إنعكاس الأساليب التربوية على الاطفال

 

شبكة النبأ: هل يمكن أن يكون السلوك الخاطئ متوارثاً ؟ بمعنى آخر ما هو السبب الذي يقف وراء السلوكيات والاعمال الخاطئة التي تبدر من هذا الانسان او ذاك ؟ هل هو وراثي أم مكتسَب ؟ يجيب معظم المختصين في هذا المجال بأن الاسباب تتوزع على حقلي الوراثة والاكتساب، بيد أن التأثير الاكتسابي أكثر خطورة من الوراثي الذي يمكن تذليله او تحييده من خلال التمرين والتعليم وما شابه.

هنا لابد من الاشارة الى أن بعض المربين لاسيما الآباء والامهات يظنون بأن دورهم لا يتجاوز ادارة الشؤون البيتية وتوفير مستلزمات العيش لاطفالهم، وينتهي الامر لديهم عند هذا الحد، أي أن كثيرين منهم يحصر دوره في الجانب المادي المتمثل بتوفير الطعام والملبس والسكن من دون النظر الى جانب آخر يوازي أهمية الجانب المادي وهو الجانب التربوي الذي عادة ما يكتسبه الصغار من محيطهم الذي ينشطون فيه إبتداء من العائلة صعودا الى الروضة ثم المدرسة الابتدائية وهكذا...

واذا كان كلامنا هذا معروفا ويتفق عليه المعنيون، فإنه  يدل على ضعف الوعي لدى هؤلاء الآباء والامهات وعدم معرفة الادوار المناطة بهم، ولعل ذلك ناجم عن قلة اطلاعهم على أهمية دورهم وعظم مسؤولياتهم تجاه النشء الجديد وهم اطفالهم الذين يتعلمون على أيديهم ألف باء الحياة، ناهيك عن ضعف تصوراتهم ومواهبهم التربوية  التي تحصر نفسها في جانب واحد، وتنسى جوانب اخرى ذات اهمية قصوى.

بمعنى أن المربي الذي لا ينجح في توصيل قدراته وتجاربه الصحيحة الى الطفل الذي ينظر اليه كنموذج، لابد أنه يعاني من نقطة ضعف في هذا المجال، وكثيرا ما تتمثل بعدم الشعور بالمسؤولية ازاء الاطفال وترك الامور على عواهنا والانشغال بما لا يجدي نفعا في اعداد الجيل اللائق بمواصلة الرحلة البشرية على النحو الأفضل وهو هدف إنساني لا يجوز التغاضي عنه او اهماله، وقد ينسى الابوان ان الطفل يحاول أن يكون نسخة منهما، بل غالبا ما يعتقد الطفل بأن أباه هو الرجل الافضل في العالم، كذلك البنت الصغيرة التي ترى في امها اعظم امرأة في العالم، حتى لو كانت هذه الصورة مشوشة او لا تتقارب مع الحقيقة، لذا ستنتقل مواصفات الابوين الى اطفالهما على نحو شبه متكامل وهنا مكمن الخطورة.

أي لابد أن تكون الام فعلا هي المرأة النموذجية قولا وفعلا وكذا بالنسبة للأب، لأن الامر اذا جاء خلافا لهذا التصور ستنتج عنه مشكلة تربوية قد تلازم الاطفال حتى أواخر أعمارهم، بكلمة أكثر وضوحا، إذا كان سلوك الاب وقوله ينم عن الشر فإنه سينتقل الى الابن الطفل وربما يستمر معه طيلة حياته والامر نفسه يمكن أن يحدث مع البنت الصغيرة، والعكس يصح بطبيعة الحال.

بمعنى إذا كان النموذج الابوي ينتمي الى الخير فإن الابناء سينتمون الى الخير بلا تردد او توقع لنتيجة مغايرة كون هذا السلوك وحتى الاقوال تنغرس في نفوسهم ومن ثم تظهر في افعالهم بمختلف انواعها، ولعل مثل هذا الحرص للارتقاء بتربية  الاطفال ينم عن شعور لا متناهي بالمسؤولية الملقاة على عاتق المربي أبا أو أما أو غيرهما، لاسيما اذا كان يشكل النموذج الامثل للصغار في أفعاله وأقواله وأفكاره وطبيعة سلوكه ونشاطه في المحيط الأصغر (العائلة) والمحيط الأكبر خارجها.

لهذا يتطلب الامر أن يهتم الآباء والامهات بتربية أنفسهم اولا لأن تربية النفس وتهذيبها وتقويتها وتطويرها تعتبر عنصر قوة مضافة للعائلة اولا ومن ثم للمجتمع ككل، وأن لايتم التعامل مع امور الحياة بعشوائية تنم عن لامبالاة مقيتة، إذ أن الكثير من المسؤولين عن تربية النشء يحصرون جهدهم في توفير الجانب المادي فقط، وهم يعتقدون أن المال سيحل كل المشاكل التي قد تواجه اطفالهم، لكن الوقائع القائمة تشير الى ان المال وكثرته غالبا ما يفسد تربية الاطفال، لاسيما اذا كان التركيز عليه كبيرا مقابل الاهمال التام للجانب المعنوي المتمثل بتعميق المبادئ والاخلاق والمثل في نفوس الاطفال منذ اوائل نشأتهم.

كما أن هناك فرق واسع قد لا يتنبّه عليه الابوان يتمثل بين القول والفعل، بمعنى أن الطفل حين يسمع من أبيه أقوالا منمقة مثيرة وجيدة ومشبعة بالفضيلة والاخلاق وغيرها من المعاني والمضامين الجيدة فإنه (الطفل) لايكتفي بالاقوال وحدها بل يريد أن يرى هذا القول الجيد مجسدا على الارض، ولهذا على الآباء والامهات التنبّه الى إقران القول الجيد بالعمل الأجود، كي يؤمن الطفل بما يسمعه منهما من كلمات مؤثرة وجميلة، أما حين يحدث العكس (وهذا ممكن ووارد) أي حين يحدث تناقض بين القول والعمل هنا تكمن الطامة الكبرى، حيث تنشأ الشخصية المرائية المنافقة في أعماق الطفل (ولدا أو بنتا) وتنمو لتصبح داء وخطرا على نفسها وعلى غيرها في آن واحد، مما قد تتعد هذه الشخصيات السلبية في داخل العائلة الوائدة تحت عامل التأثير المتبادل بحكم العيش في وسط عائلي واحد.

إذن فالكلام مهما بلغ فحواه من العلو والكمال والصحة، فإن تحقيقه على أرض الواقع سيكون شرطا للقبول به، وهو ما ينبغي أن يتنبّه إليه ويعمل عليه الأبوان، لأننا نقر جميعا بحتمية إنعكاس أفعال وأقوال الآباء والامهات على أطفالهما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/نيسان/2010 - 29/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م