الباحث والقاص حسن عبيد في حوار مع النبأ:

 أضمِّن القصة ما لا استطيع تضمينه في البحث التاريخي

حاورته: انتصار ياس خضير

 

شبكة النبأ: الأديب حسن عبيد أكمل الدراسة الإعدادية الفرع الأدبي في قضاء الهندية في زمن تألقت فيه أوجه الثقافة والأدب والصحافة في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات وابتدأ شاعرا شابا اعتلى منصة إعدادية الهندية للبنين في مناسبات عديدة ووضع قدمه على بداية طريق الأدب والثقافة.

لم تغير الحياة العسكرية من عذوبة قلم الأديب حسن عبيد ولم تبعده عن طموحاته في كتابة القصة والروية رغم حصوله على ماجستير في العلوم العسكرية وتواجده في مواجهات عسكرية عديدة.

كتب حسن عن التآمر اليهودي على بلاد الرافدين وعن قصة استعمال الأمريكان لليورانيوم المنضب في العراق وآثاره وعاد مرة أخرى للقص فكانت قصة (كلاب) التي فازت بالجائزة الثالثة للقصة في العراق، ومازال يواصل طريق الإبداع الأدبي والتاريخي الذي دعانا للتوجه إليه والحوار معه:

* ما هي قصة تحولك من التاريخ إلى القصة والرواية؟

- ليس ثمة تحولات فانا مازلت اشتغل في مجال البحث التاريخي بدليل أنني الآن طالب في مرحلة الماجستير (تاريخ إسلامي) وأنا انهي رسالتي  لنيل الشهادة واطمح إلى أن أتقدم إلى مرحلة الدكتوراه؟

أما أن اكتب بضع قصص قصيرة ورواية فهذا ليس معناه طلاقاً مع البحث التاريخي بقدر ماهو توظيف لأفكار بأسلوب مختلف.. فالتاريخ بحث فيما مضى أما القصة فهي تعبير عن الواقع والطموح.

* هناك من يقول إن حسن عبيد عيسى لم يبتعد كثيراً في  أسلوبه البحثي والتوثيقي وهو يكتب قصة (كلاب) فماذا تقول؟

- أذكرك إنني قلت في إجابتي السابقة باني أرى في القصص تعبيرا عن الواقع والطموح.. واقعنا الراهن كمجتمع عراقي عصيب ويحتاج الى من يتصدى له بأي من الأساليب الأدبية ثم ما عيب ان تكون القصة وثيقة تحمل سمات مرحلة معينة؟..هل من ينكر إن أدب نجيب محفوظ يعبر عن حقبة الحرب العالمية الثانية وهو توثيق تصويري أدبي لطبيعة الحياة التي يعيشها المجتمع العربي.

* هل تستعين بالقصة على السرد  التاريخي أم العكس؟

- طالما اشتمل النص القصصي على شروط القصة واندرج تحت جنسها فما العيب في أن نظمنها صورا من الواقع.. أنت ألممت بما احمل من أفكار عن هذا الأمر من خلال إجابتي آنفا ولكن أن يكون العكس هذا مالا افهمه إلا إذا كنت تقصدين إنني أوظف أسلوبي الأدبي في كتابة التاريخ فافعل نعم هذا صحيح.. بدليل إن الأستاذة التي تشرف على رسالة الماجستير التي أعدها اعترفت لي في الأسبوع المنصرم أنها تعاني كثيرا من أسلوبي الأدبي في الكتابة التاريخية وانه يتعبها وكانت تكتب لي ملاحظات تطلب مني التخفيف من هذا الأسلوب.. وهو أمر غير ممكن طبعا.

*ما هي قصة الضابط العسكري مع الأدب القصصي؟

- دعيني أتساءل بدءا مالفرق بين الضابط وغيره من أفراد الشرائح الاجتماعية الأخرى؟. أرى إن الأخرى بالعكس ازعم إن الضابط العسكري ينطوي على خبرات عملية وتجارب حياتية هائلة مخضبة بالدم والعرق.. وهو مراقب لعشرات ألاف من الجنود الذين يعملون بإمرته طيلة خدمته.. وان مثل واحد من هؤلاء بسبب ظروف الحياة العسكرية الصعبة قصصا ووثائق تصلح للاستثمار الأدبي على ان الضابط يملك من الخزين أكثر من غيره في هذا المجال إما إذا ما انطوى على موهبة في مجال الكتابة فيستطيع ان يصير قاصا تتحدد جودته بمدى قدرته على توظيف خزينة من الحوادث تلك.

* هل تنوي توثيق الإحداث العسكرية التي مررت بها كقصص أو روايات أو بحوث تاريخية أم إن هناك نية لنقلة سردية بنوع التأويل؟

- الضابط أساسا مشروع كتب إن توفرت فيه الرغبة والموهبة لما يمتلك من خزين للحوادث، ولا أنكر إنني استثمرت بعضا من خزيني الخاص بدليل إني الآن أعكف على كتابة قصة أملاها عليّ وقت انتظار قرب احد الحواجز الأمريكية ومراقبتي للجنود الأمريكان استحضرت خلال تلك المراقبة واقعة مشابهة حصلت لأحد زملائي عندما كنا طلابا في الكلية العسكرية، فولدت فكرة القصة... وانا الآن على وشك الانتهاء منها..

إما مسالة توثيق الإحداث العسكرية فأنني اضمن القصة ما لا استطيع تضمينه البحث التاريخي، بدليل إنني أول من بحث ظاهرة المرتزقة في العراق بدراسة نشرتها في مجلة المستقبل العربي وأعدت نشرها في موقع (ميدل ايست اونلاين).. مثل هذا الأمر يتحتم إن يوثق بطريقة البحث التاريخي، ولكن حادثا عابرا كمداهمة او تصرف معين لا يتحمل تحويله الى بحث تاريخي يمكن ان تكاملت بعض عناصر القصة فيه ان يصاغ بطريقة النص القصصي

* ما هي مشاريعك الجديدة وماهي مواضيع تلك المشاريع؟

- مشاريعي المستقبلية متوقفة الآن بسبب انهماكي في إعداد رسالة الماجستير في التاريخ وهي الآن  مجرد ملاحظات على قصاصات ورقية.. وطالما هي ملاحظات فلا يليق الإفصاح عنها.

* هناك من يقول  أيضا إن تحولك من مؤرخ وباحث إلى قاص بسبب كونك تبحث عن الشهرة فما مدى صحة ذلك؟

- ماهنت الأدب قبل إن اشتغل في البحث التاريخي وإنني منتمِ إلى اتحاد الأدباء قبل إن انتمي إلى اتحاد المؤرخين بعشر سنين.. لا بل إنني مذ كنت طالبا في السادس الابتدائي كنت خطيب  المدرسة، وكنت في المتوسطة والثانوية احصد جوائز المسابقات الأدبية في مجال الخطابة. أليست الخطابة جنسا أدبيا؟ كل ذلك ولما أزاول البحث في التاريخ.. ثم إنني عندما كتبت قصتي الأولى (انقلاب) عام 2006 دفعتها إلى مجلة (الأقلام) فنشرت في العدد الخامس لسنة 2007، فما معنى إن تنشر مجلة أقلام وهي المجلة الأدبية الأرقى في العراق قصة لمبتدئ إن لم تكن القصة نفسها مشتملة على اشتراطات القص اللائق بالنشر في تلك المجلة.

وبعدها كتبت قصتي الثانية (رواقه) التي نشرت في مجلة أقلام أيضا في العدد الرابع لسنة 2008، ولديّ قصة بعنوان (صدمة) مقبولة للنشر في المجلة الأم لاتحاد الكتاب العرب في دمشق، قصة (كلاب) التي أشرت إليها في سؤال سابق فازت بإحدى جوائز الابداع لدار الشؤون الثقافية لعام 2009.. بمعنى إن نصوصي مشتملة على اشتراطات القص الذي ازعم انه يرقى الى مستوى الابداع فهل أنا الذي بحثت عن الشهرة؟ بالتأكيد الشهرة هي التي كانت تبحث عن تلك النصوص وإلا ماذا تسمين أن تنشر القصة الاولى لمبتدئ في أرقى مجلة أدبية وبماذا تفسرين فوز قصتي بجائزة الابداع.. أنا افسره من جانبي بأن فيّ جانب لم أكن قد استثمرته وعندما فكرتُ في استثماره وهذا حق مشروع اشتهر انه لم يؤمن لي الشهرة فانا اعتقد إن كتابي (التآمر اليهودي على بلاد الرافدين) الذي طبعه بيت الحكمة عام 2002 كفيل بتحقيق الشهرة المنشودة إن كنت انشد شهرة.. مع استحضار الاشتراطات الصعبة والشديدة التي يشترطها بيت الحكمة في ذلك التاريخ لنشر المؤلفات..

* كيف تقيم الحركة الأدبية والثقافية في قضاء الهندية؟ هناك من يقول أن ثقافة هذه المدينة تتداول بين النخبة والنخبة، وليس هناك تواصل مع الشارع؟

- أنتِ حاضرة في احتفالية مجلس السلم والتضامن في الهندية التي أقيمت يوم 27/2/2008 عندما ألقيت مداخلتي وقلت فيها أن عدد المكتبات التي تبيع الكتب والصحف والمجلات في هذه المدينة 4-5، في نهاية الستينات وبداية السبعينات والعدد الان هو (صفر) فالأمر الآن مقتصر على كشكين لبيع الصحف اليومية.. إذن فالثقافة أساسا تراجعت تراجعا مروعا أما بخصوص النخبة فهي تلك الفئة التي حافظت على الواقع الثقافي في المدينة وهي متعطشة الى أي نشاط ثقافي يمكن تحقيقه بدليل أن منتدى الأربعاء الذي أسسه الأستاذ المهندس حسن الاسدي استقطب كل الوجوه الثقافية في المدينة ولم يكن الحضور مقتصراً على النخبة التي كانت مواظبة على الحضور حتى أغلق  المنتدى أبوابه بسبب سفر مؤسسه، وكان كثيرا من الناس المحدودي الثقافة يحضرون، وهذا أمر  يفرح ما تسميهم النخبة..

ثم إن تناول المجلس العراقي للسلم والتضامن المهمة تلك ومشروعه في إعداد برنامج ثقافي أتاح للجميع فرصة الاغتراف.. اذا نحن سواء في مسعانا ضمن منتدى الأربعاء.. او ضمن نشاطات المجلس العراقي للسلم والتضامن نحاول مع الزملاء الآخرين استقطاب اكبر  قدر ممكن من الناس بمختلف الدرجات الثقافية (ان صح هذا المصطلح) بهدف التأسيس لقاعدة ثقافية علينا ان نعيد الواقع الثقافي الزاهر لهذه المدينة التي كانت تباع فيها الكتب والمجلات بكميات وافرة عندما كان سكانها عُشر ما هم عليه الآن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/نيسان/2010 - 27/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م