في ذكرى الشهادة وسقوط الصنم

نتذكر الثمن لنحافظ على الامانة

نزار حيدر

ان تزامن يوم سقوط الصنم مع ذكرى الشهيد لم يكن اعتباطا ابدا، فبعد (23) عاما من اعدام الشهيد الصدر، شهد العالم وفي نفس اليوم تحديدا (9 نيسان) انتقام الله تعالى لعبده الصالح من اعتى طاغية متجبر حكم بلاد الرافدين بالحديد والنار، فقتل الفقهاء والمفكرين من امثال الشهيد الصدر واغتال المراجع والعلماء من امثال الشهداء الصدر الثاني والسيد حسن الشيرازي في بيروت والسيد مهدي الحكيم في السودان، بل انه لم يتورع حتى عن قتل العلماء كبار السن كالشهداء السيد قاسم شبر والسيد صادق القزويني اللذان ذرفا على المئة والسيد طاهر الحيدري الذي ذرف على الثمانين.

لقد اقام الطاغية الذليل صدام حسين دعائم سلطته المتجبرة على جماجم الابرياء وانهار الدماء الطاهرة، التي اريقت في سجونه ومعتقلاته المظلمة وفي المقابر الجماعية وفي حلبجة والانفال وفي حروبه العبثية، حتى لقد صدق قول الشاعر على حال العراق وشعبه الابي على مدى اكثر من ثلاثين عاما من حكمه، والذي يقول فيه:

            على كل عود صاحب وخليل               وفي كل بيت رنة وعويل

ان شهداء العراق بدرجة واحدة عند الله تعالى لا نميز بينهم، فهم احياء في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ولكن عندما يكون الشهيد فقيها ومرجعا وباحثا ومفكرا وكاتبا وزعيما حركيا وقائدا سياسيا واخيرا مقاوما شهيدا، كالشهيد السيد محمد باقر الصدر فانه يكون بمنزلة خاصة، اولم يقل رسول الله (ص) {مداد العلماء افضل من دماء الشهداء}؟ فما بالك لو كان هذا العالم شهيدا في سبيل الله تعالى؟.

ان من مميزات الشهيد الصدر انه كان رجل مسؤولية اللحظة، اذا جاز التعبير، بمعنى انه كان يتحمل مسؤولية تحديات المرحلة ولذلك فعندما كتب انما كان يكتب لمواجهة تحدي المرحلة، وعندما كان يتحدث او يخطط انما كان يخطط لمواجهة تحديات المرحلة، فهو لم يكن يعيش خارج الزمن كما يفعل الكثيرون من الكتاب والباحثين ممن ينشغلون ويكتبون ويبحثون خارج الزمن وبالتالي بعيدا عن تحديات المرحلة، لان الانتاج عند الشهيد الصدر لم يكن عبثا او لهوا ليكتب بما يلهو به او بما يقضي به وقته، ابدا، ولذلك فهو عندما كتب (فلسفتنا واقتصادنا) عام (1958) كان يواجه بهما تحديا فكريا وثقافيا غريب عن فكر الامة وثقافتها ومعتقداتها ومتبنياتها، والذي كان يمثله المد اليساري المنحرف الذي حاول وقتها خداع الشعب بعبارات منمقة وشعارات جميلة اسالت لعاب الكثير من المغفلين، ليكتشفوا فيما بعد انهم ضحايا خداع فكر منحرف لا اساس له من الصحة.

وهكذا هي كتابات وبحوث الشهيد الصدر التي لم يكن اي واحد منها خارج الزمن وبلا رسالة تحدي.

حتى اذا تطلب التحدي الاستعداد للشهادة، كما كان يقول لتلامذته في العام 1979 و 1980 ايام قمة التحدي بينه وبين الطاغية المتجبر، بانه يرى ان الشعب العراقي والامة بحاجة الى دم كدم الحسين عليه السلام لتستفيق وتنهض، وعندما كان يسال، بضم الياء، عمن سيكون صاحب هذا الدم كان يجيب بانه دمه، فهو الذي سيراق دمه ويستشهد من اجل ان يسقي شجرة الاسلام والحرية والكرامة والاستقلال، ليحيى الشعب العراقي حرا كريما.

انه لم يقل بانه مفكر لا ينبغي ان يقتل لان الامة بحاجة اليه، او انه مرجع يحتاجه المقلدون، او انه فقيه يجب ان يحافظ على حياته ليواصل اصدار الفتاوى الدينية، ابدا، كما انه لم يكن ليحرض غيره على الفعل المطلوب للمرحلة، ليجلس هو في داره في مامن من المواجهة وتحديات المرحلة، ينظر في فراغ ويتحدث في لهو، وينشغل بكل ما هو خارج حاجات الزمان والمكان، بل انه كان رجل الموقف في اللحظة الحاسمة التي استشهد فيها فتفجرت الثورة ضد الطغيان، فلولا دمه ودم الشهداء الابرار من العراقيين والعراقيات، لما شهدنا تحقق الانتقام الالهي الذي افضى الى اسقاط الطاغية ونظامه الدموي، ليبدا العراقيون منذ التاسع من نيسان عام 2003 رحلة بناء العراق الجديد القائم على اساس التعددية ومبدا التداول السلمي للسلطة، باعتماد ادوات الديمقراطية والتي تقف على راسها صندوق الاقتراع الذي يحتكم اليه كل الفرقاء، والذي يتحكم باتجاهاته الناخب العراقي حصرا.

ان الذي سقط في التاسع من نيسان عام 2003 هو الديكتاتور الذي سام العباد الذل والهوان، فاذاقه الله تعالى طعم الذل والهوان عندما شاهده العالم اجمع في تلك اللحظة النادرة من عمر البشرية وهو بتلك الصورة المرعبة فاغرا فاه كالبقرة بين يدي الطبيب البيطري، وفي هذا اليوم سقط الصنم الذي دمر البلاد واضاع خيراتها، وفي هذا اليوم اعاد العراقيون حريتهم وتخلصوا من الديكتاتورية ليبداوا ببناء النظام الديمقراطي، اما الذي يتصور بان العراق فقد شرفه في هذا اليوم فهو على وهم كبير، لان الطاغية الذليل لم يكن في يوم من الايام يمثل شرف العراق او حتى مهتم بشرف العراقيين، بل على العكس فانه ضيع شرف العراق واعتدى على شرف العراقيين عندما فرط بسيادة البلاد من خلال توقيعه في خيمة صفوان على كل شروط الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها لوقف اطلاق النار في حرب الخليج الثانية، حرب تحرير الجارة الكويت من احتلاله الارعن الذي جر على البلاد والعباد الدمار بكل ابعاده.

ان سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 كان نتيجة طبيعية لتجبر وطغيان السلطة الظالمة، كما انه كان انتقاما الهيا لكل ضحايا ذلك النظام، ولذلك ينبغي ان يتذكر دوما من استخلفه الله تعالى على راس السلطة في العراق الجديد بانه مدين بوجوده في موقع المسؤولية اليوم الى دماء الشهداء والى الضحايا الذين ارخصوا حياتهم من اجل حرية البلد وكرامة الانسان من امثال الشهيد الصدر وبقية شهداء العراق كافة.

ليتذكروا بانهم ورثة دماء مسالة واجساد مقطعة وارواح ازهقت.

ان عليهم جميعا ان يتذكروا دائما بان مواقعهم اليوم هي امانة بايديهم لا يجوز ولا ينبغي لهم التفريط بها، وان عليهم ان يبذلوا كل ما في وسعهم من اجل ان لا يعود ايتام النظام الى السلطة فيعيدوا العراق الى سابق عهده تحكمه زمرة من اللصوص والقتلة والمجرمين.

ومن اجل ان لا يفرط احد بهذه التجربة عليهم جميعا، خاصة اتباع مدرسة الشهيد الصدر، ان يوحدوا صفوفهم فلا يختلفوا او يتنازعوا فيفشلوا وتذهب ريحهم، فيعود ايتام النظام الى مواقع السلطة مستفيدين من الثغرات التي ستتركها خلافاتهم غير المبررة ابدا، فالمرحلة لا تتحمل اي نوع من الخلاف او الاختلاف الذي يضر بكل التجربة، والتي تتسمر عيون الضحايا وعيون الاحرار صوبها للاطمئنان عليها خوف السرقة او الانقلاب عليها.

ان من يدعي بانه نتاج مدرسة الشهيد الصدر، وانه نتاج حركته الجهادية، عليه ان لا يغفل فيفرط بالتجربة التي ما كان ليجني ثمارها لولا دماء الشهداء الابرار.

ان عليهم جميعا ان يعرفوا جيدا بان مقاعد المسؤولية التي يجلسون عليها اليوم، تجري من تحتها انهار الدماء الطاهرة فهي بنيت على اشلاء الضحايا وجماجم الابرياء، ولذلك عليهم ان يكونوا اوفياء لهذه الدماء الطاهرة، من خلال اظهار اقصى درجات الحرص على التجربة وثمار التضحيات، وان تطلب ذلك الكثير من التنازل لرفاق الدرب واخوة المسيرة، ولكن ليس بمغازلة ايتام النظام البائد ابدا، وليس من خلال التودد اليهم على حساب ضحايا النظام ابدا.

يخطئ من يتصور بان من حقه ان يغازل هذا او يداري ذاك، كونه ولي امر دم الشهيد الصدر وبقية الشهداء، فله وحده حق العقوبة او العفو، فالعراقيون كلهم اولياء دم الشهداء، لان استشهاد الصدر لم يكن خسارة لفئة دون اخرى، او لعائلته فحسب، بل ان الذي خسر باستشهاده هم كل العراقيين الذين راوا فيه الفقيه والمرجع والعالم والمفكر والباحث والقائد والرمز والمقاوم والشهيد.

لشد ما استغرب كيف ان البعض يستشهد بقول الله تعالى {عفا الله عما سلف} لينسى او يتناسى جرائم النظام البائد لمغازلة ايتامه اليوم، وكلنا نعرف جيدا ماذا يعني هؤلاء بالنسبة الى العراق، وعلى مدى قرابة اربعة عقود من الزمن.

فبعودة الى القران الكريم وقراءة الاية جيدا سنلحظ انها تتحدث عن العفو عن (جريمة) تخص الانسان الفرد، وهي لم تتحدث عن الجرائم الاجتماعية التي يرتكبها الانسان، عندما يطغى، ضد الامة، كما انها تتحدث عن (معصية) يرتكبها الانسان في الزمن الماضي الذي يسبق الحكم الشرعي فلا يكرر جريمته بعد نزول الحكم الالهي، اما الذي يكرر الجريمة بعد الحكم فسيواجه، بفتح الجيم، باشد انتقام.

يقول القران الكريم {يا ايها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وانتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة او كفارة طعام مساكين او عدل ذلك صياما ليذوق وبال امره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام} فاين هذه الاية من جرائم النظام البائد وايتامه الذين لا زالوا يصرون على ارتكاب ذات الجرائم التي ارتكبها الطاغية الذليل ابان حكمه الاسود للعراق؟.

نحن لا ندعو الى الانتقام من احد ابدا، فبيننا وبين المجرمين الذين تلطخت اياديهم بدماء العراقيين القضاء المستقل والعادل الذي اقتص لحد الان، والحمد لله، من الكثير من المجرمين وعلى راسهم الطاغية الذليل، ولكننا حريصون جدا على ان لا تفشل التجربة فيعود العراق الى حظن قتلته المجرمين، ولذلك حق لنا ان نصرخ بوجه كل من يحاول ان يفرط بالتجربة فيتصرف وكانه وصل الى السلطة بعمله او انه ورثها من ابيه، ناسيا انه حمل، بضم الحاء، اليها بانهار الدم الزاكية التي اريقت من نحور الشهداء والذين يقف على راسهم الشهيد الصدر.

ان اول مصاديق الوفاء لدماء الشهداء، هو تحقيق ما كانوا يصبون اليه بتضحياتهم، الا وهو انصاف المظلومين والعمل على تحسين حياة الممستضعفين والمضطهدين، فماذا يعني ان يبقى ضحايا النظام البائد، هم انفسهم ضحايا التغيير ومن دون ان ينصفهم احد؟ لماذا لا زال ضحايا النظام يعانون من شظف العيش وعلى مختلف الاصعدة؟.

كما ان من مصاديق الوفاء هو التحلي بالاخلاق العالية في موقع المسؤولية، اما التورط بالفساد المالي والاداري، فليس من الوفاء في شئ ابدا، فالوفاء التزام ومسؤولية وليس ادعاء وشعار.

وسام لايشرف العراقيين

ان الوسام الذي قلده ملك آل سعود الى الرئيس جلال طالباني اليوم في الرياض خلال زيارة الاخير الى الجزيرة العربية، لا يشرف العراقيين ابدا، كما انه لا يشرف الرئيس العراقي الذي هو ليس بحاجة الى مثل هذه الاوسمة لتزكيته، لانه لا يحتاج الى شهادة احد لاثبات حسن سلوكه، واذا كان نظام آل سعود يفكر بتكريم العراقيين فعليه ان يقلدهم وسام الاعتراف بالعملية السياسية فيوقف فورا كل اشكال التحريض على الارهاب الاعمى الذي لا زال يحصد بارواح العراقيين، فيقلع عن تجنيد الارهابيين وارسالهم الى العراق بعد غسل ادمغتهم وتسليحهم بالفتاوى التكفيرية والمال الحرام.

اذا قال الشيطان بانه يقف على مسافة واحدة من كل العراقيين فساصدقه، اما ان اسمع مثل هذا الكلام من ملك السعودية فان ذلك يمكن عده كذبة نيسان وان جاءت متاخرة هذه المرة عن بداية الشهر، فالكل يعرف جيدا بان نظام آل سعود يتعامل مع الشعب العراقي بطائفية مقيتة ليس الان وانما منذ زمن بعيد، ولقد ذكر السيد شوارتزكوف قائد القوات الاميركية في حرب الخليج الثانية في مذكراته، كيف ان اتصالا هاتفيا تلقاه الرئيس بوش الاب من الملك فهد آنذاك اوقف عملية الزحف الى بغداد، خشية استبدال نظام صدام بالشيعة، على حد قوله نقلا عن لسان ملك السعودية.

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/نيسان/2010 - 27/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م