاليد الامور وتوظيفها لصالحه وتحجيم الفعل الجوهري للأحزاب.

وحين فتحت الساحة السياسية في العراق ذراعيها لجميع الاحزاب والانشطة السياسية المتنوعة بعد نيسان 2003 نشطت الاحزاب الراسخة واستجدت احزاب أخرى كثيرة في الساحة حتى بلغت العشرات، وتسابق الجميع من اجل الدخول في المعترك السياسي والمشاركة في الحكم تحت دوافع متعددة ربما كان الدافع المادي يقف في المقدمة منها، ولا ضير في ذلك، لكن الهدف الاسمى للحزب السياسي ينبغي أن يصب في المصلحة الأشمل التي تمتد الى عموم الشعب.

ومع هذا الانفتاح الواسع للعمل في المجال السياسي في العراق وغياب سطوة التحجيم والتكميم وما شابه، بدأ نوع آخر من الصراع بين الاحزاب، فبعد أن كان الحزب الواحد يتحكم بكل بشيء ويحد من تطلعات الاحزاب الاخرى ويحدد لها ادوارها الشكلية المصممة سلفا، صار بمقدور جميع الاحزاب أن تتحرك وفقا لقدراتها وامكاناتها في الفكر والاقناع والتطبيق وما شابه، بيد أن المشكلة الجديدة سوف تتمثل بحالة التسرع في الحصول على المكاسب لاسيما المادية منها ونسيان الهدف الاهم والأبعد والتعامل مع الاحداث والوقائع بنظرة محدودة تفضل المكاسب الآنية السريعة على المكاسب الحقيقية التي ينطوي عليها المستقبل الأبعد.

بكلمة أوضح أن أحزاب اليوم وضعت مصالحها المادية الآنية فوق أي اعتبار آخر، الأمر الذي ضاعف من حدة الصراع بينها ليس من اجل تحقيق الاهداف الاستراتيجية بالدرجة الاولى وانما من اجل ضمان مكاسبها السريعة على حساب الآخرين، وقد أدى هذا السلوك والتوجه شبه العام الى إفراز مجموعة من التعاملات المتبادلة بين الاحزاب تقوم على المصلحة الآنية قبل أي شيء آخر، الأمر الذي أفرز بدوره مجموعة من الهواجس والافعال الضارة التي أزمّت الساحة السياسية في كثير من الاوقات وعكست الأخطاء التي تتسم بها أنشطة الاحزاب في الساحة.

ومن هذه الهواجس - مثلا- نشوء وتطور حس التآمر المتبادل، ثم الاندفاع القوي والسريع لتحصيل الفوائد المادية الكبيرة على حساب الفوائد المستقبلية الأكبر، عملا بالقاعدة التي تحث على ضمان الفائدة الآنية على حساب أي شيء آخر لا يتحقق آنيا، لكن الملفت للنظر هو غياب التصوّر العلمي الصحيح لدى معظم هذه الاحزاب بسبب اللهاث الآني وراء المصالح ونسيان او التغاضي عن المصالح المستقبلية الأكبر، من دون التنبّه الى أن التحصيل الآني للفائدة سيأتي على حساب ما هو أكبر ممثلا بترسيخ جذور الحزب وأفكاره واهدافه وقناعاته في تربة الشعب ومن ثم تفضيله على غيره من الاحزاب على الدوام وهذا يمثل الهدف الأهم لأي حزب سياسي لا يفضّل المصلحة الآنية على الاستراتيجية.

لهذا ينبغي أن تتمتع هذه الاحزاب لاسيما قادتها وكوادرها في التنظير والتخطيط وما شابه بنظرة صحيحة لمجريات الواقع ومؤثثات المستقبل القادم وأن تضع الفائدة الأبعد والأهم هدفا لها مقابل المصلحة الآنية التي تقود في الغالب الى احتداد الصراع وتصاعده مع الآخرين ومن ثم فقدان الثقة المتبادلة والتعامل وفقا لهاجس المؤامرة الذي يؤزّم الامور في الغالب.

من هنا ثمة حاجة الى بعض الشروط والاتفاقات المبدئية التي يمكن أن تكون بديلا لهذه النظرة والسلوك المتسرع للاحزاب السياسية والتعامل المتبادل بينها على أسس تمتّن العلاقات المتبادلة وتضع لها ركائز قوية وراسخة تقوم على:

- تفعيل مبدأ المشاركة في صنع القرار وإدارة البلاد وعدم التفريط بهذا المبدأ تحت ضغط المصالح الآنية المذكورة أعلاه.     

- الابتعاد عن النظرة الضيقة لمجريات الامور وعدم حصرها بالواقع الراهن والانفتاح نحو آفاق المستقبل وتحديد متطلباته والعمل على انجازها وفق مبدأ التشارك والحس الجماعي بديلا للتوجه الفردي الإقصائي.

- التخلي تماما عن سوء الظن بالآخرين واعتماد مبدأ الثقة في التعامل بين ومع الجميع.

- الإنتباه دائما الى عدم إعادة الامور الى أجواء التفرد والتهميش والاقصاء، والتعامل مع الوقائع الجديدة بروح معاصرة متفائلة يمكنها التعاطي مع الجميع من دون احكام مسبقة.

- تحييد هاجس التخوّف من الآخر من خلال مد جسور التلاقي والتحادث والتشاور المتبادل وتطمين الآخر على مصالحه.

- الإيمان المطلق والجوهري بحق الجميع في بناء الحياة العراقية الجديدة من خلال إشاعة روح التسامح والثقة واحترام الرأي والتنوع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/نيسان/2010 - 3/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م